طباعة

كانوا اطول اعمارا

 

 

كانوا اطول اعمارا

من خطبه له فى احوال الدنيا:
اما بعد، فانى احذركم الدنيا، فانها حلوه خضره، حفت بالشهوات و تحلت بالامال و تزينت بالغرور.
لم يكن امرو منها فى حبره
[الحبره: المسره و النعمه.] الا اعقبته بعدها عبره، و لم يلق فى سرائها بطنا الا منحته من ضرائها ظهرا.
[كنى ب'البطن' عن الاقبال، و ب'الظهر' عن الادبار.] و حرى اذا اصبحت له منتصره ان تمسى له متنكره. و ان جانب منها احلولى، امر منها جانب فاوبى.
[اوبى: صار كثير الوباء.] لا ينال امرو من غضارتها رغبا
[الغضاره: النعمه و السعه. الرغب- بفتح الباء- الرغبه.] الا ارهقته من نوائبها تعبا! و لا يمسى منها فى جناح امن الا اصبح على قوادم خوف!
[القوادم: اربع ريشات فى مقدم جناح الطائر.]
كم من واثق بها قد فجعته، و ذى طمانينه اليها قد صرعته، و ذى ابهه
[الابهه: العظمه.] قد جعلته حقيرا، و ذى نخوه قد ردته ذليلا. ملكها مسلوب، و عزيزها مغلوب، و موفورها منكوب، و جارها محروب!
[محروب: مسلوب المال.]
الستم فى مساكن من كان قبلكم اطول اعمارا، و ابقى آثارا، و ابعد آمالا، و اعد عديدا، و اكثف جنودا! تعبدوا للدنيا اى تعبد، و آثروها اى ايثار، ثم ظعنوا عنها بغير زاد! فهل بلغكم ان الدنيا سخت لهم نفسا بفديه، او اعانتهم بمعونه، او احسنت لهم صحبه!