طباعة

22 ـ سبب استتاره

22 ـ سبب استتاره
إن اختلاف حالة صاحب الزمان وآبائه عليه وعليهم السلام فيما يقتضيه استتاره اليوم وظهوره، اذ ذاك يقضي بطلان ما توهمه الخصم من سهولة هذا الزمان على صاحب الامر عليه السلام وصعوبته على آبائه صلوت الله عليهم فيما سلف، وقلة خوف اليوم وكثرة خوف آبائه فيما سلف، وذلك انه لم يكن احد من آبائه عليهم السلام كلف القيام بالسيف مع ظهوره، ولا الزم بترك التقية، ولا الزم الدعاء الى نفسه حسبما كلفه امام زماننا، هذا بشرط ظهوره عليه السلام وكان من مضى من آبائه صلوات الله عليهم قد أبيحوا التقية من اعدائهم، والمخالطة لهم والحضور في مجالسهم، واذاعوا تحريم اشهار السيوف على انفسهم، وخطر الدعوة اليها.
واشاروا الى منتظر يكون في آخر الزمان منهم يكشف الله به الغمة، ويحيى ويهدي به الامة لا تسعه التقية عند ظهوره ينادي باسمه في السماء الملائكة الكرام، ويدعوا الى بيعته جبريل وميكائيل في الانام، وتظهر قبله امارات القيامة في الارض والسماء، ويحيا عند ظهوره اموات، وتروع ايات قيامه، ونهوضه بالامر الابصار.
فلما ظهر ذلك في السلف الصالح من آبائه عليهم السلام، وتحقق ذلك عند سلطان كل زمان وملك كل اوان، وعلموا انهم لا يتدينون بالقيام بالسيف، ولا يرون الدعاء الى مثله على احد من اهل الخلاف، وإن دينهم الذي يتقربون به الى الله عزوجل التقية، وكف اليد وحفظ اللسان، والتوفر على العبادات، والانقطاع الى الله عزوجل بالاعمال الصالحات امنوهم على انفسهم مطمئنين بذلك الى ما يدبرونه من شأنهم، ويحققونه من دياناتهم، وكفوا بذلك عن الظهور والانتشار، واستغنوا به عن التغيب والاستتار.
ولما كان امام هذا الزمان عليه السلام هو المشار اليه بسل السيف من اول الدهر في تقادم الايام المذكورة، والجهاد لاعداء الله عند ظهوره، ورفع التقية عن اوليائه والزامه لهم بالجهاد، وانه المهدي الذي يظهر الله به الحق، ويبيد بسيفه الضلال، وكان المعلوم انه لا يقوم بالسيف الا مع وجود الانصار واجتماع الحفدة والاعوان، ولم يكن انصاره عليه السلام عند وجوده متهيئين الى هذا الوقت موجودين، ولا على نصرته مجتمعين، ولا كان في الارض من شيعته طرأ من يصلح للجهاد، وان كانوا يصلحون لنقل الاثار، وحفظ الاحكام والدعاء له بحصول التمكن من ذلك الى الله عزوجل لزمته التقية، لانه لو ظهر بغير اعوان لا لقى بيده الى التهلكة، ولو ابدى شخصه للاعداء لم يألوا جهداً في ايقاع الضرر به، واستئصال شيعته واراقه دمائهم على الاستحلال، فيكون في ذلك أعظم الفساد في الدين والدنيا، ويخرج به عليه السلام عن احكام الدين وتدبير الحكماء.(الشيخ المفيد ـ الرسالة الرابعة في الغيبة ـ ضمن مصنفات الشيخ المفيد: 7/ 11 ـ 13).