خلقه النمله
من خطبه له فى وصف خلقه النمله:
انظروا الى النمله فى صغر جثتها و لطافه هيئتها، لا تكاد تنال بلحظ البصر و لا بمستدق الفكر، كيف دبت على ارضها و صبت على رزقها! تنقل الحبه الى جحرها و تعدها فى مستقرها. تجمع فى حرها لبردها و فى ورودها لصدرها، مكفوله برزقها مرزوقه بوفقها
[الصدر: الرجوع بعد الورود. بوفقها: بما يوافقها من الرزق و يلائم طبعها، او بما هو قدر كفايتها منه.] لا يغفلها المنان و لا يحرمها الديان و لو فى الصفا اليابس و الحجر الجامس.
[الجامس: الجامد.] و لو فكرت فى مجارى اكلها، فى علوها و سفلها، و ما فى الجوف من شراسيف بطنها
[الشراسيف: مقاطع الاضلاع.] و ما فى الراس من عينها و اذنها، لقضيت من خلقها عجبا و لقيت
فى وصفها تعبا! فتعالى الذى اقامها على قوائمها و بناها على دعائمها! لم يشركه فى فطرتها فاطر و لم يعنه فى خلقها قادر.
و لو ضربت فى مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ما دلتك الدلاله الا على ان فاطر النمله هو فاطر النخله، لدقيق تفصيل كل شى ء
[اى: ان دقه التفصيل فى النمله على صغرها و فى النخله على طولها، تدلك على ان الصانع واحد.] و غامض اختلاف كل حى! و ما الجليل و اللطيف، و الثقيل و الخفيف، و القوى و الضعيف، فى خلقه الا سواء!