طباعة

مقدمة المركز

 

 بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالمين.. والصلاة والسلام على رسول الله سيد الخلائق وخاتم النبيين محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين .
وبعد.. فإنّ حق الرسول العظيم على أتباعه لحق عظيم ، يتفاوت الاَفراد في معرفته ومستويات أدائه ، وليس من شك فإنّ حبه هو من أولى هذه الحقوق ، إذ هو المقدمة الضرورية لما يتبعه من اقتفاء أثره وتحرّي سُنّته وإحياء أمره وحسن اتباعه ، فما لم يتحقق الحب الصادق فلا نستطيع أن ننتظر الاتباع والاهتداء والاقتداء . ومن هنا قال صلى الله عليه وآله وسلم :« لايؤمن أحدكم حتى أكون أحبُّ إليه من نفسه ووالده وولده والناس أجمعين» .
إنّ حبه صلى الله عليه وآله وسلم فرع لحب الله تعالى ، وكلاهما من بديهيات الايمان وأولوياته، كما ان حبه صلى الله عليه وآله وسلم يستلزم حب أولى الناس به وأقربهم منزلة لديه وأخصّهم بحمل أمانته وأداء رسالته ، وبهذا تتكامل سلسلة الحب متلازمة الحلقات ، وبدون ذلك فليس ثمة حب لله ولا لرسوله.. ومن هنا قال صلى الله عليه وآله وسلم : « احبوا الله لما يغذوكم به من نعمه ، واحبوني بحب الله ، وأحبوا أهل بيتي لحبي» .
وأهل بيته وأولى الناس به هم الذين اختارهم حين أمره الله تعالى بمباهلة النصارى في قوله تعالى : ( قُلْ تعالُوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل... ) .
وهم الذين خصّهم في تأويل آية التطهير حين نزلت ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) فأدار كساءه على نفسه الشريفة وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وقال : « اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس ، وطهرهم تطهيراً.. » وهم الذين اختصهم في الاَمر بالصلاة حين نزل قوله تعالى : ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ) فراح يطرق باب بيت علي وفاطمة فجر كل يوم ويقول : « الصلاة الصلاة.. ( إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا») .
وهم الذين أمرنا بالصلاة عليهم معه كلما ذكر النبي صلى الله عليه السلام إذ قال :« قولوا اللّهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم» .
وليس ينفك هذا الحب عن صدق الولاء وحسن الاهتداء والاقتداء بالهدي الذي كانوا عليه ( إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ... ) فكما كان الحب مقدمة أولى للاتباع ، فإنّ الاتباع شرطاً لازم ومصداق أكيد للحب الصادق .. وإلاّ كان مجرد دعوى قاصرة عن بلوغ معناها وغايتها . ومن هنا كان حب أهل بيت النبي صلى الله عليه السلام مقدمة لحسن اتباعهم والسير على نهجهم واقتفاء أثرهم ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : « إنّي تارك فيكم ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ، كتاب الله.. وعترتي أهل بيتي » فلم يكن الحب الذي من علاماته الاحترام لهم والتأدب معهم وميل القلب إلى ذكرهم.. لم يكن لوحده غاية مالم تتحقق لوازمه ومصاديقه في اتباع نهجهم والاهتداء بهديهم والذبّ عنهم ، وبدون هذا سيبقى مفهوماً قاصراً لم يحقق معناه ولم يبلغ أهدافه ومقاصده .
من كل هذا أصبح هذا النوع من الحب ، حب الله وحب رسوله وحب أهل بيت رسوله ، مبدأً رسالياً كبيراً يتضمن أبعاداً مهمة وخطيرة في حياة الفرد والمجتمع ، فهو المفتاح في علاقة الفرد والاُمّة بتعاليم السماء ، على هذا دلّنا الله تعالى ورسوله ، وبه أمرنا ، لا لقرب لحمتهم من النبي صلى الله عليه السلام وحسب ، على ما في هذا من شرف رفيع ، بل لاَنّهم عيبة علمه وحملةُ أمانته والمصطفين على الناس من بعده شرفاً وعلماً وحكمة وهدياً .
وفي هذا الكتاب نحاول الاقتراب أكثر فأكثر إلى معرفتهم ومعرفة حقهم الثابت علينا ، فكل ذلك من المعارف الضرورية التي لا غنى لمسلم عنها .
والله من وراء القصد ، وهو الهادي إلى سواء الصراط .