طباعة

مقتل سيدنا أبي الفضل العباس

 

مقتل سيدنا أبي الفضل العباس
    لقد كانت العلاقات الودية بين السيدة زينب وبين أخيها أبي الفضل العباس ( عليهما السلام ) تمتاز بنوع خاص من تبادل المحبة والإحترام ، فقد كانت السيدة زينب تكن إخوتها من أبيها كل عكاطفة وود ، وكان ذلك العطف والتقدير يظهر من خلال كيفية تعاملها مع إخوانها الأكارم.
    وكان سيدنا أبو الفضل العباس ـ بشكل خاص ـ يحترم أخته زينب احتراماً كثيراً جداً.
    وفي طوال رحلة قافلة الإمام الحسين ( عليه السلام ) من مكة نحو العراق .. كان العباس هو الذي يقوم بشؤون السيدة زينب ، من مساعدتها حين الركوب أو النزول من المحمل ويبادر إلى تنفيذ الأوامر والطلبات بكل سرعة .. ومن القلب.
    فالسيدة زينب ( عليها السلام ) محترمة ومحبوبة عند الجميع ، يحبونها لعواطفها وأخلاقها المثالية ، يضاف إلى ذلك : أنها عميدة الأسرة ، وعقيلة بني هاشم ، وابنة فاطمة الزهراء ، وسيدة نساء أهل البيت.
    ومنذ وصول قافلة الإمام الحسين إلى أرض كربلاء في اليوم الثاني من شهر محرم ، إختار سيدنا العباس بن أمير المؤمنين ( عليهما السلام ) لنفسه نوعاً خاصاً من العبادة : وهي أنه كان إذا جن الليل يركب الفرس ويحوم حول المخيمات لحراسة العائلة.
    والعباس : إسم لامع وبطل شجاع ، تطمئن إليه نفوس العائلة والنساء والأطفال ، ويعرفه الأعداء أيضاً ، فقد ظهرت منه ـ يوم صفين ـ شجاعة عظيمة جعلت إسمه يشتهر عند الجميع بالبطولة والبسالة ، ولا عجب من ذلك فهو ابن أسد الله الغالب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
    وفي يوم عاشوراء ، لما قتل أكثر أصحاب الإمام الحسين ( عليه السلام ) أقبل العباس إلى أخيه الحسين واستأذنه للقتال ، فلم يأذن له ، وقال : « أخي أنت صاحب لوائي ، فإذا غدوت يؤول جمعنا إلى الشتات ».
    فقال العباس : يا سيدي لقد ضاق صدري وأريد أخذ الثأر من هؤلاء المنافقين.
    فقال له الإمام الحسين ( عليه السلام ) : « إذن .. فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء ». (1)
    فأقبل العباس وحمل القربة وتوجه نحو النهر ليأتي بالماء ... ، وإلى أن وصل إلى الماء وملأ القربة ، وتوجه نحو خيام الإمام الحسين ( عليه السلام ). فجعل الأعداء يرمونه بالسهام ـ كالمطر ـ حتى صار درعه كالقنفذ ، ثم قطعوا عليه الطريق وأحاطوا به من كل جانب ، فحاربهم وقاتلهم قتال الأبطال ، وكان جسوراً على الطعن والضرب.
    فكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة وضربه بالسيف على يمينه فقطعها ، فأخذ السيف بشماله واستمر في القتال ، فضربه لعين على شماله فقطع يده ، وجاءته السهام والنبال من كل جانب ، وجاء سهم وأصاب القربة فأريق ماؤها ، وضربه الأعداء بعمود من حديد على رأسه ، فسقط على الأرض صريعاً ، ونادى ـ بأعلى صوته ـ : أدركني يا أخي !
    وكان الإمام الحسين ( عليه السلام ) قد وقف على ربوة عند باب الخيمة .. وهو ينظر إلى ميدان القتال ، وكانت السيدة زينب واقفة تنظر إلى وجه أخيها ، وإذا بالحزن قد غطى ملامح الإمام الحسين ! فقالت زينب : أخي مالي أراك قد تغير وجهك ؟
 فقال : أخيه لقد سقط العلم وقتل أخي العباس !
    فكان السيدة زينب إنهد ركنها ، وجلست على الأرض وصرخت : وا أخاه ! وا عباساه !
    وا قلة ناصراه ، واضيعتاه من بعدك يا أبا الفضل !
    فقال الإمام الحسين : « إي والله ، من بعده وا ضيعتاه ! وا إنقطاع ظهراه !
    وأقبل الحسين ـ كالصقر المنقض ـ حتى وصل إلى أخيه فرآه صريعاً على شاطئ الفرات ، فنزل عن فرسه ووقف عليه منحنياً ، وجلس عند رأسه ، وبكى بكاءً شديداً ، وقال : « يعز ـ والله ـ علي فراقك ، الآن إنكسر ظهري ، وقلت حيلتي ، وشمت بي عدوي ».
________________________________________
1 ـ كتاب « تظلم الزهراء » ص 210.