شهادة مولاتنا الصدّيقة فاطمة الزهراء
(صلوات اللّه عليها)
أكّدتها الأخبار ، فإنّها اعتلّت بعد الهجوم على دارها ، وعصرِها بين الباب والجدار حتّى كُسر ضلعها وأُسقط جنينها ، فظلّتْ تعاني ذلك مدّة ـ تفاوت أصحاب السير في تحديدها ـ حتّى تُوفّيت شهيدةً مظلومة .
والموضوع خضع للتحقيق ، فخرج بنتيجة قاطعة أنّها تُوفّيت على إثر عصرة الباب وإسقاطها محسناً ، وإثر ذلك المسمار الذي ضغطه (فلان) في صدرها القدسي ، فمرضت حتّى وافاها الأجل .
وهنا نشير إلى أبواب التحقيق فقط : روى ابن قولويه بسنده عن حمّاد بن عثمان ، عن الصادق (عليه السّلام) قال : (( لمّا أُسري بالنبيّ (صلّى اللَّه عليه وآله) إلى السماء ، قيل له : إنّ اللَّه تبارك وتعالى يختبرك في ثلاث لينظر كيف صبرك ... ، وأمّا الثالثة فما يلقى أهل بيتك مِن بعدك من القتل ؛ أمّا أخوك عليّ فيَلقى من أُمّتك الشتم والتعنيف والتوبيخ والحرمان والجحد والظلم ، وآخر ذلك القتل ... ؛ وأمّا ابنتك فتُظلم وتُحرم ويُؤخذ حقّها غصباً الذي تجعله لها ، وتُضرَب وهي حامل ، ويُدخل عليها وعلى حريمها ومنزلها بغير إذن ، ثمّ يمَسُّها هوانٌ وذُلّ ، ثمّ لا تجد مانعاً ، وتَطرح ما في بطنها من الضرب ، وتموت من ذلك الضرب ... ))(1) .
وروى الجويني بإسناده عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، عن النبيّ الأكرم (صلّى اللّه عليه وآله) في خبر طويل ، أنّه قال : (( وأمّا ابنتي فاطمة فإنّها سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، وهي بضعة منّي ، وهي نورُ عيني ، وهي ثمرة فؤادي ... وإنّي لمّا رأيتُها ذكرتُ ما يُصنع بها بعدي ، كأنّي بها وقد دخل الذُلّ بيتَها ، وانتُهكتْ حرمتُها ، وغُصب حقّها ، ومُنعتْ إرثها ، وكُسر جنْبُها ، وأسقطَتْ جنينها ، وهي تنادي : يا محمّداه ! فلا تُجاب ، وتستغيث فلا تُغاث ، فلا تزال بعدي محزونة مكروبةً باكية ... وعند ذلك يؤنسها اللّه تعالى ، فيناديها بما نادى به مريمَ ابنة عمران ، فيقول : يا فاطمة ، إنّ اللّه اصطفاكِ وطهّركِ واصطفاكِ على نساء العالمين . يا فاطمةُ ، اقنتي لربّكِ واسجدي واركعي مع الراكعين .
ثمّ يبتدئ بها الوجع فتمرض ، فيبعث اللّهُ (عزّ وجلّ) إليها مريمَ ابنة عمران تُمرّضها وتُؤنسها في علّتها ، فتقول عند ذاك : يا ربّ ، إنّي قد سئمتُ الحياة ، وتبرّمتُ بأهل الدنيا ، فألحِقْني بأبي . فيُلحقها اللّه (عزّ وجلّ) ، فتكون أوّل مَنْ يلحقُني مِن أهل بيتي ، فتَقْدِم عَليَّ محزونةً
مكروبة ، مغمومةً مغصوبة مقتولة )) . يقول رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله ) عند ذلك : (( اللّهمّ العنْ مَنْ ظَلَمها ، وعاقِبْ مَنْ غصبها ، وذلّل مَنْ أذلّها ، وخلّدْ في نارِكَ مَنْ ضرب جنبها حتّى ألقتْ ولَدَها )) . فتقول الملائكةُ عند ذلك : آمين(2) .
وعن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري ، قال : سمعتُ سيّدتي فاطمة (عليها الصلاة والسلام) تقول : (( سمعتُ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله) يقول : إنّكِ المظلومة المغصوبة المقتولة بعدي ، فلعن اللَّه مَنْ يظلمك ويغصبك ويقتلك . يا فاطمة ، البشرى ، فلكِ عند اللَّه مقام محمود تشفعين فيه لمحبّيكِ وشيعتك .
يا فاطمة ، إذا كان يومُ القيامة أقبلتِ على نجيب من نور ، شيّعتكِ المؤمناتُ ، فيهنّ حوّاء ، ومريمُ بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وكلثم أخت موسى ومَنْ دونهنّ ، وجبرئيلُ آخذ بخطام النجيب ، وميكائيلُ عن يمينك ، وإسرافيلُ عن يساركِ ، مع كلّ واحد منهم سبعون ألفَ ملَك ، فينادي منادٍ : يا معشرَ الخلائق ، طأطِئوا رؤوسكم ، وغضّوا أبصاركم حتّى تجوز فاطمةُ بنتُ محمّد .
فيقول أهل الجمع : مَنْ هذه الأَمَةُ الكريمة على اللَّه ؟!
فينادي المنادي : هذه الصدّيقة الشهيدة التي عزّت على أبيها ، وهانت على اُمّته مِن بعده حتّى ظُلمتْ حقَّها ، وغُصبت إرثَها ، ولُطم خدُّها ، وقُتل جنينها ، وفارقت الدنيا بحسرتها . أقسم الجليلُ بعزّته أن ينتقم مِن أعدائها ، ويحلَّهم دارَ البوار في ناره ))(3) .
وفي كتاب سُلَيم ، في حديث قال ابن عبّاس فيه : لقد دخلت على عليّ (عليه السّلام) بذي قار ، فأخرج إليَّ صحيفة ... فقرأها ... فكان فيما قرأه عَلَيَّ كيف يُصنع به ، وكيف تستشهد فاطمة (عليها السّلام) ، وكيف يستشهد الحسن ابنه ، وكيف تغدر به الأمّة ، فلمّا أن قرأ كيف يُقتل الحسين (عليه السّلام) ومَنْ يقتله أكثَرَ البكاءَ ...(4) .
وروى سليم أيضاً : فألجأها (قنفذ) إلى عضادة بيتها ودفعها ، فكسر ضلعاً في جَنْبها ، فألقت جنيناً من بطنها ...(5) .
وروى الشهرستاني الشافعي عن النظّام أنّه قال : إنّ عمرَ ضرب بطنَ فاطمة يوم البيعة حتّى ألقتِ الجنين مِن بطنها(6) .
وروى مقاتل بن عطيّة : إنّ أبا بكر بعد ما أخذ البيعة لنفسه من الناس بالإرهاب والسيف والقوّة ، أرسل عمرَ وقنفذاً وجماعة إلى دار عليٍّ وفاطمة (عليهما السّلام) ، وجمع عمرُ الحطبَ على دار فاطمة وأحرق باب الدار ، ولمّا جاءت فاطمة خلف الباب لتردّ عمرَوأصحابَه ، عصرَ عمرُ فاطمةَ خلف الباب حتّى أسقطت جنينها ، ونبت مسمار الباب في صدرها ، وسقطت مريضة حتّى ماتت(7) .
وورد ذلك أيضاً في : (الإمامة والسياسة 1 / 31 ـ 32) لابن قتيبة ، و(شرح نهج البلاغة 14 / 193) لابن أبي الحديد ، و(الفَرق بين الفِرق / 107) للإسفرائيني ، و(لسان الميزان 1 / 293) لابن حجر العسقلاني ، و(العقد الفريد 2 / 197) لابن عبد ربّه . وانظر تهديدَهمُ الزهراءَ (عليها السّلام) بحرق دارها في : (تاريخ الأمم والملوك 3 / 198 ـ 199) للطبري ، وفيه روايتان : الأولى بسنده عن زياد بن كليب ، والثانية عن حميد الحِمْيري .
وإضافة إلى وفرة المصادر السُنيّة تتضاعف عليها الكتب الشيعيّة ... كـ (الشافي) للشريف المرتضى / 240 ، و(الطرائف) للسيّد ابن طاووس / 64 ، و(مرآة العقول) للشيخ المجلسي 5 / 318 ، و(كتاب سليم بن قيس) 2 / 585 ـ 588 و675 و864 ، وموارد اُخرى فيه , وغيرها(8) , وهُنّ كثار ، حتّى قال الشيخ المجلسي (رحمه اللّه) : إنّ شهادة فاطمة من المتواترات(9) .
أمّا الأخبار الخاصّة الأخرى من طرقنا في شهادتها (سلام اللّه عليها) فهي كثيرة أيضاً ، ومنها : عن أبي بصير ، عن الإمام الصادق (عليه السّلام) قال : (( وكان سبب وفاتها أنّ قنفذاً مولى الرجل(10) لكزها بنعل السيف بأمره ، فأسقطت (محسناً) , ومرضتْ من ذلك مرضاً شديداً ، ولم تدَع أحداً ممّنْ آذاها يدخل عليها ... ))(11) .
وقال السيّد تاج الدين بن علي الحسيني العاملي : سبب وفاتها من الضرب الذي أصابها ، وأسقطت بعده الجنين(12) .
ثمّ بيّن ذلك بشيءٍ من التفصيل في قوله : فجمع عمر جماعةً وأتى بهم إلى منزل عليّ (عليه السّلام) ، فوجدوا البابَ مغلقاً ، فنادوه فلم يُجبْهم أحد ... فاستدعى عمر بحطبٍ وقال : واللّهِ لئن لم تفتحوه لنحرقنّه بالنار ، فلمّا سمعت فاطمة (عليها السّلام) ذلك خرجت وفتحت الباب ، فدفعه عمر ، فاختفتْ هي مِن وراءِ الباب ، فعصرها بالباب ، فكان ذلك سبب إسقاطها ، ونُقل أنّه سببُ موتها (عليها السّلام) .
وجاء تفصيل ذلك في (كتاب سُليم بن قيس) 2 / 584 ـ 588 ، ح4 وفيه : فلم تزل صاحبةَ فراشٍ حتّى ماتت (صلّى اللَّه عليها) من ذلك شهيدةً.
وفي (ملتقى البحرين)(13) : علّة وفاة فاطمة أنّ عمر بن الخطّاب هجم مع ثلاثمئة رجلٍ على بيتها (سلام اللّه عليها) .
وقال الشيخ عبّاس القمّي (طاب ثراه) : وكان سبب وفاتها أنّ قنفذاً مولى عمر نكزها(14) بنعل السيف بأمره(15) .
وأمّا الأخبار العامّة في شهادتها (صلوات اللّه عليها) فمنها : ما رواه الشيخ الكليني (رحمه اللّه) عن مولانا الإمام موسى الكاظم (عليه السّلام) أنّه قال : (( إنّ فاطمة (عليها السّلام) صدّيقة شهيدة ))(16) .
قال المولى محمّد صالح المازندراني المتوفّى سنة 1081هـ في شرحه على الكافي : والشهيد مَنْ قُتل من المسلمين في معركة القتال المأمور به شرعاً ، ثمّ اتّسع فأُطلق على كلّ مَنْ قُتل منهم ظلماً ، كفاطمة (عليها السّلام) ؛ إذ قتلوها بضرب الباب على بطنها وهي حامل ، فسقط حملها فماتت لذلك(17) .
وقد علّق على هذا الخبر أيضاً العلاّمة المجلسي (رضوان اللّه تعالى عليه) قائلاً : ثمّ إنّ هذا الخبر يدلّ على أنّ فاطمة (صلوات اللّه عليها) كانت شهيدة ، وهو من المتواترات .
وكان سبب ذلك أنّهم لمّا غصبوا الخلافةَ وبايعهم أكثر الناس ، بعثوا إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) ليحضر البيعة , فأبى ، فبعث عمر بنارٍ ليحرق على أهل البيت بيتهم ، وأرادوا الدخول عليه قهراً فمنعتهم فاطمة عند الباب ، فضرب قنفذ ـ غلامُ عمر ـ البابَ على بطن فاطمة (عليها السّلام) فكسر جَنْبَها ، وأسقطتْ لذلك جنيناً كان سمّاه رسولُ اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) (محسناً) ، فمرِضتْ لذلك ، وتُوفّيت (صلوات اللّه عليها) في ذلك المرض(18) .
وروى الشيخ الصدوق (أعلى اللّه مقامه) في زيارة مولاتنا الزهراء (سلام اللّه عليها) هذه العبارة في صريح شهادتها : السلام عليكِ أيّتُها الصدّيقةُ الشهيدة ...(19) .
وذكر الشيخ المفيد في كتابه (المزار) : وقد روي أنّ قبرها (عليها السّلام) عند أبيها رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله) ، فإذا أردتَ زيارتها فقف بالروضة وقل : السلام عليكَ يا رسول اللَّه ، السلام على ابنتكَ الصدّيقة الطاهرة ، السلام عليكِ يا فاطمةُ يا سيّدةَ نساءِ العالمين ، أيّتها البتول الشهيدة الطاهرة(20) .
وحدّث ابن قولويه بسند معتبر ، بإسناده عن عبد اللَّه بن بُكَير الأرّجاني ، قال : صحبتُ أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) في طريق مكّة [وساق حديثاً طويلاً ذكر فيه الصادقُ (عليه السّلام) جَبَل الكَمَد ،وأنّ فيه الغاصبَينِ لحقّ آل محمّد , وكلَّ فرعون عتا على اللَّه ، وكلَّ مَن عَلَّم العباد الكفر] , وقاتِلَ أمير المؤمنين ، وقاتِلَ فاطمة ومحسن ، وقاتِلَ الحسن والحسين (عليهم السّلام) ...(21) .
ـــــــــــــــــــــــــ
(1) كامل الزيارات / 332 .
(2) فرائد السمطين ـ للجوينيّ 2 / 35 , ح371 . (وهو مِن علماء السنّة)
(3) أسرار الإمامة / 467 ـ فصل ما ورد في فضل فاطمة (سلام الله عليها) . وانظرْ هذا الحديث في إثبات الهداة 2 / 2 لكنْ عن غير جابر بن عبد الله الأنصاريّ .
(4) كتاب سليم بن قيس الهلاليّ 2 / 915 , ح66 .
(5) كتاب سليم بن قيس الهلاليّ 2 / 588 , ح4 .
(6) الملل والنحل 1 / 57 .
(7) الإمامة والخلافة / 160 ـ 161 .
(8) يراجع تحقيق ذلك تفصيلاً في كتاب وفاة الصدّيقة الزهراء (عليها السّلام) للسيّد عبد الرزّاق المقرم ، ومن أفضل البحوث العلميّة التي خرجت إلى النور هو كتاب مأساة الزهراء (عليها السّلام) للسيّد جعفر مرتضى العامليّ في جزءين ، وكتاب حوار حول الزهراء (عليها السّلام) للسيّد هاشم الهاشمي .
(9) مرآة العقول 1 / 383 .
(10) أي عمر .
(11) دلائل الإمامة للطبريّ / 45 .
(12) التتمّة في تواريخ الأئمّة (عليهم السّلام) / 43 ، و 52 .
(13) الصفحة 81 .
(14) النكز : الدفع والضرب ، والطعن بطرف سنان الرمح .
(15) بيت الأحزان / 273 .
(16) الكافي 1 / 458 ، وكذا رواه المجلسيّ في مرآة العقول 5 / 315 .
(17) شرح الكافي 7 / 207 .
(18) مرآة العقول 5 / 318 , الطبعة الأولى .
(19) مَن لا يحضره الفقيه 2 / 342 .
(20) كتاب المزار / 156 .
(21) كامل الزيارات / 541 .
شهادة مولاتنا الصدّيقة فاطمة الزهراء (صلوات اللّه عليها)
- الزيارات: 2780