طباعة

تمهيد


الباب الثالث
دور الإمام الصادق عليه السّلام في رد الشبهات المثارة حول الغيبة والغائب
الفصل الأول :
    شبهة الكيسانية بمهدوية محمد بن الحنفية رضى الله عنه
الفصل الثاني :
    شبهة مهدوية عمر بن عبدالعزيز الاموي المرواني
الفصل الثالث :
    شبهة مهدوية محمد بن عبد الله الحسيني
الفصل الرابع :
    دعوى مهدوية المهدي العباسي
الفصل الخامس :
    موقف الإمام الصادق عليه السّلام من المهدويات الأخرى
الفصل السادس :
    دور الإمام الصادق عليه السّلام في رد الشبهات الأخرى


    تمهيد :
    على الرغم من كثرة الكتب المؤلّفة في غيبة الإمام المهدي عليه السّلام قبل حصولها ، وكثرة الأحاديث الواردة في بيان هوية الإمام المهدي ، وغيبته ، وطول عمره الشريف قبل ولادته بعشرات السنين ، وانتشار العقيدة المهدوية في الوسط الإسلامي في القرون الثلاثة الأولى ـ انتشاراً واسعاً ... على الرغم من كل ذلك بقي علم الكلام الإسلامي في عصر الإمام الصادق عليه السّلام بكل اتجاهاته خالياً تماماًً من اية إثارة بخصوص الإمام المهدي عليه السّلام ، هذا في الوقت الذي تناول فيه شتى المباحث الكلامية في التوحيد ، والعدل ، والنبوة ، والإمامة ، والمعاد ، وغيرها.
    والسرّ في ذلك .. أنه لم تكن هناك ثمة شبهات كيبرة تذكر في زمان الإمام الصادق عليه السّلام بشأن الغيبة والغائب ، خصوصاًً وإن الإمام المهدي عليه السّلام لم يكن مولودا في ذلك الحين ولم تبتل الأمة بغيبته الطويلة التي صارت فيما بعد مثاراً اللجدل. هذا إذا ما استثنينا بعض المحأولاًًت المنحرفة التي كانت تستهدف استغلال عقيدة الأمة بمهديها فادّعت المهدوية زوراً وبطلاناً ، وتصدّى لها إلإمام الصادق عليه السّلام بكل قوّة حتى قبرت وهي في مهدها.
    ويبدو أن متكلمي المعتزلة والزيدية وغيرهم من خصوم الإمامية الذين ماتوا قبل ولادة الإمام المهدي عليه السّلام كانوا في حرج شديد إزاء أخبار الإمام الصادق عليه السّلام وأهل البيت عليهم السّلام كافة بخصوص ولدهم المهدي عليه السّلام ، إذ شكلت بمجموعها تحدّياً صارخاً لهم ، ولم يجدوا وسيلة في رد أخبار أهل البيت عليهم السّلام تلك حتى وإن لم يعتقدوا بإمامتهم ، إذ تكفيهم بذلك سائر موجبات قبول الخبر من الوثاقة والضبط والصدق والحفظ والحريجة في الدين ، سيما وإن تلك الأخبار أنبأت عن مستقبل قد يكون بعيداً على أولئك المتكلمين ، وبالتالى هم ليسوا من أهله (1) ، ولهذا نراهم قد خفّفوا من غلوائهم تجاه هذه المسألة ، واهملوها تماماًً ، ولم يتصدّ أحد منهم قط إلى تكذيب أخبارها على الرغم من كونها بين أيديهم ، وكأنهم ـ بهذا ـ قد تحفّظوا على أنفسهم فلم يرموا بها شططاً في كل اتجاه.
    وما إن انقضى عصر أُولئك المتكلمين إلاّ وقد اصطدم خَلَفَهُم بالواقع ، خصوصاًً وقد شاهدوا رجوع القواعد الشيعية برمّتها ـ في كل صغيرة وكبيرة ـ إلى سفراء الإمام المهدي عليه السّلام ووكلائه المنبثّين في طول بلاد الإسلام وعرضها.
1 ـ بحث المتكلمون في مسائل كثيرة لم يكونوا من أهلها في ذلك الحين ، وكانت تمسّ مستقبل الانسان ومصيره في الصميم ، كما هو الحال في بحثهم مسألة البرزخ ، والصراط ، والميزان ... ونحوها كثير.
    والامر هنا مختلف تماماً ، إذ لا يقبل جدلاً ولا تأويلاً ، فالإخبار عن شخص بذكر اسمه ونسبه وحسبه وكنيته ولقبه وسيرته وحليته وأخلاقه وأوصافه بأنه هو المهدي الموعود به في آخر الزمان ، لا يدع مجالاً للمتكلمين في تأويل ذلك أو صرفه عن مدلّو له ، اللهمّ إلاّ أن يضطرّهم اعتقادهم الفاسد إلى تكذيب مثل هذا الإخبار ، وهو ما لم يحصل من المتكلمين في زمان الإمام الصادق عليه السّلام.
  ومن هنا لم يشأ بعضهم ترك الحبل على غاربه ، فحاول عبثاً إثارة بعض الشبهات والاشكالات ، حتى اضطرّ أخيراً إلى تكذيب تلك الأخبار التي كانت مدونة في عهد أسلافهم الذين عجزوا من تكذيبها.
    وما إن دخلت العقيدة المهدوية في علم الكلام وأخذت حيزها الواسع فيه ، وذلك بعد تحقّقها على أرض الواقع بولادة الإمام المهدي عليه السّلام وغيبته سنة / 260 هـ ، إلاّ وقد تصدّى طلائع المتكلمين من الإمامية في عصر الغيبة الصغرى كابن قبة الرازي والنوبختيين وغيرهم إلى بيان زيف تلك الشبهات وأذاقوها ألواناً من مرارة التفنيد ، كما نجده في كثير من نقولات الشيخ الصدوق عن أولئك المتكلمين في رد شبهات الزيدية والمعتزلة وغيرهم في هذا الخصوص (1).
    والطريف في تلك الشبهات أنها كانت تعتمد على أشياء قد سبق وإن تعرّض لها الإمام الصادق عليه السّلام ، نظير تمسّكهم بدعاوى المهدوية ، وطول عمر الإمام المهدي عليه السّلام ، والفائدة من غيبته ، ونحو هذا من الأمور التي لم تزل تثار إلى وقتنا هذا .. بما يمكن معه القول بأن سائر الاشكالات التي يثيرها بعض الكتّاب لم تكن جديدة أصلاً ؛ إذ مضى عليها أكثر من ألف عام بل حتى أجوبتها ليست جديدة هي الأخرى وعمر معظمها أطول  من عمر الإمام المهدي عليه السّلام ، كما سنرى بعد قليل.
    ومن هنا يتبين لنا وبكل وضوح أن دور الإمام الصادق عليه السّلام في صيانة الفكر المهدوي الأصيل كان دوراًً سابقاًً لزمانه بقرون عديدة ، إلاّ ما كان بصدد رد بعض دعاوى المهدوية المعاصرة له عليه السّلام ، إذ كان عليه السّلام يتعمّد إلى إثارة ما يمكن أن يقال عاجلاًً أو آجلاًً ثم يتعرّض ـ بذات الوقت ـ إلى الإجابة الشافية المختصرة.
    وكثيراً ما يكون في حديثه عليه السّلام جواب لشبهة مقدرة من دون إثارة صريحة لها ، وربّما قد يكون الجواب ـ أحياناًً ـ ردّا على سؤال في هوية الإمام المنتظر ، أو ولادته ، أو غيبته ، ونحو ذلك من أمور أخرى ، صارت أجاباتها ردوداً لما أُثير بعد ذلك من شبهات.
    وفي ما يلي دراسة لأهم الشبهات المثارة حول العقيدة المهدوية ، وموقف الإمام الصادق عليه السّلام منها وذلك في فصول.



 
1 ـ راجع : ما كتبه الشيخ الصدوق في مقدمة كتابه إكمال الدين وإتمام النعمة ، ستجد فيها ردّاً واسعاً على شبهات الزيدية والمعتزلة وغيرهم في العقيدة المهدوية.