• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المجلس الخامس والخمسون بعد المئتين


المجلس الخامس والخمسون بعد المئتين
في كتاب عمدة الطّالب ، وكتاب الفرج بعد الشّدة للقاضي التّنوخي : حدثنا أبو الفرج علي المعروف بالأصبهاني , إملاء من حفظه ، قال : كان محمَّد بن زيد العلوي الحسيني الدّاعي بطبرستان ، الذي ملك بلاد طبرستان بعد أخيه الحسن بن زيد المُلقّب بالدَّاعي إلى الحقِّ والدّاعي الكبير , ويُلقّب هو بالدّاعي الصّغير ، إذا افتتح الخراج نظر إلى ما في بيت المال من خراج السّنة الماضية , ففرّقه في قبائل قريش ثمّ في الأنصار ، والفقهاء وأهل القرآن ، وسائر طبقات النّاس حتّى لا يبقى معه درهم .
 فجلس في بعض السّنين يفرّق فبدأ ببني هاشم ، فلمّا فرغ منهم , دعا سائر بني عبد مناف , فقام إليه رجل فقال له الدّاعي : من أي بني عبد مناف أنت ؟ قال : من بني اُميّة . قال : من أيِّهم ؟ فسكت , قال : لعلّك من ولد معاوية ؟ قال : نعم . قال : من أيِّ ولده ؟ فسكت , قال : لعلّك من ولد يزيد ؟ قال : نعم . قال : بئسما اخترت لنفسك ! تقصد ولاية آل أبي طالب وعندك ثأرهم ؟! فإنْ كنت جئت جاهلاً بهذا , فما بعد جهلك جهل ، وإنْ كنت جئت مستهزئاً بهم , فقد خاطرت بنفسك . فنظر إليه العلويون نظراً شزراً , فصاح بهم محمَّد الدّاعي وقال : كفّوا عنه ، كأنّكم تظنّون أنّ في قتله إدراكاً لثأر الحسين جدِّي ! إنّ الله قد حرّم أنْ تطالب نفس بغير ما اكتسبت . والله , لا يعرض له أحد بسوء إلاّ جازيته بمثله . ثمّ أمر له بمثل ما أمر به لسائر بني عبد مناف , وبعث معه مَن يُوصله إلى مأمنه .
 وقال لمَن حضره : اسمعوا حديثاً اُحدّثكم به يكون لكم قدوة : حدثني أبي عن أبيه قال : عرض على المنصور جوهر فاخر وهو بمكّة فعرفه , وقال : هذا جوهر كان لهشام بن عبد الملك , وقد بلغني أنّه عند ابنه محمَّد ولم يبقَ منهم غيره . ثمّ قال للربيع حاجبه : إذا كان غداً وصلّيت بالنّاس في المسجد الحرام , فأغلق الأبواب كلَّها إلاّ باباً واحداً وقف عليه , ولا تُخرج إلاّ مَن تعرفه حتّى تظفر بمحمَّد بن هشام , فتأتيني به .
ففعل الربيع ذلك , وعرف محمَّد بن هشام أنّه هو المطلوب فتحيّر , وأقبل محمَّد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام) فرآه مُتحيّراً وهو لا يعرفه , فقال له : يا هذا , أراك متحيّراً فمَن أنت ؟ قال : ولي الأمان ؟ قال : لك أمان الله التّام والعام , وأنت في ذمّتي حتّى اُخلّصك . قال : أنا محمَّد بن هشام بن عبد الملك , فمَن أنت ؟ قال : أنا محمَّد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب . فقال : عند الله أحتسب نفسي إذاً ! فقال : لا بأس عليك , ولكن تعذرني في مكروه أنا لك به ، وقبيح اُخاطبك به يكون فيه خلاصك بمشيئة الله تعالى . قال : افعل ما تُريد .
 فطرح رداءه على رأسه ووجهه ، وشدّه به وأقبل يجرّه , فلمّا أقبل على الربيع لطمه لطمات ، وقال للربيع : يا أبا الفضل , إنّ هذا الخبيث جمّال من أهل الكوفة ، أكراني جماله ذاهباً وراجعاً وقد هرب منّي,وأكرى جماله بعض قوّاد الخراسانية , ولي عليه بذلك بيّنة , فابعث معي حَرسيّين يصيران به معي إلى القاضي لئلاّ يهرب مني .
فبعث معه حرسيّين ، فلمّا بعد عن المسجد قال له : يا خبيث , تُؤدّي إليَّ حقِّي ؟ قال : نعم يابن رسول الله . فقال للحرسيّين : انصرفا . فانصرفا , فلمّا رجعا أطلقه ، فقبّل محمَّد بن هشام رأسه ، وقال : بأبي أنت واُمّي ! ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ )(1) . ثمّ أخرج جوهراً نفيساً فدفعه إليه , وقال : شرّفني بقبول هذا . فقال : إنّا أهل بيت لا نقبل على المعروف ثمناً , فانصرف راشداً .
وآل أبي طالب معادن العفو والحلم ، والصّفح وكرم الأخلاق , وعادتُهم ـ خلفاً عن سلفٍ ـ مقابلةُ الإساءة بالإحسان ، فكم قابلوا بني اُميّة على أعظم الإساءة بأعظم الحلم والإحسان في مواضع لا تُحصى ؛ بدأهم بذلك جدّهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) , وبهُداه اهتدوا ، وعلى منهاجه نهجوا .
 فقد كان من أشدِّ النّاس عليه بمكّة أبو سفيان بن حرب , فهو الذي جيّش الجيوش عليه يوم اُحد والأحزاب , وسَعتْ زوجته هند في قتل عمّه حمزة أسد الله وأسد رسوله , وبقرتْ بطنه عن كبده لتأكل منها فسُمّيت آكلة الأكباد , ووقف عليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) , فقال : (( ما وقفت موقفاً أغيظ عليَّ منْ هذا الموقف )) . ومع ذلك لمّا فتح مكّة حلم وصفح ، وزاد بأنْ قال : (( مَن دخل دار أبي سفيان فهو آمن )) .
فجازى بنو اُميّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على إحسانه هذا إليهم ؛ بأنْ أخافوا سبطه وريحانته الحسين بن علي (عليه السّلام) في بلد يأمن فيه الطّير والوحش , وهي مكّة بلد الله الحرام , فخرج منها يوم التروية خائفاً يترقّب , وكان قد أحرم للحجِّ فجعلها عمرة مفردة وأحلَّ من إحرامه , فكان النّاس يخرجون إلى منى والحسين خارج إلى العراق ؛ لأنّ يزيد دسّ إليه مع الحاجّ ثلاثين رجلاً من شياطين بني اُميّة ليقبضوا عليه أو يقتلوه , ثمّ جهّز عليه ابن زياد الجيوش بأمر يزيد , فأحاطوا به ومنعوه التَّوجه في بلاد الله العريضة , ومنعوه وأهله من ماء الفرات الجاري حتّى قتلوه عطشانَ ضامياً , وقتلوا أنصاره وأهله وأولاده , وسبوا نساءه من بلد إلى بلد , وأتوا بعلي بن الحسين زين العابدين (عليه السّلام) ـ وهو عليل ـ مُقيَّداً مُغلّلاً حتّى أدخلوه على يزيد .
ومع ذلك ، لمّا طرد أهل المدينة بني اُميّة منها في أيّام يزيد ؛ لِما رأوا من قبح أفعال يزيد وكفره وطغيانه ، وفي جملة المطرودين مروان بن الحكم , عرض مروان على جماعة من أهل المدينة أنْ يجعل أهله وعياله عندهم فأبوا , فعرض ذلك على علي بن الحسين (عليه السّلام) فأجابه إليه , وجعل عيال مروان مع عياله وحماهم وأكرمهم , ولكنْ الطّينة الاُمويّة أبت أنْ تُقابل الإحسان إلاّ بالإساءة ، كما قال الشّاعر :
ومَنْ يصنعُ المعروفَ مَعْ غيرِ أهلِهِ       يُجازَى كما جُوزي مُجيرُ اُمِّ عامرِ
وقال الآخر :
مـلكنَا فـكان الـعفوُ مـنَّا iiسـجيَّة       فـلمّا  مـلكتُمْ سـالَ بـالدَّمِ iiأبطحُ
وحَـلَّلْتُمُ قـتلَ الأسـارَى iiوطـالَما      غَدوْنا عن الأسْرى نَعفُّ ونصفَحُ(2)
فـحـسْبُكُمُ  هـذا الـتَّفاوتُ iiبـيْنَنا      وكـلُّ إِنـاءٍ بـالذي فـيهِ iiيَـنْضَحُ
فجازى بنو مروان زين العابدين (عليه السّلام) على إحسانه هذا ؛ بأنْ جفوا ولده زيد الشّهيد واهتضموه حتّى ظهر بالكوفة فقُتل , فنبشوه وصلبوه عارياً على جذعٍ بالكوفة أربع سنين ، ثمّ أنزلوه وأحرقوه . لبئسما جزوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في آله وذرّيّته ! ولبئسما جزته اُمّة تواليهم !
فلا بلَّ أجداثاً لآلِ اُمـيَّةٍ      سُقيتْ ولا صَوبُ الغمامِ أصابَها
ليس هذا لرسولِ اللهِ يا       اُمّةَ الطُّغيانِ والبغي جزَا
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنعام / 124 .
(2) ورد البيت في مصدره الأساس بغير هذا النّحو ، والتغيير من ديوان الشاعر . ( موقع معهد الإمامَين الحسنَين )


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page