طباعة

ثالثاًً ـ علم الشيعة بالغيبة قبل حدوثها

 

  ثالثاًً ـ علم الشيعة بالغيبة قبل حدوثها :
    اتّضح ممّا تقدم من غيبة الإمام المهدي بن الإمام العسكري عليهما السّلام كانت معلومة في الوسط الشيعي قبل حدوثها بعشرات السنين ، وذلك من خلال ما سمعوه من أهل البيت عليه السّلام مباشرة ، ولهذا ألّفوا فيما سمعوه بهذا الخصوص كتباً عديدة ، وقد شهد غير واحد من أعلام الإمامية وأجّلائهم المشهورين على هذه الحقيقة.
    قال الشيخ الصدوق : « إنّ الأئمة عليهم السّلام قد أخبروا بغيبته عليه السّلام ، ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم ، واستحفظ في الصحف ، ودوّن في الكتب المؤلّفة من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أو أكثر ، فليس أحد من اتباع الأئمة عليهم السّلام إلاّ وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودوّنه في مصنّفاته ، وهي الكتب التي تعرف بالاصول ، مدوّنة مستحفظة عند شيعة آل محمد صلّى الله عليه وآله من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين .. .. » (1).
    وإلى هذا أشار الشيخ الطوسي في كتابه الغيبة ، فقال بعد استدلاله بجملة من الاخبار الموجودة في الكتب المؤلّفة قبل زمان الإمام المهدي عليه السّلام ما هذا لفظه : « موضع الاستدلال من هذه الأخبار ما تضمّن الخبر بالشيء قبل كونه فكان كما تضمّنه » (2).
    كما شهد بهذا أيضاًًً ابن قبة الرازي وهو من فحول متكلمي الإمامية في عصره ، فقد نقل الشيخ الصدوق عنه قوله في هذا الخصوص : « وهذه كتبهم فمن شاء من ينظر فيها فلينظر » (3).
    كما شهد الإربلي في كشف الغمّة ، والطبري الإمامي في دلائل الإمامة بعد نقل حديث عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السّلام صريح بغيبة الإمام المهدي عليه السّلام ، بأنّهما نقلاه من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب الزرّاد (4) والحسن بن محبوب مات رحمه الله سنة 224 / هـ ، أي قبل زمان ولادة الإمام المهدي عليه السّلام بإحدى وثلاثين سنة ، وغير ذلك من الأحاديث الأخرى التي صرّحت بغيبة الإمام الثاني عشر عليه السّلام قبل حدوثها على أرض الواقع بعشرات السنين ، وستأتي الإشارة إلى بعضها في مكان آخر.
    على أن الاتساع الأفقي الحاصل في كل طبقة من طبقات الرواة في بعض أحاديث الغيبة حتى ينتهي الأمر هكذا إلى أحد المتقدمين من أصحاب الائمة عليهم السّلام أو إلى من مات قبل زمان الغيبة بآماد كثيرة ، قرينة شاهدة على سماع أحاديث غيبة الإمام الثاني عشر من رواة ماتوا قبل حلولها بأزمان كثيرة ، وإلاّ فماذا يُفهم من هذا الاتساع الأفقي في كل طبقة غير صحة ما شهد به الصدوق وغيره من وجود تلك الأخبار في الكتب المؤلفة قبل زمان الغيبة بكثير ؟
    وسوف يأتي ما يدل على وجود مثل هذه القرينة في أحاديث الغيبتين وغيرهما ، ومن ثم فإّّن ما في موضوع كتابنا هذا أقوى من كل شهادة على علم الشيعة بالغيبة قبل حدوثها.



1 ـ إكمال الدين 1 : 19 ، من المقدّمة.
2 ـ كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : 173.
3 ـ إكمال الدين : 107 ، من المقدّمة.
4 ـ كشف الغمّة / الاربلي 3 : 453 ـ 454 ، ودلائل الإمامة / الطبري : 535 / 520.