طباعة

المجلس السابع والخمسون بعد المئتين

 

المجلس السابع والخمسون بعد المئتين
من الأخلاق النّبيلة المحمودة عند العقل وفي الشّرع الصّبر , وقد مُدح في القرآن الكريم في نيف وسبعين موضعاً , وأضاف الله تعالى أكثر الدرجات والخيرات إلى الصّبر وجعلها ثمرة له , فقال عزّ مَن قائل : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا )(1) . ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا )(2) . ( وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )(3) . ( اُولئك يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا )(4) .
 وما من قربة إلاّ وأجرها بتقدير وحساب إلاّ الصّبر , قال الله تعالى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ )(5) . ووعد الله الصّابرين بأنّه معهم , فقال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )(6) . وعلّق النّصرة على الصّبر ، فقال : ( بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ مُسَوِّمِينَ )(7) . وجمع الله تعالى للصابرين بين اُمور لم يجمعها لغيرهم , فقال : ( وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * اُولئك عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَاُولئك هُمْ الْمُهْتَدُونَ )(8) . إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الواردة في مدح الصّبر .
 وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( الصّبر نصف الإيمان )) . وسُئل النّبيُّ (صلّى الله عليه وآله) عن الإيمان ، فقال : (( الصّبر والسّماحة )) . وهذا معنى كونه نصف الإيمان . وقال (صلّى الله عليه وآله) : (( الصّبر كنز من كنوز الجنّة )) . وأوحى الله تعالى إلى داود (عليه السّلام) : (( تخلّق بأخلاقي أنا الصّبور )) .
وإنّ الإمام أبا عبد الله الحسين (عليه السّلام) من خير مَن تجلّى بالصّبر ، ولمّا لقيه أبو هرّة الأزدي وقال له : يابن رسول الله , ما الذي أخرجك عن حرم الله وحرم جدِّك محمَّد (صلّى الله عليه وآله) ؟ قال له الحسين (عليه السّلام) : (( ويحك يا أبا هرّة ! إنّ بني اُميّة أخذوا مالي فصبرت , وشتموا عرضي فصبرت , وطلبوا دمي فهربت . وأيمُ الله , لتقتلني الفئة الباغية , وليلبسنّهم الله ذلاّ ً شاملاً وسيفاً قاطعاً )) .
وأعظم من هذا صبره يوم عاشوراء على قتال ثلاثين ألفاً بفئة قليلة , وعدم خنوعه للذلِّ والضّيم , وصبره على ضرب السّيوف وطعن الرماح ، ورمي السّهام حتّى قُتل عطشان ظامياً ، غريباً وحيداً .
وباسمِ الثَّغرِ والأبطالُ عابسةٌ     كأنَّ جدَّ المنايا عندهُ لَعبُ
 
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة السّجدة / 24 .
(2) سورة الأعراف / 137 .
(3) سورة النّحل / 96 .
(4) سورة القصص / 54 .
(5) سورة الزّمر / 10 .
(6) سورة البقرة / 153 .
(7) سورة آل عمران / 125 .
(8) سورة البقرة / 155 ـ 157 .