• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

في رحاب أدعية الإمام الحسين (عليه السلام)

 

لقد تميّز تراث أهل البيت (عليهم السلام) بظاهرة الدعاء تميّزاً فريداً في جانبي الكمّ والكيف معاً.
فالاهتمام بالدعاء في جميع الحالات والظروف التي يمرّ بها الانسان في الحياة كما قال تعالى : ( قل ما يعبؤُاْ بكم ربّي لولا دعاؤكم )[1] هو المظهر الذي ميّز سلوك أهل البيت عمّن سواهم، و على ذلك ساروا في تربيتهم لشيعتهم.
والمسلمون بشكل عام يلمسون هذه الظاهرة بوضوح في موسم الحج و غيره من مواسم العبادة عند أتباع أهل البيت(عليهم السلام) و شيعتهم.
و تفرّدت أدعية أهل البيت(عليهم السلام) في المحتوى والمقاصد والمعاني التي اشتملت عليها أدعيتهم; فإنّها تُفصح بوضوح عن البون الشاسع بينهم و بين غيرهم فأين الثرى و أين الثريّا؟
و تدلّنا بعض النصوص المأثورة عن الإمام الحسين (عليه السلام) على سر هذا الاهتمام البليغ منهم بالدعاء.
1 ـ قال (عليه السلام) : أعجز الناس من عجز عن الدعاء، و أبخل الناس من بخل بالسلام[2].
2 ـ وجاء عنه أنه كان يدعو في قنوت الوتر بالدعاء الذي علّمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) و هو : اللهم إنك تَرى ولا تُرى و أنت بالمنظر الأعلى و إنّ اليك الرجعى و إنّ لك الآخرة والاُولى ، اللهم إنّا نعوذ بك من أن نَذِلّ و نخزى[3].
3 ـ من الأدعية القصيرة المأثورة عنه قوله (عليه السلام) : «اللهم لا تستدرِجني بالإحسانِ ولا تؤدِّبني بالبلاء»[4].
وقال في معنى الاستدراج : الاستدراج من الله لعبده أن يُسبغ عليه النِعَمَ و يَسْلُبَه الشُكرَ[5].
4 ـ و من أدعيته في قنوته : «اللهمّ مَن آوى إلى مأوى فأنتَ مأوايَ، و من لجأ الى مَلجَأ فأنتَ مَلجايَ اللهم صلّ على محمّد وآلِ محمّد و اسمع ندائي و أجب دُعائي و اجعل مآبي عندك و مثوايَ، و احرُسني في بَلواي من افتتانِ الامتحان ولُمَّةِ الشيطانِ بعظمتك التي لا يشوبُها وَلَعُ نفس بِتَفتين، ولا واردُ طيف بتظنين ولا يلُمُّ بها فَرَجٌ حتى تقلبني اليك بإرادتك غير ظنين ولا مظنون ولا مُراب ولا مُرتاب، إنّك أنت أرحمُ الراحِمينَ»[6].
5 ـ وله دعاء آخر كان يدعو به في قنوته هو: «اللهم منك البدءُ ولك المشيئةُ ولك الحولُ ولك القوّةُ، و أنت اللهُ الذي لا إله إلاّ أنتَ جَعَلْتَ قلوبَ أوليائك مسكناً لمَشِيّتِكَ ومكمَناً لإرادتكَ، و جَعَلتَ عُقولَهُم مَناصِبَ أوامِركَ و نواهيكَ فأنتَ إذا شِئت ما نشاءُ حرّكتَ مِن أسرارهم كوامِن ما أبطَنْتَ فيهم، و أبَدأتَ من إرادتك على ألسنتِهِم ما أفهَمْتَهُم به عنكَ في عقودِهم بعقول تدعوك و تدعو اليك بحقائقِ ما مَنَحتَهُم به، و إنّي لأعلَمُ ممّا علّمتني ممّا أنت المشكورُ على ما منه أريتني و إليه آوَيتني».
6 ـ وله دعاء يُسمّى بـ (العشرات) .
7 ـ وله دعاء كان يدعو به حين كان يمسك الركن اليماني و يناجي ربّه هو: إلهي أنعمتني فلم تجدني شاكراً و أبليتني فلم تجدني صابراً، فلا أنت سلَبْتَ النعمة بترك الشكر، ولا أدَمْتَ الشدّةَ بترك الصبرِ إلهي ما يكونُ من الكريمِ إلاّ الكرَمُ[7].
8 ـ و روي أن شريحاً دخل مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) فوجد الحسين(عليه السلام) في المسجد ساجداً يعفِّر خدّه على التراب و هو يقول: «سيّدي و مولاي ألِمقامِعِ الحديد خَلَقْتَ أعضائي؟ أم لِشُربِ الحميمِ خَلَقْتَ أمعائي؟ إلهي لئن طالبتني بذنوبي لاُطالبنّك بكرمك، ولئن حَبَستني مع الخاطئينَ لأخبِرنَّهُم بحُبّي لك، سيّدي! انّ طاعَتي لا تنفعُك، وَ معصيتي لا تضرّك، فهب لي ما لا ينفعُك و اغفر لي ما لا يضرّك فإنك أرحم الراحمين»[8].
9 ـ وكان من دعائه إذا دخل المقابِرَ: اللّهم ربَّ هذه الأرواح الفانيةِ والأجساد البالية، والعِظامِ النَخِرةِ التي خرجتْ من الدنيا وهي بك مؤمنة أدخِل عليهم رَوْحاً منك و سلاماً مِنّي، وقال(عليه السلام): إذا دعا أحد بهذا الدعاء كتب الله له بعدد الخلق من لدن آدم الى أن تقوم الساعةُ حسنات[9].
10 ـ و من دعائه في الصباح والمساء قوله: «بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله و من الله و إلى الله وفي سبيل الله و على ملّة رسول الله و توكّلت على الله ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم. اللهم إني أسلمْتُ نفسي إليك و وجّهت وجهي إليك و فوّضت أمري اليك، إياك أسألُ العافية من كل سوء في الدنيا والآخرة، اللهم إنك تكفيني من كلّ أحد ولا يكفيني أحد منك فاكفني من كلّ أحد ما أخاف و أحذرُ، و اجعل لي من أمري فرجاً و مخرجاً إنك تعلمُ ولا أعلم و تقدرُ، ولا أقدِر، وأنت على كل شيء قدير برحمتك يا أرحم الراحمين»[10].
و أمّا دعاء عرفة المرويّ عن الإمام الحسين (عليه السلام) فهو من غرر الأدعية المطوّلة والتي تستدرّ الرحمة الإلهية بما تمليه على الإنسان من أسباب الإنابة والتوبة و شموخ المعرفة، وقد أشرنا الى مقاطع منه في بحوث سابقة.
و إليك مقطعاً آخر من هذا الدعاء:
«الحمدلله الّذي لم يتّخذ ولداً فيكون موروثاً، ولم يكن له شريك في الملك فيضادّه فيما ابتدع، ولا وليّ من الذلّ فيرفده فيما صنع، سبحانه سبحانه سبحانه لو كان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا و تفطرتا ، فسبحان الله الواحد الحقّ الأحد الصمد الّذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، الحمدلله حمداً يعدل حمد ملائكته المقرّبين، و أنبيائه المرسلين، و صلّى الله على خيرته من خلقه محمّد خاتم النبّيّين وآله الطّاهرين المخلصين، اللّهمَّ اجعلني أخشاك كأ نّي أراك، و أسعدني بتقواك، ولا تشقني بمعصيتك، و خر لي في قضائك، و بارك لي في قدرك حتّى لا اُحبّ تعجيل ما أخّرت، ولا تأخير ما عجّلت»[11].
في رحاب أدب الإمام الحسين (عليه السلام) :
لا ريب في أن الإمام الحسين(عليه السلام) يعدّ امتداداً لجدّه و أبيه و أخيه من حيث المعرفة ومن حيث الاقتدار الفني في التعبير.
وقد جاء على لسان خصومهم «أنهم أهل بيت قد زقّوا العلم زَقّـاً»، و«أنها ألسِنَةُ بني هاشم التي تفلق الصخر و تغرف من البحر»[12].
و علّق عمر بن سعد يوم عاشوراء على خطبة للإمام الحسين (عليه السلام): «إنّه ابن أبيه، ولو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً، لما انقطع ولما حُصِر»[13].
وقال أصحاب المقاتل عن كلماته و خطبه في كربلاء و يوم عاشوراء أنه لم يُسمع متكلّم قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطقه من الحسين(عليه السلام)[14].
وبالرغم من قصر المدّة الزمنيّة لإمامته و عدم إتاحة الفرصة السياسيّة التي تفرض صياغة الخطب عادةً بخاصّة أنّه (عليه السلام) التزم بالهدنة التي عقدها أخوه(عليه السلام) في زمن معاوية، فقد اُثر عنه (عليه السلام) في ميدان الخطبة و غيرها أكثر من نموذج فضلاً عن أنه (عليه السلام) في زمن أبيه (عليه السلام) قد ساهم في خطب المشاورة والحرب[15]، وحشَد فيها كل السمات الفنّية التي تتناسب والغرض الذي استهدف توصيله الى الجمهور[16].
و أمّا خطب المعركة التي خاضها في الطف أو كربلاء، حيث فجّرت هذه المناسبة عشرات الخطب منذ بدايتها إلى نهايتها، فقد تنوّعت صياغةً و مضموناً، وتضمّنت التذكير بكتبهم التي أرسلوها إليه و بطاعة الله و بنصرته وبالتخليّ عن قتاله. وممّا جاء في أحدها : «تبـّاً لكم أيّتها الجماعة و تَرَحاً، أحين استصرختمونا والهِين ، فأصرخناكم موجِفين مؤدّين مستعدّين سَلَلْتُم علينا سيفاً لنا في أيْمانِكم وحششتُم علينا ناراً قدحناها على عدوّكم و عدوّنا فأصبحتم إلبْاً على أوليائكم ويداً عليهم لأعدائكم بغيرِ عدل أفشوه فيكُم ولا أمل أصبح لكم فيهم إلاّ الحرام من الدنيا أنالوكم و خسيس عيش طمعتم فيه ...».
و احتشدت هذه الخطبة بعناصر الفن المتنوعة بالإضافة الى عنصرَي المحاكمة والعاطفة. و بمقدور المتذوّق الفني الصرف أن يلحظ ما تتضمّنه من دهشة فنّية مثيرة كل الإثارة[17].
والأشكال الأدبيّة الاُخرى التي طرقها أدب الإمام الحسين (عليه السلام) هي الرسائل والخواطر والمقالة والأدعية والشعر[18] والحديث الفني.
و نشير الى نموذجين من شعره بما يتناسب مع المجال هنا:

تبارك ذو العـلا والكبريـاءِ تفـرّد بالجـلالِ و بالبقـاءِ
و سوّى الموت بين الخلق طُرّاً وكلّهُـم رهــائنُ للفنـاء
و دنيانا ـ و إن ملنـا اليهـا و طالَ بها المتاعُ ـ الى انقضاء
ألا إن الركونَ علـى غـرور الـى دار الفنـاءِ من الفنـاءِ
و قاطنهـا سريعُ الظعنِ عنها و إن كان الحريصُ على الثَواءِ[19]
 ----------------------------------------------
اغـنَ عن المخلوق بالخالـقِ تَغنَ عن الكاذبِ والصادقِ
و استـرزق الرحمن من فضله فليس غيـر الله مـن رازقِ
مـن ظنّ أن الناس يغنونـه فليس بالـرحمن بالـواثق
أو ظن أن المال مـن كسبه زلّت به النعلان من حالق[20]
------------------------------------------------------------------
[1] الفرقان (25): 77.
[2] بحار الأنوار : 93 / 294 .
[3] كنز العمال : 8 / 82 ، و مسند الإمام أحمد : 1 / 201 .
[4] بحار الأنوار : 78 / 128 .
[5] تحف العقول : 175 .
[6] نهج الدعوات : 49 .
[7] إحقاق الحق : 11 / 595 .
[8] المصدر السابق : 11 / 424 .
[9] مستدرك الوسائل : 2 / 373 الحديث 2323 .
[10] مهج الدعوات : 157 .
[11] بحار الأنوار: 98 / 218 ـ 219.
[12] المجالس السنية : 21 ، 28 ، 30 .
[13] المجالس السنية: 21، 28، 30 .
[14] المجالس السنية: 21، 28، 30 .
[15] راجع حياة الإمام الحسين في عهد أبيه، في هذا الكتاب.
[16] تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي : 307 ـ 311 .
[17] تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي : 311 ـ 303 .
[18] للاطلاع التفصيلي على خصائص كل شكل في أدب الحسين (عليه السلام) راجع تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي للدكتور محمود البستاني.
[19] عن ديوان الإمام الحسين : 4 / 115 .
[20] عن البداية والنهاية : 8 / 228 .


المصدر : اعلام الهداية
 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page