• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

كل الناس أحرار


كل الناس أحرار

أن مذهب أهل البيت(ع) أن الإنسان مخير لا مسير، وعلى هذا فالكل يحتكم إلى العقل والوحي. فقد جاء في أصول الكافي عن أهل البيت أن الله، تقدست مشيئته قال: ((يا ابن آدم بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء)).
وفي الجزء الأول من روضة الكافي أن الإمام أمير المؤمنين قال: ((إن آدم لم يلد عبداً ولا أمة، ان الناس كلهم أحرار)). وفي نهج البلاغة: ((لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً)).
وما من شك أن القول بحرية الإنسان ليس فتحاً في الفلسفة، ولا هو منقبة لقائله لأن الحرية كالتنفس ثابتة بحكم الطبيعة وقانونها لا بجعل جاعل وتشريع مشرع حيث لا إنسانية بلا حرية، ولولاها لعجز الإنسان عن أدنى الأشياء. وتحدثنا عن ذلك مطولاً في العديد من كتبنا، ولعل أنفع ما كتبناه في هذا الموضوع فصل فلسفة الاختيار من كتاب فلسفة التوحيد والولاية.
وكنا في غنى عن هذه الإشارة هنا لولا أن خصوم الإسلام قد طعنوا به ونعتوه بدين الجبر والقهر، واستدلوا بمذهب الأشعري وأتباعه من السنة القائل بأن كل ما يفعله الإنسان فهو مكتوب عليه، ومقدر بإرادة الله منذ البداية!. ومعنى هذا أنه لا أخلاق ولا خير ولا شر من الأساس لأن سلوك الإنسان وجميع أفعاله أشبه بالثمرة على الشجرة والجريان في الماء.. ومن أنصف وعرف أن أهل البيت هم أئمة الإسلام وترجمان القرآن، لا يحتج بجبري وأشعري.
واعتذر الشيخ الدكتور محمد عبد الله دراز في كتابه دستور الأخلاق عن الأشاعرة وقال: إنهم يريدون من سلب الحرية عن الإنسان في عالم الإمكان لا في عالم الوقوف أي أنه تعالى قادر على ذلك ولكنه لم يفعل (انظر ص 66 وما بعدها من الكتاب المذكور). أما الشيخ الدكتور محمد البهي الأزهري فقال في رسالة الإسلام لدار التقريب العدد الأول من السنة الثامنة ص 63: ((ان القرآن والسنة يثبتان حرية الإنسان، أما القول بأنه مسير لا مخير فهو من تأويل ضعفاء المسلمين أو أصحاب الغرض منهم أو من غيرهم)).

الكلام
روى صاحب سفينة البحار عن إمام المؤمنين وسيد الساجدين أنه سئل عن الكلام والسكوت، أيهما أفضل؟ فقال: ((لكل واحد منهما آفات، فاذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت لأن الله جل وعز ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت، انما بعثهم بالكلام، ولا استحقت الجنة بالسكوت، ولا استوجبت ولاية الله بالسكوت، ولا توقيت النار بالسكوت, كل ذلك بالكلام. انك تصف السكوت بالكلام، ولا تصف الكلام بالسكوت)).
وأولاً وقبل كل شيء نشير إلى هذه البديهة: كل شيء يأتي في وقته، ويوضع في محله اللائق به فهو خير وحسن وحكمة وتدبير، وكل شيء يتجاوز حده إلى غيره فهو سفاهة وجهالة.. ومثال الأول قول الإمام أمير المؤمنين(ع): الغدر بأهل الغدر وفاء عند الله. ومثال الثاني قوله: الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله.
هذا من حيث الفكرة والقاعدة العامة الشاملة للكلام وغير الكلام سكوتاً كان أو أي شيء، أما الحديث عن الكلام بصرف النظر عن السكوت، وعن السكوت بصرف النظر عن الكلام، فان كلاً منهما لا يوصف بخير أو شر من حيث هو، بل يختلف تبعاً لثماره وآثاره التي تختلف هي بدورها تبعاً للمقامات والحالات، فقد يكون السكوت شراً كالسكوت عن الحق حيث وصف الرسول الأعظم الساكت عنه بالشيطان الأخرس، وقد يكون خيراً كالذّي يسكت عن كلمة خبيثة كيلا يسمع كلمات. وأيضاً يكون الكلام خيراً إن أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس، كما في الآية114 من سورة النساء، ويكون شراً إن يكن الكلام كذباً أو غيبة أو شتماً أو لغواً. قال أفلاطون: ((الخسيس من كثر كلامه فيما لا ينفع)). ويصدق هذا كل الصدق على العديد من الذين يتطفلون على المنابر في هذا العصر حيث يدورون ويلفون ويسرفون في الكلام من غير طائل، ويتبسطون في السخف إلى أبعد حد!.
هذا بالنسبة إلى الكلام في ذاته والسكوت في ذاته، أما المقارنة والمفاضلة بينهما كما هو موضوع السؤال والجواب فان الكلام أفضل، ما في ذلك ريب، كما قال الإمام(ع) ونعطف على ما قال.
أولاً أن الكتب والأسفار وما يدرس في المعاهد والجامعات ويدور في الأسواق والشوارع، كل ذلك وغير ذلك كلام وبيان، وهل توجد حياة اجتماعية بلا تفاهم وتخاطب؟.
ثانياً ان التخاطب والحوار يوقظ الفكر، ويفتح له آفاقاً جديدة كالتحليل في المختبر، خاصة إذا كان الحوار بين أهل العلم والفهم.. ونقول هذا عن حسٍ وتجربة.
وأخيراً هذه الرواية عن الإمام جعفر الصادق(ع): ((لقد تجلى الله تعالى لعباده في كلامه، ولكن لا تبصرون)). (أنظر كتاب عوارف المعارف لعمر السهروردي ص 165). ومراد الإمام أن عظمة الله سبحانه تجلت في كلامه المعجز تماماً كما تجلت في الكون ومن فيه وما فيه.

الصفقة الخاسرة
قال الإمام أمير المؤمنين(ع) في حكمة 424 من حكم النهج: أخسر الناس صفقة، وأخيبهم سعياً رجل أخلق بدنه في طلب ماله، ولم تساعده المقادير على ارادته.
وللفيلسوف الألماني الشهير شبنهور كلام منقول عن كتابه حكمة الحياة كأنه يشرح هذه الحكمة العلوية الخالدة، قال: ((اننا حتى إذا نجحنا في تكوين ثروة ضخمة فاننا قلما نفطن إلى عوامل التغيير التي يدخلها الزمن علينا.. وآية ذلك أن الأموال التي نجمعها على حساب صحتنا وراحتنا أو التي سهرنا الليالي الطوال في سبيل الحصول عليها، قد تجيئنا بعد فوات الأوان، فلا تعود تنفعنا بشيء، وعندئذ لا نلبث أن نتحقق من أننا قد أضنينا نفوسنا في سبيل الآخرين ممن لا يعرفون قيمة هذه الثروة)).
وكلنا يشعر من أعماقه أن ما زاد عن نفقته وحاجته من المال فهو لغيره لا محالة، ومع هذا يحرص الكثير منا على المزيد، ويسعى له جاهداً، ويناضل كادحاً!. فهل يكمن السر في نفس المال أو في داخل الإنسان وأعماقه؟.
وما من شك أن السر يكمن فيهما معاً تماماً كجمال الحسناء وغريزة الجنس، ولكن المال بما هو في ذاته على وتيرة واحدة سواء أنسبته إلى طامع أم إلى قانع، لأنه رسم على كاغد أو من حجر جامد وانما الفرق والتفاوت في الاتجاهات والغايات، فمن الناس من لا يبتغي من المال إلا حفظ البقاء وسد الحاجة واليأس مما في أيدي الناس، فيقتنع بما يحقق هذه الغاية، ومنهم من يطلب المال للجاه والمباهاة.. ولا يقف عند حد معين، ومثله من إذا تحققت له رغبة من مال أو جاه تجددت له رغبة أخرى. وقد صور ذلك الرسول الأعظم(ص) أجمع وأبلغ تصوير حيث قال: لو كان لابن آدم جبلان من ذهب لتمنى لهما ثالثاً الخ.
وقال رسل: لا هدف لإنسان الولايات المتحدة من المال إلا أن ينتج المال مالاً وكفى. وآخر ما قرأت عن هذا الإنسان مقالاً كتبه الدكتور فؤاد زكريا ونشرته مجلة العربي في العدد 212، جاء فيه:
((من الخبرات التي صدمتني للوهلة الأولى في أمريكا أن المجتمع لا يقيم وزناً كبيراً لرجل العلم، بل المثل الأعلى عند الأمريكي العادي هو رجل المال والأعمال الناجح. وهذا هو النمط الذي يحتل القمة في تقديرهم واحترامهم، أما العلماء والأساتذة فلا يلقون من الناس تقديراً كبيراً، بل ربما أحس الناس نحوهم بنوع من السخرية الخفية)).

سل تفقهاً لا تعنتاً
سأل سائل الإمام أمير المؤمنين(ع) عن معضلة، فقال له: ((سل تفقهاً ولا تسل تعنتاً، فان الجاهل المتعلم شبيه بالعالم، والعام المتعسف شبيه بالجاهل المتعنت)).
تذكرت هذه الحكمة الخالدة في يومي هذا: 25 من ذي القعدة سنة 1396هـ حيث سألني شاب في قمّ يوحي مظهره بأنه من طلاب الحوزة الدينية، أما مخبرة فيعرف من قراءة هذه السطور، وكان سؤاله حول الحكمة من حكم ثبت بالوحي وضرورة الدين والمذهب.
فقلت له: القرآن الكريم نص على الحكم، وسكت عن علته أو حكمته، وعلينا أن نتعبد ولا نتفلسف، قال: كيف؟ أنا أريد أفهم، قلت: في النص كل الفهم وغنى عن غيره، إن كنت من المسلمين حقاً، قال: أنا مسلم، قلت: المسلم يستسلم للضرورة الحاكمة والآية القائمة والرواية المسلمة حتى ولو جهل الحكمة يقول: آمنت ما دام من عند الله.. ومن قال بلسان المقال أو الأفعال: لا أؤمن بأحكام الله إلاّ إذا علمت بالسبب الموجب للتحليل والتحريم ـ فما هو من المسلمين في شيء لأنه قد جعل من نفسه مشرعاً في مقابل الله ورسوله من حيث يريد أو لا يريد.
وقال سبحانه: (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة) والإيمان بالغيب كما يعم ويشمل الإيمان بالجن والملائكة أيضاً يشمل ويعم الجهل بعلل الأحكام والشرائع الغائبة عن أفهامنا.. هذا، إلى أن الرأي يخطى ويصيب، والوحي معصوم عن الخطأ، فكيف نعلل الوحي بالرأي، ونجعله دليلاً؟ وهذا الشاب المعمم يأبى إلا أن يعكس الآية والحقيقة، ويجعل الدليل مدلولاً، والمدلول دليلاً!. ولما أعيتني المحاول لقنته درساً ينتفع به، ان كان له عقل وقلب.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page