• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصحابة في القرآن و السنة

 بسم الله الرحمن الرحيم
و الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة والسلام على خير خلقه و أشرف بريّته محمد و آله الطيبين الطاهرين . . و اللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .
و بعد . .
إننا نلفت نظر مجلة ( المجتمع ) إلى أن عليها قبل أن تبادر إلى توجيه أي اتهام أن تتأكد تماماً من صحة و سلامة وجهة نظرها لاسيما إذا كانت تدعي لنفسها أنها رائدة توحيد الكلمة و الدعوة إلى التصافي و التفاهم و التعاون ، بين المسلمين جميعاً . و أما إلقاء الكلام على عواهنه و من دون أي تثبت و تأكد ، فهذا ما لا نرضاه لها و لا لغيرها ، و نربأ بها أن تجعل نفسها ألعوبة للأهواء و فريسة للعواطف غير المتزنة و لا المسؤولة . .
و لقد طالعتنا هذه المجلة مؤخراً بعدة أعداد تحاول فيها النيل من كرامة طائفة معينة من المسلمين ، و الطعن في مقدساتها و في وجهات نظرها . . و حاولت أن تلقي في أذهان قرائها ذلك المفهوم الذي كان قد روج له فريق ما في وقتٍ ما من أجل الوصول إلى أهداف معينة في فترة معينة . . ألا هو الإيمان المطلق بعدالة الصحابة ، و طهارتهم و نزاهتهم من كل شين و ريب ، و على ذلك جرت قافلة طائفة كبيرة من المسلمين لا اجتهاداً و استناداً ، و إنما تقليداً و إتباعا .
و نحن . . في نفس الوقت الذي نؤمن فيه بأن فريقاً من الصحابة قد بلغوا القمة بل و ما فوق القمة في النزاهة و الطهر . . نؤمن بأن سائر الصحابة كانوا كسائر الناس العاديين لا يزيدون عليهم ، و لا يمتازون عنهم إلا في أنهم رأوا الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و عاشوا معه فترة من الزمن ، لم يتهيأ لغيرهم أن يعيشوها . . و لكن الذي لا يعني أن مجرد رؤيتهم للرسول صلى الله عليه و آله و سلم تعطيهم ملكة العدالة و الاجتهاد ، و تضفي عليهم صفة النزاهة و الطهر . . كما يشهد على هذا كل من الكتاب و احاديث النبي صلى الله عليه و آله و سلم ، و كلمات الصحابة و التابعين و العلماء و الأبرار .
أما الكتاب ففيه سورة ( المنافقون ) و ( البراءة ) التي تسمى أيضاً الفاضحة و المبعثرة و المشردة و المخزية و المثيرة و الحافزة و المنكلة و المدمدمة و سورة العذاب 1 .
و كذلك ما في سورة النساء ، و ثلاثون آية في أول البقرة ، و سورة الأحزاب ، و غير ذلك من الآيات القرآنية الكثيرة جداً ، و التي لا مجال لذكرها في هذه العجالة . .
و لقد تخلف في غزوة تبوك بضعة و ثمانون رجلاً ، و حلفوا للنبي ( صلى الله عليه و آله ) فقبل منهم علانيتهم ، فنزل فيهم قوله تعالى :
? سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءَ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ? 23 .
و قد صرح تعالى بفسق بعضهم في قوله ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ? 4 و قد أجمع المفسرون ، و أهل الحديث ، و التراجم على نزول هذه الآية الكريمة بالوليد بن عقبة الصحابي ، و الذي شرب الخمر ، في عهد عثمان ، و صلى بالناس و هو سكران ، و جلد الحد بيد علي عليه السلام 5 .
و قال تعالى أيضاً : ? وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ? 6 .
و قد استدل أبو بكر بهذه الآية على وفاة النبي ( صلى الله عليه و آله ) .
و أخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال : قال أبو بكر : " لو منعوني و لو عقالاً أعطوا رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) لجاهدتهم " ثم تلا : ? وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ... ? 7 8 و كان حذيفة يتمثل بهذه الآية أيضاً في يوم اليمامة 9 . . و كان علي ( عليه السلام ) أيضاً يرددها في حياة رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) .
على أن القرآن الكريم يذكّر نبيّه و المؤمنين بأن : ? وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ? 10 . فإذا كان تعالى قد اختص نفسه بالعلم بهم ولم يعلم نبيه بهم فليس لأحد بعد هذا أن يدعّي العلم بعدالة كل من رأى الرسول ( صلى الله عليه و آله ) . إلا أن يتحقق من عدالة كل صحابي على حدة ، و إلا فإنه يكون من القول بغير علم ، و قد قال تعالى : ? وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ... ? 11 .
و أما الآيات المتضمنة لرضا الله عنهم ، و الوعد لهم بالمغفرة ، و الأجر العظيم و ما إلى ذلك . . أما هذه الآيات فإنها كلها مقيدة بالإيمان و العمل الصالح ، كما لا يخفى على من لاحظها ، و تمعّن فيها . . و إلا فكيف يمكن أن نتصور رضى الله عن عبد الله بن أبي رأس النفاق ، مع أنه كان من المبايعين تحت الشجرة . . و كذلك كل من ارتكب بعدها أعظم الكبائر . . من قتل النفس المحترمة ، و الزنا ، و شرب الخمر ، و غير ذلك كما سنشير إليه فيما يأتي . .
و على كل حال . . فإن لدينا إلى جانب تلك الآيات القرآنية الكثيرة ، التي لا تزال تنعى على المنافقين الذين لم يكن النبي ( صلى الله عليه و آله ) نفسه يعلمهم ، و على كثير من الصحابة مواقفهم ، و تذمهم عليها إن لدينا إلى جانب ذلك الكثير من الروايات الواردة عنه ( صلى الله عليه و آله ) في ذلك ، و هو الذي ? وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ? 12 و يكفي أنه كان باستمرار يقرع أسماع أصحابه ، و أتباع دينه بالحديث عن الفتن ، في موارد مختلفة ، بقي لنا الكثير الطيب منها ، و هي مخرجة في أوثق المصادر عنهم ، و مخرجة في أصح الكتب بعد القرآن الكريم حسب ما يعتقده إخوتنا أهل السنة كالصحيحين و غيرهما و نحن نذكر بعضها على سبيل المثال :
1 ـ عن أبي وائل قال : قال عبد الله : قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم : أنا فرطكم على الحوض ، ليرفعن إليَّ رجال منكم ، حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني ، فأقول : أي رب أصحابي ، يقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك 13 .
2 ـ عن ابي حازم قال : سمعت سهل بن سعد يقول : سمعت النبي صلى الله عليه و آله و سلم يقول : أنا فرطكم على الحوض من ورده شرب منه ، و من شرب منه لم يظمأ بعده أبداً ليرد عليّ أقوام أعرفهم و يعرفوني ، ثم يحال بيني و بينهم . .
قال أبو حازم : فسمعني النعمان ابن أبي عيّاش و أنا أحدثهم هذا فقال : هكذا سمعت سهلاً ؟ فقلت : نعم ، قال : و أنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه قال : إنهم مني ، فيقال : إنك لا تدري ما بدّلوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي 14 .
3 ـ عن ابن عمر أنه سمع النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) يقول : لا ترجعوا بعدي كفاراً . يضرب بعضكم رقاب بعض ونفس ذلك رواه أبو بكرة ، و جرير ، و ابن عباس عنه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) 15 .
4 ـ عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : إني فرطكم على الحوض ، و إني سأنازع رجالاً فأغلب عليهم ، فأقول : يا رب أصحابي . فيقال : لا تدري ما احدثوا بعدك 16 .
5 ـ عن حذيفة : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ليردن علي الحوض أقوام فيختلجون دوني فاقول : رب أصحابي رب أصحابي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك 17 .
6 ـ عن ابن عباس في حديث له عنه يقول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيه : وإن أناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : أصحابي ؟ أصحابي ؟ فيقول : إنه لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ، فأقول ، كما قال العبد الصالح : " وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم . . إلى قول الحكيم" 18 .
7 ـ و عن أنس عن النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال : ليردن عليّ ناس من أصحابي الحوض ، حتى ( إذا ) عرفتهم اختلجوا دوني فأقول : أصحابي . فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك . و عبارة مسلم : ليردنّ عليّ الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتهم و رفعوا إليّ اختلجوا دوني فلأقولنّ : أي رب أصحابي أصحابي 19 .
8 ـ عن أبي هريرة : إنه كان يحدث أن رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال : يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي ، فيحلؤون عن الحوض ، فاقول : يا رب أصحابي فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى 20 .
9 ـ عن أبي هريرة عنه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) إنه قال : ترد عليّ أمتي الحوض و أنا أذود الناس عنه ، كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله قالوا : يا نبي الله أتعرفنا قال : نعم لكم سيما ليست لأحد غيركم تردون عليّ غرّاً محجلين من آثار الوضوء و ليصدّن عني طائفة منكم فلا يصلون فأقول : يا رب هؤلاء من أصحابي ؟ فيجيبني ملك فيقول : هل تدري ما أحدثوا بعدك ؟ 21
10 ـ و عن أبي هريرة أيضاً عن النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال بينا أنا قائم إذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني و بينهم فقال : هلم فقلت : أين ؟ قال إلى النار والله . قلت : و ما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على إدبارهم القهقرى ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني و بينهم فقال : هلم قلت : أي أين ؟ قال : إلى النار والله . قلت : ما شأنكم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم 22 .
11 ـ و روي عن عمار أيضاً : إن في أصحاب النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) إثني عشر منافقاً لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط 23 .
12 ـ عن أبي بكرة : إن رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال : ليردنّ عليّ الحوض رجال ممن صحبني و رآني ، حتى إذا رفعوا إلي و رأيتهم اختلجوا دوني فلأقولن : رب أصحابي أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك 24 .
13 ـ عن أبي سعيد الخدري عن النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) إنه قال : تزعمون أن قرابتي لا تنفع قومي ؟ والله إن رحمي موصولة في الدنيا و الآخرة إذا كان يوم القيامة يرفع لي قوم يؤمر بهم ذات اليسار فيقول الرجل : يا محمد أنا فلان بن فلان و يقول الآخر : أنا فلان بن فلان ، فأقول : أما النسب قد عرفت و لكنكم أحدثتم بعدي و ارتددتم على أعقابكم القهقرى 25 .
14 ـ قالت أسماء بنت أبي بكر : قال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم . و سيؤخذ أناس دوني فأقول : يا رب مني و من أمتي فيقال : أما شعرت ما عملوا بعدك ؟ والله ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم الخ 26 .
15 ـ عائشة تقول : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) يقول ، و هو بين ظهراني الصحابة : إني على الحوض أنتظر من يرد عليّ منكم فوالله ليقتطعن دوني رجال . فلأقولن : أي رب مني و من أمتي فيقول : إنك ما تدري ما عملوا بعدك مازالوا يرجعون على أعقابهم 27 .
16 ـ و عن أم سلمة : إنه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال : أيها الناس بينما أنا على الحوض جيئ بكم زمراً ، فتفرّقت بكم الطرق فناديتكم : ألا هلمّوا إلى الطريق ، فناداني منادٍ من بعدي ، فقال : إنهم قد بدّلوا بعدك ، فقلت : ألا سحقاً ألا سحقاً 28 .
17 ـ عن أم سلمة : إنه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال : أيها الناس إني لكم فرط على الحوض فإياي لا يأتين أحدكم فيذب عني كما يذب البعير الضال ، فأقول : فيم هذا ؟ فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً 29 .
18 ـ عن أم سلمة قالت : قال النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : من أصحابي من لا أراه و لا يراني بعد أن أموت ابداً 30 .
19 ـ في كتاب المواهب لمحمد بن جرير الطبري الشافعي عن أبي علقمة قال : قلت لسعد بن عبادة و قد مال الناس إلى بيعة أبي بكر : ألا تدخل فيما دخل فيه المسلمون ؟ قال : إليك مني فوالله لقد سمعت رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) يقول : إذا أنا متُّ تضِلّ الأهواء ، و يرجع الناس على أعقابهم فالحق يومئذ مع علي و كتاب الله بيده ، و لا تبايع أحداً غيره 31 .
20 ـ و كان طلحة بن عبيد الله و ابن عباس و جابر بن عبد الله يقولون : صلى رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) على قتلى أحد وقال رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) : أنا على هؤلاء شهيد ، فقال أبو بكر : يا رسول الله أليسوا إخواننا ، أسلموا كما أسلمنا و جاهدوا كما جاهدنا ؟ قال : بلى و لكن هؤلاء لم يأكلوا من أجورهم شيئاً و لا أدري ما تحدثون بعدي ، فبكى أبو بكر وقال : إنا لكائنون بعدك ؟ 32
21 ـ عن مرة قال : حدثني رجل من أصحاب النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) قال : قام فينا رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) على ناقة حمراء مخضرمة فقال : أتدرون أي يوم هذا ؟ إلى أن قال : ألا و إني فرطكم على الحوض أنظركم و إني مكاثر بكم الأمم فلا تسودّوا وجهي . ألا و قد رأيتموني و سمعتم مني ، فمن كذب علي فليتبوأ مقعده من النار ألا و إني مستنقذ رجلاً أو إناثاً و مستنقذ مني آخرون فأقول : يا رب أصحابي ؟ فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك 33 .
22 ـ و قال المغفور له العلامة الأميني في كتاب " سيرتنا و سنتنا ، سيرة نبينا محمد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) " صفحة 26 : أخرج الحفاظ بأسانيدهم الصحيحة عن ابن عباس : " خرجت أنا و النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و علي رضي الله عنه في حيطان المدينة ، فمررنا بحديقة فقال علي رضي الله عنه : ما أحسن هذه الحديقة يا رسول الله ؟ فقال : حديقتك في الجنة أحسن منها ثم أومأ بيده إلى رأسه و لحيته ثم بكى حتى علا بكاه . قيل : ما يبكيك ؟ قال ضغاين في صدور قوم لا يبدونها حتى يفقدونني " و في لفظ عن أنس بن مالك : " ثم وضع النبي رأسه عليّ فبكى فقال له: ما يبكيك يا رسول الله صلى الله عليك ؟ قال : ضغاين في صدور أقوام لا يبدونها حتى أفارق" .
و أخيراً . .
فقد قال المقبلي : إن أحاديث " لا تدري ما أحدثوا بعدك " متواترة بالمعنى 34 .
و هذا غيض من فيض ، مما يدل على أن الصحابة ليسوا كلهم عدولاً أبرار أخياراً بل هم كسائر الناس الآخرين يخطئون و يصيبون ، يطيعون و يعصون . . و إن كان ربما يكون الذنب منهم أعظم ، و المعصية منهم أشد ، باعتبار أنهم نالوا شرف رؤية الرسول الأكرم ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ، و سعدوا بمجالسته و رأوا من براهينه و معجزاته ما يبهر كل عقل و يقطع كل عذر . . و علي فكل ما يدعى لهم من صفات غير طبيعية و عدالة و نزاهة و طهارة حقيقية لا يعدوا أن يكون مجرد دعوى واهية لا تستند إلى دليل ولا يدعمها برهان .
و من أراد التوسع في هذا الموضوع فليراجع أيضاً بالإضافة إلى ما تقدم : مصنف عبد الرزاق : 11 / 406 ـ 407 ، و تنوير الحوالك : 1 / 51 ، و بحار الانوار : 28 كتاب الفتن / 26 ـ 36 ، و كنز العمال : 11 / 157 رقم 645 و في ذيله : " إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك مرتدين على أعقابهم " و رقم 746 و رقم 747 و فيه : " و لكنكم ارتددتم بعدي و رجعتم القهقرى " و صفحة 155 رقم 776 و فيه : "فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم بعضاً" و 11 / 221 رقم 2411 عن أبي هريرة و فيه : "إنك لا علم لك بما أحدثوا و بعدك إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى" و في بعضها عن حذيفة رقم 2412 و عن أنس رقم 2414 و عن سمرة رقم 2481 وعن أبي هريرة رقم 2415 و عن حذيفة رقم 2476 و 2471 و عن أم سلمة رقم 417 و عن انس وحذيفة رقم 2418 و عن زيد بن خالد رقم 2424 و عن ابن مسعود رقم 2470 و عن أسماء بنت أبي بكر و عائشة رقم 2416 و عن أبي سعيد رقم 2472 و غير ذلك مما لا يمكن استقصاؤه في هذه العجالة .
و حسب هذا الرأي قوة أن يكون مدعوماً بالنصوص القرآنية و بالنصوص النبوية التي رواها لنا عدد كبير من الصحابة أنفسهم كما يظهر مما تقدم مثل : سهل ، حذيفة ، ابن عباس ، عائشة ، أبي سعيد ، ابن مسعود ، أم سلمة ، أنس ، سمرة ، زيد بن خالد ، أسماء بنت أبي بكر ، ابن عمر ، أبي هريرة ، أبي بكرة ، عمار ، سعد بن عبادة ، طلحة ، جابر ، أبي الدرداء رجل من صحابة النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) و غير ذلك ممن لم يتهيأ لنا في هذه العجالة الإطلاع عليهم .
و على هذا فما ينسب إلى النبي ( صلى الله عليه و آله و سلم ) من كلمات تدل على عدالة جميع الصحابة و وجوب الاقتداء بهم جميعاً لا يمكن أن تصح و لا شك في وضعها على لسانه ( صلى الله عليه و آله ) وافتعالها ، لأنها مما يكذبها كل افعاله و أقواله تجاههم و في حقهم ، و يدحضها عامة سلوكه معهم . .
و أما الحديث الذي يردده الناس في العصور الأخيرة و ينسب إليه ( صلى الله عليه و آله و سلم ) أنه قال : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " فهو باطل ، صرح ببطلانه جمع كثير من الأعلام قديماً و حديثاً كأحمد بن حنبل ، و البزار ، و ابن حزم ، و ابن الجوزي و ابن عبد البر ، و غيرهم كثير ، هذا عدا عن أن متن الحديث ذاته يدل دلالة واضحة على ضعفه ، فليس كل نجم من النجوم يهتدي به الضال في ظلمات البر و البحر . . " .
و لعله وضع في مقال حديث : النجوم أمان لأهل السماء ، و أهل بيتي أمان لأمتي . . و بلفظ آخر : النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، و أهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف . .35 بل يظهر انه وضع ليجعل الأصحاب هم الهداة لسفينة نوح ، التي من ركبها نجا ، و من تخلف عنها غرق 36 بل في لسان الميزان : 1 / 136 إن النبي ( صلى الله عليه و آله ) قال : أهل بيتي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم .
و بعد . . فهل يمكننا أن نقتدي و نهتدي بمعاوية و مروان ، و عمرو بن العاص ، و الوليد بن عقبة ، و إضرابهم في لعنهم علياً و الحسن و الحسين عليهم السلام و غيرهم . . باعتبار أن معاوية و هؤلاء هم من تلك النجوم التي بأيها نقتدي و نهتدي ؟! . .
و هل يمكننا أن نهتدي بالحكم بن أبي العاص طريد رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) ؟ و بالوليد بن عقبة الفاسق بنص القرآن الكريم ، و الذي نزل فيه ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ... ? 37 و الذي شرب الخمر في عهد عثمان ، و صلى بالناس و هو سكران كما قدمنا ؟! .
و هل يصح أن نقتدي و نهتدي بكل أولئك المنافقين ، الذين كانوا على عهد الرسول ( صلى الله عليه و آله )؟ أم يعقل أنهم أصبحوا بمجرد موته ( صلى الله عليه و آله ) عدولاً أبراراً إن ذلك لعجيب و عجيب حقاً !! . .
و هل يمكن أن نقتدي و نهتدي بأولئك الذين ارتكبوا أعظم المنكرات سواء في حياة النبي أو بعد وفاته ؟! . .
فها نحن نرى بعضهم قد شرب الخمر في أيام عمر ، و أقام عليه عمر الحد ، و هو قدامة بن مظعون 38 مع أنه كان صحابياً ، بل و بدرياً أيضاً ، و من السابقين الأولين ، و قد هاجر الهجرتين .
كما و شربها أيضاً عبد الرحمن بن عمر ـ و عبد الرحمن قد عاصر الرسول( صلى الله عليه و آله ) ـ و أقام عليه أبوه الحد ، و مات من جراء ذلك ، و قضيته أشهر من أن تذكر 39 .
و اتهم المغيرة بالزنا ، و شهد عليه ثلاثة ، و تردد الرابع ـ و هو زياد بن أبيه ـ و تردده هو الذي درأ الحد عن المغيرة ، و ليس كون المغيرة صحابياً 40 مع ان المغيرة كان من المبايعين تحت الشجرة أيضاً ، و هي المعروفة ببيعة الرضوان .
و كان أبو محجن يزني ، و يشرب الخمر ، و قد جلده عمر سبعاً أو ثماني مرات لذلك و نفاه 41 .
و ارتد طليحة بن خويلد عن الإسلام و ادعى النبوة 42 .
و كان سمرة بن جندب يبيع الخمر في عهد عمر 43 و هو احد الثلاثة الذي قال لهم النبي( صلى الله عليه و آله ) : آخركم موتاً في النار .
و حد النبي نعيمان ثلاث مرات في الخمر ، و طلب عمر قتله في الرابعة ، فلم يقبل منه 44 مع أن نعيمان قد شهد المشاهد كلها ، و شهد العقبة أيضاً .
و بسر بن أبي أرطأة قد عاث في الأرض فساداً و قتل طفلين لعبيد الله بن العباس ، و ما ذنب الأطفال؟! .
و معاوية ـ و ما أدراك ما معاوية بائع الأصنام 45 ـ يجعل رأي نفسه مقدماً على قول الرسول الذي لا ينطق عن الهوى ، فإنه عندما باع بيعاً ربوياً ، و اعترض عليه أبو الدرداء بقوله : سمعت رسول الله( صلى الله عليه و آله ) ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل فقال معاوية : ما أرى بهذا باساً . فقال أبو الدرداء : من يعذرني من معاوية ؟ أنا أخبره عن رسول الله( صلى الله عليه و آله ) و يخبرني عن رأيه ، لا أساكنك بأرض أنت بها ، ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له ، فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبع ذلك إلا مثلاً بمثل وزناً بوزن 46 راجع مقدمة كتابنا : حديث الإفك .
و معاوية يسم الحسن عليه السلام ريحانة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم . و يفعل غير ذلك من أمور شنيعة كقتله حجر بن عدي ، و عمرو بن الحمق الخزاعي إلى آخر قائمة ضحايا معاوية الطويلة ، فقد قتل في صفين فقط من أهل بيعة الرضوان 63 رجلاً منهم عمار و من البدرين 25 رجلاً 47 .
و لقد نسي الناس أن الصحابة كانوا يتهمون أقرانهم بالفسق تارة ، و بالردة و الكفر أخرى ـ كما فعل بمالك بن نويرة الصحابي ـ و نسي الناس أيضاً : أن الصحابة أنفسهم قد ثاروا على خليفتهم عثمان و قتلوه ، أو شاركوا في التأليب عليه ، و إثارة الناس ضده . و كيف ينسى دور عائشة و طلحة ، و الزبير ، و ولده عبد الله ، و عمرو بن العاص ، و غيرهم في ذلك ، و بعد أن قتلوه تركوه ثلاثة أيام بلا دفن ، حتى دفن في " حش كوكب " مقبرة اليهود . فكيف جاز لهؤلاء الصحابة مخالفة نص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الصحابة ؟ ولماذا لم يراعوا عدالتهم وهداهم ؟! .
و أخيراً . . فإن عمر نفسه يصرح بوجود المنافقين في الصحابة حين وفاة النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقد أخرج ابن المنذر ، عن أبي هريرة قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قام عمر بن الخطاب فقال : إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم توفي 48 و تقدم تصريح أبي بكر بذلك . . إلى غير ذلك مم تضيق به كتب التاريخ ، و مجاميع الحديث و الرواية .
و يكفي أن نذكر أن البلاذري قد ذكر في أنساب الأشراف أسماء المنافقين ، و استغرقت عشر صفحات كاملة 2 / 274 ـ 283 .
و ختاماً ننقل كلام حذيفة بن اليمان ( و هو صاحب سر رسول الله و عرّفه صلى الله عليه و آله و سلم المنافقين ) عن صحيح البخاري في كتاب الفتن : " إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صلى الله عليه و آله و سلم كانوا يومئذ يسرون و اليوم يجهرون " .
و لمعرفة المنافقين الذين يصفهم حذيفة إقرأ كتاب " الغدير " للعلامة الراحل الأميني و قد نشر منه حتى الآن أحد عشر مجلداً و غيره من الكتب العلمية التي توحد صفوف المسلمين مثل كتاب " المراجعات " للإمام شرف الدين العاملي و كتاب " عبد الله بن سبأ و أساطير أخرى " لصاحب الفضيلة العلامة السيد العسكري و كتاب " خمسون و مأة صحابي مختلق " له أيضاً . و كتاب " أبو هريرة " و " أضواء على السنة المحمدية " و " قصة الحديث المحمدي " و كلها لعلامة مصر الراحل و فقيد العلم و المعرفة الأستاذ المرحوم محمود أبو رية .
و بعد هذا . . فهل يصح أن يقال : إن حديث : " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " صحيح ، و يجب العمل به ؟
و هل يصح الاقتداء حقاً بكل صحابي ، و في جميع أفعاله و أقواله ، حتى من لم ير النبي ( صلى الله عليه و آله ) ، إلا مدة يسيرة كيوم أو شهراً ، أو شهرين مثلاً ؟
و هل مجرد رؤيته له ( صلى الله عليه و آله ) تجعله لا يتعمد ذنباً ، و لا يميل إلى معصية ؟ .
و إذا كان الصحابي كلهم عدولاً أتقياء . . فلماذا كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم يكذبهم في أقوالهم ، و يتبرّأ من كثير من أفعالهم ؟
و هذه كتب السير و الحديث و المغازي بين أيدينا و فيها ما لا يحد بحد ، و لا يعد بعد . . و لماذا يقولون إنه صلى الله عليه و آله و سلم قد جلد الذين قذفوا أم المؤمنين ، بعد أن نزلت الآية ببراءتها ، مع أنهم من صحابته ، و فيهم من هو بدري أيضاً ؟!
و إذا كان الصحابة كلهم عدولاً ، مطهرين ، منزهين ، فلماذا تقام عليهم الحدود و تجري عليهم القصاصات ، سواء في حياة النبي صلى الله عليه و آله و سلم ، أو بعد وفاته ؟
و كيف تقبل الشهادة ضدهم ، و كيف يهتم النبي صلى الله عليه و آله و سلم بقضية الإفك ؟
ولم لا يحكم بنزاهة أصحابه و يقول إنهم لا تجوز عليهم المعصية ، من دون أن ينتظر الخبر من السماء ؟! .
و إذا كان حديث النجوم هذا صحيحاً ، فهل من المعقول أن نعتبر أهل الشام و فيهم من الصحابة أمثال معاوية و عمرو بن العاص مهتدين في حربهم علياً في صفين ، في نفس الوقت الذي نعتبر فيه علياً و أهل العراق ، مهتدين في حربهم لأهل الشام ؟!! .
و إذا كان الخطاب بقوله : " بأيهم اقتديتم اهتديتم " للصحابة ، فمن منهم الموصى أن يهتدي و يقتدي ؟ و من منهم الذي يكون الإقتداء و الاهتداء به .
و بعد هذا . . و إذا كان الحق واحداً ، و واحداً فقط ، فبمن نقتدي و نهتدي من الصحابة ، الذين لا يزالون مختلفين في أكثر الأشياء ، و يكذب بعضهم بعضاً ، و يعبر بعضهم عن سوء رأيه بالآخر .
و ألسنا نجد أن أحداً من الصحابة لم يعمل بهذا الحديث . . فكل منهم يسب الآخر و يلعنه ، بل و يستحل دمه ، و يكفره فقد روي أن عماراً كان يكفر عثمان ، و يستحل دمه ، و أن عبد الرحمن بن عوف و ابن مسعود كانا يستحلان دم عثمان أيضاً ، على ما ذكره طه حسين 49 و قال المعتزلي الحنفي : إن عثمان قال لعبد الرحمن بن عوف : يا منافق . . 50 و ذلك في كتاب التاريخ و الحديث كثير ، و كثيرا جداً . .
بل و نجد الكثير الكثير مما يدل على أنهم ما كانوا يقبلون الاهتداء ببعضهم البعض ، فإن علياً لم يكن يجوز الاقتداء بمعاوية ، و الوليد ، و مروان ، و ابن العاص ، و إضرابهم . و عمر و عثمان ، و عائشة و علي ، قد أكذبوا أبا هريرة 51 .
و على ذلك جرى بعض الأئمة الكبار ، فقد نقل ابن أبي الحديد عن أبي حنيفة أن " الصحابة كلهم عدول ما عدا رجالاً ، ثم عدّ منهم : أبا هريرة ، و أنس بن مالك " و في المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء عن الشافعي : " إنه سرّ إليّ الربيع : لا يقبل شهادة أربعة من الصحابة و هم معاوية و عمرو بن العاص ، و المغيرة ، و زياد " أقول لكن زياداً ليس من الصحابة ، لأنه ولد في زمن الرسول ولم يره . .
و قال شعبة : " كان أبو هريرة يدلس " كما في البداية و النهاية . و في العقد الفريد لابن طلحة صفحة 174 قصة طويلة يذكر فيها تكذيب جمع من العلماء لأبي هريرة في حضرة الرشيد ، و وافقهم الرشيد على ذلك إلى غير ذلك مما لا يمكن تتبعه و استقصاؤه .
و بعد كل ما قدمناه . . و إذا كان الصحابة أنفسهم لا يجيزون لنا الإقتداء ببعضهم البعض ، فلم لا نهتدي و نقتدي بهم و نقول : " لا يجوز الإقتداء بكل صحابي ، إلا من ثبتت عدالته و نزاهته " ؟ .
أم يعقل أن يكون معنى : " أصحابي كالنجوم . . " هو وجوب الإقتداء بهم في قضية أقوالهم و أفعالهم أو ببعض منهم هم دون البعض الآخر ؟ و إذا كان المقصود هو ذلك ، فهل يبقى معنى لقوله : " بأيهم اقتديتم اهتديتم " إن ذلك لعجيب ، و عجيب حقاً !
و عدا عن ذلك فلماذا لا يجوز لنا أن نقتدي بعلي عليه السلام في لعنه مثل معاوية ، و مروان ، و ابن العاص و اضرابهم مع أن الناس قد قلدوا معاوية عشرات السنين و لعنوا أخا رسول الله و وصيه ، و من هو منه بمنزلة هارون من موسى ، و لعنوا كذلك الحسن و الحسين عليهما السلام و قيس بن سعد ، و غيرهم من خيرة أصحاب الرسول ( صلى الله عليه و آله ) .
و إذا كان حديث النجوم هذا صحيحاً ، فلماذا عندما أعلن سب أعظم صحابي على آلاف منابر المسلمين ، عشرات السنين و كان بعض الصحابة المتهالكين على الدنيا يشاركون في ذلك و يشارك أيضاً التابعون ـ الذين يقولون : إن قرنهم خير القرون ـ لماذا لم نجد من يعترض على ذلك بأنه ينافي عدالة الصحابة و نزاهتهم ، ولم نجد من التابعين من قال أيها الناس لقد خالفتهم قول رسول الله( صلى الله عليه و آله ) : " أصحابي كالنجوم . . " مع ان كثيراً منهم ليس فقط قد شارك في سب الصحابة الأبرار و لعنهم ، و إنما شارك في قتلهم و سفك دمائهم ، و محاربتهم .
نعم . . لقد سب علي عليه السلام على المنابر مع أن الرسول ( صلى الله عليه و آله ) قد قال : " من سب علياً فقد سبني " 52 ولم نجد من يعترض على ذلك بمنافاته لعدالة الصحابي ، و لا بحديث النجوم ، و إنما كانت اعتراضات المعترضين و صرخات المخلصين تحاول التذكير بمواقف علي ، و بأقوال الرسول فيه ، و بالآيات الواردة في حقه ، و التي لم يعبأ بها المزيفون و أهل الدنيا ، و طلاب اللبانات .
و ليتنا ندري لماذا لم يكفر التابعون ، و كيف جاز لهم سب علي ، و قتلهم الحسين ، و غير ذلك من جرائم و فظائع ـ بل إن قرنهم خير القرون ـ و لماذا يوثق عمر بن سعد 53 و لماذا لم يجز هذا الشيعي أن يعبر عن رأيه في هؤلاء اللاعنين ، المصرين على هذا الإثم العظيم ، و يكشف حقيقتهم و واقعهم للناس جميعاً . بل إذا حاول ولو مرة واحدة أن يبدي رأيه فيهم ، فإنك ترى أصابع الإتهام بل و التكفير و الإخراج من الدين تنصب عليه من كل جانب و مكان . .
و لكن الحقيقة هي أن حديث : أصحابي كالنجوم قد وضع فقط لصالح أعداء علي و آل علي . فهؤلاء فقط هم العدول ، الأبرار و ليس لأحد أن ينالهم بسوء و لهم هم كل الحق في أن ينالوا علياً باللّعن ، و أهل البيت بالقتل و السبي ، و كل الفظائع . و هذا الحديث حينئذٍ لا يستطيع أن يؤثر أثره ، و لا أن يثبت وجوده .
و قبل أن نأتي على نهاية هذا الحديث نود أن نشير إلى أن حديث النجوم ـ الموضوع ـ لا يستطيع أن يقاوم حديث الثقلين المتواتر ، الوارد في الكتب المعتبرة عند إخواننا مثل : صحيح مسلم ، و الترمذي ، و مسند أحمد ، و غيرها بأسانيد كثيرة جداً حيث يأمرنا هذا الحديث ، و يأمر الصحابة بإتباع خليفتين ، أحدهما : كتاب الله ، و الآخر : أهل بيته ، و جعل الاهتداء مشروطاً بإتباعهما و التمسك بهما ، حيث قال : " ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً " و أهل بيته هم : عليّ ، و فاطمة , و الحسن ، و الحسين عليهم السلام؛ فالأجدر بنا أن نهتدي بهداهم ، و نتبع خطواتهم و نسير على نهجهم و من نهجهم نقد كل صحابي ، و إعطاء كل ذي حق حقه بلا إفراط و لا تفريط .
و أهل البيت فقط هم سفينة نوح ، التي من ركبها نجا ، و من تخلف عنها غرق ، لأنهم هم الذين أذهب الله عنهم الرجس ، و طهرهم تطهيراً . و كل من سواهم لابد له في الحكم بعدالته من دراسة تاريخ حياته ، و نقد عامة سلوكه و تصرفاته . .
و أخيراً . . فلقد صرح جماعة من إخواننا بأن الصحابة غير معصومين ، و فيهم العدول و غير العدول فقد ذكر صاحب كتاب أصحابي كالنجوم ص15 إن منهم السعد التفتازاني ، في شرح المقاصد و ابن العماد الحنبلي على ما في النصائح الكافية : 62 عن الآلوسي و الشوكاني في إرشاد الفحول و الشيخ المقبلي في العلم الشامخ ـ على ما في أضواء على السنة المحمدية و شيخ المضيرة ـ و المارزي شارح البرهان ـ على ما في النصائح الكافية : 161 و الإصابة : 2 / 391 ، 392 ـ و السيد محمد بن عقيل في النصائح الكافية ، و طه حسين في الفتنة الكبرى : عثمان ، و الشيخ محمود أبو ريه في أضوائه و شيخ مضيرته : 101 ، و الشيخ محمد عبده على ما أضواء أبي ريه ، و السيد محمد رشيد رضا على ما في شيخ المضيرة ، و الشيخ مصطفى صادق الرافعي في إعجاز القرآن ، و غيرهم .
و هكذا نجد : أن العلماء الأتقياء لا يزالون يعرضون أفكارهم على محك العلم ، و على الموازين الصحيحة التي يؤيدها القرآن ، و كلمات الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم و قوانين الشريعة الغراء ، و أخيراً . . العقل الفطري السليم .
و يكفي أن نذكر هنا: أن القرآن قد قرر أن لكل نفس ما كسبت ، و عليها ما اكتسبت ، و لو كان مثقال ذرة من خير ، أو من شر على حد سواء . . و أن أكرمكم عند الله أتقاكم ، لأن الإسلام لا ينظر إلى المصاحبة الجسدية كمقياس ، كيف و صحابا يوسف عليه السلام كانا مشركين ، و أصحاب موسى قد عبدوا العجل ، في حين كان نبيهم يناجي ربه عز وجل في شأنهم ، و إن عيسى أحس من أصحابه الكفر . إلى آخر ما هنالك .
و في الختام : إننا نود أن نذكركم بأن نقد الشيعة للصحابة ليس إلا لإحياء القيم الإسلامية و تقدير كل أحد منهم بمقدار ما يتوفر لديه من المكارم و الفضائل و التقوى و العلم و الشرف و الشجاعة و الطاعة و الإتباع و الكرامة و النجدة و العظمة و البخوع و للحق مضادة الباطل و كراهة العصيان و إقامة السنة و إبادة البدعة و ترويج الحق و محق الباطل و الحض على الخيرات و دحض المنكرات . و ما تتبعه الشيعة في معتقداتها معتضد بالعقل و النقل ( يعني الكتاب و السنة النبوية كما جاء في كتب الشيعة و أهل السنة ) ، و هم يناقشون الأحاديث و يميزون الغث من السمين و يتركون ذلك و يتمسكون بهذا ، و من نظر في كتبهم الكلامية يلمس هذه الحقيقة . و بهذه المناسبة تراهم يحبون جمعاً من الصحابة لا يستهان بعددهم من أولي الفضيلة الذين اجتمعوا حول أمير المؤمنين علي عليه السلام كسلمان الفارسي و أبي ذر و المقداد و عمار بن ياسر و آخرين كثيرين مذكورين في كتبهم و لكن لا يمكنهم إطراء الفئة التي ذكرناها لك من تلك الناحية و لكل قوم سنة و إمامها .
إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد .
و ختاماً فنرجو من مجلة المجتمع : أن تنشر هذه الرسالة بحذافيرها إن كانت تعني ما تقول حينما تجعل من نفسها منبراً حراً للفكر الإسلامي .
و لكن المجلة المذكورة لم تنشر هذه المقالة ، و هي مع ذلك لا تزال تدعي : إنها منبر حر للفكر الإسلامي فاقرأ و اسمع و اضحك !! . .
و السلام على من اتبع الهدى 54 .
********************************
1. راجع : الكشاف ، و غيره من كتب التفسير و علوم القرآن
2. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 95 و 96 ، الصفحة : 202 .
3. راجع : أضواء على السنة المحمدية : 353 و أي كتاب آخر في السيرة .
4. القران الكريم : سورة الحجرات ( 49 ) ، الآية : 6 ، الصفحة : 516 .
5. راجع : صحيح البخاري : 5 / 63 و غيره .
6. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 144 ، الصفحة : 68 .
7. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 144 ، الصفحة : 68 .
8. الدر المنثور : 2 / 82 .
9. المصدر السابق .
10. القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 101 ، الصفحة : 203 .
11. القران الكريم : سورة الإسراء ( 17 ) ، الآية : 36 ، الصفحة : 285 .
12. القران الكريم : سورة النجم ( 53 ) ، الآية : 3 و 4 ، الصفحة : 526 .
13. صحيح البخاري : 9 / 58 ؛ كتاب الفتن : 8 / 148 و في آخره أنه نقل أيضاً عن حذيفة ؛ و مسند احمد : 1 / 439 مع تفاوت يسير .
14. صحيح البخاري : 9 / 58 و 59 ؛ نفس المصدر : 8 / 150 ؛ و صحيح مسلم : 7 / 96 ؛ و الاستيعاب هامش الإصابة : 1 / 159 ؛ و مسند أحمد : 5 / 333 و راجع : 3 / 28 .
15. صحيح البخاري : 9 / 63 و 64 ؛ و صحيح مسلم : 1 / 58 .
16. صحيح مسلم : 7 / 68 بعدة أسانيد ؛ و مسند أحمد : 1 / 402 و 406 و 407 و 384 و 425 و 453 .
17. مسند أحمد : 5 / 388 ؛ و راجع ص 393 و أشار إليه في صحيح البخاري : 8 / 148 ـ 149 .
18. صحيح البخاري : 8 / 169 و 204 و ج 6 / 122 و 69 و 70 و ج 8 / 136 ؛ و صحيح مسلم : 8 / 157 ؛ و مسند أحمد : 1 / 235 و 253 ؛ و الاستيعاب هامش الإصابة : 1 /160 و عن الجمع بين الصحيحين .
19. صحيح البخاري : 8 / 149 ؛ و صحيح مسلم : 7 / 70 و 71 ؛ و مسند أحمد : 3 / 381 ؛ و عن الجمع بين الصحيحين الحديث رقم 131؛ و في إحقاق الحق باب ما رواه الجمهور في حق الصحابة أنهم رووا مثل ذلك عن أم سلمة و اسماء بنت أبي بكر و سعيد بن المسيب و حذيفة و أبي الدرداء .
20. صحيح البخاري : 8 / 150 و بعده نفس الحديث الذي رواه ابن المسيب عن أصحاب النبي ( صلى الله عليه و آله ) .
21. صحيح مسلم : 1 / 150 .
22. صحيح البخاري : 8 / 150 و 151 ؛ و المصنف لعبد الرزاق : 11 / 406 ؛ و عن الجمع بين الصحيحين الحديث 267 .
23. راجع : صحيح مسلم : 7 / 122 و 123 .
24. مسند الإمام أحمد : 5 / 48 و في صفحة 50 بسند آخر .
25. مسند أحمد : 3 / 39 و يقرب منه ما في صفحة 18 ؛ و كنز العمال : 11 رقم 2472 .
26. صحيح البخاري : 8 / 151 ـ 152 ؛ و صحيح مسلم : 7 / 66 ؛ و كنز العمال : 11 رقم 2461 .
27. صحيح مسلم : 7 / 66 ؛ و الاستيعاب هامش الإصابة : 1 / 159 ؛ و كنز العمال رقم 1416 .
28. مسند أحمد : 6 / 297 .
29. صحيح مسلم : 7 / 67 .
30. مسند أحمد : 6 / 298 .
31. ملحقات إحقاق الحق : 2 / 296 .
32. مغازي الواقدي : 1 / 410 .
33. مسند أحمد : 5 / 412 ؛ و في صحيح البخاري : 5 / 159 ـ 160 : عن العلاء بن المسيب عن أبيه ، قال : لقيت البراء بن عازب( رضي الله عنه ) فقلت : طوبى لك ، صحبت النبي ( صلى الله عليه و آله ) و بايعته تحت الشجرة ، فقال : يا ابن أخي لا تدري ما أحدثنا بعده . .
34. راجع : أضواء على السنة المحمدية : 350 نقلاً عن العلم الشامخ للمقبلي .
35. ذخائر العقبى : 17 و إسعاف الراغبين .
36. نزهة المجالس للصفوري الشافعي : 2 / 179 .
37. القران الكريم : سورة الحجرات ( 49 ) ، الآية : 6 ، الصفحة : 516 .
38. الإصابة : 3 / 228 ـ 229 ؛ و الاستيعاب بهامشها : 3 / 361 ؛ و أسد الغابة : 4 / 199 ؛ و شرح النهج : 20 / 23 .
39. الإصابة : 3 / 72 ؛ و الاستيعاب بهامشها : 2 / 403 ؛ و أسد الغابة : 4 / 312 ؛ و شرح النهج للمعتزلي : 20 / 23 .
40. الإصابة : 3 / 452 ؛ و شرح النهج للمعتزلي : 20 / 23 و القضية معروفة و مشهورة .
41. الإصابة : 4 / 174 ؛ و الاستيعاب بهامشها : 4 / 183 ـ 184 ؛ و أسد الغابة : 5 / 290 ؛ و شرح النهج للمعتزلي : 20 / 28 .
42. أسد الغابة : 3 / 65 ؛ و الإصابة : 2 / 234 ؛ و شرح النهج : 20 / 28 .
43. الأحاديث الموضوعة : حديث أصحابي كالنجوم : 77 عن البخاري و غيره .
44. صحيح البخاري : 8 / 196 ؛ و أسد الغابة : 4 / 199 ـ 200 و ج 5 / 36 ـ 37 ؛ و الإصابة : 3 / 404 و570 .
45. الأحاديث الموضوعة : حديث أصحابي كالنجوم : 77 عن المبسوط في الفقه الحنفي ، كتاب الإكراء .
46. موطأ الإمام مالك : 2 / 135 ؛ و شرح نهج البلاغة : 20 / 27 .
47. الاستيعاب هامش الإصابة : 2 / 278 ؛ و التنبيه و الإشراف : 256 .
48. الدر المنثور : 2 / 81 .
49. الفتنة الكبرى ، عثمان صفتحة 171 و 172 .
50. شرح نهج البلاغة للمعتزلي : 2 / 25 .
51. راجع : شرح نهج البلاغة للمعتزلي : 20 / 30 ؛ و تأويل مختلف الحديث : 10 ؛ و جامع بيان العلم جلد 2 .
52. مستدرك الحاكم : 3 / 121 و صححه الذهبي أيضاً .
53. وثقه العجلى على ما في تهذيب التهذيب : 7 / 451 .
54. جعفر مرتضى العاملي ، مؤرخة : 21/صفر/1397ه .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page