فصل ـ 12 ـ
431 ـ وخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله من المدينة متوجهاً إلى الحجّ في السّنة العاشرة ، فلمّا انتهى إلى ذي الحليفة ولدت أسماء بنت عميس محمّد بن أبي بكر ، فأقام تلك الّليلة من أجلها ، وأحرم من ذي الحليفة وأحرم النّاس معه ، وكان قارناَ للحجّ لسياق الهدى ، وقد ساق معه ستّاَ وستين بدنة ، وحجّ عليٌّ عليه السلام من اليمن وساق معه أربعاَ وثلاثين بدنة ، خرج من معه من العسكر .
ولمّا قدم النّبي صلّى الله عليه وآله مكّة وطاف وسعى نزل جبرئيل وهو على المروة بقوله : « واتمّوا الحجّ والعمرة لله » فخطب الناس ، وقال : دخلت العمرة في الحجّ هكذا إلى يوم القيامة ، وشبّك بين أصابعه ، ثمّ قال : « لو استقبلت من أمري ما استدبرت (1) ماسقت الهدى ، ثمّ أمر مناديه ، فنادى من لم يسق منكم هدياً ، فليحمل وليجعلها عمرة ، ومن ساق منكم هدياً فليقم على إحرامه » .
ولمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وآله نسكه وقفل إلى المدينة وانتهى إلى الموضع المعروف بغدير خم ، نزل جبرئيل بقوله تعالى : ( يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك ) (2) وكان يوماً شديد الحرّ ، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وأمر بدوحات هناك فقمّ ما تحتها ، وأمر بجمع الرّحال في ذلك المكان ، ووضع بعضها على بعض ، ثمّ أمر مناديه ، فنادى في النّاس بالصّلاة ، فاجتمعوا إليه ، وأنّ أكثرهم ليلف رداءه على قدميه من شدّة الرّمضاء ، فصعد على تلك الرّحال حتى صار في ذروتها ، ودعا عليّاً عليه السلام فرقى معه حتّى قامعن يمينه .
ثمّ خطب فحمد الله وأثنى عليه ووعظ ، ونعى إلى الامّة نفسه ، فقال : « إنّي دعيت ويوشك أن أجيب ، فقد حان (3) منّي خفوق من بين أظهركم ، وإنّي مخلّف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فأنهما لن يفترقا حتّى يردى عليّ الحوض » .
ثمّ نادى بأعلى صوته : « ألست أولى بكم منكم بأنفسكم ؟ قالوا : بلى ، فقال لهم ـ على النّسق وقد أخذ بضبعي عليِّ حتّى رُئي بياض أبطيهما ـ : « من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله » .
ثمّ نزل وأمر عليّاً عليه السلام أن يجلس في خيمة ، ثمّ أمر النّاس أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً ويهنّئوه بالامامة ، ويسلّموا عليه بإمرة المؤمنين .
وأنشأ حسّان يقول :
يناديهم يـوم الغدير نبيّهم * بخمّ وأسمع بالرسول منادياً
الابيات (4) .
ولم يبرح رسول الله صلّى الله عليه وآله من المكان حتى نزل : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً ) (5) فقال : الحمد لله على كمال الدّين وتمام النعمة ورضا الرب برسالتي والولاية لعليّ عليه السلام من بعدي (6) .
432 ـ ولمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وآله المدينة من حجّة الوداع بعث اٌسامة بن زيد ، وأمره أن يقصى إلى حيث قتل ابوه ، وأمّره على وجوه المهاجرين والأنصار وفيهم أبوبكر وعمر وابو عبيدة وعسكر واُسامة بالجرف ، واشتكى رسول الله صلّى الله عليه وآله شكايته الّتي توفّي فيها ، وكان صلّى الله عليه وآله يقول : نفّذوا جيش اسامة ويكرّر ذلك ، وإنّما فعل صلّى الله عليه وآله لئلاّ يبقى بالمدينة عند وفاته من يختلف في الامامة ويطمع في الامارة ، ويستوثق الأمر لأهل بيته لعلّي ومن بعده (7) .
____________
(1) في البحار والاعلام : مااستدبرته والآية : 196 ـ سورة البقرة .
(2) سورة المائدة : ( 67 ) .
(3) في بعض النسخ : أن .
(4) :
وقال : ومـن مولاكم ووليّكم ؟ * فقالوا ولـم يبدوا هنـاك التّعاديا
: إلهـك مولانا وأنـت وليّـنا * ولـن تجدن منّا لك اليوم عاصيا
فقال لـه : قـم ياعلي فإنّـني * رضيتك مـن بعدي اماماً وهاديا
فمـن كنـت مولاه فهذا وليّه * وكـن للّذي عادى عليّـاً معاديا
وفي إعلام الورى ص ( 133 ) :
فمـن كنت مولاه فهـذا وليّه * فكونوا له أنصار صدق مواليـا
هناك دعا اللـهم وال وليـّه * وكن للّذي عـادى عليّـاً معاديا
(5) سورة المائدة : ( 3 ) .
(6) بحار الانوار ( 21 | 389 ـ 390 ) ، برقم : ( 12 ) عن أعلام الورى .
(7) إعلام الورى ص ( 133 ) واثبات الهداة ( 1 | 615 ) ، برقم : ( 636 ) .
فصل ـ 12 ـ (في أحوال محمّد صلّى الله عليه وآله)
- الزيارات: 1316