طباعة

ثانياً: شدّ الرحال لزيارة قبر النبي والاَئمة والصالحين


ثانياً: شدّ الرحال لزيارة قبر النبي والاَئمة والصالحين:
اتفق علماء المسلمين على جواز زيارة القبور عامةً وقبور الاَنبياء والاَولياء والصالحين خاصّة، إلاّ ما نُسب إلى ابن سيرين والنخعي والشعبي، على أنّ النسبة غير ثابتة.
وقد زار النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبر أُمّه فبكى وأبكى من حوله وقال: «... استأذنته في أن أزور قبرها فأُذِن لي فزوروا القبور فإنّها تُذكِّر الموت»(1).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «من زار قبري وجبت له شفاعتي» (2).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: «من حجَّ فزار قبري بعد وفاتي، كان كمن زارني في حياتي» (3). وقد وردت عنه صلى الله عليه وآله وسلم عشرات الاَحاديث في هذا المضمار من طرق الفريقين.
ويشكك ابن تيمية في مندوبية زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويذهب في «منهاج السُنّة» وغيره إلى أن ماورد في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضعيف بل موضوع.
إلاّ أن المقدسي يذكر أنَّ ابن تيمية كان معتقداً بزيارة النبي الاَكرم، ونقل عنه قوله: إذا أشرف على مدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل الحج أو بعده فليقل ماتقدم، فاذا دخل استحب له أن يغتسل، نصّ عليه الامام أحمد، فإذا دخل المسجد بدأ برجله اليمنى، وقال: بسم الله والصلاة على رسول الله، اللهم أغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، ثم يأتي الروضة بين القبر والمنبر فيصلى بها ويدعو بما شاء، ثم يأتي قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيستقبل جدار القبر ولا يمسّه ولا يقبله، ويجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه ليكون قائماً وجاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقف متباعداً كما يقف لو ظهر في حياته بخشوع وسكون منكّس الرأس غاضّ الطرف مستحضراً بقلبه جلالة موقفه، ثم يقول: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا نبي الله وخيرته من خلقه، السلام عليك يا سيد المرسلين وخاتم النبيين وقائد الغر المحجلين...» (4).
ومع هذا الكلام فان ابن تيمية يعتبر «شدّ الرحال» لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمراً حراماً، معتمداً في ذلك فهماً خاطئاً لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «لا تشدُّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الاقصى» (5)وفي لفظٍ آخر: «إنما يُسافر الى ثلاثة مساجد: مسجد الكعبة، ومسجدي، ومسجد إيليا» (6).
وسوف نتناول مناقشة هذا الاَمر من جانبين:
الجانب الاَول: إيراد أقوال وأحاديث تؤكد استحباب السفر لزيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم.
والجانب الثاني: دراسة وتحليل الحديث الذي اعتبره ابن تيمية دالاً على حرمة السفر إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
____________
(1) صحيح مسلم 3: 65 باب استئذان النبي ربّه في زيارة قبر أُمّه.
(2) الغدير، للاميني 5: 93 عن أكثر من أربعين راوياً من أئمة المذاهب الاَربعة.
(3) المصدر السابق 5: 98 ـ 100 عن خمسة وعشرين محدّثاً.
 (4) الصارم المنكي في الرد على السبكي، للمقدسي: 7، ط1، القاهرة، المطبعة الخيرية.
(5) صحيح مسلم 4: 126 كتاب الحج باب لا تشدُّ الرحال. سنن أبي داود 1: 469 كتاب الحج. سنن النسائي 2: 37 ـ 38 المطبوع مع شرح السيوطي.
(6) صحيح مسلم 4: 126 كتاب الحج باب لا تشدُّ الرحال. سنن أبي داود 1: 469 كتاب الحج. سنن النسائي 2: 37 ـ 38 المطبوع مع شرح السيوطي.