دراسة دليل القائلين بتحريم شدّ الرحال لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
اعتمد القائلون بتحريم شدّ الرحال لغير المساجد الثلاثة (مسجد الرسول ومكة وبيت المقدس) بشكل خاص على الرواية المتقدّمة، ولنا في دلالة الحديث أو الاَحاديث المارة مناقشة، تقوم على أساس تحديد المستثنى منه، وهو واحد من اثنين:
1 ـ لا تشدُّ الرحال إلى «مسجد» غير المساجد الثلاثة.
2 ـ لا تشدُّ الرحال إلى «مكان» غير المساجد الثلاثة.
فلو كان المقصود بالرواية المستثنى الاَول كما هو الظاهر، فإنّ معنى الحديث يكون: الاَمر بعدم شدّ الرحال إلى أي مسجد من المساجد ماعدا المساجد الثلاثة، ولا يعني عدم شدّ الرحال إلى أي مكان من الاَمكنة إذا لم يكن هذا «المكان» مسجداً، فالحديث إذن بهذا المعنى لايتعرض بحال لشدّ الرحال لزيارة قبور الاَنبياء والاَئمة الطاهرين والاَولياء والصالحين، لاَنّ قبورهم ليست مساجد، ولاَنّ الحديث يتعرض في نفيه وإثباته للمساجد خاصة، ولذلك فإنّ الاستدلال به على حرمة شدّ الرحال إلى غير المساجد باطل.
أما الحالة الثانية، وهي البناء على الاستثناء من عموم الاَمكنة، فلا يمكن الاَخذ بها، إذ تستتبع حرمة جميع الاسفار سواء كان السفر لزيارة مسجد أو غيره من الامكنة، ولا يقول بهذا أحدٌ من الفقهاء والعقلاء.
ومن جهة ثانية: فإنّ النهي عن شدِّ الرحال إلى أي مسجد غير المساجد الثلاثة ليس نهياً «تحريمياً» وإنّما هو إرشاد الى عدم الجدوى في سفر كهذا، وذلك لاَنّ المساجد الاُخرى لا تختلف من حيثُ الفضيلة، فالمساجد الجامعة متساوية في الفضيلة وإنّ من العبث ترك الصلاة في جامع هذا البلد والسفر إلى جامع آخر في بلد آخر مع أنهما متماثلان.
يقول الغزالي بهذا الصدد: «القسم الثاني، وهو أن يسافر لاَجل العبادة إمّا لحجٍّ أو جهاد.. ويدخل في جملته: زيارة قبور الاَنبياء عليهم السلام وزيارة قبور الصحابة والتابعين وسائر العلماء والاَولياء، وكل من يتبرّك بمشاهدته في حياته يتبرّك بزيارته بعد وفاته، ويجوز شدّ الرحال لهذا الغرض، ولا يمنع من هذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا تشدُّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الاَقصى»، لاَنّ ذلك في المساجد، فإنّها متماثلة في الفضيلة، بعد هذه المساجد» (1).
ويقول الدكتور الشيخ عبدالملك السعدي: «إنَّ النهي عن شدّ الرحال إلى المساجد الاَُخرى لاَجل أنَّ فيه إتعاب النفس دون جدوى أو زيادة ثواب، لاَنّها في الثواب سواء، بخلاف الثلاثة لاَنّ العبادة في المسجد الحرام بمائة ألف، وفي المسجد النبوي بألف، وفي المسجد الاقصى بخمسمائة، فزيادة الثواب تحبّب السفر إليها وهي غير موجودة في بقيّة المساجد»(2).
ومن جهة ثالثة: فإنّ هناك دليلاً آخر على أنّ السفر لغير هذه المساجد الثلاثة ليس محرّماً، وهو ما نكتشفه من سيرة النبي الاَكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد روى أصحاب الصحاح والسنن: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتي مسجد قباء راكباً وماشياً فيصلّي فيه ركعتين» (1).
____________
(1) احياء علوم الدين، للغزالي 2: 247 كتاب آداب السفر، طبعة دار احياء التراث العربي ـ بيروت.
(2) البدعة، للدكتور عبدالملك السعدي: 60.
دراسة دليل القائلين بتحريم شدّ الرحال لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
- الزيارات: 1229