• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

في الشام

ولمّا قربوا من دمشق ، أرسلت اُمّ كلثوم إلى الشمر تسأله أنْ يدخلهم في درب قليل النظّار ، و يخرجوا الرؤوس من بين المحامل ؛ لكي يشتغل النّاس بالنّظر إلى الرؤوس .
فسلك بهم على حالة تقشعّر من ذكرها الأبدان و ترتعد لها فرائص كلّ إنسان . و أمر أنْ يُسلك بهم بين النظّار ، و أنْ يجعلوا الرؤوس وسط المحامل(1) .
وفي أول يوم من صفر دخلوا دمشق(2) فأوقفوهم على ( باب السّاعات )(3) وقد خرج النّاس بالدفوف والبوقات ، و هم في فرح و سرور ، و دنا رجل من سكينة وقال : من أيّ السّبايا أنتم ؟ قالت : نحن سبايا آل محمّد (ص)(4)
وكان يزيد جالساً في منظره على جيرون ، ولمّا رأى السّبايا والرؤوس على أطراف الرماح ، وقد أشرفوا على ثنية جيرون ،  نعب غراب ، فأنشأ يزيد يقول :


لـمّا بـدت تلك الحمول و أشرقت      تلك الرؤوس على شفا جيرون(5)
نـعب الغراب فقلتُ قل أو لا تقل      فـقد أقتضيت من الرسول ديوني


و من هنا حكم ابن الجوزي والقاضي أبو يعلى والتفتازاني والجلال السّيوطي بكفره ولعنه(6) .
و دنا سهل بن سعد السّاعدي من سكينة بنت الحسين (ع) وقال : ألك حاجة ؟ فأمرته أنْ يدفع لحامل الرأس شيئاً فيبعده عن النّساء ليشتغل النّاس بالنّظر إليه ، ففعل سهل(7) .
و دنا شيخ من السّجاد (ع) وقال له : الحمد الله الذي أهلككم وأمكن الأمير منكم . ها هنا أفاض الإمام من لطفه على هذا المسكين المغترّ بتلك التمويهات لتقريبه من الحقّ و إرشاده إلى السّبيل ، و هكذا أهل البيت (عليهم السّلام) تشرق أنوارهم على مَن يعلمون صفاء قلبه و طهارة طينته و استعداده للهداية . فقال (عليه السّلام) له : (( يا شيخ أقرأت القرآن ؟ )) قال : بلى ، قال (عليه السّلام) : (( أقرأت ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى )(2) ؟ و قرأت قوله تعالى : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى‏ حَقّهُ )(8) ؟ وقوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُم مِن شَيْ‏ءٍ فَأَنّ للّهِ‏ِ خُمُسَهُ وَلِلرّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى )(9) ؟ )) قال الشيخ : نعم ، قرأت ذلك . فقال (ع) : (( نحن والله القربى في هذه الآيات )) .
ثمّ قال له الإمام : (( أقرأت قوله تعالى : ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً )(10) ؟ )) قال : بلى . فقال (عليه السّلام) : (( نحن أهل البيت الذين خصّهم الله بالتطهير )) . قال الشيخ : بالله عليك أنتم هم ؟ فقال (عليه السّلام) : (( و حقّ جدّنا رسول الله إنّا لنحن هم ، من غير شكّ )) .
فوقع الشيخ على قدمَيه يقبّلهما و يقول : أبرأ إلى الله ممَّن قتلكم . و تاب على يد الإمام ممّا فرّط في القول معه . و بلغ يزيد فعل الشيخ وقوله ، فأمر بقتله(11) .


بـأيـّة  آيــة يـأتـي يـزيـد      غـداة  صـحائف الأعـمال تُتلى
وقـام رسـول ربّ الـعرش يتلو      وقد صمَّت جميع الخلق قل لا(12)


و قبل أنْ يدخلوهم إلى مجلس يزيد ، أتوهم بحبال فربقوهم بها ، فكان الحبل في عنق زين العابدين (ع) إلى زينب اُمّ كلثوم و باقي بنات رسول الله (ص) ، وكلّما قصروا عن المشي ضربوهم حتّى أوقفوهم بين يدَي يزيد ، و هو على سريره ، فقال على بن الحسين (ع) : (( ما ظنّك برسول الله لَو يرانا على هذا الحال ؟ )) فبكى الحاضرون ، و أمر يزيد بالحبال فقُطعت(13) .
و اُقيموا على درج باب الجامع حيث يقام السّبي ، و وُضع الرأس المقدّس بين يدَي يزيد ، و جعل ينظر إليهم و يقول :


صبرنا  وكان الصبر منّا عزيمةً      و أسـيافنا  يقطعنَ هاماً ومعصما
نُـفلّق هـاماً مـن رجال أعزّة      علينا و هم كانوا أعقَّ وأظلما(14)


ثمّ التفت إلى النّعمان بن بشير وقال : الحمد لله الذي قتله . فقال النّعمان : قد كان أمير المؤمنين معاوية يكره قتله . فقال يزيد : قد كان ذلك قبل أنْ يخرج ، ولو خرج على أمير المؤمنين لقتله(15) .


فليت السّما حقاً على الأرض اُطبِقَتْ      وطـاف عـن الدنيا الفناء أو النشر
بـنات عـليٍّ وهـي خير حرائر      يـباح  بـأيدي الأدعـياء لها ستر
سـبايا  على عَجْف المطايا حواسراً      يـودّعها مـصر ويـرقبها مـصر
فـإنْ  دمـعت منهنَّ عين و قصَّرت      عـن الـمشي إعـياء مخدرة طهر
أهـاب بـها شـمر الخنا بقساوة      و آمـلها  فـي سوطه نقمة زجر
ولـيس  لـديها كـافل غير مدنف      أضرَّت  به البلوى وقد مسَّه الضر
عليل  يعاني القيد والغلَّ في السرى      ويـبدو عـلى سيمائه الذلّ والاسر
سـروا فـيه مـغلول اليدين مقيَّدا      إلى بطن حرف لم يوطَّأ لها ظهر
وقـد أكـل الـلحم الـحديد بجيده      و اثَّـر حتّى فاض في دمه النحر
يـلاحظ أطـفالاً تـصيح ونـسوة      تـعجُّ  واكـباداً يـطير بها الذعر
و رأس  أبـيه و هـو سـبط محمد      أمـامَ الـسبايا تـستطيل به السمر
وقـد أدخـلوه الـشام لا مرحباً به      و أفـراحه تـطغى بعيدٍ هو النصر
الـى مـجلس فيه ابن هند بنصره      قـرير و مـروان يـطير به البشر
و رأس أبيه السّبط في طست عسجد      أمـام  دعـيًّ غـرَّه الزهو والكبر
وقـد كـان يخفي الكفر لكن بذكره      لا شياخه في بدر قد ظهر الكفر(16)


____________________________
(1) اللهوف / 99 ، و مثير الأحزان لابن نما / 53 ، و مقتل العوالم / 145 .
(2) نصّ عليه كامل البهائي ، والآثار الباقية للبيروني / 331 طبعة الاُفست ، والمصباح للكفعمي / 269 ، و تقويم المحسنين للفيض / 15 ، و بناءً على ما في تاريخ الطبري 6 / 266 ، من حبسهم في السّجن إلى أنْ يأتي البريد من الشام يخبرهم ببعد وصولهم إلى الشام في أول صفر فإنّ المسافة بعيدة تستدعي زمناً طويلاً ، اللهمّ إلاّ أنْ يكون البريد من طريق الطير .
(3) مقتل الخوارزمي 2 / 61 روى : إنّهم اُدخلوا مدينة دمشق من باب ( توما ) ، وهذا الباب كما في ثمار المقاصد / 109 : أحد أبواب مدينة دمشق القديمة .
وي حدّث أبو عبدالله محمّد بن علي بن ابراهيم المعروف بابن شدّاد المتوفّى ( سنة 684 هـ ) في أعلاق الخطيرة 2 / 72 قال : إنّما سمّي بباب السّاعات ؛ لأنّه عمل هناك بنظام السّاعات ، يعلم بها كلّ ساعة تمضي من النّهار عليها عصافير من نحاس و غراب وحيّة من نحاس ، فإذا أتمّت السّاعة خرجت الحيّة فصفرت العصافير و صاح الغراب وسقطت حصاة في الطشت .
(4) أمالي الصدوق / 100 المجلس الواحد والثلاثون ، و مقتل الخوارزمي 2 / 60 .
(5) في صورة الأرض لابن حوقل / 161 طبعة الاُفست في دمشق : ليس في الإسلام أحسن منه ، كان مصلّى الصابئين ثمّ صار لليونان يعظّمون فيه دينهم ، ثمّ صار لليهود ، وملوك عبدة الأصنام ، و باب هذا المسجد يُسمّى باب جيرون ، صُلب على هذا الباب رأس يحيى بن زكريا و صلب على جيرون رأس الحسين بن علي (ع) في الموضع الذي صُلب فيه رأس يحيى بن زكريا . ولمّا كان أيّام الوليد بن عبد الملك جعل وجه جدرانه رخاماً ...  ، و يظهر إنّ هذا المسجد هو الجامع الاُموي .
(6) روح المعاني للآلوسي 26 / 73 ، آية ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ ) قال الآلوسي : أراد بقوله : ( فقد اقتضيت من الرسول ديون ) أنّه قتل بما قتله رسول الله (ص) يوم بدر ، كجدّه عتبة و خاله و غيرهما ، و هذا كفر صريح ، و مثله تمثله بقول ابن الزبعري قبل إسلامه ( ليت أشياخي ... ) الأبيات .
(7) مقتل العوالم / 145 .
(8) سورة الشورى / 23 .
(9) سورة الإسراء / 26 .
(10) سورة الأنفال / 41 .
(11) سورة الأحزاب / 33 .
(12) اللهوف / 100 .
وفي تفسير ابن كثير 4 / 112 ، و روح المعاني للآلوسي 25 / 31 ، ومقتل الخوارزمي 2 / 61 : إنّ السّجاد (ع) قرأ على الشيخ آية المودّة فأذعن له .
(13) روح المعاني للآلوسي 25 / 31 ، إنّهما للسيّد عمر الهيثمي ( أحد أقاربه المعاصرين ) وقد استجودهما الآلوسي .
(14) الأنوار النّعمانيّة / 341 ، واللهوف / 101 ، و تذكرة الخواص / 49 .
(15) مرآة الجنان لليافعي 1 / 135 .
وفي كامل ابن الأثير 4 / 35 ، و عليه مروج الذهب : لما اُدخل الرأس عليه ، جعل ينكته بقضيب و يتمثّل بقول الحصين بن حمام .


أبى قومنا أن ينصفونا فانصفت      قواضب في أيماننا تقطر الدما
نفلق هاماً من رجـال أعـزة      علينا و هم كانوا أعقَّ وأظلما


وفي العقد الفريد 2 / 313 ، في خلافة يزيد قال : لمّا وُضع الرأس بين يدَيه تمثّل يزيد بقول الحصين بن الحمام المزني و ذكر البيت الثاني ، واقتصر ابن حجر الهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 198 على البيت الثاني ، واقتصر الخوارزمي في المقتل 2 / 61 على و قوفهم على درج باب الجامع ، و هذان البيتان للحصين بن الحمام ذكر هما في المؤتلف والمختلف للآمدي / 91 ، قال : إنّ الحصين بن حمام بن ربيعة ( إلى آخر نسبه ) قال من قصيدة طويلة و ذكر ثلاثة أبيات فيها البيتان .
وفي الشعر والشعراء / 151 ، ذكر ثلاثة أبيات فيها البيت الثاني .
وفي الأشباه والنظائر / 4 من أشعار المتقدّمين والجاهلين للخالديين اقتصر على البيت الثاني .
وفي الأغاني 12 / 120 ، طبعة ساسي ذكر ثلاثة عشر بيتاً فيها البيتان .
(16) مقتل الخوارزمي 2 / 59 .

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page