طباعة

الزيارة

 ومن الإحتفال بأمر مسلم ـ عليه السلام ـ قصد مشهده بالزيارة خصوصا يوم مقتله وهو التاسع من ذي الحجة وتلاوة ألفاظ الزيارة المأثورة التي نص عليها العلماء الثقات كابن المشهدي الذي هو من أعيان القرن السادس ، والشريف النقيب رضي الدين ابن طاووس الذي هو من أعيان القرن السابع . فقد ذكر الأول في « المزار الكبير » والثاني في « مصباح الزائر » اذنا للدخول في الحرم المطهر و أوله : « الحمدلله الملك الحق المبين ، المتصاغر لعظمته جبابرة الطاغين ، المعترف بربوبيته جميع أهل السموات والأرضين ، المقر بتوحيده سائر الخلق أجمعين ، وصلى الله على سيد الأنام وأهل بيته الكرام صلاة تقرّبها أعينهم ، ويرغم بها أنف شانئهم من الإنس والجن أجمعين.
سلام الله العلي العظيم ، وسلام ملائكته المقربين ، وأنبيائه المرسلين ، وأئمته المنتجبين ، وعباده الصالحين ، وجميع الشهداء والصديقين والزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح عليك يا مسلم بن عقيل بن أبي طالب ، ـ الى قوله ـ : قتل الله أمة قتلتكم بالأيدي والألسن.
 و أما الزيارة في داخل الحرم فأولها : السلام عليك أيها العبد الصالح ، المطيع لله ولرسوله ولأميرالمؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام ، الحمدلله وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله ، ـ الى قوله ـ : فجمع الله بيننا وبين رسوله وأوليائه في منازل المخبتين فإنه أرحم الراحمين. وبعد الفراغ من الزيارة يصلي ركعتين ويهديهما له . ويقول بعد الفراغ منهما : اللهم صل على محمد وآل محمد ، ولا تدع لي ذنبا إلا غفرته ـ الى قوله ـ : إلا قضيتها يا أرحم الراحمين.
 وعند وداعه يقف على القبر ويقول : أستودعك الله وأسترعيك ، و أقرأ عليك السلام ـ الى قوله ـ : فإني قد رضيت بذلك يا رب العالمين.
 وقد اتفق هذان العالمان على هذه الآداب والسنن في مزاريهما اللذين لم يزالا مخطوطين حتى اليوم ، إلا في إبتداء سلام الإذن فقد ابتدأ ابن المشهدي من قوله : سلام الله العلي العظيم وسلام ملائكته المقربين.
 ومن أراد الوقوف عليهما فلينظر مزار البحار للمجلسي ـ أعلا الله مقامه ـ فقد طابقنا « المزارين » مع ما نقله عنهما فلم يكن فيه تغيير (1).
 و إن في ذلك من التّنوية بمقامه الرفيع وموقفه الشامخ وفضله الجم ، ومصائبه المؤلمة ما يلين الأفئدة ويستدرّ الدموع ، ويوصل إلى ما وصفناه من الغايات الكريمة ، وظاهر تلكم الآداب والسنن كونها مأثورة لأن سردها مرتّبة كما في زيارات المعصومين ـ عليهم السلام ـ لا يمكن صدوره من علماء الدين بلا تخريج عن الأئمة بحيث يكون الداعي الى ترتيب تلك الآداب محض الإستحسان والمناسبة ، لأن في الإقدام على هذا بعنوان أنه من الشريعة يستلزم الوقوع في ورطة البدعة التي لا تقال عثرتها ، وحاشا علماء المذهب الصحيح ارتكاب ما لم يرد من الشرع ؛ كيف وهم يقرؤون ليلهم ونهارهم قول الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ : « كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. »
 ومما يشهد لذلك أن الشيخ الكليني يقول في خطبة كتاب « الكافي » : وقلت أنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع جميع فنون الدين بالآثار الصحيحة عن الصادقين ـ عليهم السلام ـ ، والسنن القائمة التي عليها العمل وبها يؤدّي فرض الله وسنة نبيه ، وقد يسر الله وله الحمد تأليف ما سألت.
 وقال الشيخ الصدوق في أول « من لا يحصره الفقيه » : إني لم أقصد قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصدت الى ايراد ما أفتى به ، وأحكم بصحته ، وأعتقد أنه حجة فيما بيني وبين ربي تقدس ذكره ، وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول وإليها المرجع.
 وقال ابن الشمهديّ في أول « المزار الكبير » : إني جمعت في كتابي هذا من فنون الزيارات للمشاهدة ، وما ورد من الترغيب في المساجد المباركة والأدعية المختارة ، وما يدعى به عقيب الصلوات ، و ما يناجى به القديم تعالى من لذيذ الدعوات ، وما يلجأ اليه من الأدعية عند المهمات مما اتصلت به من ثقات الرواة الى السادات الأطهار ـ عليهم السلام ـ.
 وقال الشريف النقيب ابن طاووس في آخر « مصباح الزائر » : ان ما وقع اختياره عليه في الكتاب وصل على الوجه الذي استحسنته وأعتمد عليه من جهة الرواية.
 و ان ما ذكرناه في ترجمة الشريف المطبوعة في كتابه « الملاحم » تفيد القارئ معرفة بجلالته وسعة اطلاعه ومقامه عند العلماء ، و اما ابن المشهدي فهو أبو عبدالله محمد ابن جعفر بن جعفر المشهدي الحائري ، ووصفه بهما صاحب المعالم في إجازته الكبيرة ، كان ـ أعلا الله مقامه ـ جليلا في الطائفة ، متبحّزا في أخبار أهل البيت ، واسع الرواية ، عظيم المنزلة بين العلماء ، متكرر الذكر في الإجازات.
 روى عن جماعة يزيدون على اثنين وعشرين منهم يحيى بن البطريق ، والشيخ ورام صاخب « تنبيه الخاطر » ، وهبة الله بن نما الحلي ، والسيد عز الدين ابن زهرة ، وشاذان بن جبرئيل القمي الى غيرهم.
 وروى عنه محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما بن علي بن حمدون الحلي المعروف بابن نما على الإطلاق ، وذكر أن والده أجاز له أن يروي كتاب المقنعة للشيخ المفيد عنه ، عن محمد بن جعفر بن المشهدي ، وكان ابن المشهدي يقول : قرأتها ولم أبلغ العشرين على الشيخ ابي منصور محمد بن الحسن بن منصور النقاش الموصلي ، وهو طاعن في السن وأخبره : أنه قرأها في أول عمره على الشريف النقيب المحمدي الموصلي وهو طاعن في السن ، وأخبره : أنه قرأها في أول عمره على المصنف الشيخ المفيد ـ أعلا الله مقامه ـ.
 ولم نقف على تحديد عمر ابن المشهديّ بالتحقيق غير أنه أرّخ سماعه في مجلس عماد الدين الطبري بسنة ثلاث وخمسين وخمسمائة في مشهد أميرالمؤمنين ، و إجازته من ابن الحمد النحوي في سنة إحدى وسبعين وخمسمائة ، وقراءته على الشيخ عربي بن مسافر ، وهبة الله بن نما بن علي بن حمد في سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة في ربيع الأول فهو من علماء القرن السادس.
 له كتاب المصباح وايضاح المناسك والمزار الكبير الذي ينقل عنه السيد ابن طاووس في كتبه ، والسيد عبدالكريم في « فرحة الغريّ » ، وصاحب المزار القديم وهو من مصادر « بحار الأنوار » لشيخنا المجلسي ـ أعلا الله مقامه ـ. (2)
____________
1) تقدم في العنوان المتعلق بهاني بن عروة ما ذكراه من الزيارة المتعلقة به والصلاة بعدها.
2) المستدرك للنوري ج3 ص365 وص477 وإجازة صاحب المعالم الكبيرة في البحار ج25 كتاب الإجازات.