المجلس الثالث والستّون بعد المئتين
النّساء اللّواتي فُجعن بإخوتِهنَّ في الجاهليّة والإسلام كثيرات , ولكنْ اشتهر من بينهنّ عدّة , فمنهنّ : الخنساء اُخت صخر , وكان أخوها قد طُعن في بعض الحروب بطعنة , ثمّ اعتلّ منها فمات , فقالت اُخته ترثيه :
أَلا يا صَخرُ إِنْ أَبكَيتَ عَيني لَـقَد أَضحَكتَني دَهراً iiطَويلا
بَـكَيتُكَ فـي نِساءٍ iiمُعوِلاتٍ وَكُنتُ أَحَقَّ مَن أَبدى iiالعَويلا
دَفَعتُ بِكَ الجَليلَ وَأَنتَ iiحَيٌّ فَمَن ذا يَدفَعُ الخَطبَ الجَليلا
إِذا قَـبُحَ الـبُكاءُ عَلى iiقَتيلٍ رَأَيتُ بُكاءَكَ الحَسَنَ iiالجَميلا
ولها أيضاً ترثيه :
تَبكي خُناسٌ عَلى صَخرٍ وَحُقَّ لَها إِذ رابَـها الدَّهرُ إِنَّ الدَّهرَ ضَرّارُ
يـا صَـخرُ وَرّادَ ماءٍ قَد iiتَناذَرَهُ كـلُّ الـبَريَّةِ مـا في وِردِهِ iiعارُ
مَشى السَّبَنتى إِلى هَيجاءَ iiمُعضِلَةٍ لَـهُ سِـلاحانِ أَنـيابٌ iiوَأَظـفارُ
وَمـا عَـجولٌ عَلى بَوٍّ تُطيفُ بِهِ لَـها حَـنينانِ إِعـلانٌ iiوَإِسرارُ
يَـوماً بِـأَوجَدَ مِنّي يَومَ iiفارَقَني صَـخرٌ وَلِـلدَّهرِ إِحلاءٌ وَإِمرارُ
وَإِنَّ صَـخراً لَـوالِينا iiوَسَـيِّدُنا وَإِنَّ صَـخراً إِذا نَـشتو iiلَـنَحّارُ
وَإِنَّ صَـخراً لَـتَأتَمَّ الـهُداةُ iiبِهِ كَـأَنَّهُ عَـلَمٌ فـي رَأسِـهِ نـارُ
ومنهنّ : ليلى بنت طريف الشّيبانيّة , وكان أخاها الوليد قتله يزيدُ بن مزيد الشّيباني في بعض الحروب , فقالت اُخته ترثيه :
أيـا شـجرَ الـخابورِ مـا لكَ مُورقا كَـأنّك لَـم تَـجزعْ عَلى ابنِ iiطريفِ
فَـتىً لا يُـحبُّ الـزَّاد إلاّ منَ iiالتُّقى وَلا الـمـالَ إلاّ مـن قـناً iiوسـيوفِ
ولا الـذّخـرَ إلاّ كـلَّ جـرداءَ صلدمٍ مــعــاودةً iiلـلـكـرِّ بين صفوفِ
فَـقَـدناكَ فُـقـدانَ الـرَّبيعِ ولَـيتنا فَـدَيـناك مِــن سـاداتـنا بـاُلوفِ
حَليف النَّدى إِنْ عاشَ يرضى به النَّدى وَإِنْ مـاتَ لا يـرضى النَّدى iiبحليفِ
وَمـا زالَ حـتّى أزهق الموتُ iiنفسَهُ شَـجـاً لـعـدوٍّ أو نـجاً لـضعيفِ
فَـإِنْ يـكُ أَرداهُ يـزيدُ بـنُ iiمـزيد فــرُبَّ زَحــوفٍ لـفَّها iiبـزحوفِ
ألا يـا لـقـومـي لـلـحِمامِ وللبَلَىii ولـــلأرضِ iiهَـمَّـتْ بعدَهُ برحيفِ
وَلـلّيثِ فـوقََ الـنَّعشِ إِذ يَـحملونه إِلــى حُـفـرةٍ مـلحودةٍ iiوسـقوفِ
ومنهنَّ : اُمّ كلثوم اُخت عمرو بن عبد ود العامري , فإنّه لمّا قتل أخاها عليٌّ (عليه السّلام) يوم الخندق , وقفت عليه فرأته لم تُسلب منه ثيابُه ولا درعه , فسألت عن قاتله , فقيل لها علي بن أبي طالب , فأنشأت تقول :
لـو iiكانَ قاتلُ عمرٍو غيرَ قاتلِهِ iiلـكـنـتُ أبكي عليهِ آخرَ الأبدِ
لـكـنّ قـاتـلَهُ مَنْ لا يُعابُ بهِ قـدْ iiكان يُدعَى أبوهُ بيضةَ البلدِ
منْ هاشمٍ في ذُراهَا وهي صاعدةٌ إلى السّماءِ تُميتُ النّاسَ iiبالحسدِ
قـومٌ أبـى اللهُ إلاّ أنْ يكون لهمْii iiكـرامـةُ الـدِّينِ والدُّنيا بلا لددِ
يـا أمّ كـلثومَ ابـكيهِ ولا تَدَعي بُـكاءَ مـعولةٍ حـرّى على iiولد
وقالت أيضاً :
أسدانِ في ضيْقِ المجالِ تصاوَلا وكلاهُما كفوٌ كـريمٌ باسل ُ
فَتَخالَسا سلـبَ النُّفوسِ كِلاهما وَسط المجالِ مجالدٌ ومقاتلُ
وَكِلاهما حسرَ القناعَ حفيظةً لَم يثنهِ عَن ذاك شغلٌ شاغلُ
فاذهبْ عليٌّ فما ظفـرتَ بمثلِهِ قولٌ سديدٌ ليس فيه تحاملُ
ومنهنّ : وهي أعظمهنَّ وجداً وأشدّهنّ حزناً , عقيلة بني هاشم زينب بنت أمير المؤمنين (عليهما السّلام) , التي رأت أخاها الحسين (عليه السّلام) جثّة بلا رأس , مرضوض الجسم بحوافر الخيل , وقفت عليه وجعلت تندبه وتُنادي بصوتٍ حزين وقلبٍ كئيب : يا مُحمّداه ! صلّى عليك مليك السّماء ، هذا حُسينك مرمّل بالدماء ، مُقطّع الأعضاء ، وبناتك سبايا ، وذُرّيّتك مُقتّلة تسفي عليهم ريح الصبا ، وهذا حسينٌ محزوز الرأس من القفا , مسلوب العمامة والرّداء . بأبي مَن لا هو غائب فيُرتجى ، ولا جريح فيُداوى ! بأبي المهموم حتّى قضى ! بأبي العطشان حتّى مضى ! بأبي مَن شيبته تقطر بالدّماء .
وثـواكلٍ بـالنّوحِ تُسعدُ مثلَها أرأيـتَ iiذا ثكلٍ يكونُ سَعيدَا
حـنَّـتْ فلَمْ تَرَ مثلَهنَّ نوائحاًii إذْ لـيـسَ مثلُ فقيدِهنَّ فقيدَا
إنْ تنْعَ أعطَتْ كلَّ قلبٍ حَسْرةً أو تدْعُ صدَّعتِ الجِبالَ المِيدَا
وليكن هذا آخر الجزء الرّابع من المجالس السَّنيّة في مناقب ومصائب العترة النّبويّة , وبه تمّ القسم المتعلّق بمُصيبة الحسين (عليه السّلام) من الكتاب .
ولمْ نألُ جهداً في اختياره وانتقائه وترتيبه حسبما وصلت إليه مقدرتُنا القاصرة ، والله المسؤول أنْ ينفع به إخوان الدِّين ، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم ، ويحشرنا في زمرة محمّد وآله الطاهرين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين .
ووافق الفراغ منه آخر نهار الاثنين , الثّامن من شهر ذي القعدة الحرام سنة 1343 من الهجرة ، بمدينة دمشق المحميّة ، ووافق الفراغ من إعادة النّظر فيه ثانياً ، والزيادة عليه عصر يوم السّبت الرّابع والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة 1362 من الهجرة بمدينة دمشق أيضاً ، حماها الله تعالى , وكتب بيده الدّاثرة مؤلفه الفقير إلى عفو ربّه الغني محسن ابن المرحوم السيّد عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي نزيل دمشق ، تجاوز الله عنه ، حامداً مُصليّاً مُسلّماً . s
كان الفراغ من طبع هذا الجزء للمرة الثّالثة يوم الخميس ، الواقع في السّادس عشر من شهر جمادى الاُولى سنة 1373 هجرية .
* * *
والحمد لله رب العالمين
المجلس الثالث والستّون بعد المئتين
- الزيارات: 1111