• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المقدّمة

 بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّد المرسلين محمد الرسول الصادق الأمين، وعلى الأئمة الأطهار المعصومين من آله الأ كر مين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
لماذا هذا الكتاب ?
كثيرة تلك الكُتُب والمؤلّفات التي كُتِبَت حَولَ الإمام السجاد، عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب، زين العابدين عليه السلام المولود عام (38) والمتوفّى عام (95) من الهجرة .
وقد عُني مؤلّفوها بجوانب من حياتِهِ الكريمة لتزويد الأمة بثرواتها من مكارم الأخلاق و الأداب، والمعارف والعلوم والاثار، وما في تاريخه من عظاتٍ وعِبَر وجهادٍ وجهودٍ، ليستنير أمَامَهَا دربُ الحياة، للوصول إلى السعادة الدنيوية و الأخروية .
ولقد تبارى في هذا الموضوع الرحب مؤلَفون قدماء، كما شارك في حَلَبته مؤلَفون في عصرنا الحاضر .
وفي المؤلّفين الجُدُد من استهدف تحليل تاريخ الإمام، ودراسة حوادثه على أساس من المقارنة بين الأسباب والمسبَبات، ليقتنص حقائق ثابتة، مدعوما بالأدلّة، من بطون المصادر والحوادث التاريخية .
ولقد فوجئتُ بأنَ عِدَةً من الدارسين من هذا القبيل، اتفقوا أو كادوا على مقولة مُعيَنَةٍ في ما يرتبط بواقِعِ الحركة السياسية في حياة الإمام السجاد عليه السلام .
فهم يؤكّدون على إبعاد الإمام عن الجهاد السياسي ويُفرغونَ حياته من كل أشكال العمل السياسي . بالرغم من اختلاف اتجاهاتهم الفكرية وانتماءاتهم الدينية: ففيهم السُنّي، والعلماني، والشيعي: الزيدي، بل الإمامي الا ثنا عشري.
وهم يحسِبون الإمام قائماً بدور المُعَلم فحسب في تربية الطليعة المثقّفة والواعية، بعيداً عن الصراع السياسيّ، ومنصرفاً عن أيّ تحرك معارض للأنظمة الحاكمة، ويُحدّدون واجباته بالإعداد الثقافي للاُمَة، والتحصين لها عقائدياً، وفقط.
وحاول بعضُهم إجراءَ هذا الحكم على الأئمة بعد الإمام السجاد عليه السلام، وفَرَضَهم سائرين على منهج واحد، أو يؤدّون دوراً، بِعَيْنِهِ .
ولنقرأ معاً بعض ما كتبوه في هذا الصدد:
تقول كاتبة جامعية: افتقدت الشيعة بمصرع الحسين الزعيم الذي يكون محوراً لجماعتهم وتنظيمهم، والذي يقودهم إلى تحقيق تعاليمهم ومبادئهم، وانصرف الإمام عليّ زين العابدين عن السياسة إلى الدين، وعبادة الله عز وجل، وأصبح للشيعة زعيماً روحيّاً، ولكنّه لم يكن الثائر السياسي الذي يتزعّم جماعة الشيعة، حتّى أنّه آثر البقاء في المدينة طوال حياته .
وحاول المختار بن أبي عبيده الثقفي أن ينتزع علياً من حياة التعبيد، والاشتغال بالعلم إلى ميادين السياسة، دون جدوى (1)
ويقول كاتب شيعي: كانت فاجعة مقتل أبيه التي شاهدها ببصره أقسى من أن تتركه يطلب بعد ذلك شيئاً من إمارة الدنيا، أو يثق في الناس، أو يشارك في شأن من شؤون السياسة، اعتكف على العبادة...(2)
ويقول كاتب سُنّي: لكن الإقبال على الله واعتزال شؤون العالم ... كان منهجه في حياته الخاصة، وطابعه الذي طبع به التشيع الاثني عشري، فاتجه إلى الإمامة الروحيّة مبتعداً عن طلب إمامة سياسية (3) .
ويقول كاتب يَمَنيّ: وفي تاريخ الشيعة كذلك نشأتْ نظرات مُتَخاذلة، تولّدت من شعور بعض العلويّين وأنصارهم بالهزيمة الداخليّة، وقلة النصير، وفجعتهم التضحيات الكبيرة التي قدَموها، ففضَلوا السلامة
. وقد وطَدتْ معركة كر بلاء من هذا الاتجاه، إذ كان تأثيرها مباشراً على عليّ بن الحسين الذي ابتعد من هول الفجيعة عن السياسة، ونأى بنفسه عن العذاب الذي عاناه مَن سَبَقَه، وعلى قريب من هذا النَهْج سار ابنه محمَد، وحفيده جعفر(4)
وفي أحدث محاولة لتقسيم أدوار الأئمة عليهم السلام، جُعِلَتْ حصّة الإمام السجاد عليه السلام الدور الثاني وهو الذي امتدَ منذ زمانه حتّى زمان الإمام الباقر، والصادق عليهما السلام، هو: بناء الجماعة المنطوية تحت لوائهم . ويشرح واحد من أنصار هذه المحاولة هذا الدور بقوله: والمرحلة الثانية التي بدأها الإمام الرابع، زين العابدين عليه السلام، تتركّز مهمّة الأئمة عليهم السلام فيها: على حماية الشريعة، ومقاومة الانحراف الذي حدث في جسم الأمة على يد العلماء المزيَفين المنحرفين، .. ولذلك نرى حرص الأئمة في المرحلة الثانية على الابتعاد عن الصراع السياسي، والانصراف إلى بَثّ العلوم، وتعليم الناس، وتربية المخلصين، وتخريج العلماء والفقهاء على أيديهم، والإشراف على بناء الكتلة الشيعية ... (5)
ويقول: إنّ الإمام أراد أن تكون زعامته للاُمة، زعامة دينية، وأن تصطبغ نشاطاته بصبغة روحية علمية، فكانت زعامته في الأمة تختلف عن زعامة الأئمة قبله، حيث كانوا يصارعون الدولة، ويقصدون الإصلاح، ويقارعون الظالمين . فكانت الطريقة التي عاش بها الإمام زين العابدين والظواهر التي برزت في حياته لا تسمح بزعامته إلا أنْ تكون دينية وروحية وعلمية، وأن يكون قدوة صالحة في المجال التربويّ والمعيشة الربانية، لا في مجالات التضحية والجهاد فكانت حياته بطولات في ميادين الجهاد الأكبر جهاد النفس لا الجهاد الأصغر جهاد الأعداء (6)
وزاد في تعميق المفاجأة: عندما وجدتُ هؤلاء جميعاً قد أغفلوا أمراً واحداً وهو تحديد السياسة التي ادّعوا أنّ الإمام: ابتعد عنها أو انصرف عنها أو زهد فيها أو لم يشارك فيها أو انعزل عن ساحتها إلى غير ذلك من التعابير المختلفة . وإذا كانت هي زعامة العباد، وتدبير أمور البلاد (7) فهي داخلة في معنى الإمامة التي لابد أن نفرضها للإمام أو على الأقل نفرضها له عندما نتحدّث عنه من حيث كونه إماماً .
وإذا كانت الإمامة متضمنّة للسياسة، فكيف يريد الإمام أن يبتعد عنها ? .
أو يريد الكُتَاب أن يفرضوا فراغ إمامته عنها ? .
أو حصرها بالزعامة الروحية والعلمية، فقط ? .
وفي خصوص الإمام زين العابدين عليه السلام: كانت المفاجأة أعمق أثراً، عندما لاحظتُ أنّ المصادر القديمة والمتكفلة لذكر حياة الإمام عليه السلام تعطي بوضوح نتيجة معاكسة لما شاع عند هؤلاء الكُتَاب، وهي :
أنّ الإمام عليه السلام قد قام بدور سياسي فعَال، وكان له تنظيم وتخطيط سياسي دقيق، يمكن اعتباره من أذكى الخطط السياسية المتاحة لمثل تلك الظروف العصيبة الحالكة ووقفتُ على شواهد عينية من التأريخ تدل على أن الجهاد السياسي الذي قام به الإمام السجاد عليه السلام من أجل تنفيذ خططه يعد من أدق أشكال العمل السياسي، وأنجحها .
فكان أنْ قصدتُ إلى تأليف هذا الكتاب ليجمع صُوَراً من تلك الشواهد والعينات .
فمهّدتُ بحثين يعتبران منطلقاً أساسياً لما يلي من بحوث في الكتاب، وهما:
1- البحث عن الإمامة، وتعريفها، وما تستلزمه من شؤون.
2-البحث عن إمامة الإمام زين العابدين عليه السلام وإثباتها .
ثم دخلتُ في الفصول، وهي:
الفصل الأول: أدوار النضال في حياة الإمام عليه السلام: في كر بلاء، وفي الأسر، وفي المدينة .
الفصل الثاني: النضال الفكري والعلمي في مجالات: القرآن والحديث، والعقيدة والفكر، والشريعة والأحكام .
الفصل الثالث: النضال الاجتماعي والعملي في مجالات: التربية والأخلاق، والإصلاح وشؤون الدولة، ومناهضة الفساد الاجتماعي في أشكال: العصبية، والفقر، والرقّ .
الفصل الرابع: مظاهر فذَة في حياة الإمام: الزهد والعبادة، والبكاء، والدعاء الفصل الخامس: مواقف حاسمة في حياة الإمام: من الظالمين، ومن أعوان الظالمين، ومن الحركات السياسية المعاصرة له . .
وختمته بذكر نتائج البحث . .
راجياً أن يؤدي دوراً في تصحيح الرؤية التي انطلتْ على أولئك الكُتَاب .
وفي بلورة ما اُريد عرضه على صفحات هذا الكتاب .
وقد يسّر اللهُ جلّ جلاله لي بفضله ومنّه العملَ في الكتاب منذ فترة تأليفه سنة (1413) وحتّى صدور هذه الطبعة المزدانة بمزيد من التدقيق، فراجعتُ المزيد من المصادر والمراجع، وأخذتُ بنظر الاعتبار ما لوحظ على الكتاب فزاد من الثقة به، بتلافي ما وقع في الطبعة السابقة، ومن الله التوفيق .
حُرر في الخامس والعشرين من شهر محرَم الحرام سنة 1417 هج
والحمد لله أوّلاً و آخراً
وكَتَب
السيّد محمّد رضا الحسينيّ الجلاليّ
 
__________________________________
(1) جهاد الشيعة للدكتورة الليثي (ص29)
(2) نظرية الإمامة، لصبحي (ص 349) عن كاظم جواد الحسيني: حياة الإمام علي بن الحسين (ص 320) وانظر ثورة زيد لناجي حسن (ص 30 -31) .
(3) نظرية الإمامة (ص 349) وانظر (351)، وانظر: الفكر الشيعي والنزعات الصوفية للشيبي (ص 17) والصلة بين التصوف والتشيع، له (ص 104 و 147) ..
(4) معتزلة اليمن (ص 17 18) .
(5) الإمام السجاد، لحسين باقر (ص 13- 14) .
(6) الإمام السجاد، لحسين باقر (ص 63) وانظر خاصة (ص 91 93) . ويلاحظ: أن جهاد النفس ليس من شؤون الإمامة، ولا الإمام فقط، بل إنمّا هو واجب عام على كل من آمن بالله، وأراد الجنة
(7) يلاحظ أن التصدي للحكام غير الشرعيين يعتبر داخلا في هذا المعنى للسياسة، حتّى في العرف المعاصر . وسيأتي في (التمهيد) تحديدنا للسياسة التي ندّعي أنّ للإمام زين العابدين جهاداً وجهوداً في سبيل تحقيقها .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page