• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل العاشر ;أعمال تحريفية واسعة من أجل ترسيخ عصمة عمر وأبي بكر !

الفصل العاشر
أعمال تحريفية واسعة من أجل ترسيخ عصمة عمر وأبي بكر !


بدأ نشاطهم بعد النبي(ص)واستمر إلى يومنا هذا !
رأى أتباع الخلافة القرشية أن كل أمرهم يتوقف على تصحيح عمل السقيفة ، فأشاعوا نشر تقديس شخصية عمر وأبي بكر ، وبقية زعماء قريش ، مقابل قداسة عترة النبي الطاهرين(عليهم السلام) الذين تعلم المسلمون الآيات والأحاديث فيهم ، وشاهدوا فيهم مناقبية الأوصياء في القول والعمل !
ولا نتكلم هنا عن أعمال أتباع الخلافة في تبرير عزل زعماء قريش لأهل البيت واضطهادهم وتنقيص مقامهم ! ولا عن أعمالهم في آيات القرآن وأحاديث النبي(ص)في عترته أهل بيته(عليهم السلام) . وإنما عن أعمالهم لرفع مقام الصحابة من أجل عمر وأبي بكر ، فقد جعلوا لعمر مقام النبي بلا نبوة ، ومقام العصمة بدرجة أعلى من عصمة النبي (ص) ، وقد أوردنا عدداً من مسائل هذا الموضوع في المجلد الثاني من كتاب (ألف سؤال وإشكال على المخالفين لأهل البيت الطاهرين) في الفصل 21 و22 ، ونكتفي هنا ببضعة أعمال يتسع لها هذا الكتاب:

الأول: حمَّلوا آيات مدح الصحابة أكثر مما تحتمل
في القرآن عدد من الآيات في مدح الصحابة ، وأضعافها في انتقادهم ! وهذا طبيعي لأن القرآن تنزل في ثلاث وعشرين سنة ، ليثبِّتَ الله به قلب نبيه(ص)في تبليغه الرسالة وبناء الأمة ، قال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً. وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا. (الفرقان:32-33).
وليوجه أمة النبي(ص)وأصحابه ، فيمدحهم عندما يحسنون ، ويشجعهم عندما يضعفون ، ويؤنبهم عندما يقصرون ! وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَئٍْ عَلِيمٌ. (البقرة:231).
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِىَ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. (آل عمران:1) .
وقد ضخَّمت السلطة بعد النبي(ص)آيات مدح الصحابة ، وتناست آيات نقدهم وذمهم ! وبالغت في ذلك حتى جعلت صحابتها معصومين عملياً ، لتثبت أنهم الورثة الشرعيون للنبي(ص)مع أن أهل البيت النبوي(عليهم السلام) أهل بيت وصحابة!
ومن الحقائق الملفتة أن احتجاج أتباع الخلافة بهذه الآيات ، ظهرت في عهد معاوية ولم يكن لهما وجود في زمن أبي بكر وعمر وعثمان ! فغاية ما تجده عن عمر أنه فضل أهل بدر بالعطاء على غيرهم ، وحكم بأن الخلافة يجب أن تكون فيهم وأنها حرام على الطلقاء! قال:( هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد ، ثم في أهل أحد ما بقي منهم أحد ، ثم في كذا وكذا وليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شئ. أخرجه الثلاثة).(أسد الغابة:4/387 ، وفتح الباري:13/178، والطبقات:3/342، وابن عساكر:59/145، وكنز العمال:12/681).
بل إن شهادتهم لأهل بدر بالجنة ، التي رواها بخاري في:4 /19، وعدة مواضع أخرى ، والتي تقول إن النبي(ص)قال: (وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). لم يروها أحد عن أبي بكر ولا عمر ! مع أنها لو كانت صحيحةً لاحتجَّا بها فيما احتجَّا !
إن هذا يدل على أن أتباع الخلافة اتخذوا فيما بعد قرارهم بتعظيم الصحابة بآيات وأحاديث ، وإشاعتها في المسلمين ، فملأوا بها مصادرهم ، وربَّوا عليها أولادهم ، وأنسوهم آيات توبيخ الصحابة ، وأحاديث دخول اكثرهم النار ! وحرموا على المسلمين انتقادهم ، بل أفتوا بكفر من ارتكب ذلك وقتله !
قال الخطيب البغدادي الكفاية في علم الرواية ص63: (باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة ، وأنه لا يحتاج إلى سؤال عنهم ، وإنما يجب فيمن دونهم .
كل حديث اتصل إسناده بين من رواه وبين النبي(ص)لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله ، ويجب النظر في أحوالهم ، سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله(ص)لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم ، وإخباره عن طهارتهم ، واختياره لهم في نص القرآن .
فمن ذلك قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ .
وقوله:وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وهذا اللفظ وإن كان عاما فالمراد به الخاص وقيل وهو وارد في الصحابة دون غيرهم .
وقوله: لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً
وقوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأولونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنصار وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ .
وقوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ .
وقوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
وقوله تعالى:لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ. وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإيمان مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ في آيات يكثر ايرادها ويطول تعدادها...). انتهى.

ولو سألتهم أولاً: أين الآيات الأخرى في الصحابة ، لنقارنها بآيات مدحهم ونجمع بينها وبينها ، كقوله تعالى عن النبي(ص): يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ. وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَاْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. (الأنفال:15-16 )
لمَا كان عندهم جواب ، لأن الصحابة جميعاً ، ما عدا بني هاشم ، فروا في أحد وخيبر وحنين ، وغيرها ، واستحقوا بنص الآية نار جهنم ، إلا من ثبتت توبته !

وثانياً ، لو قلنا لهم: ما هي أقوى آية عندكم في مدح الصحابة؟ لقالوا: إنها قوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ، فقد نصت على رضا الله عن أهل بيعة الرضوان ، وكانوا ألفاً وأربع مئة ، ولذا حكمنا بأنهم من أهل الجنة .
نقول لهم: إن أهل بيعة الرضوان أو الشجرة ، فيهم مؤمنون وفيهم دون ذلك ، والرضا ورد في الآية عن المؤمنين فقط ، واستمراره عن هؤلاء المؤمنين مشروط بأن لايحدثوا ما يغضب الله عليهم ويحبط عملهم !
فلو كان كل المبايعين مؤمنين والرضا عنهم مطلق ، لقال عز وجل: لقد رضي اللهُ عن الذين يُبايعونك ، وما قيده بالمؤمنين ، وبـظرف (إِذْ يُبَايِعُونَكَ) ! فاختياره لهذين القيدين ، تحفظٌ إلهي كبير ، يدل على أن رضاه محدود في الأشخاص ، وفي الظرف !

وثالثاً ، لماذا نسيتم العقد الذي بايعوا عليه النبي(ص)، فكان سبب رضا الله عنهم ، والذي جعلتموه رضاً مستمراً وعصمة شاملة؟ فقد صرحتم بأنهم بايعوه على أن يقاتلوا معه ولا يفروا ! قال بخاري:4/8: (باب البيعة في الحرب أن لايفروا ، وقال بعضهم على الموت ، لقوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ...فسألت نافعاً على أي شئ بايعهم على الموت؟ قال: لا بايعهم على الصبر). انتهى .
فكيف يستمر رضا الله عليهم وقد نكثوا بيعتهم وفروا في خيبر وحنين ، وكانتا بعد بيعة الشجرة ؟والله تعالى يقول: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ! (الفتح:10) .
قال ابن طاوس في الطرائف ص58: (رواه علماء التاريخ مثل محمد بن يحيى الأزدي ، وابن جرير الطبري(1) والواقدي ، ومحمد بن إسحاق ، وأبي بكر البيهقي في دلائل النبوة(2)وأبي نعيم في كتاب حلية الأولياء(3) والأبشهي في الإعتقاد ، عن عبد الله بن عمر ، وسهل بن سعد ، وسلمة بن الأكوع ، وأبي سعيد الخدري ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، أن النبي(ص) بعث أبا بكر برايته مع المهاجرين وهي راية بيضاء ، فعاد يؤنب قومه ويؤنبونه ، ثم بعث عمر بعده فرجع يجبِّن أصحابه ويجبنونه ، حتى ساء ذلك النبي (ص)فقال: لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كراراً غير فرار لايرجع حتى يفتح الله على يديه فأعطاها علياً ففتح على يديه(4 ) .
(وفي هامشه: (1) تاريخ الطبري:3/93 ط بيروت. (2) رواه البيهقي في السنن الكبرى: 9/106 ، وكذا في الإعتقاد: 151. (3) حلية الأولياء:1/62 و:4/356 ، والحاكم النيسابوري في المستدرك: 3/38. (4) محب الدين الطبري في ذخائر العقبى:82 ، وابن حجر في الصواعق المحرقة:72). انتهى .

وقال تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ. (التوبة:25).
وفي صحيح بخاري:5/101: (عن أبي قتادة قال: وانهزم المسلمون يوم حنين وانهزمت معهم فإذا عمر بن الخطاب في الناس فقلت له: ما شأن الناس؟، قال: أمر الله ) !! ونحوه:4/58 .
فكيف يجوز التمسك بآية: لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ، وترك قوله عن الفار: فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ، وقوله عن الناكث: فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ؟!

ورابعاً ، سواء كان المدح في الآية لكل من بايع كما تقولون ، أو لبعضهم كما نقول ، فإن أهل البيت(عليهم السلام) في طليعتهم ، فهم شركاء للصحابة فيها ، مضافاً إلى ما اختصوا به من آيات وأحاديث ، فكيف يصح رفع الصحابة إلى مرتبتهم لأنهم شاركوهم في مديح ؟!

وخامساً ، ما ذا يعني عندكم نص القرآن على رضا الله عز وجل عن أناس؟
هل يعني عصمتهم ، وأنهم حجة على المسلمين يجب عليهم الإقتداء بهم ؟ فتكون سنتهم وقولهم وفعلهم وتقريرهم حجة شرعية كالنبي(ص)؟
وإذا اختلفوا واقتتلوا ، فهل يكون إجماعهم فقط هو الحجة ؟ أم يجوز للمسلم أن يقتدي بأي واحد منهم كما رويتم: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ؟!
فيصح الإقتداء بسعد بن عبادة وأهل البيت(عليهم السلام) في رفضهم لخلافة السقيفة ؟

وسادساً ، كيف تقولون إن الرضا الإلهي شمل كل أهل بيعة الشجرة فكلهم في الجنة ، وفيهم رأس المنافقين ابن سلول ، وفيهم ابن عديس البلوي قاتل عثمان ، وفيهم أبو الغادية قاتل عمار الذي شهد النبي(ص)بأنه من أهل النار؟!
هذه مناقشة عابرة في أهم آية عندهم في مدح الصحابة ، التي حاولوا بها رفعهم إلى صف أهل البيت(عليهم السلام) . ولايتسع المجال لبسط القول فيها وفي غيرها.

الثاني: غيبوا الآيات الصريحة في نقد الصحابة وذمهم !

فمنها قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ (النساء:136) ، وهو خطاب يشمل الصحابة ويأمرهم أن يؤمنوا ، ويدل على أنهم كغيرهم ، فيهم كامل الإيمان وناقصه !
وتدل الآية التالية على أنهم كغيرهم من الناس ، فأكثرهم موحد في الظاهر ، مشركٌ في الواقع: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ...وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاوَهُمْ مُشْرِكُونَ .(يوسف:103و106).

كما أن منهم من لبس إيمانه بظلم: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ. الأنعام:82

ومنهم من يؤذي النبي(ص): وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَأُذُنٌ ! (التوبة:61).

ومنهم يفتري على النبي(ص)ويتهم عرضه: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَخَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ. (النور:11).

ومنهم منافقون لايعلمهم حتى النبي(ص): وَمِنْ أهل الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ. التوبة:101

ومنهم من يريد الحياة الدنيا فيهرب من المعركة: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخرة. آل عمران:152

ويتهم الله ورسوله لتغطية جبنه: وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا. الأحزاب:10 وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا. الأحزاب:12
ومنهم من يتسلل هرباً من أمر النبي(ص): قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. النور:63

ومنهم من يتثاقل عن الجهاد مع النبي(ص): يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إلى الأرض أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخرة! التوبة:38

ومنهم من يثبط المؤمنين عن الجهاد مع النبي(ص): وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَىَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيدًا. النساء:72

ومنهم بخيلٌ بماله فكيف بدمه: هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِىُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ. محمّد:38

ومنهم من يخون الله ورسوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. الأنفال:27

ومن يتبع خطوات الشيطان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّى مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. النور:21

ومنهم من يسقط في الفتنة: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذَا أُوذِىَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ. العنكبوت:10 وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ. العنكبوت:11

ومنهم صاحب أضغان وعقد: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغَانَهُمْ. محمّد:29 وَلَوْ نَشَاءُ لارَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ. محمّد:30

ومنه في معرض الردة والكفر: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً. النساء:137

ولم ينته امتحانهم بوفاة النبي(ص): وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ. محمّد:31

ومنهم من سيرتد وينقلب على عقبيه بعد النبي(ص): وَمَا مُحَمَّدٌ إِلارَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شيئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ).(آل عمران:144)

ومنهم الخائن العميل للكافرين: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. التوبة:16

ومنهم من هو من اليهود أو النصارى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. المائدة:51 فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَاتِىَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ. المائدة:52

وهم مثل أتباع الأنبياء السابقين منهم الصالح ومنهم الطالح: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخر وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. البقرة:62

ولا نريد بذلك أن ننقص من حق صحابة النبي(ص)، ففيهم أبرار أخيار ومجاهدون أئمة ، نزلت فيهم آيات مديح فريدة ، وصدرت بحقهم شهادات نبوية خالدة ، لكنها تخص الصالحين منهم ، دون المنافقين ، ومرضى القلوب وضعفاء العقيدة. فلا بد من ميزان لمعرفتهم .
لا بد من ميزان لتقييم الصحابة
كان الميزان رسول الله(ص)، أما بعده فالميزان عترته الطاهرون(عليهم السلام) الذين قال فيهم في حديثه المتواتر عند الجميع: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.
وقال في أولهم علي(ع):(علي باب علمي، ومبيِّنٌ لأمتي ما أرسلت به من بعدي. حبه إيمان وبغضه نفاق ، والنظر إليه رأفة ومودة وعبادة .(فردوس الأخبار:3/64)
وروى الحاكم: 3/129: عن أبي ذر قال: ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله ، والتخلف عن الصلوات ، والبغض لعلي بن أبي طالب. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه. (ورواه أحمد في فضائل الصحابة: 2/639).
وفي صحيح مسلم: 1/60 ، تحت عنوان: باب حب علي من الإيمان: عن زر بن حبيش قال: قال علي(ع): والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إنه لعهد النبي(ص)إليَّ: أن لا يحبني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا منافق). (ورواه ابن ماجة:1/42 ، والنسائي في سننه: 8/115 و117 وفي خصائص علي: 1375 ، وأحمد:1/84 و95 و128 وفضائل الصحابة: 2/264 ، وابن أبي شيبة في مصنفه:12/56 ، وعبد الرزاق في مصنفه:11/55 ، وابن أبي عاصم في السنة:5842 ، وابن حبان في صحيحه:9/40 ، والخطيب في تاريخ بغداد:2/255 و14/426 ، وابن عبد البر في الإستيعاب: 3/37 ، وأبو نعيم في حلية الأولياء:8/185، وابن حجر في الإصابة:2/503 ، والحاكم في المستدرك:3 /139 ، والبيهقي في سننه:5/47 ، وابن حجر في فتح الباري:7/57 ).
وفي فتح الباري: 7/72: وفي كلام أمير المؤمنين كرم الله وجهه يقول: لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا بجمانها على المنافق على أن يحبني ما أحبني ! وذلك أنه قضي فانقضى على لسان النبي الأمي صلى الله عليه و(آله)وسلم أنه قال: يا علي لا يبغضك مؤمن، ولا يحبك منافق). انتهى .
ويطول الكلام لو أردنا استعراض ما دل على أن علياً والعترة الطاهرة(عليهم السلام) ميزان الإسلام والكفر والإيمان والنفاق ، فبهم فقط نستطيع أن نعرف المرضيين وغير المرضيين من الصحابة ، من أهل السقيفة وغيرهم.

الثالث: وضعوا أحاديث في مدح الصحابة وعصمتهم
ليقابلوا بها أحاديث عصمة العترة(عليهم السلام)
قال الخطيب البغدادي في الكفاية ص64: (ووصف رسول الله(ص) الصحابة مثل ذلك(مثل الآيات)وأطنب في تعظيمهم وأحسن الثناء عليهم. فمن الأخبار المستفيضة عنه في هذا المعنى: ما أخبرنا أبو نعيم الحافظ ثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس...عن عبد الله بن مسعود أن النبي(ص)قال: خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجئ قوم تسبق ايمانهم شهادتهم ويشهدون قبل ان يستشهدوا... ثم رواه الخطيب عن أبي هريرة وعمران بن حصين ، وروى بعده:
عن أبي سعيد قال قال رسول الله(ص): لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ، ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه...
عن ابن عباس قال قال رسول الله(ص): مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به لا عذر لأحدكم في تركه ، فإن لم يكن في كتاب الله فسنة مني ماضية ، فإن لم تكن سنة مني ماضية فما قال أصحابي ، إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء فأيها أخذتم به اهتديتم ، واختلاف أصحابي لكم رحمة...
عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله(ص): سألت ربي فيما اختلف فيه أصحابي من بعدي ، فأوحى الله إليَّ يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء ، بعضها أضوأ من بعض ، فمن أخذ بشئ مما هم عليه من اختلافهم فهم عندي على هدى....
عن أنس بن مالك قال قال رسول الله(ص): إن الله اختارني واختار أصحابي فجعلهم أصهاري وجعلهم أنصاري ، وإنه سيجئ في آخر الزمان قوم ينتقصونهم ألا فلا تناكحوهم ، ألا فلا تنكحوا إليهم ، ألا فلا تصلوا معهم ، ألا فلا تصلوا عليهم ، عليهم حلت اللعنة.
وتابع الخطيب: الأخبار في هذا المعنى تتسع ، وكلها مطابقة لما ورد في نص القرآن ! وجميع ذلك يقتضى طهارة الصحابة والقطع على تعديلهم ونزاهتهم ، فلا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله تعالى لهم المطلع على بواطنهم ، إلى تعديل أحد من الخلق له ، فهو على هذه الصفة ، إلا أن يثبت على أحد ارتكاب ما لا يحتمل إلا قصد المعصية والخروج من باب التأويل ، فيحكم بسقوط العدالة ، وقد برأهم الله من ذلك ورفع أقدارهم عنه .
على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شئ مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين ، القطع على عدالتهم والإعتقاد لنزاهتهم ، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين ، الذين يجيؤن من بعدهم أبد الآبدين ! هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء .
وذهبت طائفة من أهل البدع إلى أن حال الصحابة كانت مرضية إلى وقت الحروب التي ظهرت بينهم وسفك بعضهم دماء بعض ، فصار أهل تلك الحروب ساقطي العدالة ، ولما اختلطوا بأهل النزاهة ، وجب البحث عن أمور الرواة منهم.
وليس في أهل الدين والمتحققين بالعلم من يصرف إليهم خبر ما لا يحتمل نوعاً من التأويل ، وضرباً من الإجتهاد ، فهم بمثابة المخالفين من الفقهاء ، المجتهدين في تأويل الأحكام لإشكال الأمر والتباسه.
ويجب ان يكونوا على الأصل الذي قدمناه من حال العدالة والرضا ، إذ لم يثبت ما يزيل ذلك عنهم .
أخبرنا أبو منصور محمد بن عيسى الهمذاني ، ثنا صالح بن أحمد الحافظ قال: سمعت أبا جعفر أحمد بن عبدل يقول: سمعت أحمد بن محمد بن سليمان التستري يقول: سمعت أبا زرعة يقول: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله(ص)فاعلم أنه زنديق ! وذلك أن الرسول(ص)عندنا حق والقرآن حق ، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله(ص) ، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى وهم زنادقة ). انتهى .
وكلام أبي زرعة الذي رواه الخطيب البغدادي في سياق الأحاديث كأنه حديث شريف ! يدل على تصعيد محاولتهم في الدفاع عن أبي بكر وعمر وأتباعهما ، بحصر سند الإسلام والقرآن بهم ، وجعل التشكيك فيهم تشكيكاً في سند الإسلام ! وكأن كل أمة الإسلام ماتت بعد النبي(ص)وضاع الإسلام ، ولا يوجد سند لإثباته إلا رواية هؤلاء !!
أما الأحاديث التي ذكرها الخطيب في فضلهم ، فكلها ضعيفة أو موضوعة ، بدون استثناء ، بشهادة النقاد من علمائهم ! ولا يتسع المجال لبيان ذلك .

وقال القاضي الجرجاني في شرح المواقف:8/373 ، وهو من كبار متكلمي المذاهب السنية: ( المقصد السابع: إنه يجب تعظيم الصحابة كلهم ، والكف عن القدح فيهم لأن الله سبحانه وتعالى عظمهم وأثنى عليهم ، في غير موضع من كتابه ، كقوله: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار. وقوله: يوم لايخزي الله النبي والذين آمنوا معه ، نورهم يسعى بين أيديهم. وقوله: والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً. وقوله: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة.
إلى غير ذلك من الآيات الدالة على عظم قدرهم وكرامتهم عند الله .
والرسول قد أحبهم وأثنى عليهم في أحاديث كثيرة ، منها قوله(ع):خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. ومنها قوله: لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. ومنها قوله: الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله فيوشك أن يأخذه. إلى غير ذلك من الأحاديث المشهورة في الكتب الصحاح .
ثم إن من تأمل سيرتهم ، ووقف على مآثرهم ، وجدهم في الدين وبذلهم أموالهم وأنفسهم في نصرة الله ورسوله ، لم يتخالجه شك في عظم شأنهم ، وبراءتهم عما ينسب إليهم المبطلون من المطاعن ، ومنعه ذلك أي تيقنه بحالهم عن الطعن فيهم ، فرأى ذلك مجانباً للإيمان.
ونحن لا نلوث كتابنا بأمثال ذلك ، وهي مذكورة في المطولات مع التفصي عنها ، فارجع إليها إن أردت الوقوف عليها .
وأما الفتن والحروب الواقعة بين الصحابة ، فالهشامية من المعتزلة أنكروا وقوعها ! ولا شك أنه مكابرة للتواتر في قتل عثمان ووقعة الجمل وصفين .
والمعترفون بوقوعها ، منهم من سكت عن الكلام فيها بتخطئة أو تصويب ، وهم طائفة من أهل السنة. فإن أرادوا إنه اشتغال بما لا يعني فلا بأس به ، إذ قال الشافعي وغيره من السلف: تلك دماء طهر الله عنها أيدينا فلنطهر عنها ألسنتنا. وإن أرادوا إنا لا نعلم أوقعت أم لا؟ فباطل ، لوقوعها قطعاً ، وأنت خبير بأن الشق الثاني من الترديد ينافي الإعتراف بوقوعها .
واتفق العمرية أصحاب عمرو بن عبيد ، والواصلية أصحاب واصل بن عطاء على رد شهادة الفريقين ، قالوا لو شهد الجميع بباقة بقلة لم نقبلها ، أما العمرية فلأنهم يرون فسق الجميع من الفريقين.
وأما الواصلية فلأنهم يفسقون أحد الفريقين لا بعينه، فلا يعلم عدالة شئ منهما .
والذي عليه الجمهور من الأمة هو: أن المخطئ قتلة عثمان ومحاربوا علي لأنهما إمامان فيحرم القتل والمخالفة قطعاً ، إلا أن بعضهم كالقاضي أبي بكر ذهب إلى أن هذه التخطئة لا تبلغ إلى حد التفسيق. ومنهم ذهب إلى التفسيق كالشيعة وكثير من أصحابنا ). انتهى .
وقد كشف الجرجاني وجود آراء مختلفة تدين أكثر الصحابة ومنهم أبو بكر وعمر ، لكنه مرَّ عليها مروراً وركَّز على بضعة أحاديثهم الموضوعة المتقدمة ! ونكتفي هنا بمناقشة واحد منها:

نقد حديث: خير القرون قرني
روى البخاري:7/173 ، عن عبدالله بن عمر أن النبي(ص)قال:خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يجئ من بعدهم قوم تسبق شهادتهم أيمانهم ، وأيمانهم شهادتهم. ورواه أيضاً بصيغة: خيركم قرني، ثم الذين يلونهم- قال عمران فما أدري قال النبي بعد قوله مرتين أو ثلاثاً- ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولايستشهدون، ويخونون ولايؤتمنون، وينذرون ولايفون، ويظهر فيهم السِّمَن).انتهى. ومعنى السِّمَن: البدنة من الترف وكثرة الأكل. ( وكرر روايته في:7/224، و233)
ومعناه أن التاريخ الإسلامي يسير إلى الإنحدار ، والأمة إلى الزوال !
وأصل الحديث هو تصور عمر لمستقبل الإسلام وأمته ، وأنه كالبعير سيهرم ويموت! ففي مسند أحمد:3/463: (قال كنت في مجلس فيه عمر بن الخطاب بالمدينة فقال لرجل من القوم: يا فلان كيف سمعت رسول الله (ص)ينعت الإسلام؟ قال: سمعت رسول الله(ص)يقول: إن الإسلام بدأ جَذعاً ثم ثِنْياً ثم رُباعياً ثم سُديسياً ثم بازلاً ! قال فقال عمر بن الخطاب: فما بعد البزول إلا النقصان) !! (ورواه في:5/52 ، وقال في لسان العرب إن الذي سأله عمر هو العلاء بن الحضرمي) .
وقال الزبيدي في تاج العروس:9/245: (وأدنى الأسنان الإثناء ، وهو أن تنبت ثنيتاها ، وأقصاها في الإبل البزول ، وفي البقر والغنم السلوغ ).

وأصل الفكرة من كعب الأحبار الذي أقنع عمر بأن الإسلام سوف ينتهي ، وأن الكعبة سوف تهدم ، ومكة ستخرب ! فقد عقد البخاري باباً في:2/159، بعنوان: (باب هدم الكعبة !) روى فيه (عن أبي هريرة عن النبي(ص) قال: يُخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ) ! (ورواه مسلم:8/183) ثم روى البخاري حديثين آخرين ، أحدهما عن ابن عباس عن النبي(ص)قال:كأني به أسود أفحج يقلعها حجراً حجراً!
ومن الثابت أن أبا هريرة كان يروي عن كعب ويسنده إلى النبي(ص)مع أن كعباً لم ير النبي(ص)! ويبدو أن عمر يفعل ذلك أيضاً لشدة ثقته بكعب !
ففي مسند أحمد:1/23: عن عمر أنه سمع رسول الله (ص) يقول: سيخرج أهل مكة ثم لايعبر بها أولاًيعبر بها إلا قليل ، ثم تمتلئ وتبنى ، ثم يخرجون منها فلا يعودون فيها أبداً )! ( وقال عنه في مجمع الزوائد:3/298: رواه أحمد وأبو يعلي وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن ، وبقية رجاله رجال الصحيح ) .
وفي مسند أحمد:2/220: (عن عبدالله بن عمرو قال سمعت رسول الله (ص) يقول: يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ويسلبها حليتها ويجردها من كسوتها ! ولكأني أنظر إليه أصيلع أُفَيْدِع ، يضرب عليها بمسحاته ومعوله)! انتهى.

الخط البياني للأمة.. نزولٌ ثم صعود !
كل من قرأ القرآن يعرف أن الله تعالى وعد أن يظهر دينه على الدين كله: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) .
وكل من قرأ الحديث يعرف أن النبي(ص)أخبر أمته عن مستقبلها ومسارها وأنها ستصاب بالإنحراف والضعف ، ثم يبعث الله فيها المهدي من عترته (ع) فيظهر به دينه على الدين كله ، وينزل فيها عيسى(ع)من السماء ليساعده.
فهي أحاديث متواترة روتها مصادر السنيين ومصادر أهل البيت(عليهم السلام) ، منها ما رواه الإمام الصادق(ع)عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي(عليهم السلام) قال: قال رسول الله(ص): أبشروا ثم أبشروا-ثلاث مرات-إنما مثل أمتي كمثل غيث لايدرى أوله خير أم آخره ، إنما مثل أمتي كمثل حديقة أطعم منها فوج عاماً ، ثم أطعم منها فوج عاماً ، لعل آخرها فوجاً يكون أعرضها بحراً وأعمقها طولاً وفرعاً ، وأحسنها جنىً ! وكيف تهلك أمة أنا أولها واثنا عشر من بعدي من السعداء وأولي الألباب ، والمسيح عيسى بن مريم آخرها؟! ولكن يهلك بين ذلك نتج الهرج ، ليسوا مني ولست منهم). (الخصال ص475، وكمال الدين ص269، وعيون أخبار الرضا(ع):2/56).
لكنك ترى علماء السلطة القرشية يتعمدون الإعراض عن هذه الأحاديث ويرجحون عليها حديث خير القرون المزعوم ، لأنه بتصورهم يُفَضِّل الصحابة الذين يحبونهم ، أي أبا بكر وعمر ، على كل البشر ، وهذا مطلوبهم حتى لو خربت الدنيا ، وهدمت الكعبة ، وانتهى الإسلام !!
وقد تمحلوا في تأويل الأحاديث الصريحة الصحيحة التي تفضل جيلاً أو أشخاصاً آتين من الأمة على جيل الصحابة ، مثل حديث: (تأتي أيام للعامل فيهن أجر خمسين، قيل: منهم أو منايارسول الله؟ قال: بل منكم) .
فهاجموا كل نوع من هذه الأحاديث تأويلاً وتمييعاً وتضعيفاً ، لتسلم لهم مقولة أن الصحابة أفضل من الجميع ! (راجع الفصل السادس عشر من المجلد الأول ، لترى تأثير اليهود في نشر عقيدة أن الأمة الإسلامية تسير في خط نزول مستمر إلى فنائها ! وأن القرآن سيرفع من الأرض ، والكعبة ستهدم ، ومكة ستخرب فلا تسكن بعدها أبداً ).
تخبط الشراح في حديث خير القرون قرني !

قال النووي في مقدمة شرح مسلم:1/3: (المُكرَّم بتفضيل أمته زادها الله شرفاً على الأمم السابقين ، وبكون أصحابه خير القرون الكائنين ، وبأنهم كلهم مقطوع بعدالتهم عند من يعتد به من علماء المسلمين ).وقال في:16/84: (اتفق العلماء على أن خير القرون قرنه(ص) ، والمراد أصحابه ، وقد قدمنا أن الصحيح الذي عليه الجمهور أن كل مسلم رأى النبي(ص)ولو ساعة فهو من أصحابه. ورواية خير الناس على عمومها والمراد منه جملة القرن ، ولا يلزم منه تفضيل الصحابي على الأنبياء(ص)ولا أفراد النساء على مريم وآسية وغيرهما ، بل المراد جملة القرن بالنسبة إلى كل قرن بجملته...الخ.). ثم ذكر النووي اختلافهم في القرن ، من عشر سنوات إلى مئة وعشرين سنة !
فانظر كيف فسر القرن بالمجموع الكلي للأصحاب ، وفضلهم على المجموع الكلي لأناس كل قرن ! وهذا معنى قوله (جملة القرن بالنسبة إلى كل قرن بجملته) ولكنه يقول لايلزم منه ذلك !
ولو أنصف لقال: يلزم منه أنهم أفضل من المجموع الكلي لأناس القرون الماضية والآتية مجتمعين ، لأن تفضيلهم جاء مطلقاً !
ويبدو أن البخاري لم يروِ: خير القرون قرني ، فراراً من التعميم الذي فيه ، ولكنه روى: خير الناس قرني ، فوقع فيما فرَّ منه !
قال الشوكاني في نيل الأوطار:9/228: (وحديث أبي هريرة أن خير القرون قرنه (ص) ، وفي ذلك دليل على أنهم الخيار من هذه الأمة ، وأنه لا أكثر خيراً منهم. وقد ذهب الجمهور إلى أن ذلك باعتبار كل فرد فرد. وقال ابن عبد البر: إن التفضيل إنما هو بالنسبة إلى مجموع الصحابة ، فإنهم أفضل ممن بعدهم ، لا كل فرد منهم. وقد أخرج الترمذي باسناد قوي ، من حديث أنس مرفوعاً: مَثَلُ أمتي مثلُ المطر ، لا يدرى أوله خير أم آخره.....
وأخرج ابن أبي شيبة من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير باسناد حسن قال رسول الله (ص): ليدركن المسيح أقواماً إنهم لمثلكم أو خير ثلاثاً.....
وأخرج أحمد ، والدارمي ، والطبراني باسناد حسن ، من حديث أبي جمعة قال: قال أبو عبيدة: يارسول الله أحد خير منا ، أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ قال: قوم يكونون من بعدكم ، يؤمنون بي ولم يروني. وقد صححه الحاكم.
وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة رفعه: بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ، فطوبى للغرباء.
وأخرج أبو داود والترمذي من حديث ثعلبة رفعه: تأتي أيام للعامل فيهن أجر خمسين ، قيل: منهم أو منا يا رسول الله ؟ قال: بل منكم

وجمع الجمهور ، بأن الصحابة لها فضيلة ومزية لايوازيها شئ من الأعمال ، فلمن صحب النبي(ص)فضيلة الصحبة وإن قصر في الأعمال ، وفضيلة من بعد الصحابة باعتبار كثرة الأعمال المستلزمة لكثرة الأجور ، فحاصل هذا الجمع أن التنصيص على فضيلة الصحابة باعتبار فضيلة الصحبة ، وأما باعتبار أعمال الخير فهم كغيرهم...فتقرر بما ذكرناه عدم صحة ما جمع به الجمهور...
والذي يستفاد من مجموع الأحاديث أن للصحابة مزية لايشاركهم فيها من بعدهم ، وهي صحبته(ص)ومشاهدته والجهاد بين يديه وإنفاذ أوامره ونواهيه ، ولمن بعدهم مزية لايشاركهم الصحابة فيها وهي إيمانهم بالغيب في زمان لا يرون فيه الذات الشريفة ، التي جمعت من المحاسن ما يقود بزمام كل مشاهد إلى الإيمان ، إلامن حقت عليه الشقاوة....). انتهى.
فتكون النتيجة عند الشوكاني قريبة من التساوي !!
ثم تابع الشوكاني:(فإن قلت: ظاهر الحديث المتقدم عن أبي عبيدة قال: يارسول الله أحد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ فقال: قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولايروني ، يقتضي تفضيل مجموع قرن هؤلاء على مجموع قرن الصحابة.
قلت: ليس في هذا الحديث ما يفيد تفضيل المجموع على المجموع ، وإن سلم ذلك وجب المصير إلى الترجيح لتعذر الجمع، ولاشك أن حديث خير القرون قرني أرجح من هذا الحديث بمسافات ، لو لم يكن إلا كونه في الصحيحين وكونه ثابتاً من طرق، وكونه متلقى بالقبول....فلم يبق ههنا إشكال والله أعلم)!

أما ابن حجر فقد بحث في أول المجلد السابع من فتح الباري حديث خير القرون وأفضلية الصحابة ، بحثاً مطولاً كغيره ، فقوَّى رأي البخاري في أن الصحابي من رأى النبي(ص) ! وأفتى بأن من قاتل منهم أو أنفق فهم خير البشر على الإطلاق ! ثم قال: ( لكن هل هذه الأفضلية بالنسبة إلى المجموع أو الأفراد، محل بحث ، والى الثاني نحا الجمهور ، والأول قول ابن عبد البر. والذي يظهر أن من قاتل مع النبي(ص)أو في زمانه بأمره ، أو أنفق شيئاً من ماله بسببه ، لايعدله في الفضل أحد بعده كائناً من كان ! وأما من لم يقع له ذلك فهو محل البحث ، والأصل في ذلك قوله تعالى: لايَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا.. الآية
واحتج بن عبد البر بحديث: مثلُ أمتي مثل المطر لايدرى أوله خير أم آخره ، وهو حديث حسن ، له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة .
وقد روى بن أبي شيبة من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير أحد التابعين باسناد حسن قال قال رسول الله(ص): ليدركنَّ المسيح أقواماً ، إنهم لمثلكم أو خير. ثلاثاً ، ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها .
وروى أبو داود والترمذي من حديث أبي ثعلبة رفعه: تأتي أيام للعامل فيهن أجر خمسين. قيل: منهم أو منا يا رسول الله ؟ قال: بل منكم ، وهو شاهد لحديث مثل أمتي مثل المطر .
واحتج بن عبد البر أيضاً بحديث عمر رفعه: أفضل الخلق إيماناً قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني..الحديث ، أخرجه الطيالسي وغيره لكن إسناده ضعيف فلا حجة فيه.
وروى أحمد والدارمي والطبراني من حديث أبي جمعة قال قال أبو عبيدة: يارسول الله أحدٌ خير منا ، أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ قال: قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني ، وإسناده حسن وقد صححه الحاكم .
واحتج أيضاً بأن السبب في كون القرن الأول خير القرون أنهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار حينئذ ، وصبرهم على أذاهم ، وتمسكهم بدينهم ، قال: فكذلك أواخرهم إذا أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا على الطاعة حين ظهور المعاصي والفتن ، كانوا أيضاً عند ذلك غرباء ، وزكت أعمالهم في ذلك الزمان كما زكت أعمال أولئك. ويشهد له ما رواه مسلم عن أبي هريرة رفعه: بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء .
وقد تعقب كلام بن عبد البر بأن مقتضى كلامه أن يكون فيمن يأتي بعد الصحابة من يكون أفضل من بعض الصحابة ، وبذلك صرح القرطبي ، لكن كلام بن عبد البر ليس على الإطلاق في حق جميع الصحابة ، فإنه صرح في كلامه باستثناء أهل بدر والحديبية ، نعم ، والذي ذهب إليه الجمهور أن فضيلة الصحبة لايعدلها عمل لمشاهدة رسول الله(ص). انتهى.

ثم واصل ابن حجر محاولته لترجيح هذا حديث خير القرون على مايعارضه بكلام طويل، ومما قاله: (وأما حديث أبي جمعة فلم تتفق الرواة على لفظه ، فقد رواه بعضهم بلفظ الخيرية كما تقدم ، ورواه بعضهم بلفظ: قلنا يا رسول الله هل من قوم أعظم منا أجراً.. الحديث...). انتهى.
وتلاحظ أنه أسقط حديث أبي جمعة عن الصلاحية لمعارضة حديث القرون لتفاوت ألفاظه ، وهو يعرف أن ألفاظ حديث القرون متفاوتة ومتعارضة ، وأن صيَغه تزيد على العشرة ، وقد تضمن بعضها شتماً لكل أجيال المسلمين الآتية ! كالذي في فيض القدير:3/638: (خير الناس قرني الذين أنا فيهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، والآخرون أراذل ) ! انتهى. يقصد الذين من بعدهم !!
ثم ختم ابن حجر بقوله: (واستدل بهذا الحديث على تعديل أهل القرون الثلاثة وإن تفاوتت منازلهم في الفضل ، وهذا محمول على الغالب والأكثرية ) ! انتهى.
وبذلك حصر أمر التفضيل على العالمين في أبي بكر وعمر ومن تبعهما ! وهو بيت قصيدهم ، في هذه المسألة وغيرها !
قال المناوي في فيض القدير:2/233: (وأما خبر خير الناس قرني فخاص بقوم منهم ، والمراد في قرني كالعشرة وأضرابهم ، وأما سواهم فيجوز أن يساويهم أفاضل أواخر هذه الأمة ). انتهى.
فاتجاههم إلى تضييق المقصود بالحديث ، ثابتٌ مستمر ، حتى يصل الأمر إلى العشرة المبشرة ، ثم يصل منهم إلى عمر وأبي بكر خاصة !

الرابع: ردهم شهادات النبي(ص)في انحراف الصحابة بعده
يحمد الله الشوكاني على أنه لم يبق إشكال على حديث القرون ( خير القرون قرني) وأنه ثبت به تفضيل أبي بكر وعمر ، على أهل القرون !
أما ابن حجر فتخيل أنه عثر على علل في الأحاديث المعارضة لحديث القرون في سند بعضها ، ونقاط ضعف في تفاوت ألفاظ بعضها !
ومن العجيب أن هؤلاء الباحثين يرجحون حديث القرون وهو حديث واحد لراويِيْن أو ثلاثة ، على أحاديث الحوض وهي عشرات الأحاديث الصحيحة الصريحة ، المتعددة الطرق والرواة إلى حد التواتر ، بل تراهم يذكرونها على مضض كأنهم مجبرون ! والسبب أنها نصَّتْ على أن أكثر الصحابة في النار ! وأنه لا ينجو منهم إلا مثل هَمَل النَّعَم ، أي القلة الذين لاراعي لهم !
قال البخاري:7/208: ( عن أبي هريرة عن النبي(ص)قال: (بيْنَا أنا قائمٌ فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلمَّ ، فقلت أين؟ قال إلى النار والله ! قلتُ: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ! ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم ! قلتُ: أين ؟ قال: إلى النار والله ! قلتُ: ما شأنهم ؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ! فلا أراه يخلص منهم إلا مثل هَمَل النعم) !! انتهى.
وقد قتل شراح البخاري أنفسهم لإبعاد هذه الأحاديث عن الصحابة وإلصاقها بغيرهم ، وقالوا إن النبي(ص)يقصد الذين ارتدوا في اليمن ونجد !
لكن رواية البخاري التالية صرحت بأن هؤلاء المطرودين عن الحوض الصحابة لا البدو المرتدين! قال في:2/975: (عن ابن المسيب أن النبي(ص)قال: يَرِدُ عليًّ الحوضَ رجالٌ من أصحابي فيحلؤون عنه ، فأقول يارب أصحابي ! فيقول: فإنه لاعلم لك بما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى)!
(وروى شبيهاً به في: 8/86 ، وشبيهاً بالأول في:7/195 و207ـ210 وص84 و87 و:8/86 و87 ، ونحوه مسلم:1/150 و:7/66 وابن ماجة:2/1440 وأحمد:2/25 و408 و:3/28 و:5/21 و24 و50 و:6/16 ، والبيهقي في سننه:4/ 14 ، ونقل رواياته المتعددة في كنز العمال:13/157و:14/48 و:15/647 وقال رواه( مالك والشافعي حم م ن-عن أبي هريرة. وأورد ابن حجر في فتح الباري:11/333 ، قرابة عشرين حديثاً في الحوض والصحابة المطرودين عنه ) .

وفي مسلم:1/150، (عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): ترد عليَّ أمتي الحوض وأنا أذود الناس عنه ، قالوا يا نبي الله أتعرفنا ؟ قال: نعم تردون عليَّ غراً محجلين من آثار الوضوء. ولَيُصَدَّ عني طائفةٌ منكم فلايصلون فأقول يارب هؤلاء من أصحابي! فيجيبني ملكٌ فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك ؟! ) .
وفي مسلم:7/70: (عن أبي هريره أن النبي(ص) قال: لأذودن عن حوضي رجالاً كما تذاد الغريبة من الإبل). (ورواه أحمد:2/298، المسند الجامع تحقيق د. عواد:3/343 و:5/135 و18 /471 ، والبيهقي في البعث والنشور ص125 ومجمع الزوائد:10/665).
فهل يعقل من الذي أخبر بوحي رب العالمين عن مستقبل الصحابة الرهيب في جهنم ، أن يقول عنهم إنهم خير القرون ، وأفضل من جميع العالمين؟!
وهل يعقل من الذي لم يرض أن يسميهم إخواني(ص) ، لأنهم سينقلبون من بعده ، أن يقول عنهم إنهم خير القرون ! ففي صحيح مسلم:1/150: (وددت أنا قد رأينا إخواننا. قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد. فقالوا كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهريْ خيل دُهْم بُهْم ، ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض ، ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال! أناديهم ألا هلمَّ ، فيقال إنهم قد بدلوا بعدك! فأقول سحقاً سحقاً !). ورواه أحمد في مسنده:2/300 وص408 ، والبيهقي في سننه:1/83 و:4/78 ، وابن حبان:3/321، ومجمع الزوائد:10/66، وغيرهم بدون نقيصة، لكن رواه النسائي في سننه:1/93 ، وحذف آخره لأن فيه ذم الصحابة !
وهل يعقل أن يكون الصحابة خير أهل القرون ، ثم يكون قطيعهم وأكثريتهم من أهل النار ، ولاينجو منهم ولا يدخل الجنة إلا قلة قليلة ، يكونون منفردين عن قطيعهم مثل (هَمَل النعم)كالأغنام المنفردة البعيدة عن القطيع !
قال ابن حجر في مقدمته ص197: (والخليفة راعي الصحابة بلا شك).انتهى. فمن هم الهمل الناجون ، البعيدون عن قطيع الصحابة الذي راعياه أبو بكر وعمر؟!

الإمام مالك يعض يديه ندماً لروايته أحاديث الحوض !
تحالف الحسنيون والعباسيون في جبهة واحدة للثورة على الأمويين ، وكانت القيادة للحسنيين ، وما أن اشتعلت الثورة في خراسان بقيادة أبي مسلم الخراساني حتى بادر العباسيون في الكوفة إلى سرقتها وأقنعوه بالبيعة للسفاح فبايعوا له في الكوفة وأزاحوا الحسنيين ، فغضب الحسنيون وسيطروا على اليمن والحجاز والبصرة ، وزحفوا في سبعين ألف مقاتل نحو الكوفة ووصلوا اليها وشارفوا على النصر ، وتهيأ أبو جعفر المنصور للهرب ، لكن قائدهم إبراهيم بن عبدالله بن الحسن أصابه سهم طائش فقتل وتفرق جنده ، فاستتب الأمر للعباسيين .
كان مالك بن أنس أفتى بالثورة مع الحسنيين ! فعاقبه العباسيون بعد ذلك بالسجن والجلد ، ثم استرضاهم فرضي عنه السفاح والمنصور .
وقد ساء المنصور أن يرى المرجعية الفكرية للأمة متمركزة في الأئمة من ذرية الحسين(ع)فاتخذ قراراته غيظاً من كل أبناء علي(ع)بتغيير الخط الفكري لثورة العباسيين ، وإعادة الإعتبار للخلفاء القرشيين ، بعد أن قامت الثورة الهاشمية على البراءة منهم ، ورفعت في مقابل الأمويين شعار: يالثارات الحسين(ع) ، وفي مقابل قريش: الدعوة إلى الرضا من آل محمد ، فقرر المنصور تأسيس مذهب في مقابلهم ، وأمر مالك بن أنس أن يكتب له كتاباً موطأً ليلزم به المسلمين ، وحصر الفتوى بمالك ، ومنع أئمة أهل البيت(عليهم السلام) وفقهاء المدينة أن يفتوا مادام مالك موجوداً فصار قراره مثلاً: (لايفتين أحد ومالك في المدينة) ، وقام باضطهاد الإمام جعفر الصادق (ع)وقتله.
وقد استغرق هذا العمل بضع عشرة سنة ، كتب مالك كتابه الموطأ في أولها ،
وتبنته السلطة ونشرته ، وبعد نشره أصدر المنصور أمراً للمحدثين والفقهاء والولاة أن لايرووا شيئاً في فضائل علي(ع) ، ولا طعناً بأبي بكر وعمر ، وأن يفضلوهما على علي(ع) ! ثم أمر بمدح أبي بكر وعمر في خطبة الجمعة وقال: (والله لأرغمن أنفي وأنوفهم ، وأرفع عليهم بني تيم وعدي). (منهاج الكرامة ص69) .
لكن الموطأ كان قد انتشر وفيه أحاديث الحوض وما أدراك ما أحاديث الحوض ! فكان مالك يعض أصابعه ندماً على وجودها فيه !
قال الحافظ ابن الصديق المغربي في فتح الملك العلي ص151: (وخرج مالك والبخاري ومسلم حديث الحوض ، الذي حكي عن مالك أنه قال: ما ندمت على حديث أدخلته في الموطأ إلا هذا الحديث (الموطأ: 1/40 ط مصر1369) !
وعن الشافعي أنه قال: ما علمنا في كتاب مالك حديثاً فيه إزراء على الصحابة إلا حديث الحوض ووددنا انه لم يذكره ). انتهى .
هذا واقع الصحابة في النص الصحيح عندهم ! لكن السلطة القرشية تريد إخفاءه ورفع الصحابة في مقابل عترة النبي(ص)وكأنهم ليسوا صحابة ! وكأن النبي(ص) لم يقل فيهم: ( إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي) !
على أنهم ليسوا حريصين على مدح جميع الصحابة ، بل يريدون مدحاً مجملاً مبهماً للصحابة ، يمكنهم تفسيره بأبي بكر وعمر ومن تبعهما فقط ، من بين مئة ألف صحابي رأوا النبي(ص)!
وحديث: خير الناس قرني ، برأيهم حديث جميل يصلح لهذه الوظيفة !
على أنا لو سلمنا صحة هذا الحديث وقلنا إن النبي(ص)قال عن مسلمي عصره إنهم خير البشر ! فهل ينفع هذا المدح المجمل في إثبات عدالة أبي بكر وعمر ، أوإثبات عصمتهما ؟ فقد يكون سبب الخير وجود العترة النبوية فيهم(عليهم السلام) كما تقول خير العصور عصر رسول الله بسبب وجوده الشريف(ص) ووجود أهل بيته الأطهار(عليهم السلام)  الذين هم معدن الخير ، وبهم كانت الأمة خير أمة أخرجت للناس !
لكن القوم لا يريدونهم ، ولا يريدون عدالة الصحابة ، وإنما اتخذوا حديث خير القرون جسراً لإثبات عصمة عمر وأبي بكر ! فهي بيت قصيدهم !
بل ، حتى لو قلنا إن سبب هذه الخيرية والأفضلية وجود خمس مئة من الصحابة الأبرار ، فلا ينفعهم ذلك ، إذا لم يوجد نصَّ يُعينهم ، ومقياسَ يُميزهم ، فتكون القضية بالنسبة إلى غير أهل البيت(عليهم السلام) المخصوصين بالمدح النبوي ، من نوع الشبهة المحصورة والأواني المشتبهة بين الحلال والحرام ، أو الطاهر والنجس ، وفتوى مذاهبهم فيها وجوب اجتنابها جميعاً إلا ما ثبتت طهارته !

الخامس: قرنوا الصحابة بالنبي(ص)في الصلاة عليه من أجل عمر!
اتفقت مصادرهم على أن المسلمين سألوا النبي(ص)كيف نصلي عليك؟ فأمرهم بالصلاة عليه وآله معاً ، وعلمهم صيغتها ! وهذا نصها من البخاري:
(قِيلَ يَارَسُولَ اللهِ أَمَّا السَّلامُ عَلَيْكَ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ فَكَيْفَ الصَّلاةُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) .(راجع أيضاً: الأحاديث: 3369، 3370، 6357، 6358، 4798 ، 6360) .
فهو نصٌّ صريح في أن الله تعالى لايقبل الصلاة على نبيه إلا مقرونة بآله(ص). وهوصيغة توقيفية يجب اتباعها في الصلاة وغير الصلاة ، لأن السؤال مطلق: فَكَيْفَ الصَّلاةُ عَلَيْكَ؟ فعلمهم ، ولم يسألوه كيف نصلي عليك في صلاتنا ؟ حتى يتفلسف متفلسف فيقول نحن نتقيد بهذه الصيغة في الصلاة ، ونحذف منها ونزيد عليها في غير الصلاة !
من الذي حذف الصلاة على آل النبي؟!
ومن أين جاء قولهم ((ص) ، أو عليه وآله صحبه وسلم) ؟
اعترف الحافظ الحنبلي ابن حجر بأن العلماء والرواة ارتكبوا تحريف أحاديث النبي(ص)وحذفوا منها الصلاة على آل النبي(تقيةً)من حكام بني أمية وجنودهم !
قال في سبل السلام بشرح الكحلاني:1/192: (ودعوى النووي وغيره الإجماع على أن الصلاة على الآل مندوبة ، غير مسلَّمة ! بل نقول: الصلاة عليه(ص)لاتتم ولا يكون العبد ممتثلاً بها حتى يأتي بهذا اللفظ النبوي الذي فيه ذكر الآل ، لأنه قال السائل: كيف نصلي عليك؟فأجابه بالكيفية أنها الصلاة عليه وعلى آله ، فمن لم يأت بالآل فما صلى عليه بالكيفية التي أمر بها ، فلا يكون ممتثلاً للأمر ، فلا يكون مصلياً عليه(ص). وكذلك بقية الحديث من قوله: كما صليت إلى آخره ، يجب ، إذ هو من الكيفية المأمور بها ، ومن فرق بين ألفاظ هذه الكيفية بإيجاب بعضها وندب بعضها ، فلا دليل له على ذلك.
وأما استدلال المهدي في البحر على أن الصلاة على الآل سنة ، بالقياس على الأذان ، فإنهم لم يذكروا معه (ص) فيه ، فكلامٌ باطل ، فإنه كما قيل لا قياس مع النص ، لأنه لا يذكر الآل في تشهد الأذان لا ندباً ولا وجوباً ، ولأنه ليس في الأذان دعاء له (ص) بل شهادة بأنه رسول الله ، والآل لم يأت تعبدٌ بالشهادة بأنهم آله. ومن هنا تعلم أن حذف لفظ الآل من الصلاة كما يقع في كتب الحديث ، ليس على ما ينبغي! وكنت سئلت عنه قديماً فأجبت إنه قد صح عند أهل الحديث بلا ريب كيفية الصلاة على النبي(ص)وهم رواتها ، وكأنهم حذفوها خطأ تقيةً لمَّا كان في الدولة الأموية من يكره ذكرهم ، ثم استمر عليه عمل الناس متابعةً من الآخر للأول فلا وجه له. وبسطت هذا الجواب في حواشئ شرح العمدة بسطاً شافياً ). انتهى .
ولم يسبق بني أمية إلا عبدالله بن الزبير ، الذي كان في خلافته يصلي الجمعة فلا يذكر النبي(ص)أصلاً! وإذا ذكره لايصلي عليه(ص)!فسئل عن ذلك فقال:(إن هذا الحيَّ من بني هاشم إذا سمعوا ذكره أشرأبَّت أعناقهم ، وأبغض الأشياء إليه ما يسرهم ! لايمنعني ذكره إلا أن تشمخ رجال بآنافها ! وفي رواية أنه قال مرةَ: إن له أهيل سوء ينغضون رؤوسهم عند ذكره)!. ( راجع الصحيح من السيرة: 2/153 ، عن العقد الفريد:4/413 ط دار الكتاب العربي ، وشرح النهج:20/127، وأنساب الأشراف:4/ 28 وقاموس الرجال: 5/452 ، ومقاتل الطالبيين ص474).

من الذي وضع الصلاة على الصحابة بدل الآل أو معها؟!
الذين حذفوا الآل من الصلاة على النبي(ص)هم الذين وضعوا صحابته بدلهم ! فهل عندهم حديث جوَّز لهم قَرْنَ الصحابة بالنبي(ص)في الصلاة عليه ، سواء في صلاة الفريضة أو خارجها ؟ أم هو استدراكٌ على النبي(ص)وبدعة ! وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ؟!
قال الحافظ الصديق المغربي في رسالته (القول المقنع في الرد على الألباني المبتدع) طبع طنجة بالمغرب 1986، ص12:(وننبه هنا على خطأ وقع من جماهير المسلمين ، قلد فيه بعضهم بعضاً ولم يتفطن له إلا الشيعة ، ذلك أن الناس حين يصلون على النبي(ص)وسلم يذكرون معه أصحابه مع أن النبي(ص)وسلم حين سأله الصحابة فقالوا: كيف نصلي عليك؟ أجابهم بقوله: قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد. وفي رواية: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته ، ولم يأت في شئ من طرق الحديث ذكر أصحابه مع كثرة الطرق وبلوغها حد التواتر.
فذكرُ الصحابة في الصلاة على النبي(ص)وسلم زيادةٌ على ما علمه الشارع ، واستدراكٌ عليه ، وهو لا يجوز.
وأيضاً فإن الصلاة حقٌّ للنبي ولآله(ص)وسلم ، ولا دخلَ للصحابة فيها ، لكن يترضى عنهم ). انتهى. وهو كلام قويٌّ من عالم سني منصف .
وقد رد الألباني عليه في مقدمة كتابه: سلسلة الأحاديث الضعيفة:3/ 8 ، رداً مطولاً جداً ، ومما قاله: (قلت: ليس في هذا الكلام من الحق إلا قولك الأخير: إنه لاتجوز الزيادة على ما علمه الشارع..إلخ ، فهذا حق نقول به ونلتزمه ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. ولكن ما بالك أنت وأخوك خالفتم ذلك ، واستحببتم زيادة كلمة (سيدنا) في الصلاة عليه(ص)وسلم ، ولم ترد في شئ من طرق الحديث؟! أليس في ذلك استدراك صريح عليه(ص)وسلم ، يامن يدعي تعظيمه بالتقدم بين يديه ؟! أما سائر كلامك فباطل لوجوه:
الأول: أنك أثنيت على الشيعة بالفطنة ونزهتهم عن البدعة ، وهم فيها من الغارقين الهالكين. واتهمت أهل السنة بها وبالبلادة والغباوة ، وهم والحمد لله مبرؤون منها ، فحسبك قوله (ص)في أمثالك: إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم. رواه مسلم.....
وتابع الألباني قائلاً: (هذا العموم المزعوم ، أنت أول مخالف له ! لأنه يستلزم الصلاة عليه(ص)بهذه الصلوات الابراهيمية كلما ذكر عليه الصلاة والسلام ، وما رأيتك فعلت ذلك ولو مرة واحدة في خطبة كتاب أو في حديث ذكر فيه النبي(ص) ! ولا علمنا أحداً من السلف فعل ذلك والخير كله في الإتباع (!) .
والسر في ذلك أن هذا العموم المدعى إنما هو خاص بالتشهد في الصلاة كما أفادته بعض الأحاديث الصحيحة ، ونبه عليه الإمام البيهقي فيما ذكره الحافظ في فتح الباري:11/154، الطبعة السلفية فليراجعه من شاء ، والإمام الشافعي في رسالته على ما ذكره الحافظ السخاوي في القول البديع ، والرافعي ، والشيرازي ، والنووي ، وابن تيمية ، وابن القيم ، وابن حجر ، وغيرهم كثير وكثير جداً ، لا يمكن حصرهم ، ما زال كل واحد منهم يصلي على النبي(ص)في خطبة كتبه ويصلي على أصحابه معه ، كما أفعل أنا أحياناً اقتداءً بهم ، وبخاصة أن الحافظ ابن كثير نقل في تفسيره الإجماع على جوازه (!) ، ومع ذلك كله رميتني بسبب ذلك بدائك وبَدَّعتني! أفهؤلاء الأئمة مبتدعةٌ عندك ويحك ! أم أنت تزن بميزانين وتكيل بكيلين؟! ).
ثم قال الألباني: (وهو يعلم أن النبي(ص)كان يصلي على أصحابه بمناسبات مختلفة ، ومن ذلك حديث: كان إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل عليهم فأتاه أبو أوفى بصدقته فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى. رواه الشيخان وغيرهما ، وهو مخرج في الإرواء ،853 ، وغيره.....ولا دليل على أن ذلك من خصوصياته (ص) بل قد صح عن ابن عمر أنه كان يقول في الجنازة: اللهم بارك فيه وصل عليه واغفر له وأورده حوض رسولك. رواه ابن أبي شيبة في المصنف:10/414 ، وسنده صحيح على شرط الشيخين. وبعد هذا كله فإني أرجو أن يكون ظهر للقراء جميعاً من هو المبتدع ! ). انتهى.
هذا لبُّ ماذكره الألباني من كلامه الطويل الذي لم يأت فيه بدليل على جواز قرن الصحابة بالنبي في الصلاة عليه(ص) ، وغاية ما ذكره ثلاثة أدلة:

الأول: قوله:(والسر في ذلك أن هذا العموم المدعى إنما هو خاص بالتشهد في الصلاة ، كما أفادته بعض الأحاديث الصحيحة ، ونبه عليه الإمام البيهقي، فيما ذكره الحافظ في فتح الباري..الخ). انتهى.
وقصده أنه لاعموم لصيغة الصلاة التي علمها النبي(ص)للمسلمين للصلاة عليه في كل حال ، بل هو تعليم نبوي خاص بتشهد الصلاة ، ففي غير الصلاة يجوز لك أن تحذف الصلاة على الآل ، وتضع مكانهم الصحابة ، ولا حرج !
لكن ما هو دليل الألباني على تخصيصها بتشهد الصلاة ، وحديثها في البخاري وغيره عامٌّ مطلقٌ ليس فيه حصرٌ في التشهد ، قالوا: (فَكَيْفَ الصَّلاةُ عَلَيْكَ ؟ قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ...) ؟!
يقول الألباني أن دليله على تخصيصها: ( أفادته بعض الأحاديث الصحيحة ، ونبه عليه الإمام البيهقي فيما ذكره الحافظ في فتح الباري). انتهى.
فقد ادعى وجود أحاديث صحيحة تحصر صيغة الصلاة النبوية التعليمية للمسلمين في تشهد الصلاة ، فأين هي هذه الأحاديث الصحيحة ؟!
الجواب: لاتوجد أحاديث لاصحيحة ولاضعيفة ! وإلا لأتى بها الألباني في رده الطويل الذي أخذ أكثر من عشر صفحات ، وهو متخصص في الحديث ! لكنه
كما يبدو يستحل الكذب للدفاع عن الصحابة !

ثم قال الألباني:(ونبه عليه الإمام البيهقي فيما ذكره الحافظ في فتح الباري...)
يقصد أن هؤلاء العلماء الذين ليس فيهم واحد قبل القرن السادس! نبهوا على تخصيص صيغة الصلاة التعليمية النبوية بالتشهد دون غيره !
ويبدو أنها كذبة أخرى! ولو صدقناه لقلنا لهؤلاء: ما هو دليلكم على التخصيص؟ وهل هو الأحاديث الصحيحة التي وعد بها الألباني !!

الدليل الثاني: قال الألباني: (وهو يعلم أن النبي(ص)كان يصلي على أصحابه بمناسبات مختلفة ، ومن ذلك حديث: كان إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صلِّ عليهم ، فأتاه أبو أوفى بصدقته فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى. رواه الشيخان وغيرهما ، وهو مخرج في الإرواء ،853 ، وغيره....). انتهى .

والجواب: إن هذا تدليس في الإستدلال مع الأسف ! لأن موضوعنا كيف يجب أن نصلي نحن على النبي(ص)؟فكيف يستدل عليه بصلاة النبي(ص)على المسلمين؟! فالنبي(ص)يعرف تكليفه كيف يصلي علينا وعلى غيرنا ، وقد بين لنا تكليفنا نحن كيف نصلي عليه ، وحدده بصيغة تعليمية توقيفية صحيحة.
فهل يجوز لنا أن نقول له: كلا ، نريد أن نصلي عليك كما نحب ، ونضم في الصلاة عليك من نحب ، ونحذف منها لا نحب ! لأنك أنت تفعل ذلك ؟!

الدليل الثالث: قال الألباني: (ولا دليل على أن ذلك من خصوصياته(ص) بل قد صح عن ابن عمر أنه كان يقول في الجنازة: اللهم بارك فيه وصل عليه واغفر له وأورده حوض رسولك. رواه ابن أبي شيبة في المصنف:10/414 ، وسنده صحيح على شرط الشيخين ). انتهى.
يقول الألباني بذلك لقد ثبت بأثر صحيح عن ابن عمر أنه قال لميت (اللهم بارك فيه وصل عليه) فالصلاة على المسلمين ليست من مختصات النبي(ص) ، بل يجوز لأي مسلم أن يقول لمسلم آخر (اللهم صل عليه) ، ونحن نقول: اللهم صل على الصحابة ، فما المانع ؟
والجواب: أن الألباني يعرف أن المسألة ليست جواز الصلاة على مسلم بقولنا: (اللهم صل عليه) ، بل هي قَرْنُ الصحابةبالنبي(ص)، وهل يجوز أن نتعدى تعليمه بالصلاة عليه ، ونحذف آله من صلاتنا عليه ، ونضع بدلهم الصحابة ؟!
فانظر كيف غيَّر الموضوع أيضاً ، وشطَّ عنه بعيداً ، وكذلك يفعلون !

قرنهم الصحابة بالنبي(ص)معضلة لاحل لها !
إن حذف أتباع الخلافة لآل النبي من الصلاة عليه(ص) ، ووضعهم الصحابة بدلهم أو معهم وقرنهم بالنبي(ص)، معضلةٌ لم ولن يستطيعوا حلها ! بل هي ست معضلات فقهية كاملة:
1- هل يجوز الصلاة على غير النبي(ص)، ومن أمر النبي بالصلاة عليه ؟

2- هل يوجد دليل يخصص صيغة الصلاة النبوية بتشهد الصلاة؟

3- هل يجوز حدف آل النبي(ص)من الصلاة عليه ؟

4- هل يجوز وضع الصحابة مكانهم وقرنهم بالنبي(ص)؟

5- هل يجوز أن ننوي بصلاتنا على آل النبي(ص)جميع ذريته من فاطمة وعلي(ص)وكل ذرية بني هاشم إلى يوم القيامة ، ونقرنهم بالنبي(ص)وفيهم من ثبت أنهم أعداء لله ورسوله ، وفيهم اليوم نصارى وملحدون وقتلة وأشرار ؟!
فهل يمكن أن يأمرنا الله تعالى أن نصلي على هؤلاء الكفار والفجار ونقرنهم بسيد المرسلين(ص)؟! وهل يجب عليهم أن يقولوا (وآله المؤمنين) ؟!

6- إذا حلينا أصل مشكلة ضم الصحابة وقرنهم بالصلاة مع النبي(ص)فهل يجوز لنا أن نعمم الصلاة عليهم جميعاً بدون تخصيص أو تقييد ، لأنا بقولنا (وعلى أصحابه أجمعين)نقرن أكثر من مئة ألف شخص بالنبي(ص)وهؤلاء فيهم من شاركوا في محاولة اغتيال النبي(ص)ليلة العقبة ، وفيهم من ثبت نفاقهم بنص القرآن ونص النبي(ص)، وفيهم جماعة شهد النبي(ص)بأنهم لن يروه بعد وفاته ، وأنهم سوف ينقلبون من بعده ، ويمنعون من ورود حوضه يوم القيامة ويؤمر بهم إلى النار ! فهل يجب التخلص من هذا الإشكال بأن نقول: (عليه وعلى أصحابه المؤمنين ، أو المرضيين ) ؟!

لقد أوقعوا أنفسهم في كل هذه المشكلات ، لأنهم استدركوا على النبي(ص)ولم يتَّبعوا ! أما نحن فلا مشكلة عندنا ، لأنا لانستحل أن نقرن بنبينا في الصلاة عليه (ص)إلا آله وأهل بيته الطاهرين(عليهم السلام) الذين أمرنا بقرنهم به ، وهم عندنا مصطلح نبوي خاص حدده النبي(ص)بعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، وتسعة من ذرية الحسين ، آخرهم المهدي ، صلوات الله عليهم .

السادس: عصموا البخاري من أجل عصمة عمر !
صحيح البخاري كتابٌ في الحديث ، ألفه محمد بن إسماعيل بن برد زبه ، المعروف بالبخاري الخرتنكي ، نسبة إلى بلده بخارى في شرق إيران ، وخرتنك قرية قرب بخارى فيها مولده وقبره ، وقد ولد سنة196وتوفي سنة256.
وكانت كتب الحديث قبله بالمئات ، وبعده بالألوف ، لكن المتوكل العباسي تنبى كتابه بتوثيق أحمد بن حنبل ، وأعرض عن كتاب الموطأ الذي ألفه مالك بن أنس لجد جده المنصور ! فقد ولد مالك سنة93 وتوفي سنة179. ( مقدمة كتاب الموطأ والأعلام:5/257).
قال ابن فرحون في الديباج المذهب ص25: ( باب في ذكر الموطأ وتأليفه إياه: روى أبو مصعب أن أبا جعفر المنصور قال لمالك: ضع للناس كتابا أحملهم عليه فكلمه مالك في ذلك فقال: ضعه فما أحد اليوم أعلم منك ، فوضع الموطأ فلم يفرغ منه حتى مات أبو جعفر ، وفي رواية أن المنصور قال له: يا أبا عبد الله ضع هذا العلم ودون كتابا وجنب فيه شدائد عبد الله بن عمر ورخص عبد الله بن عباس وشواذ ابن مسعود ، واقصد أواسط الأمور وما أجمع عليه الصحابة والأئمة وفي رواية أنه قال له: إجعل هذا العلم علما واحد ، فقال له: إن أصحاب رسول الله(ص)تفرقوا في البلاد فأفتى كل في مصره بما رأى فلأهل المدينة قول ، ولأهل العراق قول تعدوا فيه طورهم. فقال: أما أهل العراق فلست أقبل منهم صرفا ولا عدلا ، وانما العلم علم أهل المدينة فضع للناس العلم.
وفي رواية عن مالك فقلت له: إن أهل العراق لا يرضون علمنا ، فقال أبو جعفر: نضرب عليه عامتهم بالسيف ونقطع عليه ظهورهم بالسياط !
وروى أن المهدي قال له: ضع كتابا أحمل الأمة عليه ، فقال له مالك: أما هذا الصقع فقد كفيته يعني المغرب ، وأما الشام ففيه الأوزاعي ، وأما أهل العراق ففيهم أهل العراق ، قال عتيق الزبيدي: وضع مالك الموطأ على نحو من عشرة آلالف حديث ، فلم يزل ينظر فيه كل سنة ويسقط منه حتى بقي هذا ، ولو بقي قليلا لأسقطه كله ). انتهى .
وبقي الموطأ المرجع الرسمي للدولة وعلمائها ، وكان أئمة المذاهب يمدحونه بأنه أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى ، حتى تركه المتوكل واستعاض عنه بمسودة كتاب البخاري فصار أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى !
قال ابن عبد البر في التمهيد:1/79: (سمعت الشافعي يقول: ما رأيت كتاباً الف في العلم أكثر صواباً من موطأ مالك).
وقال الذهبي سير أعلام النبلاء:9/205: (قال بندار: سمعت عبد الرحمن يقول: ما نعرف كتابا في الإسلام بعد كتاب الله أصح من موطأ مالك ).

وقال السيد الميلاني في الأحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة ص38:
(ولما أراد الرشيد الشخوص إلى العراق قال لمالك: ينبغي أن تخرج معي فإني عزمت أن أحمل الناس على الموطأ كما حمل عثمان الناس على القرآن ! (مفتاح السعادة: 2 /687 ). ثم أراد هارون أن يعلق الموطأ على الكعبة ! (7 كشف الظنون: 2/1908). ونادى منادي الحكومة: ألا لا يفتي الناس إلا مالك بن أنس) (وفيات الأعيان 3/284 ، مفتاح السعادة:2/87 ، مرآة الجنان:1/375 .)
أما المتوكل الذي فقد كان صاحب مشروع جديد في التجسيم والنصب ، يختلف عن مشروع أجداده ، فقد أسس ميليشا (أصحاب الحديث) واختار لهم إماماً هو أحمد بن حنبل ، ودعاه إلى سامراء وأكرمه وعقد له مجالس ، وكان لايعين قاضي القضاة إلا بموافقته ، ففي تاريخ بغداد 3/147: ( أمر المتوكل بمسائلة أحمد بن حنبل عمن يتقلد القضاء ).
وفي تاريخ بغداد:2/426: (بعث المتوكل إلى أحمد بن حنبل يسأله عن ابن الثلجي ويحيى بن أكتم في ولاية القضاء ، فقال أما بن الثلجي فلا ). انتهى .
وكان البخاري على صلة دائمة بأحمد ، وقد ألف كتابه بتوجيهه ، وعرضه عليه فارتضاه ، ففي مقدمة فتح الباري ص491: (لما صنف البخاري كتاب الصحيح عرض مسودته على ابن المديني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهم فاستحسنوه ، وشهدوا له بالصحة إلا أربعة أحاديث. قال العقيلي: والقول فيها قول البخاري وهي صحيحة). انتهى .
وطلب ابن حنبل من البخاري أن يسكن في بغداد فاعتذر له ، لكنه ندم بعد ذلك ! ففي تاريخ بغداد:2/22: (سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: دخلت بغداد آخر ثمان مرات ، كل ذلك أجالس أحمد بن حنبل فقال لي في آخر ما ودعته: يا أبا عبد الله تترك العلم والناس وتصير إلى خراسان ؟! قال أبو عبد الله: فأنا الآن أذكر قوله ). انتهى .
مات البخاري قبل أن يكمل كتابه ، فأكمله جماعة المتوكل !
وقد اعترف بذلك ابن حجر في مقدمة الفتح ص6 ، قال: (حدثنا الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي قال: انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري ، فرأيت فيه أشياء لم تتم ، وأشياء مبيضة منها تراجم(عناوين)لم يثبت بعدها شيئاً ، ومنها أحاديث(أي عناوين أحاديث ) لم يترجم لها ، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض !
قال أبو الوليد الباجي: ومما يدل على صحة هذا القول أن رواية أبي إسحاق المستملي ورواية أبي محمد السرخسي ورواية أبي الهيثم الكشمهيني ورواية أبي زيد المروزي ، مختلفة بالتقديم والتأخير ، مع أنهم انتسخوا من أصل واحد ! وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرة أو رقعة مضافة ، أنه من موضع ما ، فأضافه إليه ! ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين(عنوانين)وأكثر من ذلك متصلة ليس بينها أحاديث). انتهى .
ومع ذلك فقد تبنته السلطة وألزمت به الطلبة والناس ، وأنستهم موطأ مالك !

السر في تبنيهم كتاب البخاري !
كتاب البخاري واحدٌ من مئات الكتب المشابهة التي ألفت قبله ، وألوف الكتب التي ألفت بعده ، وليس فيه سر سوى أنه مفصل على مزاج المتوكل! فمن أراد أن يعرف البخاري فليعرف المتوكل ، في نصبه لأهل البيت(عليهم السلام) كلهم وكرهه لعلي(ع)خاصة ، وقتله أئمة أهل البيت(عليهم السلام) واضطهاده لشيعتهم ، ومنعه الناس من زيارة قبر الحسين(ع)ثم هدمه القبر الشريف! (راجع كتابنا: جواهر التاريخ).
يوازي ذلك تقديسه لأبي بكر وعمر إلى حد العصمة ! وقد رأيت أن أهم أحاديث عصمة عمر رواها البخاري ، ومنها: (والذي نفسي بيده مالقيك الشيطان قط سالكاً فجَّاً إلا سلك فجاً غير فجِّك). ( البخاري:4/96, و199 و:7/93) !
هل أن تبني البخاري عمل علمي أم ضد العلم ؟
يسأل بعضهم: لماذا لا يقوم مجموعة من العلماء المشهورين بجمع الأحاديث الصحيحة في مدرسة أهل البيت ويصححونها ، وتخرج في كتب ونقول للعامة هذا صحيحنا وبه حاجونا ؟
وقد أجبنا عليه: بأن هذا سؤال يسأله أهل البساطة العلمية ، فإن من مشاكل المذاهب السنية أنها أقفلت على نفسها باب الإجتهاد في الحديث ، واعتمدت على اجتهاد البخاري قبل ألف ومئتي سنة ، وفرضته على الناس في كل العصور !
أما نحن ، فمنهجنا علمي منطقي ، نعتبر كل ما روي عن النبي وآله صلوات الله عليهم ، مواديجب أن تخضع للبحث العلمي ، والإجتهاد فيها مفتوح في كل العصور ، والذي يصحح ويضعف هو المرجع بالنسبة إلى مقلديه وأهل الإختصاص الموثوق بهم. فأي النهجين أصح ؟
وهل إذا قام عالم في عصرنا فألف كتاباً جمع فيه الصحيح برأيه ، يجب عليك وعلى كل الناس تقليده ، وعلى الأجيال الآتية ؟!
كلا ، فتصحيحه حجةٌ على نفسه وعلى من يقلده فقط ، ولا بد أن يكون في المسلمين في كل عصر مجتهدون وخبراء ، يبحثون كل الثروة العلمية التي رويت عن النبي(ص)وأهل بيته الطاهرين(عليهم السلام)  ، ويجتهدون في التصحيح والتضعيف ، ويفتون المسلمين بنتيجة آرائهم فيقلدهم المسلمون بصفتهم أهل خبرة في الشريعة وأحاديث السنة الشريفة .
وبذلك فقط نضمن براءة ذمة المسلمين ، وعدم جمودهم على تصحيح عالم من مئات السنين ، لم يطلع على ما اطلع عليه العلماء المتأخرون .

السابع: نظرية إلجام العوام بيد السلطة ورجال الدين !
قال التفتازاني في شرح المقاصد:5/310: ( فإن قيل: فمن علماء المذهب من لايجوِّز اللعن على يزيد ، مع علمهم بأنه يستحق ما يربو على ذلك ويزيد. قلنا: تحامياً على أن يرتقى إلى الأعلى فالأعلى ، كما هو شعار الروافض ، على ما يروى في أدعيتهم ، ويجري في أنديتهم ، فرأى المعتنون بأمر الدين إلجام العوام بالكلية ، طريقاً إلى الإقتصاد في الإعتقاد). انتهى.
فقد ألجموهم على حد تعبير التفتازاني عن الكلام على يزيد ! لكنهم لم يقفوا في شد لجامهم عند قصور بني أمية فقط ، بل عن أمور كثيرة ، نذكر منها هنا:

إلجام العوام عن قبول شهادة الصحابة بحق أنفسهم
فقد شهد أهل بدر وبيعة الرضوان بأن رضا الله تعالى عنهم ليس مطلقاً ، بل هو مشروطٌ بشروط ، منها أن لا يحدثوا بعد النبي(ص) وينحرفوا ! فقد روى البخاري:5/66 ، عن المسيب أنه قال للبراء بن عازب: (طوبى لك ، صحبت النبي(ص)وبايعته تحت الشجرة. فقال:يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده)!
لكنهم لم يقبلوا هذه الشهادة ، وقالوا لهم: كلا ، إن رضا الله عنكم مطلق وشامل ، وأنتم من أهل الجنة ، فاعملوا ماشئتم !!

إلجام العوام عن قبول إقرار بعض الصحابة بالمعصية !
ففي مسند أبي يعلى:9/176: (عن عبدالله بن مسعود أنه تعمد الكذب من أجل أن يأخذ ناقة ! قال: ماكذبت مذ أسلمت إلا كذبة ! كنت أرحل رسول الله(ص) فأتى رجل من الطائف فقال: أي راحلة أعجب إلى رسول الله(ص)فقلت الطائفية المنكبة ، قال ورسول الله (ص)يكرهها ! قال: فلما رحَّلها فأتى بها قال: من رحَّل لنا هذه ؟ قالوا رحَّل لك الذي أتيت به من الطائف ، قال: ردوا الراحلة إلى ابن مسعود ). (ورواه ابن أبي الدنيا في آداب اللسان/253، والطبراني في المعجم الكبير:10/174، وأبو نعيم الأصفهاني في مسند أبي حنيفة/235و 258 ، وابن عساكر في تاريخ دمشق:24/311)

إلجام العوام عن قبول شهادة النبي(ص)لقاتل عمار بالنار !
فقد رووا بأسانيد صحيحة أن النبي(ص)قال لعمار بن ياسر: تقتلك الفئة الباغية ، وقال: قاتل عمار وسالبه في النار ! وقد قتله في صفين(الصحابي)أبو الغادية يسار بن سبع ، وهو ممن بايع بيعة الشجرة أوالرضوان ! ففي مجمع الزوائد:9/297: عن النبي(ص)(قاتل عمار وسالبه في النار. رواه الطبراني...ورجاله رجال الصحيح) .
وفي مستدرك الحاكم:3/387: (أن رجلين أتيا عمرو بن العاص يختصمان في دم عمار بن ياسر وسلبه ، فقال عمرو خلِّيا عنه ، فإني سمعت رسول الله(ص)يقول: اللهم أولعت قريش بعمار ، إن قاتل عمار وسالبه في النار). انتهى.
وفي طبقات ابن سعد:3/260، عن كلثوم بن جبر قال:(كنت بواسط القصب ، عند عبد الأعلى بن عبدالله بن عامر ، فقلت الإذنَ هذا أبو غادية الجهني ، فقال عبد الأعلى: أدخلوه ، فدخل عليه مقطعات له ، فإذا رجل طوال ضرب من الرجال كأنه ليس من هذه الأمة ، فلما أن قعد قال بايعت رسول الله (ص)يوم العقبة فقال:يا أيها الناس ألا إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم ، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا هل بلغت؟ فقلنا: نعم ، فقال: اللهم اشهد ، ثم قال ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض !
قال: ثم أتبع ذا فقال: إنا كنا نعد عمار بن ياسر فينا حناناً ، فبينا أنا في مسجد قباء إذ هو يقول ألا إن نعثلاً هذا لعثمان ، فألتفتُّ فلو أجد عليه أعواناً لوطأته حتى أقتله ، قال: قلت اللهم إنك إن تشأ تمكني من عمار ، فلما كان يوم صفين أقبل يستن أول الكتيبة رجلاً ، حتى إذا كان بين الصفين فأبصر رجل عورة فطعنه في ركبته بالرمح، فعثر فانكشف المغفر عنه فضربته ، فإذا رأس عمار ندر !
قال: فلم أر رجلاً أبين ضلالةً عندي منه ! إنه سمع من النبي(ع)ما سمع ثم قتل عماراً !!
قال: واستسقى أبو غادية فأتي بماء في زجاج فأبي أن يشرب فيها ، فأتي بماء في قدح فشرب ، فقال رجل على رأس الأمير قائم بالنبطية: أوى يد كفتا ! يتورع عن الشراب في زجاج(إناء مفضض) ، ولم يتورع عن قتل عمار) !! (قال عنه في مجمع الزوائد:7/243 ، رجاله رجال الصحيح ).

وفي تاريخ دمشق:43/476: (وقال عليٌّ حين قتل عمار:إن امرءأً من المسلمين لم يَعْظُمْ عليه قتل ابن ياسر ويدخلْ عليه المصيبة الموجعة ، لغير رشيد ! رحم الله عماراً يوم أسلم ، ورحم الله عماراً يوم قتل ، ورحم الله عماراً يوم يبعث حياً ، لقد رأيت عماراً وما يذكر من أصحاب رسول الله(ص)أربعة إلا كان رابعاً ، ولا خمسة إلا كان خامساً ، وما كان أحد من قدماء أصحاب رسول الله(ص)يشك أن عماراً قد وجبت له الجنة في غير موطن ، ولا اثنين ، فهنيئاً لعمار بالجنة ). انتهى.

ابن حنبل يقول: صحابي في النار رضي الله تعالى عنه !
تقدم حديث(قاتل عمار وسالبه في النار) ، وأن رجاله رجال الصحيح، وفي مقابله تجد في مسند أحمد:4/76 عنواناً: (بقيه حديث أبي الغادية رضي الله تعالى عنه) !!
لكن أحمد احتاط فرجح أن يروى عنه ولا يسمى! (العلل لأحمد:2/602)
أما ابن حبان فعدَّه في الثقات ! (3/381 ونحوه في:3/448 ). لكن الذهبي تعجب في ميزان الإعتدال:1/488، فقال: (عن أبي الغادية: سمعت رسول الله(ص)يقول: قاتل عمار في النار. وهذا شئ عجيب ، فإن عماراً قتله أبو الغادية ) ! انتهى.
ونحوه في لسان الميزان لابن حجر:2/204.
ونقل عنه في تعجيل المنفعةص509 أنه كان يتبجح بقتله عماراً ، قال: (كان إذا استأذن على معاوية وغيره يقول قاتل عمار بالباب ، يتبجح ) !!
أما ابن تيمية فحاول أن يشكك في قتله لعمار ، قال في منهاجه:7/56: (وذكر ابن حزم أن عمار بن ياسر قتله أبو الغادية ، وأن أبا الغادية هذا من السابقين ممن بايع تحت الشجرة ، وأولئك جميعهم قد ثبت في الصحيحين أنه لا يدخل النار منهم أحد ! ففي صحيح مسلم وغيره عن جابر عن النبي(ص)أنه قال: لايدخل النار أحد بايع تحت الشجرة ) !!
لكنه شهد في نفس منهاجه:6/204 ، بأنه قاتل عمار ، لكن شكك في أنه من أهل بيعة الرضوان ! قال: (بل نشهد أن العشرة في الجنة ، وأن أهل بيعة الرضوان في الجنة ، وأن أهل بدر في الجنة ، كما ثبت الخبر بذلك عن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. وقد دخل في الفتنة خلق من هؤلاء المشهود لهم بالجنة ، والذي قتل عمار بن ياسر هو أبو الغادية وقد قيل إنه من أهل بيعة الرضوان ذكر ذلك ابن حزم ، فنحن نشهد لعمار بالجنة ، ولقاتله إن كان من أهل بيعة الرضوان بالجنة) !! راجع أيضاً:6/334 !
ثم عاد في كتابه رأس الحسين(ع)ص204 وشكك في قتله لعثمان، قال: ولهذا كان الكلام في السابقين الأولين ومن شُهد له بالجنة ، كعثمان وعلي وطلحة والزبير ونحوهم: له حكم آخر ، بل ومن هو دون هؤلاء ، مثل أكابر أهل الحديبية الذين بايعوا تحت الشجرة. وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة ، وقد ثبت في الصحيح عن النبي(ص) أنه قال: (لايدخل النار أحد بايع تحت الشجرة). فهؤلاء ونحوهم فيما شجر بينهم: إما أن يكون عمل أحدهم سعياً مشكوراً ، أو ذنباً مغفوراً ، أو اجتهاداً قد عفي لصاحبه عن الخطأ فيه ، فلهذا كان من أصول أهل العلم أنه لايمكَّن أحدٌ من الكلام في هؤلاء بكلام يقدح في عدالتهم وديانتهم ، بل يُعلم أنهم عدول مرضيون ، رضي الله عنهم وأرضاهم ، لا سيما والمنقول عنهم من العظائم كذبٌ مفترى ). انتهى.
ولا بد أن يكون من هذه العظائم المفتراة أن أبا لغادية قتل عماراً !
أما عبد الرحمن بن عديس البلوي الذي قتل عثمان ، وهو من أهل بيعة الشجرة ، فالأمر فيه يختلف ! وهم يتمنون أن يحكموا عليه بأنه من أهل النار ، لكن بشرط أن لاينكسر سياج أهل الشجرة لأبي بكر وعمر ! فهل من طريق؟!

إلجام العوام عن قبول شهادة ثقة النبي(ص)وأمين أسراره !
إذا اختلف شخصان فيما بينهما ، أو اختلفنا في قبول شهادتهما ، ترانا نبحث عن شخص متفق عليه من الطرفين أو من الأطراف ، يرضى به الجميع ويشهدون بصدقه ووثاقته ، فنعتبره حكماً عادلاً ، ونقبل شهادته أوحكمه .
والصحابة فيهم مجمع عليه وفيهم مختلف فيه. ومن المجمع عليهم حذيفة بن اليمان ثقة رسول الله(ص) وموضع سره. فلماذا لايقبلون شهاداته القاصعة التي رواها البخاري؟! ولماذا لايقارنونها بحديثهم (خير الناس قرني)؟!
قال حذيفة ،كما في البخاري:8/100: (إن المنافقين اليوم شرٌّ منهم على عهد النبي (ص)! كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون ! إنما كان النفاق على عهد النبي(ص) فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان !! ). انتهى.
فمَن هم الذين كانوا يجهرون بالنفاق في عهد أبي بكر وعمر وعثمان ، إلا طلقاء قريش؟ وما هو النفاق الذي كانوا يجهرون به إلا التشكيك برسول الله (ص)والكذب عليه والطعن بعترته ؟ ومن كان يحميهم إلا السلطة ؟!
قال الذهبي في السير:2/361: (حذيفة بن اليمان. من نجباء أصحاب محمد (ص) ، وهو صاحب السر... حليف الأنصار ، من أعيان المهاجرين...
وليَ حذيفة إمرة المدائن لعمر ، فبقي عليها إلى بعد مقتل عثمان ، وتوفي بعد عثمان بأربعين ليلة....وحذيفة هو الذي ندبه رسول الله(ص)ليلة الأحزاب ليجس له خبر العدو ، وعلى يده فتح الدينور عنوة. ومناقبه تطول ، رضي الله عنه... خالد عن أبي قلابة عن حذيفة قال: إني لأشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله..... ما أدرك هذا الأمر أحد من الصحابة إلا قد اشترى بعض دينه ببعض. قالوا: وأنت ؟ قال: وأنا والله ! ). انتهى.
فمن الذي كان يستعمل سياسة الإرهاب والقمع والإضطهاد مع المسلمين إلا السلطة القرشية المعادية لأهل بيت النبي(ص)؟
ومن كان يحمي المنافقين المجاهرين بنفاقهم ضد الإسلام ونبيه إلا السلطة ومسلحوها ، وجمهورها من طلقاء قريش ، الذين ملؤوا المدينة وسيطروا على الدولة؟ وهل يعقل أن يقول النبي(ص)عن هؤلاء إنهم خير القرون ؟!

روى مسلم:1/71:(كنا جلوساً مع حذيفة في المسجد فجاء رجل حتى جلس الينا ، فقيل لحذيفة إن هذا يرفع إلى السلطان أشياء ، فقال حذيفة: إرادة أن يسمعه: سمعت رسول الله(ص)يقول: لايدخل الجنة قتات) ، وفي رواية أخرى(ينقل الحديث إلى الأمير) وفي البخاري:7/86: (يرفع الحديث إلى عثمان) !
فهل يكون هؤلاء خير القرون بإرهابهم واضطهادهم أبرار الصحابة؟!

وفي الطبراني الكبير:3/280: (عن أبي مالك الأشعري أنه قال لقومه: إجتمعوا أصلي بكم صلاة رسول الله(ص)فاجتمعوا فقال: هل فيكم أحد؟ فقالوا لا ، إلا بن أخت لنا ! قال فذلك من القوم ، فدعا بجفنة فيها ماء فتوضأ وهم شهود ، فمضمض واستنشق ثلاثاً ، وغسل وجهه ثلاثاً ، وذراعيه ثلاثاً ومسح برأسه وظهر قدميه ، ثم صلى بنا الظهر فكبر فيها ثنتين وعشرين تكبيرة ، يكبر إذا سجد وإذا رفع رأسه...الخ.) انتهى.
وفي البخاري:1/134، عن الزهري قال: ( دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي ! فقلت له ما يبكيك؟ فقال لا أعرف شيئاً مما أدركت إلا هذه الصلاة ، وهذه الصلاة قد ضيعت !!). انتهى.
فهل يكون هؤلاء خير القرون ، وقد انقلبوا على أعقابهم بعد الرسول(ص) وغيروا كل شئ ، حتى الوضوء والصلاة ؟!

قال المفيد في الإفصاح ص53:(وفي قول أنس بن مالك: دخل رسول الله(ص) المدينة فأضاء منها كل شئ ، فلما مات(ع)أظلم منها كل شئ ، وما نفضنا عن النبي(ص)الأيدي ونحن في دفنه حتى أنكرنا قلوبنا شاهد عدل على القوم بما بيناه ). انتهى.
وفي فتح الباري:8/114:(قال أبو سعيد فيما أخرجه البزار بسند جيد: وما نفضنا أيدينا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا ). وفي تحفة الأحوذي:10/62:(قال التوربشتي يريد أنهم لم يجدوا قلوبهم على ما كانت عليه من الصفاء والألفة) !!

إلجام العوام لتغطية مؤامرة خير القرون لقتل النبي(ص) !
في صحيح مسلم:8/123: قال رجل لحذيفة ( أنشدك بالله كم كان أصحاب العقبة ؟ قال فقال له القوم أخبره إذ سألك ! قال: كنا نخبر أنهم أربعة عشر فإن كنتَ منهم فقد كان القوم خمسة عشر ! وأشهد بالله ان اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ). انتهى.
فمن هؤلاء الذين كانوا مستعجلين على الخلافة واستطالوا عمر النبي(ص) فتآمروا لقتله في عودته من تبوك ، وصعدوا إلى أعلى العقبة ليلاً وألقوا الصخور على ناقته ليقتلوه ، فنجاه الله منهم ، ولم يستطع النبي(ص)أن يعلن أسماءهم ويعاقبهم خوفاً من حدوث حركة ردة عن الإسلام ! فهل هؤلاء خير القرون ؟!

إلجام العوام لتغطية اضطهاد خير القرون لأهل بيت نبيهم(ص) !
وهل خير القرون أولئك الذين عرض عليهم نبيهم(ص)وهو على فراش مرضه ما لم يعرضه نبي على أمته قط ، أن يكتب لهم عهداً إن عملوا به لايضلوا إلى يوم القيامة ، ويكونوا سادة العالم إلى يوم القيامة ! فرفضوه بقلة أدب وقالوا إن نبيكم يهجر ! وهددوه بالردة ، فسكت(ص)على ألم وطردهم من بيته ؟!

وهل خير القرون أولئك الذين تركوا جنازة نبيهم(ص)بين يدي أهل بيته ، وعدَوْا إلى السقيفة ليبايعوا أحدهم خلسةً ، ثم عادوا مسلحين لا ليعزوا أهل بيت النبي(ص)بل ليهددوهم بأن يبايعوا لصاحبهم ، أو يحرقوا عليهم دارهم؟!

إلجام العوام عن تصديق القرآن بأن أكثرية خير القرون لن يؤمنوا !
وكيف يكون أهل عصر النبوة أو قريش خاصة خير القرون وقد صدر حكم الله تعالى على أكثرهم بأنهم حق عليهم القول ، وبأنهم لن يؤمنوا وإن أظهروا الإيمان ، فقال عنهم: لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ. لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لايُؤْمِنُونَ.وقال:لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاًوَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ. (يس:7 و70 ) فهل نقض الله تعالى في المدينة ما أنزله في مكة ؟! فقوله تعالى: لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ ، يشمل أهل مكة ، وأهل الجزيرة الذين بلغتهم دعوة النبي(ص) وإنذاره في حياته .
وقوله تعالى: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لايُؤْمِنُونَ .إخبار منه وهو العليم بهم بأن أكثريتهم من أهل جهنم ، وأنهم لن يؤمنوا واقعاً ، وإن آمنوا ظاهراً ، طمعاً أو خوفاً. وقد فسر المقصود بالقول الذي حق عليهم بقوله تعالى: قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ. لأَمْلأن جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ( صاد 84- 85 )
وهل يستطيع المسلم الذي يؤمن بالقرآن ويقول صدق الله العظيم إلا أن يعتقد بأن أكثر أهل مكة وقريش كانوا كفاراً عند وفاة النبي(ص)ولم يؤمنوا !
قال ابن الجوزي في زاد المسير:6/263: (لقد حق القول ، فيه قولان: أحدهما وجب العذاب ، والثاني سبق القول بكفرهم.
قوله تعالى:"أكثرهم، يعني أهل مكة ، وهذه إشارة إلى إرادة الله تعالى السابقة لكفرهم. لا يؤمنون ، لما سبق من القدر بذلك ). انتهى .

وأخيراً ، كيف يكونون خير القرون وقد حكم عليهم الله تعالى بأنهم فراعنة وجنود للفراعنة فقال لنبيه(ص):وَاصْبِرْ عَلَى مَايَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً.إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً. وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعذاباً أَلِيماً.يَوْمَ تَرْجُفُ الأرض وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً. إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رسولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْـنَا إلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً. فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أخذاً وَبِيلاً. (المزمل 10-16) .
وقد تحقق إخباره سبحانه ، فلم يكن مع النبي(ص)من قريش في مهجره إلا قلة قليلة جداً ! وفي بعضهم كلام ! وعندما فتح النبي(ص)مكة مَلَكهم عبيداً ، ولم يعتقهم بل أطلقهم إطلاقاً ، وسماهم الطلـقـاء ! فكيف صاروا بمجرد وفاته صحابة عدولاً، وكيف يجعل الله فيهم خلافة نبيه(ص)ويأمر المسلمين أن يطيعوا قريشاً مدى الدهر ، لأنهم خير القرون؟ حاشا لله !

من أساليبهم في إلجام العوام:
1-تمييع الحقائق وحلف الإيمان !
قال ابن حزم في الأحكام:2/203: ( وأما قدامة بن مظعون ، وسمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة ، وأبو بكرة ، رضوان الله عليهم ، فأفاضل أئمة عدول.
أما قدامة فبدري مغفور له بيقين ، مرضي عنه ، وكل من تيقنا أن الله عز وجل رضي عنه وأسقط عنه الملامة ففرض علينا أن نرضى عنه وأن لا نعدد عليه شيئاً ، فهو عدل بضرورة البرهان القائم على عدالته من عند الله عز وجل وعندنا ، وبقوله(ع)إن الله اطلع على أهل بدر فقال لهم إعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.
وأما المغيرة بن شعبة ، فمن أهل بيعة الرضوان ، وقد أخبر(ع)ألا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة ، فالقول فيه كالقول في قدامة.
وأما سمرة بن جندب فأُحُدي ، وشهد المشاهد بعد أحد وهلم جراً ، والأمر فيه كالأمر في المغيرة بن شعبة.
وأما أبو بكرة ، فيحتمل أن يكون شبه عليه ، وقد قال ذلك المغيرة ، فلا يأثم هو ولا المغيرة ، وبهذا نقول: وكل ما احتمل ولم يكن ظاهره يقيناً فغير منقول عن متيقن حاله بالامس ، فهما على ما ثبت من عدالتهما ، ولا يسقط اليقين بالشك وهذا هو استصحاب الحال الذي أباه خصومنا ، وهم راجعون إليه في هذا المكان بالصغر منهم! فما منهم أحد امتنع من الرواية عن المغيرة وأبي بكرة معاً ، وأبو بكرة وهو متأول ، وأما سمرة فمتأول أيضاً ، والمتأول مأجور وإن كان مخطئاً ، وكذلك قدامة تأول أن لا جناح عليه وصدق لاجناح عليه عند الله تعالى في الآخرة بلا شك ، وأما في أحكام الدنيا فلا ، ولنا في الدنيا أحكام غير أحكام الآخرة . وكذلك كل من قاتل علياً رضوان الله عليه يوم صفين.
وأما أهل الجمل فما قصدوا قط قتال علي رضوان الله عليه ، ولا قصد علي رضوان الله عليه قتالهم ، وإنما اجتمعوا بالبصرة للنظر في قتلة عثمان رضوان الله عليه ، وإقامة حق الله تعالى فيهم ، فأسرع الخائفون على أنفسهم أخذ حد الله تعالى منهم-وكانوا أعداداً عظيمة يقربون من الألوف- فأثاروا القتال خفية حتى اضطر كل واحد من الفريقين إلى الدفاع عن أنفسهم، إذ رأوا السيف قد خالطهم وقد جاء ذلك نصاً مروياً.....
وليس عندنا من أمرهم إلا أنهم فيما بدا لنا مسلمون فاضلون ، يلزمنا توقيرهم والاستغفار لهم ، إلا أننا لا نقطع لهم بالجنة ولا بمغيب عقودهم ، ولا برضى الله عز وجل عنهم ، لكن نرجو لهم ذلك ونخاف عليهم كسائر أفاضل المسلمين ولا فرق. ثم لا نجيز ذلك لعلي وأم المؤمنين وطلحة والزبير وعمار وهشام بن حكيم ومعاوية وعمرو والنعمان وسمرة وأبي الغادية وغيرهم، وهم أئمة الإسلام حقا والمقطوع على فضلهم وعلى أكثرهم بأنهم في الجنة ، وهذا لا يخيل إلا على مخذول .
وكل من ذكرنا من مصيب أو مخطئ فمأجور على اجتهاده ، إما أجريْن ، وإما أجراً ، وكل ذلك غير مسقط عدالتهم. وبالله تعالى التوفيق ).

وقال في المحلى:9/49: (إن من البرهان الواضح على كذب هذا الخبر ووضعه وانه لا يمكن أن يكون حقا أصلا ما فيه مما نسب إلى أم المؤمنين من أنها قالت: أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله(ص)إن لم يتب. وزيد لم يفته مع رسول الله(ص)إلا غزوتان فقط بدر وأحد فقط ، وشهد معه(ع)سائر غزواته ، وأنفق قبل الفتح وقاتل وشهد بيعة الرضوان تحت الشجرة بالحديبية ونزل فيه القرآن وشهد الله تعالى له بالصدق وبالجنة على لسان رسوله(ع)انه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة ، ونص القرآن بأن الله تعالى قد رضي عنه وعن أصحابه الذين بايعوا تحت الشجرة. فوالله ما يبطل هذا كله ذنب من الذنوب غير الردة عن الإسلام فقط وقد أعاذه الله تعالى منها برضاه عنه وأعاذ أم المؤمنين من أن تقول هذا الباطل )

2- تعليم العوام إنكار الحقائق نهاراً جهاراً !
قال ابن كثير في النهاية:6/211: (ثبت أيضاً الأخبار عنه صلوات الله وسلامه عليه بأنه لايدخل النار أحد بايع تحت الشجرة ، وكانوا ألفاً وأربعمائة ، وقيل وخمسمائة ، ولم ينقل أن أحداً من هؤلاء رضي الله عنه عاش إلا حميداً ، ولا مات إلا على السداد والاستقامة والتوفيق ، ولله الحمد والمنة. وهذا من أعلام النبوات ، ودلالات الرسالة ). انتهى .

3- إلجام أطفال المسلمين بتربيتهم على عصمة عمر !
قال ابن حبان في صحيحه:15/317: (ذكر الخبر الدال على أن عمر بن الخطاب (رض) كان من المحدثين في هذه الأمة.....عن عائشة قالت قال رسول الله(ص)قد كان يكون في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فهو عمر بن الخطاب !
ذكر إجراء الله الحق على قلب عمر بن الخطاب(رض)ولسانه:
عن بن عمر أن النبي(ص)قال: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه .
وقال ابن عمر ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال عمر بن الخطاب ، إلا نزل القرآن على نحو مما قال عمر !
ذكر بعض ما أنزل الله جل وعلا من الآي وفاقاً لما يقوله عمر بن الخطاب(رض):
عن حميد عن أنس قال قال عمر بن الخطاب: وافقت ربي في ثلاث أو وافقني ربي في ثلاث....
ذكر الخبر الدال على أن ناحية بعد أبي بكر كان عمر...
ذكر البيان بأن عمر بن الخطاب أول ما تنشق عنه الأرض بعد أبي بكر الصديق...
ذكر البيان بأن عمر بن الخطاب كان أحب الناس إلى رسول الله بعد أبي بكر...
ذكر إثبات الرشد للمسلمين في طاعة أبي بكر وعمر...
ذكر أمر المصطفى المسلمين بالاقتداء بأبي بكر وعمر بعده...
ذكر شهادة المصطفى للصديق والفاروق بكل شئ كان يقوله (ص)...
ذكر البيان بأن الصديق والفاروق يكونان في الجنة سيدي كهول الأمم فيها...
ذكر رضا المصطفى عن عمر بن الخطاب في صحبته إياه... انتهى.
وليس ابن حبان إلا نموذجاً لجميع مصادرهم في الحديث ! فقد عقدوا لهذه الأحاديث أبواباً متعددة متنوعة ، في الصحاح ، والسنن ، والمسانيد ! وعلَّموا الناس حفظها ونشرها ، وترديدها في زيارة قبر عمر، كما في إعانة الطالبين:2/357: (فيسلم على سيدنا عمر(رض)ويقول: السلام عليك ياأمير المؤمنين ياسيدنا عمر بن الخطاب ، يا ناطقاً بالحق والصواب ، السلام عليك ياحليف المحراب.
السلام عليك يا من بدين الله أمر ، يا من قال في حقك سيد البشر(ص): لو كان بعدي نبيٌّ لكان عمر .
السلام عليك يا شديد المحاماة في دين الله والغيرة ، يا من قال في حقك هذا النبي الكريم(ص): ما سلك عمر فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غيره...). إلخ.

قال السيد المرتضى في كتابه الشافي في الإمامة:3/129 ، وهو يفند الأحاديث القرشية الموضوعة في فضائل أبي بكر وعمر:
(وأما ما رواه من قوله(ص): إن الحق ينطق على لسان عمر ، فهو مقتض إن كان صحيحاً عصمة عمر والقطع على أن أقواله كلها حجة ! وليس هذا مذهب أحد في عمر ، لأنه لاخلاف في أنه ليس بمعصوم وأن خلافه سائغ !
وكيف يكون الحق ناطقاً على لسان من يرجع في الأحكام من قول إلى قول ، ويشهد على نفسه بالخطأ ، ويخالف في الشئ ثم يعود إلى قول من خالفه ، فيوافقه عليه ، ويقول (لولا علي لهلك عمر) و (لولا معاذ لهلك عمر) ؟!
وكيف لم يحتجَّ بهذا الخبر هو لنفسه في بعض المقامات التي احتاج إلى الإحتجاج فيها؟! وكيف لم يقل أبو بكر لطلحة لما قال له: ما تقول لربك إذ وليت علينا فظاً غليظاً! أقول له: ولَّيْتُ من شهد الرسول بأن الحق ينطق على لسانه!
وليس لأحد أن يدعي في الإمتناع من الإحتجاج بذلك سبباً مانعاً كما ندعيه في ترك أمير المؤمنين(ع)الإحتجاج بذلك بالنص ، لأنا قد بينا فيما تقدم أن لتركه(ع)ذلك سبباً ظاهراً ، وهو تآمر القوم عليه وانبساط أيديهم ، وأن الخوف والتقية واجبان ممن له السلطان ، ولا تقية على عمر وأبي بكر من أحد ، لأن السلطان كان فيهما ولهما ، والتقية منهما لا عليهما !
على أن هذا الخبر لو كان صحيحاً في سنده ومعناه ، لوجب على من ادعى أنه يوجب الإمامة (يقصد القاضي عبد الجبار الهمداني صاحب المغني، وقد ألف الشافي رداً عليه) ، أن يبين كيفية إيجابه لذلك ، ولايقتصر على الدعوى المحضة ، وعلى أن يقول: إذا جاز أن يدعي في كذا وكذا أنه يوجب الإمامة ، جاز في هذا الخبر ، لأنا لما ادعينا في الأخبار التي ذكرناها ذلك ، لم نقتصر على محض الدعوى ، بل بينا كيفية دلالة ما تعلقنا به على الإمامة ، وقد كان يجب عليه إذا عارضنا بأخباره أن يفعل مثل ذلك ). انتهى.

وقال الأميني في الغدير:6/331: (هناك أحاديث موضوعة تذكر في فضائل عمر لاتلتئم مع شئ مما ذكرناه بأسانيده الوثيقة(في علم عمر) وكلٌّ من ذلك يفنِّدها منها ما يعزى إليه(ص)من قوله: لو لم أبعث فيكم لبعث عمر.
ورواية: لو لم أبعث لبعثت يا عمر.
ورواية: لو كان نبي بعدي لكان عمر بن الخطاب.
ورواية: قد كان في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فهو عمر.
ورواية: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه.
وراية: أن الله ضرب بالحق على لسان عمر وقلبه .
ومنها ما رووه عن علي أمير المؤمنين(ع)من قول: كنا نتحدث إن ملكاً ينطق على لسان عمر. وقوله: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر.
ومنها ما يروى عن أعاظم الصحابة مثل ما يعزى إلى ابن مسعود من قوله: لو وضع علم عمر في كفة وعلم أهل الأرض في كفة لرجح علم عمر.
وأمثال هذه من الأكاذيب ، فإن من يكون بتلك المثابة حتى يكاد أن يبعث نبياً لايفقد علم واضحات المسائل عند ابتلائه ، أو ابتلاء من يرجع أمره إليه من أمته بها ، ولا يتعلم مثله سورة من القرآن في اثنتي عشرة سنة !
وأين كان الحق والملك والسكينة ، يوم كان لايهتدي إلى أمهات المسائل سبيلاً فلا تسدده ، ولا تفرغ الجواب على لسانه ، ولا تضع الحق في قلبه !
وكيف يسعُ المسدَّد بذلك كله أن يحسب كل الناس أفقه منه حتى ربات الحجال ؟! وكيف كان يأخذ علم الكتاب والسنة من نساء الأمة وغوغاء الناس فضلاً عن رجالها وأعلامها ؟
وكيف كان يرى عرفان لفظة مفسرة بالقرآن تكلفاً ويقول: هذا لعمر الله هو التكلف ، ما عليك يا بن أم عمر أن لا تدري ما الأبُّ ؟!
وكيف كان يأخذ عن أولئك الجم الغفير من الصحابة ويستفتيهم في الأحكام.  
وكيف كان يعتذر عن جهله أوضح ما يكون من السنة بقوله: ألهاني عنه الصفق بالأسواق .
وكيف كان لم يسعه أن يعلم الكلالة ويقيمها ، ولم يتمكن من تعلم صور ميراث الجد ، وكان النبي(ص)يقول: ما أراه يعلمها ، وما أراه يقيمها. ويقول: إني أظنك تموت قبل أن تعلم ذلك ؟!
وكيف كان مثل أبيٍّ بن كعب يغلظ له في القول ويراه لاهياً عن علم الكتاب بالصفق بالأسواق وبيع الخيط والقرظة ؟
وكيف كان يراه أمير المؤمنين(ع)جاهلاً بتأويل القرآن الكريم.
وكيف وكيف ، إلى مائة كيف؟!
نعم راق القوم أن ينحتوا له فضائل ويغالوا فيها ولم يترووافي لوازمها).انتهى.

وقال المفيد(رض)في الإفصاح في إمامة أمير المؤمنين(ع) ص40: (فلو سلمنا لك دعواك لمن ادعيت الفضل لهم على ما تمنيت لم يمنع مما ذكرناه ، لأنه لا يوجب لهم العصمة من الضلال ، ولايرفع عنهم جواز الغلط والسهو والنسيان ، ولايحيل منهم تعمد العناد. وقد رأيت ما صنع شركاؤهم في الصحبة والهجرة والسبق إلى الإسلام حين رجع الأمر إلى أمير المؤمنين(ع)باختيار الجمهور منهم والإجتماع ، فنكث بيعته طلحة والزبير ، وقد كانا بايعاه على الطوع والإيثار وطلحة نظير أبي بكر ، والزبير أجل منهما على كل حال ، وفارقه سعد بن أبي وقاص وهو أقدم إسلاماً من أبي بكر ، وأشرف منه في النسب ، وأكرم منه في الحسب ، وأحسن آثاراً من الثلاثة في الجهاد ! وتبعه على فراقه وخذلانه محمد بن مسلمة ، وهو من رؤساء الأنصار ، واقتفى آثارهم في ذلك وزاد عليها بإظهار سبه والبراءة منه حسان !! فلو كانت الصحبة مانعة من الضلال لمنعت من ذكرناه ومعاوية ابن أبي سفيان وأبا موسى الأشعري ، وله من الصحبة والسبق ما لايجهل وقد علمتم عداوتهم لأمير المؤمنين(ع)وإظهارهم البراءة منه ، والقنوت عليه ، وهو ابن عم رسول الله(ص)وأميره على أبي بكر وعمر وعثمان.
ولو كانت الصحبة أيضاً مانعة من الخطأ في الدين والآثام.....ولكانت صحبة السامري لموسى بن عمران(ص)وعظم محله منه ومنزلته، تمنعه من الضلال باتخاذ العجل والشرك بالله عز وجل ، ولاستحال أيضاً على أصحاب موسى نبي الله(ع) وهم ستمائة ألف إنسان وقد شاهدوا الآيات والمعجزات وعرفوا الحجج والبينات أن يجتمعوا على خلاف نبيهم وهو حي بين أظهرهم ، ويباينوا خليفته وهو يدعوهم ويعظهم ويحذرهم من الخلاف وينذرهم ، فلا يصغون إلى شئ من قوله ، ويعكفون على عبادة العجل من دون الله عز وجل.
ولكان أيضاً أصحاب عيسى(ع)معصومين من الردة ، ولم يكونوا كذلك ، بل فارقوا أمره وغيروا شرعه ، وادعوا عليه أنه كان يأمرهم بعبادته ، واتخاذه إلهاً مع الله تعالى تعمداً للكفر والضلال ، وإقداماً على العناد من غير شبهة ولا سهو ولا نسيان). انتهى.

4- إلجام العوام باستخدام وسائل الإعلام !
لو نظرنا في حجم ما يقوم به في عصرنا الذين يسميهم ابن حبَّان (المعتنين بأمر الدين) ، لتركيز قداسة أبي بكر وعمر في نفوس المسلمين ، لرأينا العجب !!
من مناهج التربية المدرسية والجامعية ، إلى برامج الراديو والتلفزيون ، إلى خطب المساجد ودروسها ، إلى الكتب والكتيبات والأشرطة ، إلى صفحات النت ومواقعها المتنوعة.. ومنها بإسم الصحابة لكن المقصود به أبو بكر وعمر !
والمطلوب فيها كلها غرس الإعتقاد بفضائل أبي بكر وعمر إلى حد العصمة والغلو ، وغرس الإعتقاد بأن من لم يعتقد بذلك فهو عدو للإسلام ونبيه وقرآنه !
وفي مقابله لاتكاد تجد شيئاً عن أهل البيت ، وحتى عن بقية الصحابة !
والمطلوب أن يكبر الطفل المسلم وعنده تقديس خاص لعمر وأبي بكر لايصل اليه تقديس آخر ، وحساسية خاصة تجاههما بحيث تستنفر وسائل دفاعه لأقل ما يحتمل أنه يمس بهما ، أكثر مما يستنفر لرسول الله(ص) !
وبهذا يتجاوز المعتنون بأمر (الدين) قضية إلجام العوام عن المساس بأبي بكر وعمر ، إلى تعبئتهم للحرب من أجلهما ، ومن أجل كل ما يتعلق بهما !
وليس في كلامنا هذا مبالغة ، إذ يكفي أن تجرب مع هؤلاء المعبئين أن تبحث في عصمة النبي(ص)وأخطائه الكثيرة ، فتراهم يشاركونك في البحث ! حتى إذا طرحت ما يحتمل أنه خطأ لعمر ، انصب عليك جام غضبهم بلا هوادة !


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page