• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الإنسان روحي ومادي

 

الإنسان روحي ومادي

بين الشخصية المعنوية والمادية
لكل فرد من أفراد الإنسان شخصيتان: مادية، وهي جسمه الذي يُرى ويقاس ويوزن، وتناله يد التشريح والتحليل. وشخصيته المعنوية اللامادية، وهي نفسه وطبيعته التي تُعرف بالأثر لا بالعين، وبالفعل لا بالقياس والوزن، وأيضاً هي ماء الجسم وحياته، بها يحس الإنسان ويعقل، ويرى ويسمع، ويحزن ويفرح، ويحب ويكره، ويقسو ويرحم الخ، واليها يشير بكلمة (أنا وأنت) واليها وحدها يوجه الكلام والخطاب.
وفي كتاب صوان الحكمة أن أبا نفيس كان يخطب الناس ويقول فيما يقول: ((ما خبر البدن الحامل للروح؟ وما حديث الروح المحرك للبدن؟ وما حد كل منهما؟ وما هذه الوحدة والامتزاج بينهما؟ وكيف تباعدا بعد هذا الاختلاط؟)).

خصائص الشخصيتين
وتنفرد كل من الشخصية المعنوية والمادية في الإنسان الفرد ـ بخصائص لا يوجد لها من نظير في غيرها على الإطلاق لا في الكائنات الأخرى ولا في الأشخاص الآخرين من أبناء جنسه.. وقد يكون للفرد أشباه ونظائر في طوله ولونه، وفي عرضه ووزنه، ولا يكون ولن يكون له شبه ونظير في ملامح وجهه وبصمة بنانه وصفة صوته ونطقه، وأيضاً قد يوجد للإنسان الفرد أشباه ونظائر إلى حد ما وبقدر معين في ذكائه أو بلادته وفي جوده أو بخله، وما إلى ذلك من صفات النفس والشخصية اللامادية، أما التشابه الكامل في جميع خصائصها فمحال لأنه يتميز ببعض الخصائص عن جميع الأفراد حتى عن أمه وأبيه تماماً كما تميز عنهما وعن كل الناس ببصمة الابهام وملامح الوجه. ويضاف إلى ذلك الجهل بالكثير من صفات النفس، إنها تتوارى حتى عمن هي كامنة في أعماقه، ولا تظهر له ولا لغيره إلا أن يمر بأحداث دامية وتجارب قاسية وقد تبقى طي الغيب والكتمان حتى الممات.
وأهم الفروق بين الشخصيتين أن الشخصية اللامادية هي وحدها ذات الأهلية والقابلية للدين والأخلاق لأنها تدرك ـ دون الشخصية المادية ـ أسرار الكون، وتشعر بقيمة الفعل والسلوك خيراً كان أو شراً.. ومن ينكر الشخصية اللامادية أيضاً ينكر الأديان والأخلاق بحكم البديهة القاضية بأن الفرع يسقط حتماً بسقوط الأصل، وسنتحدث عن الماديين الذين قالوا: المادة هي الموجود الوحيد في الكون كله.
ومهما اختلفت الفروق بين الشخصيتين كماً وكيفاً فان كلا منهما مكلمة للثانية، ولا غنى لاحداهما عن الأخرى.

بين الإنسان والحيوان
وأيضاً للحيوان شخصيتان: نفسية بها ينمو ويحس، وأيضاً يقبل التغيرُ والتعلم واستخدام الآلة في مضمار محدود. وشخصية مادية تشترك مع المادية الإنسانية في العديد من الصفات، منها القياس والوزن والتحليل والتشريح، ومنها المعدة والحركة وما أشبه، وتختلف هاتان الشخصيتان الماديتان في قدرة الإنسان على المشي منتصباً وتحرر اليدين واستخدامهما في أشق الأعمال وأدقها. أما الحد الفاصل بين الإنسان والحيوان في النفس والشخصية اللامادية ـ فمن وجوه منها:

1 ـ ان الإنسان مهما بلغ من العلو والرقي في مستوى العلم أو العيش فانه يتطلع ـ دون الحيوان ـ إلى ما هو أعلى وأرقى.

2 ـ ان الإنسان يستطيع العلم بالماضي السحيق، والتنبؤ عن المستقبل البعيد، والحيوان لا يعرف إلا الحاضر الملموس.

3 ـ ان الإنسان ـ دون الحيوان ـ ليخترع آلات تنوب عنه في الاعمال العضلية كالمصانع والذهنية كالآلة الحاسبة. بالإضافة إلى بناء الأسرة والحضارة وقواعد السلوك.

4 ـ قال أبو بكر الرازي في كتاب الطب الروحاني: ((الحيوان يُروّث أو يتناول ما يتغذى به مع حضوره وحاجته إليه، أما الإنسان فيترك ذلك، ويقهر طبعه عليه لمعانٍ عقلية تدعوه إلى ذلك)).

شسع نعلك خير منك
كل ما في الإنسان من خصائص وطاقات فضائل وصفات فهي لله عليه حجة قائمة تماماً كعمره وماله وصحته وجاهه إلا أن يستعملها استعمالاً حكيماً ونافعاً، لله فيه رضا ولعباده صلاح، وعندئذ تكون هذه الموافقة له لا عليه وإلا يكون الحيوان خيراً وأفضل، قال سبحانه: (أرأيت من اتخذ إلهه هواه... ان هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً) (44 ـ الفرقان) والمراد هنا بالهوى ما يأمر بالسوء والشر وإلا فان الإنسان يهوى زينة الله التي أخرجها لعباده والطيبات من رزقه، قال سبحانه: (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله) (50 ـ القصص) ومعنى هذا أن موافقة الهوى ليست بمحرمة بنهي منه تعالى، وما من شك أن من يعصي الله، الحيوان أفضل منه وأشرف، بل شسع نعله خير منه وأجدى، قال الإمام أمير المؤمنين(ع) لبعض من خان من عماله: ((جمل أهلك وشسع نعلك خير منك)).
وإذا كانت النعل أو شسعها خيراً ممن خان في دريهمات فكيف بمن يعيش حياته على الغش والخديعة، ويستهين بحقوق الله وعياله؟.
وفي العدد الأول من السنة التاسعة من رسالة الإسلام لدار التقريب، مقال بعنوان (حياة بغير مُثل حياة الحيوان) جاء فيه ما معناه أن من شأن الحيوان أن يسعى لمنفعته الخاصة، ولا تكليف عليه ومسئولية تجاه أي حيوان آخر حتى ولو كان هذا الآخر أباً له أو أبناً، أما الإنسان فعليه أن يؤدي رسالة الله لكل إنسان، وهي سموه عن الحيوان بالسعي والعمل لمنفعته وخير أخيه الإنسان.. ونعطف على قول هذا الكتاب، وهو الدكتور محمد البهي، ما قاله عالم غربي: ((صحيح أن الإنسان أناني بطبعه، ولكن هذا القول ليس صحيحاً كل الصحة لأن الإنسان مضطر أيضاً لأن يكون غيرياً.
ثم قال البهي ما نصه بالحرف: ((والفلسفة المادية لا تعرف حدوداً لحيوانية الإنسان، ولا تطلب منه في التفكير منهجاً خاصاً، ولا في السلوك طريقاً واحداً، بل تُخضع تفكيره وسلوكه حيوانيته.. أما الأخلاق فليست قوانين عامة فوق نظرات الأفراد.. ودعوة المادية سهلة ورخيصة لأنها دعوة إلى الحيوانية)).
ومن هنا أقبل عليها أكثر الناس.. وغير بعيد أن تكون الفلسفة المادية في هذا العصر هي المقصودة بكلمة الدجال الذي يخرج في آخر الزمان، ويأتيه الناس من كل بلد وطريق كما في العديد من الأسفار والأخبار.
وبهذه المناسبة نستطرد فيها يلي بالإشارة إلى أنصار الفلسفة المادية وأهدافهم.

الماديون
أنكر الماديون الشخصية اللامادية للإنسان، وقالوا: إنها كلام فارغ بناءً على أصلهم من أن المادة التي تُرى هي الموجود الوحيد، أما ما ينسب للنفس والعقل من أفعال وآثار فهي آثار للجسم لا للعقل وأفعال للمادة لا للنفس تماماً كالجمع والطرح والضرب ينسب إلى العقل الالكتروني وتسجيل درجة الحرارة إلى ميزانها الطبي (الترمومتر)!
وما أبعد ما بين هؤلاء وبين ديكارت الذي قيل عنه من جملة ما قيل: انه أبو الفلسفة الحديثة. ووجه البعد أن ديكارت استدل على وجود الجسم الذي يراه بوجود الفكر الذي لا يراه دون العكس، وذلك حيث قال: أنا أفكر فاذن أنا موجود. ولم يقل: أنا موجود فإذن أنا أفكر لأن الحقائق الرياضية لا يعترضها الشك على العكس من الحقائق الطبيعية. ومثله تماماً قول الإمام أمير المؤمنين(ع) في الحكمة 281 من نهج البلاغة: ((قد تكذب العيون أهلها، ولا يغش العقل من استنصحه)).
ووقفنا طويلاً مع الماديين في كتاب فلسفة المبدأ والمعاد وكتاب شبهات الملحدين والإجابة عنها، ونكتفي هنا بسؤالين من أستاذ شهير وجوابنا عنهما:

السؤال الأول: هل ترشدني إلى دليل واضح قصير وبسيط على وجود الله يتناسب مع ادراك الصبيان كي أعلمه لتلاميذي؟. وكان الوقت ليلاً، قلت له: أرشدك إلى دليلين لا إلى دليل واحد، وخذ الدليل الأول من الله سبحانه بنصه وحروفه، وليس فيه حرف واحد لغيره، وكأنه، جلت حكمته، قد خاطب به الصبيان ومن هو في مستوى عقولهم.. احفظ الآية الآتية وحفّظها صبيانك، واسأل كل واحد منهم: ماذا فهم منها، ودعه يتكلم بما يفهم، ثم عقب على كلامه بما تراه مناسباً.
وهذه الآية الكريمة الجلية: (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه؟) فهل تريد دليلاً أقوى وأبلغ وأبسط وأوضح من هذا الدليل؟
قال: عظيم، فأين الدليل الثاني؟ قلت له: أتنكر هذه اللمبة التي نستضيء بنورها؟. قال: وكيف أنكر نوراً أستضيء به؟. قلت: لو أنكرتها لكنت تماماً كمن ينكر وجود اديسون الذي أعطانا هذه اللمنة.. أبداً لا فرق بين انكاره وانكارها. أليس كذلك؟. قال: بلى، بكل تأكيد. قلت: هل هذه اللمبة ونورها أعظم من الشمس ونورها؟ ولا أقول لك الكون بمن فيه وما فيه. قال: الشمس ونورها أعظم، ما في ذلك ريب، قلت: كذلك انكار خالق الشمس ووجوده هو انكار لوجود الشمس ونورها تماماً كانكار الكهرباء المستلزم لانكار اديسون.

قال في سؤاله الثاني: ولكن يقولون: إن الكون بشمسه وكل ما فيه ومن فيه قد وجّد صدفة وتلقائياً. قلت: ولماذا لم توجد اللمبة صدفة؟ حتى عود الثقاب وجد بسبب. قال: زدني. قلت: لو صدقت الصدفة كقانون لما كان في الدنيا علوم وقوانين ولا مصانع ومختبرات ولا مدارس وجامعات.
قال: ولماذا؟ قلت: العلم هو انتقال من جزئي مشاهد ومحسوس إلى قاعدة كلية تنطبق على جميع أفرادها طرداً وعكساً لأن من أخص خصائص العلم الشمول والعموم وإلغاء كل ما هو خاص. مثلاً ـ لاحظ نيوتن سقوط التفاحة من الشجرة، فسنّ قانون الجاذبية وقال: كل جسم فيه قوة جاذبة كما فيه قوة سالبة دافعة: ولو صحت الصدفة وصدقت، ما ساغ لنيوتن وغيره أن يؤمن ويوقن بالجاذبية ولا بأية قاعدة علمية إطلاقاً.

التوازن بين مطالب الروح والجسم
خلق سبحانه الإنسان من جسم وروح، وهو يعلم ما يتطلب هذا وذاك، وما يصلحه ويفسده، ووضع شريعةً للإنسان ترسم له المنهج الملائم لطبيعة الجسم والروح وواقع الحياة بلا تصادم وتعارض.
والسعيد الكامل من ينسق ويوفق بين متطلبات جسمه وروحه، ويكون مادياً وروحاً في آن واحد على أساس الشريعة الإلهية: (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا) (77 ـ القصص) أي لا تجعل نفسك عبداً لشهواتك، ولا تظلم جسدك في حاجته، وقال الرسول الأعظم(ص): ((ليس خيركم من عمل لدنياه دون آخرته، ولا من عمل لآخرته وترك دنياه، وانما خيركم من عمل لهذه وهذه)).
وقال الدكتور زكي نجيب محمود من مقال نشره في مجلة العربي العدد 158 بعنوان الواقع وما وراء الواقع:
((ان أغلب الظن عندي هو أن أوضح سمة تُميز العربي في ثقافته هي أنه يوازن في دقة وبراعة بين وجهي الحياة: فللواقع المحسوس مجال، ولما وراءه مجال آخر، بل يتكامل المجالان في حياة سوية متزنة، وربما كان المقصود من الحديث الشريف بأن يعمل الإنسان لدنياه كأنه يعيش أبداً، ولآخرته كأنه يموت غداً، هو وجوب مراعاته لهذا التوازن بين النظر إلى ما يُرى وإلى ما هو أرفع وأسمى، فالأول مهما كانت قيمته فهو جزء عابر يأتي ويمضي، أما ما لا يرى فهو مطلق أزلي لا يتعاوره الحدوث والفناء)).


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page