طباعة

نصّ خطبة السيدة زينب على رواية أخرى


نصّ خطبة السيدة زينب
على رواية أخرى
    لقد ذكرنا أنّ السيد إبن طاووس قد روى خطبة السيدة زينب الكبرى ( عليها السلام ) بكيفيّة تختلف عمّا ذكرناه ، وتمتاز ببعض الإضافات والفُروق ، ولا تَخلو من فوائد ، وإليك نصّها :
    قال الراوي : فقامت زينب بنتُ علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فقالت :
    « الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد رسوله وآله أجمعين ، صدق الله سبحانه ، كذلك (1) يقول : « ثمّ كان عاقبة الذين أساؤا السوئى أن كذّبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون » (12).
    أظننت ـ يا يزيد ! ـ حيثُ أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء ـ فأصبحنا نُساق كما تُساق الأُسارى (3) ـ أنّ بنا على الله هواناً ، وبك عليه كرامة ؟ وأنّ ذلك لَعَظم خطرك عنده ؟
    فَشَمَخت بأنفك ، ونظرت في عطفك ، جذلان مسروراً (4) ، حين رأيت الدنيا لك مستوثقة ، والأمور متّسقة ، وحين صفى لك مُلكنا وسلطاننا !
    فمهلاً مهلاً ! أنسيت قول الله ـ عزّ وجل ـ : « ولا يحسبنّ الذين كفروا أنّما نُملي لهم خيرٌ لأنفسهم ، إنّما نُملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين » (5).
    أمِن العدل يابن الطُلقاء ؟! تخديرك إماءك وحرائرك ، وسوقك بنات رسول الله سبايا ؟
    قد هتكتَ ستورهنّ ، وأبديتَ وجوههنّ ، تحدوا بهنّ الاعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهنّ أهل المنازل والمناهل (6) ، ويتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد ، والدنيّ والشريف ، ليس معهنّ من رجالهنّ وليّ ، ولا مِن حماتهنّ حميّ.
    وكيف تُرتجى مراقبة ابن من لفظ فوه أكباد الأزكياء ؟ ونبت لحمه بدماء الشهداء ؟
    وكيف يستبطأ في بُغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشَنَف والشَنآن ، والإحَن والأضغان.
    ثمّ تقول ـ غير مُتأثّم ولا مستعظِم ـ :
« لأهَلّـوا واستهلّوا فرحـاً         ثم قالوا : يا يزيد لا تُشَل »
    مُنحنياً على ثنايا أبي عبد الله ، سيد شباب أهل الجنة ، تنكُتُها بمخصَرتِك.
    وكيف لا تقول ذلك ؟ وقد نكأتَ القرحة ، واستأصلتَ الشأفة ، بإراقتك دماء ذريّة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ونجوم الأرض من آل عبد المطّلب.
    وتَهتف بأشياخك ، زعمت أنّك تناديهم ، فلتردَنّ ـ وشيكاً ـ موردهم ، ولتودّنّ أنّك شُلِلتَ وبَكِمتَ (7) ، ولم تكن قلتَ ما قلتَ ، وفعلتَ ما فعلت.
    اللهم خذ بحقّنا ، وانتقم ممّن ظلمنا ، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا ، وقتل حُماتنا.
    فوالله ما فَرَيتَ إلا جلدك ، ولا حززت إلا لحمك (8) ، ولتردنّ على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بما تحمّلت من سفك دماء ذريّته ، وانتهكتَ من حرمته في عترته ولُحمته ، وحيث يجمع الله شملهم ، ويلمّ شعثهم ، ويأخذ بحقّهم.
    « ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون » (9)
    وحسبُك بالله حاكماً ، وبمحمد خصيماً ، وبجبرئيل ظهيراً.
 وسيعلم مَن سوّل لك (10) ومكّنك من رقاب المسلمين ، بئس للظالمين بدلاً ، وأيّكم شرّ مكاناً (11) ، وأضعف جنداً.
    ولئن جرّت عليّ الدواهي مخاطبتك ، فإنّي لأستصغرُ قدرك ، وأستعظم تقريعك ، وأستكثر توبيخك ، لكن العيون عبرى ، والصدور حرّى.
    ألا : فالعجب كل العجب ! لقتل حزب الله النجباء ، بحزب الشيطان الطلقاء (12) ، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا ، والأفواه تتحلّب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تتناهبها العواسل ، وتعفوها أمّهات الفراعل.
    ولئن اتّخذتنا مغنماً لتجدنّا ـ وشيكاً ـ مَغرماً ، حين لا تجدُ إلا ما قدّمت يداك ، وما ربّك بظلام للعبيد.
    فإلى الله المشتكى ، وعليه المعوّل.
 فكِد كيدك ، واسعَ سعيك ، وناصِب جُهدك (13) ، فوالله لا تَمحُونّ ذكرنا ، ولا تُميت وحينا ، ولا تُدرك أمدنا ، ولا تَرحضُ عنك عارها.
    وهل رأيك إلا فَنَد ، وأيامك إلا عَدَد ، وجمعك إلا بَدَد ؟ يوم ينادي المنادي : ألا : لعنة الله على الظالمين.
    فالحمد لله الذي ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة ، ولآخرنا بالشهادة والرحمة ، ونسأل الله أن يُكمِلَ لهم الثواب ، ويوجب لهم المزيد ، ويُحسن علينا الخلافة ، إنّه رحيم ودود ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ».
    فقال يزيد :
« يـا صيحة تُحمدُ من صوائح         ما أهون الموت على النوائح » (14)
________________________________________

1 ـ وفي نسخة : إذ يقول.
2 ـ سورة الروم ، الآية 10.
3 ـ وفي نسخة : كما تُساق الإماء.
4 ـ وفي نسخة : جَذِلاً مَسروراً.
5 ـ سورة آل عمران ، الآية 178.
6 ـ وفي نسخة : اهل المناهل والمناقل.
7 ـ بَكمتَ : عجَزتَ عن الكلام خِلقةً. المعجم الوسيط.
8 ـ وفي نسخة : جَزَرتَ.
9 ـ سورة آل عمران ، الآية 169.
10 ـ سوّلَ لك : زيّنَ لك عملك.
11 ـ وفي نسخة : وأيّنا شرٌ مكانا.
12 ـ لعلّ الأصح : على أيدي حزب الشيطان.      المحقق
13 ـ وفي نسخة : واجهَد جهدك.
14 ـ كتاب « الملهوف » للسيد ابن طاووس ، ص 215 ـ 218.