طباعة

أولاًًً ـ أسباب ظاهرة ادّعاء الهدوية في التاريخ

الفصل الأول
شبهة الكيسانية بمهدوية محمد بن الحنفية رضي الله عنه
   

أولاًًً ـ أسباب ظاهرة ادّعاء الهدوية في التاريخ :
    تمثّل ظاهرة ادّعاء المهدوية في التاريخ الإسلامي عنصر الفساد والانحراف الذي يقف دائماًً ـ وباسم الدين ـ في الصفّ المناوئ للأهداف الكبرى في الشريعة ، وذلك باستغلال إيمان الأمة بالإمام المهدي عليه السّلام الذي بشّر به النبي صلّى الله عليه وآله بشكل تخطى مضمونه سائر الحدود المطلوبة في تحقّق التواتر وعلى جميع الأصول المحرّرة في معرفته.
    وقد يسأل بعضهم فيقول : كيف استطاعت إذن أن تشقّ تلك الظواهر طريقها في المجتمع الإسلامي وبهذا الوقت المبكّر من تاريخه ؟ والجواب منوط بمعرفة الاسباب المؤدّية الى استغلال الدين باسمه وعلى اكثر من صعيد ، ويأتي في طليعتها :
    1 ـ عدم تحصّن الأمة بالثقلين « كتاب الله والعترة الطاهرة عليهم السّلام » كما ينبغي.
    2 ـ ضعف الوازع الديني عند أدعياء المهدوية على مرّ التاريخ ، مما هوّن عليهم ذلك ارتكاب مثل هذاالأمر الخطير.
    3 ـ تشر ذم الأمة إلى فئات متناحرة ومحاولة كل منها كسب الأنصار والمؤيدين بشتى الطرق الملتوية ، من بذل المال ، أو الالتفاف على الدين.
    4 ـ قلّة الثقافة المهدوية في نفوس بعض القواعد الشعبية التي روّجت لمهدوية هذا الشخص أو ذاك ، كما نجده عند الكيسانية في إشاعتهم مهدوية محمد بن الحنفية رضى الله عنه.
    5 ـ الافتتان ببعض الشخصيات ، ومحاولة رفعها فوق قدرها واعطائها من الألقاب والصفات ما لا تستحق ، كما هو الحال في وصف عمر بن عبدالعزيز الاموي المرواني بـ ( المهدي ) مثلاًً.
    ومما زاد الطين بلّة : ثقافة الاستبداد السياسي التي ورثتها الأمة وتربّت عليها بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله مباشرة ، فهي في الوقت الذي تجاهلت فيه مبدأ النصّ والتعيين ، لم تراع حرية الاختيار واختفت الشورى تماماًً بحيث لم تتحقّق ولو مرّة واحدة ـ سهواًً أو اشتباهاًً ـ في حياتها ، ثم تطور الامر سوءاً حتى اُبيح للسلطان أن يتّخذ الدين مطيّه لتحقيق مآربه واهدافه السياسية ، ولو بعبور الخطوط الحمراء في الشريعة واستغلالها لصالحه كما هو الحال في الدولتين الاموية والعباسية ، وخير مثال على ما نحن فيه محاولة التفاف أبي جعفر الدوانيقي عبد الله المنصور ( الخليفة ) العباسي ( 136 ـ 158 هـ ) على العقيدة المهدوية ، وانتزاعها من محمد بن عبد الله بن الحسن المثنى ( المهدي الحسني ) الذي ادعاها بدوره ! طمعاًً بالسلطة ، فأطاح المنصور العباسي بثورته وقتله وأخاه إبراهيم ( سنة / 145 هـ ) ، ثم أقدم ( سنة / 147 هـ ) على تعيين ابنه محمد ( 159 -169 هـ ) وليّا للعهد ولقبّه بالمهدي ! (1) ، وغيرها من الاسباب الاخرى التي أفضت بطبيعتها إلى ولادة خط الانحراف العقائدي وتمكين ظواهري السلبية في المجتمع ، في حين صمد الخط الملتزم بمبادئه الاسلامية الثابتة ، وتصدت قيادته الواعية إلى كل انحراف ؛ لتصون العقيدة المهدوية من العابثين والطامعين ، كما نجد ذلك واضحاً في موقف الإمام الصادق عليه السّلام من أولى تلك الدعاوى المزعومة والشبهات الفاسدة التي ظهرت في مقولة الكيسانية فنقول :



   1 ـ راجع : تاريخ الخلفاء / السيوطي : 210.