• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آل البيت

دراسة قيمة و مختصرة يتناول فيها سماحة العلامة الفقيد الشيخ محمد جواد مغنية ( رحمه الله ) مكانة آل بيت الرسول ( صلى الله عليه و آله ) و ما قدموه من خدمات جسيمة للدين الإسلامي و الأمة الإسلامية ، و ما لاقوه من الأذى و الاضطهاد من أجل ذلك ، و هي منشورة ضمن مجموعة من مقالات سماحته في كتابه " الشيعة في الميزان " .
آل البَيْت
تعريف :
أهل البيت في اللغة سكانه ، و آل الرجل أهله ، و لا يُستعمل لفظ " آل " إلا في أهل رجل له مكانة .
و قد جاء ذكر أهل البيت في آيتين من القرآن ، الأولى الآية 73 من سورة " هود " : ﴿ ... رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ... ﴾ 1 ، و الثانية الآية 33 من سورة " الأحزاب " : ﴿ ... يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 2 . و اتفق المفسرون أن المراد بالآية الأولى أهل بيت إبراهيم الخليل ، و بالآية الثانية أهل بيت محمد بن عبد اللّه ، و تبعاً للقرآن استعمل المسلمون لفظ أهل البيت و آل البيت في أهل بيت محمد خاصة ، و اشتهر هذا الاستعمال حتى صار اللفظ علماً لهم ، بحيث لا يفهم منه غيرهم إلا بالقرينة ، كما اشتهر لفظ المدينة بيثرب مدينة الرسول .
اختلف المسلمون في عدد أزواج النبي ، فمن قائل : أنهن ثماني عشرة امرأة ، و منهم من قال : إنهن إحدى عشرة ، و على أي الأحوال فقد أقام مع النساء سبعاً و ثلاثين سنة ، رُزق خلالها بنين و بنات ماتوا كلهم في حياته ، و لم يبق منهم سوى ابنته فاطمة . و قد اتفقت كلمة المسلمين على أن علي بن أبي طالب ، و فاطمة ، و الحسن ، و الحسين من آل البيت في الصميم ، و أن شجرة النسب النبوي تنحصر فروعها في أبناء فاطمة ، لأن النبي لم يُعقب إلا من وُلدها .
منزلة آل البيت عند المسلمين :
إذا أردنا أن نعرف منزلة آل البيت عند المسلمين ، و الباعث على تكوين الفرق الإسلامية ، و إيمانها بآل البيت فعلينا أن نلاحظ منزلة محمد عند المسلمين ، و سيرته مع آل بيته ، و أن نلاحظ ، مع ذلك ، أخلاق آل البيت أنفسهم ، و ما أصابهم من المحن في سبيل تمسكهم بما يرونه الحق و العدل . و كل ما يرونه حقاً فهو الحق .
إن حقيقة الإسلام هي الشهادة للّه بالوحدانية و لمحمد بالرسالة : " لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه " . فمن أقرّ للّه بالوحدانية ، و جحد رسالة محمد ، أو نسب صفات الخالق إلى غير اللّه ، أو صفات النبوّة إلى غير محمد ممن كان في عصره ، أو جحد آية من القرآن ، أو سنّة ثابتة بالضرورة من سنن النبي ، فلا يصحّ عده من المسلمين ، لأنه لا يحمل الطابع الأساسي للإسلام . فالمسلم إذن من آمن باللّه ، و بمحمد ، و قرن طاعته بطاعته ، و بهذا نطقت الآية 59 من سورة " النساء " : ﴿ ... أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ... ﴾ 3 ، و الآية 62 من سورة " التوبة " : ﴿ ... وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ ... ﴾ 4 و الآية 65 من سورة " النساء " : ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ... ﴾ 5 . و الآية 2 من سورة " النجم " : ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ 6 و ما إلى ذلك من عشرات الآيات .
سيرة النبي مع آل بيته :
نقل أصحاب السير و المناقب من السنّة و الشيعة صوراً كثيرة لعطف النبي على آل بيته و حبّه لهم ، نكتفي بالإشارة إلى بعضها :
كان النبي إذا سافر ، فآخر بيت يخرج منه بيت فاطمة ، و إذا رجع من سفره فأول بيت يدخله بيتها . يجلس و يضع الحسن على فخذه الأيمن ، و الحسين على فخذه الأيسر ، يُقبِّل هذا مرة و ذاك أخرى ، و يجلس علياً و فاطمة بين يديه . و جاء في الحديث أنه دخل مرة بيت فاطمة و دعاها و دعا علياً ، و الحسن ، و الحسين ، و لفّ عليه و عليهم كساء و تلا الآية : ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 2 . و المسلمون يسمّون هذا الحديث بحديث الكساء ، و يطلقون لفظ " أصحاب الكساء " على محمد ، و علي ، و فاطمة ، و الحسن ، و الحسين .
و قال لهم مرة : " أنا سلم لمن سالمكم ، و حرب لمن حاربكم " . و ما إلى ذلك من الأحاديث المشهورة عند جميع الفرق الإسلامية .
و قد أوصى النبي أمته بآل بيته ، و أوصاهم بالقرآن ، ففي الحديث : " إني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب اللّه ، فيه الهدى و النور . . . ـ ثم قال ـ : و أهل بيتي ، أذكركم اللّه في أهل بيتي ، أذكركم اللّه في أهل بيتي " .
و في الآية 23 من سورة " الشورى " : ﴿ ... قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ... ﴾ 7 . و المراد بالقربى قرابة النبي . و لذا أولاهم المسلمون على اختلاف فرقهم قسطاً كبيراً من الرعاية و التبجيل ، و كان لهم عند أبي بكر من التعظيم و الإكبار ما لم يكن لأحد غيرهم . و كان عمر بن الخطاب يؤثرهم على جميع المسلمين ، فرض لأبناء البدريين من العطاء ألفين ألفين في السنة إلا حسناً و حسيناً فرض لكل واحد منهما خمسة آلاف . و قد ملأ أصحاب التاريخ و التراجم كتبهم بفضائل أهل البيت و مناقبهم . فأهل السنّة يقدّسون علياً و الأئمة من ذرّيته ، و لكنهم لا يعترفون بأنهم أحقّ و أولى بالخلافة من غيرهم ، كما تعتقد الشيعة .
أخلاق أهل البيت :
كان عليّ صلباً في الحق لا تأخذه فيه لومة لائم . و لم يكن الحقّ في مفهومه ما كان امتداداً لذاته و سلطانه . فقد تساهل في حقوقه الخاصة حتى استغلّ أعداؤه هذا التساهل . عفا عن مروان بن الحكم بعد أن ظفر به في وقعة الجمل ، و عن عمرو بن العاص حين تمكن منه يوم صفين ، و سقى أهل الشام من الماء ، بعد أن منعوه منه ، حتى كاد يهلك جنده عطشاً . و إنما كان الحق في مفهومه أن لا يستأثر إنسان على إنسان بشيء كائناً من كان .
جاءته امرأتان ذات يوم تشكوان فقرهما ، فأعطاهما . ولكنّ إحداهما سألته أن يفضلها على صاحبتها ، لأنها عربية ، وصاحبتها من الموالي . فأخذ قبضة من تراب ، و نظر فيه ، و قال : لا أعلم أن اللّه فضَّل أحداً من الناس على أحد إلا بالطاعة و التقوى .
و طلب أخوه عقيل ، و هو ابن أمه و أبيه ، شيئاً من بيت المال ، فمنعه .
و أرادت ابنته أم كلثوم أن تتزيّن يوم العيد بعقد من بيت المال ، على أن تردّه عاريةً مضمونة ، حين كان أبوها خليفة ، فغضب .
و طلب طلحة و الزبير الوظيفة على أن يناصراه ، و إلا عارضا و أثارا عليه حرباً شعواء ، فأبى ، و لما أشير عليه أن يخادعهما و يخادع معاوية حتى يستقيم له الأمر ، فقال : لا أداهن في ديني ، و لا أعطي الدنية في أمري .
و أبى أن ينزل القصر الأبيض بالكوفة إيثاراً للخصاص التي يسكنها الفقراء . . و كان يلبس المرقّع حتى استحيا من راقعه ، كما قال ، و كان راقعه ولده الحسن . و يأكل الخبز الشعير تطحنه امرأته بيدها مواساة للكادحين و المعوزين .
و أثنى عليه رجل من أصحابه ، فأجابه بقوله : إن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظنّ بهم حبّ الفخر ، و يوضع أمرهم على الكبر ، و قد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحبّ الإطراء و استماع الثناء . . . فلا تكلموني بما تُكلم به الجبابرة .
و كان منكراً لذاته متوجهاً بكل تفكيره إلى خير الجماعة ، لا يبالي بغضب الخاصة إذا رضيت العامة ، و يقول : إن سخط الخاصة يُغتفر مع رضى العامّة . لذا افتتنت به الجماهير في عصره و بعد عصره ، و بوّأته أعلى مكان ، لأنه العنوان الكامل لآمالها و أمانيها . و منهم من رفعه إلى مكان الآلهة ، كما فعل الغلاة ، و بحقّ قال له النبيّ : يا علي إن اللّه قد زيّنك بأحبّ زينة لديه ، وهب لك حبّ المساكين ، فجعلك ترضى بهم أتباعاً ، و يرضون بك إماماً .
لقد بالغ عليّ في تمسّكه بالحقّ ، و حاسب عليه نفسه و عمَّاله ، حتى أغضب الكثير منهم ، و بعضهم تركه و هرب إلى عدوّه معاوية ، و أصبح عوناً له بعد أن كان حرباً عليه .
آمن علي باللّه و بالإنسان . و قد ورث عنه الأئمة من ولده هذا الإيمان و ساروا بسيرته ، و تخلّقوا بأخلاقه ، فكل واحد منهم وافر العلم ، محبّ للخير و السلم ، عزوف عن الشرّ و الحرب ، صارم في الحق . و إنما ظهر بعض هذه الصفات في شخص أحدهم أكثر من الآخرين تبعاً للظروف و مقتضيات الأحوال . ظهر في الحسن بن علي حبه للسلم و كرهه للحرب ، لأن عصره كان عصر الفتن و القلاقل ، بايعه أهل العراق بعد وفاة أبيه بالخلافة ، و كان جيشه يتألف من أربعين ألفاً . و لما رأى أن معاوية مصرّ على الحرب ، تنازل له عن الخلافة مؤثراً حقن الدماء و صالح الإسلام على كل شيء . . و ظهرت صلابة الحسين في الحق ، و ضحَّى بنفسه و أهله و أصحابه ، لأن يزيد بن معاوية لم يترك مجالاً للمهادنة . و ظهرت آثار علوم الإمام محمد الباقر و ولده الإمام جعفر الصادق ، لأن العلم في عصرهما كثر طلابه و الراغبون فيه ، و قد أفسح لهما المجال للتدريس و بثّ العلوم .
محن آل البيت :
تحدّث أصحاب التاريخ و السير عن محن آل البيت و أطالوا الحديث ، و وضع الشيعة فيها كتباً مستقلّة سموا الكثير منها بأسماء تدل عليها ، كاسم مثير الأحزان ، و نفس المهموم ، و الدمعة الساكبة ، و لواعج الأشجان ، و رياض المصائب ، و اللهوف ، و مقاتل الطالبيين ، و ما إلى ذلك . و تكاد تتفق كلمة الباحثين القدامى و المتأخرين على أن الأمويين إنما نكلوا بآل البيت أخذاً بثارات بدر و اُحد ، لأن محمداً و علياً قتلا في هاتين الحربين شيوخ الأمويين و ساداتهم . و يستشهدون على ذلك بما تمثل به يزيد بن معاوية ، عندما قتل الحسين ، و وضع رأسه بين يديه :
ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسلْ
لأهلّوا و استهلّوا فرحاً *** ثم قالوا : يا يزيد ، لا تشلْ
و ليس ببعيد أن يتذكر يزيد الحفائظ و الحروب القديمة بين محمد ، جدّ الحسين ، و جدّه أبي سفيان ، و بين علي أبي الحسين و أبيه معاوية ، و أن ينطق بكلمة التشفّي و الحقد . و لكن الباعث الأول على الفجيعة هو نظام الجور ، و عهد الأب للابن بالخلافة ، و جعلها حقاً موروثاً . و البحث في محن آل البيت واسع المجال متشعّب الأطراف .
فقد ظهرت آثار هذه المحن في العقيدة ، و السياسة ، و الأدب ، و التقاليد ، و ما زالت تفعل فعلها إلى اليوم . و لم يتح لمحن آل البيت ، فيما أعلم ، من درسها درساً موضوعيّاً ، و لا يمكن شرحها و بيان أسبابها و نتائجها في مقامنا هذا . و على أي الأحوال ، فإن محن آل البيت و محن الناس جميعاً ابتدأت منذ تغيّر نظام الحكم عند المسلمين .
كان الحكم في عهد الرسول الأعظم يقوم على مبدأ أن كل شيء للّه ، فالمال مال اللّه ، و الجند جند اللّه ، و معنى هذا أن الناس جميعاً متساوون في الحقوق ، لأن اللّه للجميع و بعده بأمد قصير تغير هذا النظام ، و أصبح كل شيء للحاكم .
فالمال مال الحاكم ، و الجند جند الحاكم ، و الناس كلهم عبيد الحاكم . قال معاوية بن أبي سفيان : " الأرض للّه ، و أنا خليفة اللّه . فما أخذت فلي ، و ما تركته للناس فبالفضل مني " . و على هذا المبدأ ، وهب مصر لعمرو بن العاص مكافأةً له على جهاده و بلائه ضد الإمام علي . و كان جند يزيد في وقعة الحرة يجبرون الناس على أن يبايعوا يزيداً ، على أنهم عبيد قنّ له ، و ينقشون أكف المبايعين علامة الاسترقاق ، و من أبى عن هذه البيعة ضربت عنقه .
من هذا النظام وحده تولدت محن آل البيت و غير آل البيت ، و إن كان نصيبهم منها أكبر و أفظع .
و لا بُدَّ من التساؤل : لماذا ذعر الناس لمحن آل البيت و تحدّثوا فيها و أطالوا الحديث أكثر من غيرها ؟
و يمكننا الجواب بأن محنهم كانت أقسى المحن جميعاً ، و بأنها في نظر المسلمين هي محن الإسلام نفسه . فقد أوصى الرسول و بالغ في الوصاية بأهل بيته ، و واساهم بكتاب اللّه ، و شّبههم بسفينة نوح ، و اعتبر التعدي عليهم تعدياً عليه بالذات ، و هذا السبب يرجع إلى الدين ، و لا شيء يوازي احترام العقيدة الدينية و تقديسها عند المسلمين و بخاصة في ذاك العهد .
و هناك أسباب سياسية لتوالي المحن على آل البيت من الحكام ، و إذاعتها بين الجماهير أكثر من غيرها . لما يئس المسلمون من إصلاح الحاكم تمنوا أن يدبر شؤونهم إمام عادل ناصح للّه و رسوله ، و في آل البيت خير من توافرت فيه هذه الصفات ، بل كان في المسلمين حزب قوي منتشر في أقطار الأرض يدين بالتشيع لهم ، و يرى أن الخلافة حق خصه اللّه بعلي و بنيه . و قد أعلن الشيعة هذا المبدأ في أشعارهم ، و اتخذوه أساساً لتعاليمهم ، و عملوا على بثه في الجهر و الخفاء ، و لم يتركوا فرصة تمرّ إلا عدّدوا مناقب آل البيت و مثالب من غصبهم هذا الحق . فرأى الحكام في آل البيت و شيعتّهم خطراً كبيراً على سلامة الدولة و أمنها أكثر من غيرهم فخصّوهم بالقسط الأوفر من المحن ، و نكّلوا بهم بقسوة تفوق كل قسوة . و قد رأى الناس في هذه المحن مورداً خصباً للتشهير بالحاكم و إثارة الجماهير ، و لا شيء كالخطوب و المآسي تستدعي عطف الناس ، و تثير إشفاقهم و رحمتهم ، و كلنا يعرف كيف استغلّ معاوية قميص عثمان لتأليب أهل الشام على عليّ . فالشيعة أذاعوا تلك المحن و بكوا و استبكوا الناس وفاء لأئمتّهم ، و لبثّ الدعوة لهم و نشر مبادئهم . و أذاعها كل ناقم و معارض للأنظمة السياسية تبريراً لنقمته و معارضته ، و دعماً لأقواله و حجته تظلّم الشعب لآل البيت ، و في الوقت نفسه عّبر بمحنهم عن ثورته على الفساد .
إن محن آل البيت هي محن الشعب ، و محنه محنهم ، و قد أعرب عن آلامه بما ألمّ بهم ، لإثارة العواطف ، لأنّ من أساء إليهم فبالأحرى أن يسيء إلى غيرهم ، و لأنهم المجموعة الكريمة الطيبة التي يرى فيها الشعب مثاله الأعلى و يتمنى أن تقوده هي ، أو من يماثلها في الصفات و المؤهلات و إلا فإن الثورة على النظام الجائر محتمة لا محالة .
كارثة كربلاء و أثرها في حياة الشيعة :
كانت الأسباب الأولى لمحن آل البيت سياسية ، و بعد حدوثها تركت أثراً بارزاً في حياة طائفة كبيرة من المسلمين كانت و لا تزال تدين بالولاء لآل البيت . فكارثة كربلاء ، و هي أفظع ما حلّ بآل البيت من كوارث ، قُتل فيها الحسين بن علي ، و سبعة عشر شاباً و طفلاً من أهله ، و أكثر من سبعين رجلاً من أصحابه ، فيهم الصحابي و التابعي ، هذه الحادثة جعلت كربلاء مزاراً مقدساً عند الشيعة يفد إليها في كل سنة مئات الألوف للزيارة من أنحاء البلاد ، و في كثير من الأحيان يوصي الشيعة في الهند ، و إيران و أطراف العراق أن ينقل رفاته من بلده ليدفن في كربلاء ، رغبةً في ثواب اللّه و جزائه . و تحيي الشيعة ، في كل سنة ، و في كل مدينة و قرية من بلادهم ، ذكرى مقتل الحسين في الثلث الأول من شهر محرّم . و في بعض أيام السنة ، يجتمعون للاحتفال بهذه الذكرى فيروي الخطيب بعض أخبار كربلاء و مأساتها ، و يعدّد المناقب و السوابق لشهدائها ، و ينوح عليهم شعراً و نثراً ، و يسمّون هذه المحافل بمجالس التعزية ، و قد وضعوا لها كتباً خاصة .
و ما زال شعراء الشيعة ، منذ قتل الحسين إلى اليوم ، ينظمون القصائد الطوال يصوّرون فيها الحوادث الدامية التي جرت في كربلاء ، و هي من عيون الشعر العربي في الرثاء . و قد طبع السيد محسن الأمين قسماً كبيراً من هذه المراثي أسماه " الدر النضيد في مراثي السبط الشهيد " .
و نذكر أبياتاً من قصيدة لشاعر شيعي تصوّر لنا الغاية التي يهدف إليها الشيعة من زيارة كربلاء ، و يوم عاشوراء :
شممتُ ثراك ، فهبّ النسيم *** نسيم الكرامة من بلقع
و عفرتُ خدي بحيث استرا *** خ خدّ تفرّى و لم يخضع
و ماذا ؟ أ أروع من أن يكون *** لحمك وقفاً على المبضع
و أن تتقي ، دون ما ترتأي *** ضميرك بالأسل الشرَّع
و أن تطعم الموت خير البنين *** من الأهلين إلى الرُّضَّع !
و من هنا نعرف أن الشيعة إنما يقدسون أرض كربلاء ، و يحيون يوم عاشوراء ، لأنها في نظرهم ، رمز الجهاد المقدس في سبيل الحرية و الكرامة ، و عنوان التضحية ضد الظلم و الطغيان . فإحياؤها كذلك ثورة على الظلم و الطغيان .
ماذا تعني كلمة الحسين عند الشيعة ؟
كتبت ما تقدم عن كارثة كربلاء و أثرها في حياة الشيعة سنة 1375 هجرية . و في شهر رمضان المبارك سنة 1387 كنت في البحرين ، كان عليّ أن أصعد المنبر في كل ليلة بمأتم آل العريض الكرام بعد أن أزمع على موضوع يتقبله المثقف العصري و غيره على السواء ، و كنت أحرص على بلوغ هذا الهدف كل الحرص . . أما الحكم بأني أدركت ما أردت و أملت فأدعه إلى أهل البحرين .
و في إحدى الليالي صعدت المنبر ، و قبل أن ابتدئ بالكلام سمعت صوتاً يقول : سلام اللّه عليك يا حسين ، و لعن اللّه من قتلك ، و كان الموضوع الذي أزمعت الحديث عنه لا يتصل بالحسين و لا بيزيد من قريب أو بعيد ، و إذا بي أنسى موضوع المحاضرة ، و أشرع بتفسير كلمة الحسين عند إطلاقها دون قيد ، و كلمة يزيد و ماذا تعنيان عند الشيعة ، و قلت فيما قلت :
إن التطور لم يقف عند حدود المادة ، بل تعداها إلى الأفكار و اللغة ، لأنها جميعاً متلازمة متشابكة ، لا ينفك بعضها عن بعض . . و كلمة الحسين كانت في البداية اسماً لذات الحسين بن علي ( عليه السَّلام ) ثم تطورت مع الزمن ، و أصبحت عند شيعته و شيعة أبيه رمزاً للبطولة و الجهاد من أجل تحرر الإنسانية من الظلم و الاضطهاد ، و عنواناً للفداء و التضحية بالرجال و النساء و الأطفال لإحياء دين محمد بن عبد اللّه ( صلى الله عليه و آله ) ، و لا شيء أصدق في الدلالة على هذه الحقيقة من قول الحسين ( عليه السَّلام ) ، و هو في طريقه إلى الاستشهاد : " أمضي على دين النبي " .
أما كلمة يزيد فقد كانت من قبل اسماً لابن معاوية ، أما هي الآن عند الشيعة فإنها رمز للفساد و الاستبداد ، و التهتك و الخلاعة ، و عنوان للزندقة و الإلحاد ، فحيث يكون الشر و الفساد فثم اسم يزيد ، و حيثما يكون الخير و الحق و العدل فثم اسم الحسين .
فكربلاء اليوم عند الشيعة هي فلسطين المحتلة ، و سيناء ، و الضفة الغربية من الأردن ، و المرتفعات السورية ، أما أطفال الحسين و سبايا الحسين فهم النساء و الأطفال المشردون المطرودون من ديارهم ، . . و شهداء كربلاء هم الذين قتلوا دفاعاً عن الحق و الوطن في 5 حزيران . . و هذا ما عناه الشاعر الشيعي بقوله :
كأن كل مكان كربلاء لدى *** عيني و كل زمان يوم عاشورا
و ما أن نزلت عن المنبر ، حتى استقبلني شاب مرحباً و قال : هذي هي الحقيقة و هكذا يجب أن يفهم الإسلام و تاريخ الإسلام ، بخاصة كارثة كربلاء . . ثم وجه إليّ سؤالاً وافقني على جوابه ، و لم أكن أعرفه من قبل ، و لما عرفوني به علمت أنه من سنة البحرين ، و أنه يشغل منصباً كبيراً في الحكومة .
علم الإمام علي بن أبي طالب :
كان مظهر الحياة الفكرية عند العرب قبل الإسلام اللغة ، و الشعر ، و الأمثال ، و القصص ، و معرفة الأنساب . و بعد الإسلام و القرآن تطورت الحياة الفكرية و المادية ، و تعددت العلوم ، و أصبح كل ما أشار إليه القرآن من قريب أو بعيد علماً مستقلاً ، و لم يتعرض الإسلام للعقائد و الأخلاق و العبادات فحسب ، بل تعرض أيضاً للتشريع ، و القضاء ، و الكون و علاقة الناس بعضهم ببعض .
و كان من نتيجة تعرّض الإسلام للحياة الدنيوية أن آمن المسلمون بمبدأ عام ، و هو أن الدين مبدأ التشريع ، و حدا بهم هذا الإيمان أن يتخذوا من الدين أساساً لحياتهم الفكرية بشتى فروعها و شعبّها ، و أن يبحثوا عن إرادة اللّه و قصد الرسول في كل مسألة تعرض لهم ، سواء أ كانت دينية أم دنيوية ، لأن الدين إذا كان مصدر الهداية فيجب أن يكون مصدراً من مصادر المعرفة أيضاً . و قد رافقتهم هذه الظاهرة في جميع أدوارهم ، و لن ينسوها بعد أن اتصلوا بالفلسفة اليونانية و الأمم المتحضرة . لم تكن الفلسفة معروفة في صدر الإسلام ، و لما عرفها المسلمون فيما بعد انحرفوا بها إلى الدين ، و أوضح مثال على ذلك علم الكلام و التوحيد ، فإنه فلسفي في صورته دينيّ في مادته .
و ليس من غرضنا الآن أن نترجم لكل إمام من أئمة آل البيت و نبيّن منزلته من العلوم ، و إنما غرضنا الأول أن نقدّم صورة لعلومهم على وجه العموم ، و خير مثال لذلك علم الإمام علي و حفيده جعفر الصادق . فقد ذاع علمهما و انتشر . و ظهر أثره في المؤلفات و المدارس الإسلامية أكثر من علم غيرهما من الأئمة . على أنه إذا استطعنا أن نصوّر علم هذين العظيمين أمكننا أن ندرك من خلاله مدى علوم سائر الأئمة ، لأن كل إمام كان يأخذ العلم عن أبيه إلى أن تنتهي السلسلة إلى الرسول الأعظم ، كما قال الشيخ أبو زهرة في كتاب الإمام الصادق .
كان الإمام علي بن أبي طالب عالماً بأمور الدين و الدنيا التي تعرض لها القرآن و السنة . و لم يخف عليه شيء يمتّ إلى الإسلام بسبب قريب أو بعيد ، بل رُوي عنه أنه قال : " لو ثنيت لي الوسادة لأفتيت أهل التوراة بتوارتهم ، و أهل الإنجيل بإنجيلهم ، و أهل القرآن بقرآنهم " . و علمه هذا نتيجة لطول صحبته مع الرسول ، فقد ضمّه إليه و هو طفل ، و بقي في كنفه بعد النبوة ، إلى أن لحق النبي بالرفيق الأعلى . و أسلم حيث لا يوجد على وجه الأرض مسلم إلا محمد و زوجته خديجة . و اهتم النبي بتنشئته و تربيته ، و اتخذه أميناً لسره ، و اصطفاه لعلمه ، و كان كاتبه و شريكه في نسبه و زوج ابنته ، و أبا ريحانيته الحسن و الحسين ، و أخاه حين آخى بين المسلمين ، و بديله على فراشه حين همّ المشركون بقتل من يبيت في الفراش . و استخلفه على ما كان عنده من ودائع لما هاجر من مكة إلى المدينة ، كما استخلفه على المدينة يوم سار إلى غزوة تبوك ، و قال له : أنت مني بمنزلة هارون من موسى . و ولاّه القضاء في اليمن ، و بلغ عنه سورة " براءة " . و شهد مع النبي مشاهده كلها . بل كان علي نفس النبي كما نطقت بذلك الآية 61 من سورة آل عمران : ﴿ ... فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ 8 . فقد أجمع المفسرون على أن المراد بأبنائنا الحسن و الحسين ، و بنسائنا فاطمة ، و بأنفسنا النبي و علي . و قال النبي : " علي مني و أنا من علي . . . عليّ مع الحق و الحق مع علي . . . علي ربَّانيُ هذه الأمة . . . من كنت مولاه فعليّ مولاه " ، إلى غير ذلك من الفضائل التي قال عنها طه حسين في كتابه " علي و بنوه " : " إن علياً كان أهلاً لها و لأكثر منها ، و يعرفها له خيار المسلمين ، و يؤمن بها أهل السنّة كما تؤمن بها شيعته " .
هذا ، إلى عقل يتسع لكل شيء ، و فراسة لا يكاد يخفى عليها شيء ، و حكمة هي الحقيقة و الواقع الملموس و بلاغة ليس فوقها إلا بلاغة القرآن . إن هذا العلم و العقل و هذه الحكمة و البلاغة قد جعلت من الإمام ترجماناً للتشريع و مرجعاً في جميع العلوم الإسلامية ، و قدوة لكل مذهب من مذاهب المسلمين . لم يكن للمسلمين علوم مدوّنة في عهد الإمام ، و لما صار لهم علوم منظمة ، لها أبواب و فصول ، و وضعوا الكتب في الفقه ، و الأصول و التفسير و الحديث ، و علم الكلام و التوحيد ، و الأدب و تاريخه ، و البلاغة ، و في المذاهب و الفرق ، و ما إلى ذلك استعان بنور علمه و حكمته كل عالم و مؤلف ، و احتج بقوله و بلاغته كل أديب و كاتب .
كان علي عالماً بالأصول و الأنظمة التي قررها القرآن و الرسول ، و التي تحقق للناس الرخاء و الهناء فحرص عليها ، و أمر عماله بالعمل بها و من تلك الأصول :
احترام الجماهير :
قال في عهده لمالك الأشتر النخعي لما ولاّه على مصر : " إن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة . . . فليكن صفوك لهم ، و ميلك معهم " . و كتب إلى أحد عمّاله على الخراج " لا تبيعنّ للناس في الخراج كسوة شتاء و لا صيف ، و لا دابة يعملون عليها و لا عبداً ، و لا تضربن أحداً سوطاً بمكان درهم " .
رعاية الموظفين :
و قد أوصى الأشتر أن يختار الموظفين الأكفاء ، و أن " يسبغ عليهم الأرزاق فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم . و غنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم ، و حجة عليهم إن خالفوا " .
زيادة الإنتاج :
و قال للأشتر : " و ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ في نظرك من استجلاب الخراج " . إلى أن قال : " و إنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها لأشراف أنفس الولاة على الجمع ، و سوء ظنهم بالبقاء " .
كراهية الحرب :
قال له أهل العراق عندما استبطاؤه عن حرب أهل الشام بادئ الأمر ، إن الناس يظنون أنك تكره الحرب كراهية الموت ، فقال : " والله لا أبالي أدخلت إلى الموت أو خرج الموت إليّ . . . فواللّه ما دفعت الحرب يوماً ، إلا و أنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي و تعشو إلى ضوئي ، و ذلك أحبّ إليّ من أن أقتلها على ضلالها و إن كانت تبوء بآثامها " .
و قال لأصحابه بعد أن أثخنوا في أعدائه يوم صفين : " لا تتبعوا موالياً ، و لا تجهزوا على جريح ، و لا تنهبوا مالاً " . فجعلوا يمرون بالذهب و الفضة في معسكرهم فلا يعرض لهما أحد . و بلغه أن حجر بن عدي و عمرو بن الحمق يشتمان معاوية و أهل الشام ، فأرسل إليهما أن كفا عما بلغني عنكما .
فقالا : يا أمير المؤمنين ألسنا على الحق و هم على الباطل ؟
قال : " كرهت لكم أن تكونوا شتّامين لعّانين ، و لكن قولوا : اللهم احقن دماءنا و دماءهم ، و أصلح ذات بيننا و بينهم " .
المساكين :
اللّه اللّه في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم ، و المساكين المحتاجين و أهل البؤسى و الزمنى . . . و احفظ للّه ما استحفظك من حقه فيهم ، فلا تشخص همك عنهم ، و لا تصّعّر خدك لهم ، و تفقد أمور من لا يصل إليك منهم .
قضاء الإمام :
و قد اشتهر عنه أنه كان أقضى أهل زمانه . و القضاء هو المحكّ للمواهب و الرأي الصائب ، و لمن حفظ العلم حفظ رواية أو دراية ، قال أحمد أمين في المجلد الأول من فجر الإسلام : " كان ذا عقل قضائي ، فقد ولاّه رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله ) قضاء اليمن و له آراء ثبتت صحتها في مشاكل قضائية عديدة ، حتى قيل عنه : قضية و لا أبا حسن لها " ، و هذا القول مشهور عن عمر بن الخطاب . و قد عني جماعة من فقهاء السنة و الشيعة بجمع قضاياه في كتاب مستقل ، منهم الترمذي صاحب أحد الصحاح الستة ، و المعلى بن محمد البصري ، و محمد بن قيس البجلي ، و علي بن إبراهيم القمي ، و جمع السيد محسن الأمين عدة قضايا أضافها إلى كتاب علي بن إبراهيم ، و طبعها في كتاب اسمه " عجائب أحكام أمير المؤمنين " .
منها : أن أربعة رجال شربوا الخمر ، و كان مع كل واحد منهم سكين ، فلما بلغ بهم السكر تباعجوا بالسكاكين ، فمات اثنان و بقي اثنان . فجاء أهل القتيلين للإمام و قالوا : إن هذين قتلا صاحبينا فأقدنا منهما ، قال لهم . . . ما علمكم بذلك ، لعل كلاً منهما قتل صاحبه ، و لكن الدية توزع على الأربعة فيصيب كل واحد من الاثنين الباقيين ربع دية كل واحد من القتيلين " .
و مبنى هذا الحكم أن الاجتماع على السكر و حمل السكاكين مخالفة صريحة للشرع و القانون . و قد نجمت جناية القتل عن هذه المخالفة التي اشترك فيها الأربعة . فتكون جناية القتل مشتركة بين الأربعة أيضاً
و منها أن ستة غلمان تعاطوا لعباً في الفرات ، فغرق غلام منهم . فشهد ثلاثة على الاثنين أنهما أغرقاه ، و شهد اثنان على الثلاثة أنهم أغرقوه . فقضى بالدية أخماساً منها ثلاثة أخماس على الاثنين ومنها خمسان على الثلاثة .
استند هذا الحكم إلى عدد الشهود ، شهد ثلاثة على الاثنين فأصابهما ثلاثة أخماس على كلّ واحد خمس و نصف ، و شهد اثنان على ثلاثة فأصابهم اثنان من خمسة ، على كل واحد أقل من خمس .
علم الإمام جعفر الصادق :
عاش الإمام جعفر الصادق في أواخر زمن الأمويين ، و أوائل العهد العباسي ، حين أقبلت الدنيا على العرب بسبب الفتوح ، و اتصلوا بالأمم المتحضرة كالفرس ، و عندهم الطب ، و الهندسة ، و الجغرافية ، و الحساب ، و التنجيم ، و الأدب ، و التاريخ ، و المصريين ، و عندهم مدرسة الإسكندرية ، و السوريين الذين تاثروا بالعقلية الرومانية . و في هذا العهد شرع بنقل هذه العلوم إلى اللغة العربية . فأقبل عليها المسلمون يدرسونها إلى جانب الفقه و التفسير و الحديث و النحو و ما إليه .
و يعقدون لها الحلقات العلمية في مساجد الشام و العراق و الحجاز . و في هذا العهد ، و في الحلقات ، كانت تقوم مناقشات عنيفة قسمت المسلمين فرقاً و مذاهب ، ما يزال أثرها قائماً إلى اليوم . كانت هذه المناقشات تدور حول مسألة الخلافة و مسألة استقلال الإنسان بأفعاله ، و مسألة من ارتكب كبيرة و لم يتب ، و مسألة إمكان رؤية اللّه ، و مسألة أن صفاته هي عين ذاته أو غيرها ، و مسألة خلق القرآن . و لم يكن الخلاف في هذه المسألة قد بلغ ما انتهى إليه في عصر المأمون . و قد كان لهذه الخلافات أثر كبير في العلم و الأدب و السياسة . أما أثرها في العلم فإن النظر في الخلافة يستتبع النظر في معنى الرئاسة و مهمتها و مصدرها و شروطها . و النظر في الإرادة و الاختيار يستتبع النظر في عدل اللّه و حكم العقل و استحقاق الإنسان للثواب و العقاب . و النظر في مرتكب الكبيرة يستتبع النظر في حقيقة الإيمان و الكفر و علاقة الناس بعضهم ببعض . و النظر في إمكان رؤية اللّه يستتبع النظر في سرّ الوجود و صفات الموجد و القدم و الحدوث .
إن النظر في هذه المسائل و ما إليها ينتمي حتماً إلى الكائنات و أسبابها . أما أثرها في الأدب فقد وقف الشعراء ينصر بعضهم هذا المبدأ و يدعو إليه ، و بعضهم يحاربه و يدعو إلى غيره .
و كان أثرها في السياسة أظهر و أبلغ . لأن الكثير منها يتعلق بالحاكمين و شرعية حكمهم ، و علاقة المحكومين بهم ، و لذا رأينا رجال الدولة ينكِّلون بكل عالم لا تتفق سياستهم مع أقواله و آرائه ، و يقرّبون إليهم كلّ من وجدوا في قوله مبرراً لظلمهم و استبدادهم . و من هنا قال بعض الباحثين إن هذه الخلافات كانت في بدء أمرها سياسيّة ، ثم تغلب الجانب الديني على الجانب السياسي .
و إذا لاحظنا أن النهضة العلمية عند المسلمين ، و الإنقسامات المذهبية ، و الخلافات السياسية يبدأ تاريخ أكثرها بعهد الإمام الصادق ، و لاحظنا مع هذا ما اتفقت عليه أهل السير و التراجم من أن الإمام الصادق ابتعد عن السياسة كل البعد ، و انصرف انصرافاً تامّاً للعلم ، إذا لاحظنا ذلك كله فلا ندهش لما قرأناه من أن أصحاب الحديث جمعوا أسماء الرواة الثقات عن الصادق فكانوا أربعة آلاف رجل ، و لما سطّره ابن حجر في " صواعقه " : إن الناس نقلوا عن الصادق من العلوم ما سارت به الركبان ، و انتشر صيته في جميع البلدان ، و لما قاله فريد وجدي في " دائرة معارف القرن العشرين " : ألف جابر بن حيان في الكيمياء كتاباً يشتمل على ألف ورقة ، يتضمن رسائل جعفر الصادق ، و هي خمسمائة رسالة ، و لما ذكره الشهرستاني في " الملل والنحل " : كان الصادق ذا علم غزير في الدين ، و أدب كامل في الحكمة ، و زهد في الدنيا ، و ورع تامّ عن الشهوات أقام مدة بالمدينة يفيد الشيعة ، و يفيض على الموالين له أسرار العلوم ، ثم دخل العراق و أقام بها مدة . . و لما جاء في كتاب " عقيدة الشيعة " للمستشرق دوايت ، و قد ساهم عدد من تلامذة الصادق مساهمة عظمى في تقدم علمي الفقه و الكلام . و صار اثنان منهم ، و هما أبو حنيفة و مالك بن أنس ، فيما بعد ، من أصحاب المذاهب الفقهية ، و كان واصل بن عطاء رئيس المعتزلة ، و جابر بن حيان الكيمياوي الشهير من تلامذته ، إلى غير ذلك مما ذكره الباحثون من غربيين و شرقيين .
الطابع الخاص لمدرسة الإمام جعفر الصادق و تعاليمه :
نوجز الكلام عن تعليم الإمام و طابعه الخاص على ضوء آثاره التي حفظها التراث الإسلامي ، و يستطيع الوصول إليها من أراد ذلك . و قد حفظ له هذا التراث أصولاً في الكيمياء ، و في علم الكلام و التوحيد ، و في الأخلاق ، و في العلوم الدينية بشتى فروعها :
الكيمياء :
للصادق رسائل في الكيمياء درجها تلميذه جابر بن حيّان في مؤلفاته العديدة . و قد نشر بعضها ، و البعض الآخر لم ينشر بعد ، و هو موجود في القاهرة . و مما طبع : كتاب الرحمة ، و كتاب الميزان ، و كتاب الملك ، و كتاب مختار رسائل جابر بن حيان ، و نترك الكلام عن طابعها و فوائدها إلى ذوي الاختصاص .
علم الكلام و التوحيد :
له كتاب توحيد المفضل ، درجه المجلسي في كتاب البحار بكامله ، و طبع مستقلاً بمصر . و له احتجاجات و تعاليم في الإلهيات يجدها المتتبع في كتاب أصول الكافي للكليني ، و كتاب الشافي للسيد المرتضى ، و في غيرهما من كتب الحديث و العقائد لعلماء الشيعة الإمامية .
و طريقته لفهم ما وراء الطبيعة ترتكز على منطق العقل و الفطرة و الثقة بما يستنتجه و يستنبطه من الفرض الصحيح فكل فرض يصح إذا كان نتيجة منطقية لقضية بديهيَّة . و هذا الأسلوب يعتمده اليوم علماء الطبيعة و غيرهم و به يستدل الإمام على حدوث العالم ، و بحدوثه على وجود الصانع . و كان يوجه اهتماماً بالغاً إلى إزاحة كل شبهة تحوم حول وحدانية اللّه و عدله و قدرته و سمّوه ، و حول بعث الأنبياء و تنزيههم .
فاللّه واحد ، و عالم ، و قادر ، و صفاته عين ذاته ، ليس كمثله شيء . و كلامه مخلوق و ليس بقديم . و البعث و الحساب لا بدّ منهما . و الأنبياء معصومون قبل النبوّة و بعدها . و الخلافة تكون بنصّ الرسول لا بالانتخاب . و الإنسان مخير غير مسيّر ، و خلاصه بيده لا بيد أحد من الناس .
الأخلاق :
له مواعظ و حكم ، و وصايا أوصى بها أهل بيته و أصحابه نجدها متفرّقة في كتاب " حلية الأولياء " لأبي نعيم الأصفهاني ، و كتاب " تحف العقول " للحسين الحرّاني ، و كتاب " مطالب السؤول " لمحمد بن طلحة الشافعي ، و غير ذلك من كتب الأخلاق ، و الحديث . و لو جمعت لجاءت في كتاب ضخم ، و هي تضع قواعد لحسن السلوك و تقرّره على مبدأ المساواة بين الناس جميعاً ، و مبدأ أن الإنسان خيّر بطبعه طيّب بذاته ، و إنما تفسده التربية و المحيط و الأوضاع . فمن أقواله : " أصل الإنسان عقله ، و حسبه دينه ، و كرمه تقواه ، و الناس في آدم مستوون . إن النفس لتلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه ، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنّت . بني الإنسان على خصال ، فمهما بني عليه فإنه لا يبنى على الخيانة و الكذب " . و إذا كان طبع الإنسان الصدق و الأمانة ، فالكاذب الخائن إذن من أخرج الإنسان عن طبعه و وضعه ، و عمل على هدم بنائه و كيانه .
التفسير :
للشيعة كتب عدة في تفسير القرآن ، منها كتاب " مجمع البيان " للطبرسي ، و كتاب " التبيان " للشيخ الطوسي ، و كتاب " كنز العرفان " للمقداد . و قد رووا في هذه الكتب و غيرها من كتب التفسير و الحديث عن الإمام الصادق تفاسير لكثير من آيات الكتاب ، و خاصة فيما يتعلق بالأحكام . و الشيعة لا يفسرون آية من القرآن إلا بعد مقابلتها مع سائر الآيات ، و بعد البحث عما صحّ عن النبي و آل بيته من التفسير ، لأن في القرآن آيات ينسخ أو يخصص بعضها بعضاً ، و في السنة أحاديث تفسر كثيراً من الآيات . و كلام اللّه و الرسول لا يتناقضان ، لأنهما بمنزلة الشيء الواحد ، فإن لم يجدوا في الكتاب ناسخاً و لا مخصصاً ، و لم يجدوا في السنة مفسراً ، فسروا الآية بما يقتضيه ظاهر لفظها ما لم يتنافَ الظاهر مع العقل ، و إلا أوجبوا التأويل بما يتحمله اللفظ ، و يقبله العقل . و قد أخذوا هذه الطريقة في التفسير عن أئمة آل البيت .
الفقه :
تعرّض الفقه الإسلامي لأحوال الإنسان الخاصة و العامة : لواجبه مع اللّه ، و مع نفسه و أسرته ، و لعلاقته مع الدولة و المجتمع ، و لشؤونه الزراعية و التجارية ، و لما ينتج ، و يستهلك . و لهذا كان الفقه الإسلامي أوسع من سائر العلوم الإسلامية ، و كانت آثار الصادق فيه أكثر منها في غيره ، فظهرت في كتب الصحاح للسنة ، و في كل كتاب من كتب الحديث و الفقه للشيعة ، و في كل باب من أبوابها ، و هذا هو السرّ في تسمية الشيعة الإمامية أحياناً بالجعفريين ، و نسبتهم إلى الإمام جعفر دون غيره من الأئمة الاثني عشر . و قد تصدى جماعة ، منهم الجاحظ بن عقدة الزيدي ، و الشيخ أبو جعفر الطوسي ، لإحصاء عدد الرواة الذين رَوَوا عن جعفر بن محمد ، و دوّنت أسماؤهم و رواياتهم في الكتب الموجودة بين أيدي الناس ، فبلغوا أربعة آلاف رجل من أهل العراق و الحجاز و الشام و خراسان . و في " كتاب المعتبر " للمحقق الشيخ علي بن عبد العال : " كتب من أجوبة مسائل جعفر بن محمد أربعمائة مصنَّف لأربعمائة مصنِّف سمّوها أصولاً " .
و بهذه الأصول أصبح الصادق مرجعاً للفقه و التشريع عند الشيعة الإمامية . و بعد عصر الأئمة بقليل جمعت هذه الأصول الأربعمائة في أربعة كتب : في " كتاب الكافي " لمحمد بن يعقوب الكليني ، و كتاب " من لا يحضره الفقيه " لمحمد بن بابويه القمي المعروف بالصدوق و كتاب " الاستبصار " ، و كتاب " التهذيب " لمحمد بن الحسن الطوسي .
طريقته في التشريع :
نهى الصادق عن العمل بالقياس ، و كان يقول : إن المقاييس لا تزيد أصحابها إلا بعداً عن الحقّ ، و نهى عن إتباع كل ظنّ لا يستند إلى مصدر صحيح . و معنى القياس إلحاق أمر بآخر في الحكم الشرعي لاتحادهما في العلة ، و هو من الأصول الشرعية عند الأحناف و غيرهم .
و من تتبع أقواله و أحكامه يجد له شخصية علمية مستقلة بذاتها ، فلم يسند حديثه إلى الرواة ، و لا إلى قول مشهور أو مأثور إلا نادراً ، و تقول الشيعة : إن الإمام إذا حدّث ، و لم يسند ، فسنده أبوه عن جده عن الرسول ، و مهما يكن فإن ما رُوي عنه في التشريع يرتكز على مبادئ عامة :
منها الحرية لكل إنسان من ذكر و أنثى حرية التصرف بنفسه ، و بما يختص به من شؤون ، و لا سلطان عليه لأحد إلا إذا كان صغيراً أو مجنوناً أو سفيهاً ، فيولى عليه حينئذٍ قوي أمين ، على أن لا تتعدى تصرفات الولي مصلحة المولى عليه .
و منها المساواة : إن جميع الناس سواء أمام القانون ، فكل جانٍ يعاقب ، و كل غاصب يغرم ، و لا حصانة لحاكم ، و لا لذي منصب كائناً من كان ، و كل قانون يقسم الناس على غير أساس التقوى ، فهو جائر .
و منها الثقة بالإنسان ، و احترام شعوره و معاملات الإنسان ، و جميع تصرفاته صحيحة بموجب الأصل ما لم يثبت العكس ، إلا فيما يدّعيه على غيره ، لأن كل إنسان بريء ما لم تثبت إدانته ، و كل من يدين بدين يرتب على أعماله آثار الصحة ما دامت موافقة لما يعتقد ، و إن خالفت الإسلام .
و منها تحريم الاستغلال : إن الغشّ و الربا و الاحتكار ، و كل معاملة تؤدي إلى استثمار الغير فهي باطلة ، و كل احتيال على الشرع و القانون فهو تضليل ، و كل من كان في يده شيء يمنع من التصرّف به إذا أدى إلى الإضرار بغيره .
و منها الإباحة و الحلّ : كل شيء فيه صلاح للناس من جهة من الجهات فهو حلال ، و كل من اضطر إلى شيء فهو له مباح ، فالجائع الذي لا يجد سبيلاً للعيش لا يُعاقب على السرقة ، و المدين الذي يعجز عن الوفاء لا يُحبس و لا يحجز و له ما يضطرّ إليه من مسكن و مأكل و ملبس .
و منها الذمة : لكل بالغ عاقل صفة ذاتية تؤهله للإلزام و الالتزام بما له و ما عليه ، و على من ضمن و تعهد أو اؤتمن على عمل أو مال أن يؤديه على وجهه ، و للطرف الثاني الحق في أن يحاسبه و يلزمه بالوفاء ، و أن يتسلط عليه و على ماله إذا خان أو قصر . و الشرط الرئيسي لصحة الإلزام و الالتزام أن يكون العمل حقاً للملتزم و سائغاً في نفسه ، لا يستدعي ضرراً على من ألزم أو التزم ، و لا على غيرهما ، فكل معاهدة تخرج عن اختصاص المتعاهدين أو تضرّ بهما أو بأحدهما أو بغيرهما ، أو تكون مجهولة الحقيقة فهي تضليل يجب إلغاؤها ، و كل تجارة أو زراعة أو صناعة فيها شائبة الضرر فهي فاسدة ، و كل من نذر أو أقسم أو عاهد اللّه أن يفعل ما يضرّ به أو بغيره فنذره و قسمه و عهده لغو . . قرر الصادق هذا المبدأ بأحاديث كثيرة منها : " من اشترط شرطاً سوى كتاب اللّه فلا يجوز له و لا عليه . و المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً حلّل حراماً أو حرّم حلالاً . كل شرط خالف كتاب اللّه فهو مردود . إذا رأيت خيراً من يمينك فدعها ، و افعل الذي هو خير ، و لا كفَّارة عليك ، إنما ذلك من خطوات الشيطان ، إن الكفارة إذا حلف الرجل على أن لا يزني و لا يشرب و لا يخون و أشباه هذه .
و منها قاعدة الأقرب فالأقرب : اعتمد الصادق على هذا المبدأ في الإرث ، فجعل الأولاد و الآباء أولى بالإرث من الإخوة و الأجداد ، و الإخوة أولى من الأعمام و الأخوال . فمتى وجد واحد من المرتبة المتقدمة حجب عن الإرث كل من كان في المرتبة المتأخرة ، فالبنت تحجب عمها ، كما يحجبه الابن من غير فرق . و اعتمد على هذا المبدأ أيضاً في النفقات قال : " إن أفضل ما ينفقه الإنسان على نفسه و عياله ، ثم على والديه ، ثم الثالثة على القرابة و الإخوان ، ثم الرابعة على الجيران الفقراء ، ثم الخامسة في سبيل اللّه ، و هو أخسّها أجراً " .
إن هذه المبادئ التي ذكرناها بقصد التمثيل ، لا بقصد الحصر ، يسري أكثرها في الأمور المدنية كالبيع و الإجارة ، و ما إليها من الموجبات و العقود ، و في الأمور الجنائية كالقتل و السرقة ، و في الأحوال الشخصية كالزواج و الوصايا ، و في جميع المعاهدات و الالتزامات . و هي تمثل لنا روح التشريع في أحكام الإمام الصادق ، و مذهبه في الفقه الذي استمدّه من واقع الحياة ، من كرامة الإنسان و حريته و حاجاته و مصالحه ، لا من الظّن و الخيال ، و لا من أهواء السلطات ، و شهوات المحتكرين . إن الحرية و المساواة و صيانة حقوق الإنسان و احترام ذمته و ما إلى ذلك هي المدارك الصحيحة للفقه عند الإمام الصادق . و ما الكتاب و السنة إلا تعبير صادق و لسان ناطق لهذه المبادئ . و هذا ما أراده الصادق حين قال للشيعة : لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن و السنة ، أو كان معه شاهد من أحاديثنا ، أي لا تقبلوا حديثاً فيه شائبة الظلم و المحاباة . إن هذه النظرة إلى الفقه نتيجة طبيعية لتلك الثقافة الواسعة ، و العلم الغزير بالكتاب و السنة ، و على مبدأ الإمام الصادق يجب على من يريد أن يفهم الفقه أن يعي المبادئ الإنسانية قبل كل شيء . و إلا فهو أبعد ما يكون عن فقه الصادق و آيات اللّه . و سنة الرسول ( صلى الله عليه و آله ) .
•    1. القران الكريم : سورة هود ( 11 ) ، الآية : 73 ، الصفحة : 230 .
•    2. a. b. القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 33 ، الصفحة : 422 .
•    3. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 59 ، الصفحة : 87 .
•    4. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 62 ، الصفحة : 197 .
•    5. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 65 ، الصفحة : 88 .
•    6. القران الكريم : سورة النجم ( 53 ) ، الآية : 3 و 4 ، الصفحة : 526 .
•    7. القران الكريم : سورة الشورى ( 42 ) ، الآية : 23 ، الصفحة : 486 .
•    8. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page