• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ثانياً: في مجال الإصلاح وشؤون الدولة

إنْ كان الإصلاح من أبرز ما يقصده الأنبياء والأئمة :، لأنّ مهمتهم إنّما جعلت في الأرض لدفع الفساد عنها بهداية الخلق إلى ما هو صالح لهم، وقطع دابر المفسدين . فإن كان هذا هو الحق: فإن الإمام زين العابدين عليه السلام لم يتخلّ عن موقعه الإلهي، كقائد للأمة الإسلامية، ومصلح للمجتمع الإسلاميّ، وقد تبلور في ساحة العمل الاجتماعي، في كل زواياها وأطرافها، وأبرزها المطالبة بإصلاح جهاز الحكم .
إنّ أقصى ما يريد أن يبعده المؤرخون الُمحدْثَون عن حياة الإمام زين العابدين هو العمل السياسي، والتعرّض للجهاز الحاكم، والتطلّع إلى إصلاح الدولة، فيحاولون الإيحاء بعبارات شتّى أنّ الإمام عليه السلام لم يكن سياسيّاً، وكان بعيداً عن التورّط في ما يمسّ قضايا السياسة من قريب أو بعيد، وأنه انزوى متعبّداً بالصلاة والدعاء والاعتكاف ومع اعتقادنا أنّ مزاولات الإمام الدينيّة كلّها من صميم العمل السياسي، وخصوصاً في عصره، إذ لم يُسمع نَغمُ الفصل بين السياسة والدين، بعدُ .فمع ذلك: نجد في طيّات حياة الإمام زين العابدين عليه السلام عيّناتٍ واضحة، من التدخّلات السياسيّة الصريحة .
فهو في ما يلي من النصوص المنقولة عنه، يبدو رجلاً مشرفاً على الساحة السياسية، فهو يدخل في محاورات حادّة، ويتابع مجريات الأحداث، ويدلي بتصريحات خطرة بشأن الأوضاع الفاسدة التي تعيشها الأمّة، وهو ينميها بكل صراحة إلى فساد الدولة .
1-قال عبد الله بن حسن بن حسين :
كان علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يجلس كلّ ليلة، هو، وعروة بن الزبير، في مؤخّر مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد العشاء الاَخرة، فكنتُ أجلس معهما، فتحدّثا ليلة، فذكرا جور من جار من بني أمية، والمقام معهم، وهما لا يستطيعان تغيير ذلك ثمَ ذكرا ما يخافان من عقوبة الله لهم من عقوبة الله لهم! قال عروة لعلي: يا علي، إنّ مَن اعتزل أهل الجور، والله يعلم منه سخطه لأعمالهم، فكان منهم على ميل ثم أصابتهم عقوبة الله رُجي له أن يسلم مما أصابهم . قال: فخرج عروة، فسكن العقيق .
قال عبد الله بن حسن: وخرجتُ أنا فنزلتُ سويقة (231) .
أمّا الإمام زين العابدين فلم يخرج، بل: آثر البقاء في المدينة طوال حياته (232) لأنه يعدّ مثل هذا الخروج فراراً من الزحف السياسي، وإخلاءً للساحة الاجتماعيّة للظالمين، يجولون فيها ويصولون .
وما أعجب ما في النصّ من قوله: (يجلسون كلّ ليلة ... في مسجد الرسول) وكأنَه اجتماع منظّم، ولا ريب أن فيه تحدياً صارخاً للنظام يقوم به الإمام زين العابدين عليه السلام .
ولعلّ اقتراح عروة بن الزبير وهو من أعداء أهل البيت: (233) كان تدبيراً سياسيّاً منه، أو من قبل الحكّام، ومحاولة لإبعاد الإمام عليه السلام عن الحضور في الساحة الاجتماعية، لكنه عليه السلام لم يخرج، وظل يداوم مسيرته النضاليّة
2-وفي حديث آخر: قال الإمام زين العابدين عليه السلام: إنّ للحُمق دولةً على العقل، وللمنكر دولةً على المعروف، وللشرّ دولةً على الخير، وللجهل دولةً على الحلم، وللجزع دولةً على الصبر، وللخُرْق دولةً على الرِفق، وللبؤس دولةً على الخصب، وللشدّة دولةً على الرخاء، وللرغبة دولةً على الزهد، وللبيوت الخبيثة دولةً على بيوتات الشرف، وللأرض السبخة دولةً على الأرض العذبة .
فنعوذ بالله من تلك الدول، ومن الحياة في النقمات (234).
وإذا كانت (الدَوْلة) في اللسان العربيّ هي: الغلبة والاستيلاء، وهي من أبرز مقوّمات (السلطة الحاكمة) فإنّ الإمام عليه السلام يكون قد أدرج قضيّة السلطة السياسيّة في سائر القضايا الحيويّة، والطبيعيّة، التي يهتمّ بها، ويفكّر في إصلاحها، ويحاول رفع مشكلاتها التي تستولي على الإنسان، من اقتصاديّة، وثقافيّة، ونفسيّة، ودينيّة
فمَنْ يا تُرى يعني الإمام عليه السلام بالبيوتات الخبيثة التي لها السلطان على الأشراف، في عصر الإمام عليه السلام ? !
ومَنْ هي البيوتات الشريفة المغلوبة في عصره عليه السلام ?
وهل التعوّذ بالله من دولة السلطان، يعني أمراً غير رفض وجوده، واستنكار سلطته ?
وهل لسياسيّ آخر حضور أقوى من هذا، في مثل ظروف الإمام عليه السلام وموقعه، وضمن تخطيطه الشامل لحلّ المشاكل ?
وأخيراً هل يصدر مثل هذا من رجل ادعيَ: أنّه ابتعد عن السياسة، أو اعتزلها !?

__________________
(231)تاريخ دمشق ومختصره لابن منظور (17: 21).
(232) جهاد الشيعة، لليثي (ص 29) .
(233)لاحظ تنقيح المقال (2: 251) .
(234) تاريخ دمشق (الحديث 142) مختصر ابن منظور (17: 255) .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page