• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفَصْلُ الأوَل - أدْوَارُ النِضَالِ في حَيَاةِ الإمام عَلَيْهِ السَلامُ أولاً: في كر بلاء

 أولاً: في كر بلاء
ثانياً: في الأسر
ثالثاً: في المدينة
 إنَا نقرأ في سيرة الإمام السجاد عليه السلام منذ البداية صفحات من النضال الواضح، بحيث لا يمكن تجاوزها، والغضّ عنها بسهولة:
فحضوره في كر بلاء .
ومواقفه في خُطَبِهِ في الأسر .
وتخطيطه عند الوصول إلى المدينة .
ثلاث محطّات للتأمل في سيرة الإمام السجاد عليه السلام، وفي بدايتها بالضبط، تستدعي التوقّف عندها لأخذ الشواهد العينيّة لمعرفة أبعاد نضاله المستقبلي .
وإنّي أعدّ هذه البداية مهمّةً جداً للبحث، إذ أنّها توقفنا على اتجاه السهم السياسي الذي أطلقه الإمام السجاد عليه السلام ليصيب به هدفه الأوّل والأخير، والذي امتدّ سيره طول حياته الشريفة .
ولو تأمّلنا ما في هذه المحطّات من أعمال، وبظروفها وحوادثها، نرى أنها لم تَقْصُر في الاعتبار السياسي عن قعقعة السيوف وصليلها، ولا عن عدْو الخيول وضبحها وصهيلها، ولا عن وَغى العساكر ولجبها. بل تتجاوز في بعض الاعتبارات أثر خروج محدودٍ يؤدّي إلى الشهادة، في تلك الظروف الحرجة المعقّدة، التي غطّى فيها التعتيم على الحقائق، وظلّل الإعلام كلَ الأجواء، وأصمَ الدجل كلّ الآذان، وأعمى التزوير كلّ الأبصار، وكدّر الظلم النور المؤدّي إلى النظر الصائب .
فلنقف في كلّ نقطة مع أهم ما حُفظ لنا من خلال المصادر، ولنقرأ تلك الصفحات:
أولا في كر بلاء :
لقد حضر الإمام السجاد عليّ بن الحسين، في معركة كر بلاء، إلى جنب والده الإمام الحسين عليه السلام، وهذا ما تذكره كلّ المصادر بلا استثناء .
ويَرد في مصادر الوقعة، اسم عليّ بن الحسين في بعض مقاطع رحلة الإمام الحسين عليه السلام في طريقه إلى الشهادة، وفي بعض الحديث بينه وبين ولده عليّ .
ولم يُحدَد المقصود من عليّ هذا، هل هو السجاد عليه السلام أو أخوه علي الشهيد عليه السلام.
وقد اشتهر أنّه هو الشهيد، لكنّ ذلك غير مؤكّد، فلعلّ الذي ورد ذكره، هو الإمام السجاد عليه السلام (70).
والدلالات النضالية في هذا الحضور من وجوه: .
أوّلاً: إن هناك نصوصاً تاريخية تدلّ على أن الإمام السجاد عليه السلام قد قاتل يوم عاشوراء وناضل إلى أن جُرِحَ، وهي: .
النصّ الأول: ما جاء في أقدم نص مأثور عن أهل البيت عليهم السلام في ذكر أسماء مَنْ حضر مع الحسين عليه السلام، وذلك في كتاب تسمية مَنْ قُتِلَ (71) مع الحسين عليه السلام من أهل بيته وإخوته وشيعته الذي جمعه المحدّث الزيدي الفُضَيل بن الزُبير، الأسدي، الرسّان، الكوفي، من أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام (72). .
فقد ذكر ما نصّه:
وكان علي بن الحسين عليلاً، وارتُثَ، يومئذٍ، وقد حَضَرَ بعض القتال، فدفع اللهُ عنه، وأخِذَ مع النساء(73).
ومع وضوح النصّ في قتال الإمام السجاد عليه السلام في كر بلاء فإن كلمة (ارْتُثَ) تدل على ذلك، لأنها تقال لمن حُمِلَ من المعركة، بعد أنْ قاتل، واُثخِنَ بالجراح، فاُخرج من أرض القتال وبه رَمَق، كما صرّح به اللغويون (74 ).
النصّ الثاني: ما جاء في مناقب ابن شهرآشوب بعد ذكره مشهد علي بن الحسين المعروف بالأكبر وأن الإمام الحسين عليه السلام أتى به إلى باب الفسطاط، أورد هذه العبارة فصارت اُمهُ شهربانويه ولهى تنظر إليه ولا تتكلّم (75).
ومن المعلوم أن اُمّ علي الشهيد هي ليلى العامرية أو برّة بنت عروة الثقفي كما يراه ابن شهرآشوب والمعروف أنّ شهر بانويه هي أمّ علي بن الحسين عليه السلام، فلابدّ أن يكون قد سقط من عبارة مناقب شهرآشوب ذكر مبارزة علي بن الحسين السجاد عليه السلام، وبهذا يكون شاهداً على ما نحن بصدده . ومن المحتمل أنْ تكون العبارة مقدّمة على موضعها في مقتل علي الأصغر الذي ذكره ابن شهرآشوب بعد هذا النصّ المنقول، لأن ابن شهرآشوب ذكر أن اُمّ علي السجاد هي اُمّ علي الأصغر شهر بانويه رضي الله عنها (76)
النصّ الثالث: ما جاء حول مرض الإمام عليه السلام، إنّ المصادر تكاد تتّفق على أنّ الإمام السجاد عليه السلام كان يوم كربلاء، مريضاً، أو موعوكاً (77)
الا أنّها لم تحدّد نوعية المرض ولا سببه، لكنّ ابن شهرآشوب روى عن أحمد بن حنبل قوله: كان سبب مرض زين العابدين عليه السلام أنّه كان اُلبس درعاً، ففضُل عنه، فأخذَ الفُضلة بيده ومزّقها(78.)
وهذا يُشير إلى أن الإمام إنّما عُرّض للمرض وهو على اُهْبة الاستعداد للحرب أو على أعتابها، حيث لا يُلبَس الدرعُ إلا حينذاك، عادة . ولا ينافي ذلك قول ابن شهرآشوب: ولم يقتل زين العابدين لأنّ أباه لم يأذن له في الحرب، كان مريضاً (79)
لأنَ مفروض الأدلة السابقة أنّ الإمام زين العابدين قد أصيب بالمرض بعد اشتراكه أوّل مرّة في القتال وبعد أنْ ارتُثّ وجُرح، فلعلّ عَدمَ الإذن له في أن يُقاتل كان في المرّة الثانية وهو في حال المرض والجراحة .
ولو فرض كونه مريضاً منذ البداية فالأدلة التي سردْناها تدلّ بوضوح على مشاركته في بعض القتال . فمؤشرات الجهاد في سيرة الإمام السجاد عليه السلام هي:
أوّلاً: حَمْلُه السلاحَ وهو مريض ودخولُه المعركة، إلى أن يُجرح، يحتوي على مدلول بُطوليّ كبير، أكبر من مجرّد حمل السلاح
فلو كان حمل السلاح واجباً على الأصِحّاء، فهو في الإسلام موضوع عن المرضى بنصّ القرآن، لكن ليس حراماً عليهم ذلك، إذا وجدوا هِمّة تمكّنهم من أداء دَورٍ فيه .
ثانياً: إنّ وجود علي بن الحسين عليه السلام، مع أبيه الإمام الحسين عليه السلام، في أرض كر بلاء، حيث ساحة النضال المستميت، وميدان التضحية والفداء، وحيث كان الإمام الحسين عليه السلام يسمح لكلّ مَنْ حوله وحتّى أولاده وأهل بيته بالانصراف، ويجعلهم في حلّ، لهو الدليل على قصد الإمام للمشاركة في ما قام به أبوه .
قال الإمام السجاد عليه السلام: لمّا جمع الحسين عليه السلام أصحابه عند قرب المسأ، دنوتُ لأسمع ما يقول لهم، وأنا إذْ ذاك مريض، فسمعتُ أبي يقول :... أما بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرَ من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي خيراً
.. ألا، وإنّي قد أذنتُ لكم، فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذِمام، هذا الليل قد غشيكم فاتَخِذوه جَملاً (80).
ففي ذلك الظرف، لا دور إذن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالمعنى الفقهي، لأنَ الأخطار المحدقة كانت ملموسةً، ومتيقّنةً ومتفاقمة للغاية، تفوق حدّ التحمّل .
وقد أدرك ذلك كلّ مَنْ اطّلع على أحداث ذلك العصر، قبل اتّجاه الإمام الحسين عليه السلام إلى العراق، ممّن احتفظ لنا التاريخ بتصريحاتهم، فكيف بمن رافق الإمام الحسين عليه السلام في مسيره الطويل من المدينة إلى مكّة والى كر بلاء، ومن أولاده وأهل بيته خاصة ? الذين لا تخفى عليهم جزئيّات الحركة وأبعادها وأصداؤها وما قارنها من زعزعة الجيش الكوفيّ للإمام، وسمعوا الإمام عليه السلام يصرّح بالنتائج المهولة والأخطار التي تنتظر حركته ومَن معه حتّى وقت تلك الخطبة مساء يوم التاسع، أو ليلة عاشوراء ?
فلقد عرف مَنْ بقي مع الإمام الحسين عليه السلام في كر بلاء، بأنّ ما يقوم به الإمام ليس إلا فداءً وتضحية، لحاجة الإسلام إلى إثارة، والثورة إلى فتيل ووقود، واليقظة إلى جرَس ورنين، والنهضة إلى عماد و سناد، والقيام إلى قائد ورائد، والحياة الحرّة الكريمة إلى روح ودم .
والإمام الحسين عليه السلام قد تهيّأ ليبذل مهجته في سبيل كلّ هذه الأسباب لتكوين كلّ تلك المسبّبات.
ولم يكن مثل هذه الحقيقة ليخفى على عليّ بن الحسين السجاد عليه السلام الذي كان يومذاك في عمر الرجال، وقد بلغ ثلاثاً وعشرين سنة وكان ملازماً لأبيه الشهيد منذ البداية، وحتّى النهاية .
فكان حضوره مع أبيه عليه السلام وحده دليلاً كافياً على روح النضال مع بطولة فذّة، تمتّع بها اُولئك الشجعان الذين لم ينصرفوا عن الحسين عليه السلام .
ثم هو كما تقول تلك الرواية قد شهر السلاح، وقاتل بالسيف، حتّى اُثخِنَ بالجراح، واُخرج من المعركة وقد ارْتُثّ .
وإذا كانت هذه الرواية بالذات زيديّةً، فمعنى ذلك تماميّة الحجّة على مَن ينسب الإمام زين العابدين عليه السلام إلى اعتزال القيام والسيف والنضال .
ثالثاً: مضافاً إلى أنّ حامل هذه الروح، قبل كر بلاء، لا يمكن أن يركن إلى الهدوء بعد ما شاهده في كر بلاء من تضحيات أبيه وإخوته وأهله وشيعته، وما جرى عليهم من مصائب والآم، وما اُريق من تلك الدماء الطاهرة . أو يسكت، ولا يتصدى للثأر لأبيه، وهو ثار الله، مع أنه لم يَنْسَهم لحظة من حياته .
فكيف يستسلم مثله، ويهدأ، أو يسالم ويترك دم أبيه وأهله يذهب هَدراً ? إذ لم يبق مَن يطالب بثأر تلك الدماء شخص غيره .
فإذا كان كما يقول البعض: مصرع الحسين عليه السلام في كر بلاء هو الحدث التاريخي الكبير الذي أدّى إلى بلورة جماعة الشيعة، وظهورها كفرقة متميّزة ذات مبادىء سياسية وصبغة دينية (أكثر وضوحاً وتميزاً مما كانت عليه في زمان أمير المؤمنين عليه السلام وقبله .
وكان لمأساة أثرها في نموّ روح الشيعة وازدياد أنصارها، وظهرت جماعة الشيعة، بعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام، كجماعة منظّمة، تربطها روابط سياسية متينة (81).
فكيف لا تؤثّر هذه المأساة في ابن الحسين، وصاحب ثأره، والوحيد الباقي من ذريته، والوريث لزعامته بين الشيعة، ولا تزيد نموّ الروح السياسية عنده ? وكيف تَجْمَعُ هذه المنظمة أفراد الشيعة بروابط سياسية، ولكن تُبَعدُ علي بن الحسين عليه السلام عن السياسة ?
وكيف تستبعد هذه المنظمة عن التنظيم، وارث صاحب الثورة وصاحب الحقّ المهدور ?
أليس في الحكم بذلك تعنت وجَوْر ?

__________________________
(70) لاحظ شرح الاخبار للقاضي (3: 265 -266) والإرشاد للمفيد (253) وانظر السرائر لابن إدريس (1: 655)، ولاحظ تواريخ النبي والآل للتستري (ص 30 -32-) .
(71) كذا في ما نقل عن هذا الكتاب في مصادره، لكنّي أظنّ أن الكلمة هي (قاتَلَ) لأنّ المذكورين لم يُقتلوا جميعاً، بل في بعض المذكورين مَنْ اُسر، ومَنْ فرّ، ومن قُتِلَ قبل كر بلاء، فلاحظ مقدّمتنا للطبعة الثانية لهذا الكتاب، الذي نقوم بإعداده بعون الله .
(72) نشر هذا الكتاب، بتحقيقنا، في مجلة (تراثنا) الفصلية التي تصدرها مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث في قم سنة (1406) وقد ذكرنا سنده وترجمة مؤلّفه بتفصيل وافٍ . والكتاب مذكور في الأمالي الخميسية للمرشد بالله (1: 170 -173) والحدائق الوردية للمحلي ج 1 ص 120 .
(73) تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام، مجلة (تراثنا) العدد الثاني (ص 150) .
(74) لاحظ مادة (رثث) من كتب اللغة، وقد صرحوا بأن الكلمة بالمجهول، انظر: المغرب للمطرزي (1: 184) والقاموس (1: 167) ولسان العرب (2: 457) .
(75) مناقب آل أبي طالب (4: 118) .
(76) مناقب آل أبي طالب (4: 85) .
(77) الإرشاد للمفيد (ص 231) شرح الأخبار (3: 250) وسير أعلام النبلاء (4: 486) .
(78) نقله ابن شهرآشوب عن كتاب (المقتل) في مناقب آل أبي طالب (3 284) وفي طبعة (4 :155) ونقله في العوالم (ص 32) .
(79) مناقب ابن شهرآشوب (122 :4) .
(80) الإرشاد للمفيد (ص 231) .
(81) جهاد الشيعة، للّيثي (ص 27).


أضف تعليق

كود امني
تحديث

Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page