• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آثار التوفيق ومعناه

 

 


آثار التوفيق ومعناه

لكلّ علّة معلول ، ولكلّ أثر مؤثّر ، ولكلّ شيء آثار ، وعلائم وآثار التوفيق في الحياة ، وهي كما في الأخبار المرويّة عن أهل البيت (عليهم السلام) كما يلي :
عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) :
التوفيق رأس السعادة.
التوفيق أوّل النعمة.
التوفيق قائد الصلاح.
التوفيق أشرف الحظّين.
التوفيق رأس النجاح.
بالتوفيق تكون السعادة ، التوفيق مفتاح الرفق.
من أمدّه التوفيق أحسن العمل.
من لم يمدّه التوفيق لم ينسب إلى الحقّ.
كيف يتمتّع بالعبادة من لم يعنه التوفيق.
لا ينفع اجتهاد بغير توفيق.
لا نعمة كالعافية ، ولا عافية كمساعدة التوفيق.
قال الإمام الصادق (عليه السلام) ، في قوله تعالى : ( وَما تَوْفيقي إلاّ بِاللهِ ) ، وقوله : ( إنْ يَنْصُرُكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإنْ يَخْذُلُكُمْ فَمَنْ ذا الَّذي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ ) :
إذا فعل العبد ما أمره الله عزّ وجلّ به من الطاعة كان فعله وفقاً لأمر الله عزّ وجلّ وسمّى العبد به موفّقاً ، وإذا أراد العبد أن يدخل في شيء من معاصي الله فحال الله تبارك وتعالى بينه وبين تلك المعصية فتركها ، كان تركه لها بتوفيق الله تعالى ذكره ، ومتى خلّى بينه وبين تلك المعصية فلم يحل بينه وبينها حتّى يرتكبها فقد خذله ولم ينصره ولم يوفّقه.
وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) :
من التوفيق حفظ التجربة.
من التوفيق الوقوف عند الحيرة.
إنّ من النعمة تعذّر المعاصي.
كما أنّ الجسم والظلّ لا يفترقان ، كذلك الدين والتوفيق لا يفترقان.
أ يّها الناس إنّه من استنصح الله وفّق ، ومن اتّخذ قوله دليلا هدي للتي هي أقوم ، فإنّ جار الله آمن ، وعدوّه خائف.
من استنصح الله حاز التوفيق.
من كان له من نفسه يقظة ، كان عليه من الله حفظة.
وعنه (عليه السلام) ، من كتابه إلى عثمان بن حنيف مخاطباً للدنيا : هيهات ، من وطئ دحضك زلق ، ومن ركب لُججك غرق ، ومن ازورّ عن حبائلك وفّق.
التوفيق والخذلان يتجاذبان النفس ، فأ يّهما غلب كانت في حيّزه.
التوفيق ممدّ العقل ، الخذلان ممدّ الجهل[1].
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) ، في تعريف الجهل ـ إلى أن قال ـ :
ومفتاح العلم الاستبدال مع إصابة موافقة التوفيق[2].
يقول العلاّمة المجلسي (قدس سره) في بيانه :
ومفتاح الجهل الرضاء بالجهل والاعتقاد به وبأ نّه كمال لا ينبغي مفارقته ، ومفتاح العلم طلب تحصيل العلم بدلا عن الجهل ، والكمال بدلا عن النقص ، وينبغي أن يعلم أنّ سعيه مع عدم مساعدة التوفيق لا ينفع فيتوسّل بجنابه تعالى ليوفّقه.
وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، في حديث لقاء موسى الخضر (عليهما السلام) :
فقال موسى : أوصني . فقال الخضر : يا طالب العلم ، إنّ القائل أقلّ ملالة من المستمع ، فلا تملّ جلساءك إذا حدّثتهم ـ إلى أن يقول ـ : ولا تكوننّ مكثاراً بالمنطق مهذاراً ، إنّ كثرة المنطق تشين العلماء وتبدي مساوي السخفاء ، ولكن عليك بذي اقتصاد ، فإنّ ذلك من التوفيق والسداد[3].
وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) ، في خبر طويل مع هشام :
« يا هشام ، مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة ، ومشاورة العاقل الناصح يمن وبركة ورشد وتوفيق من الله ، فإذا شدّ عليك العاقل الناصح فإيّاك والخلاف ، فإنّ في ذلك العطب »[4].
وفي علم الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، عن سورة بن كليب ، قال : قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) : بأي شيء يفتي الإمام ؟ قال : بالكتاب . قلت : فما لم يكن في الكتاب ؟ قال : بالسنّة . قلت : فما لم يكن في الكتاب والسنّة ؟ قال : ليس شيء إلاّ في الكتاب والسنّة . قال : فكرّرت مرّة أو اثنتين . قال : يسدّد ويوفّق ، فأمّا ما تظنّ فلا.
وعن خيثم ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قال :
قلت له : يكون شيء لا يكون في الكتاب والسنّة ؟ قال : لا . قال : قلت : فإن جاء شيء ؟ قال : لا ، حتّى أعدت عليه مراراً . فقال : لا يجيء ، ثمّ قال ـ بإصبعه ـ : بتوفيق وتسديد ، ليس حيث تذهب ، ليس حيث تذهب.
قال العلاّمة المجلسي في بيان الخبر :
بتوفيق وتسديد ، أي : بإلهام من الله وإلقاء من روح القدس ، كما يأتي في كتاب الإمامة ، وليس حيث تذهب من الاجتهاد والقول بالرأي[5].
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شأن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) : أحبّوه لحبّي ، وأكرموه لكرامتي ، وأطيعوه لله ورسوله ، واسترشدوه توّفقوا وترشدوا ، فإنّه الدليل لكم على الله بعدي[6].
التوفيق من السعادة 78 12 3
العبادات توجب التوفيق من الله 69 313 12
مشاورة العاقل الناصح توفيق من الله 75 102 4
من وفّقه الله ـ كان سعيداً 33 270 13
من وفّقه الله ومنّ عليه ـ نوّر قلبه 44 100 15
زبدة الكلام :
خلاصة ما يستفاد من هذه الأدعية والروايات الشريفة : أنّ التوفيق الإلهي منه ما هو عامّ من مظاهر الرحمانية الإلهية العامّة التي تعمّ وتشمل المؤمن والكافر ، وذلك من العدل الإلهي ، والإنسان باختياره إذا أحسن حسن الاستعمال من هذا التوفيق العامّ ، فإنّه يحوز على التوفيق الخاصّ الذي هو من مظاهر الرحيميّة الخاصّة بالمؤمنين في دنياهم وآخرتهم ، فتشمله التوفيقات الخاصّة التي تجذبه إلى قاب قوسين أو أدنى ، حتّى يدخل في حضيرة القدس في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، فيه ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين ، ورضوان الله أكبر . ويشير إلى ذلك مثل قوله (عليه السلام) : « اللهمّ إنّي أسألك توفيق أهل الهدى » ، فهذا من التوفيق الخاصّ ، فمن كان من أهله يدرك ذلك ويسعد في حياته وبعد مماته ، والتوفيق سعادة ، إلاّ أ نّه لا بدّ من إرادة ذلك كما ورد « اُريد الخير فأعنّي عليه ووفّقني له » ، ثمّ الاجتهاد بعد الدعاء وطلب ذلك من الله سبحانه لما ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام) : « من سأل الله التوفيق ولم يجتهد فقد استهزأ بنفسه »[7].
وكان مع رسول الله خلق يوفّقه ( 25 / 68 / 15 ) ، وروح يوفّقه ( 25 / 68 / 15 ) ، الروح هو مع الأئمة يوفّقهم ويسدّدهم ( 25 / 67 / 8 ) وهذا من التوفيق الخاصّ.
وأمّا مصاديق التوفيق في منطق الإسلام وعلى لسان الله ورسوله وأهل بيته (عليهم السلام) ، فنستخرجها إجمالا من الأدعية التي ذكرناها ، كما فيها كنوز ومباحث مختلفة يقف عليها الذكيّ الألمعيّ ، فنحيل ذلك إلى القرّاء الكرام ، ومن الله التوفيق والسداد.
وأمّا المصاديق فمنها : حسن اليقين ، التسليم والقبول والعصمة ، النعمة ، شكر النعمة ، نور ، رحمة ، الإطاعة ، حسن العمل ، جميع الاُمور للآخرة ، قرين العلم والحكم في القلوب ، رضوان الله ، حمد الله ، ما يحبّه الله ويرضاه ، لما دعا إليه من سبيله ، ما وفّق له شيعة آل محمد (عليهم السلام) ، دفاع الله ، إحسان الله ، إسباغ النعمة ، تكميل النواقص ، الرضا والعون على الصبر ، الإنابة والقربة ، الصراط المستقيم ، معرفة الخير كلّه ، السعادة تسهيل طريق الطاعة ، النيّة الصالحة ، رأفة الله ، بلوغ رضا الله ، نعمة الدين والطاعة ، الصواب ، الإدراك ، ترك المحرّمات ، الإثبات على الدين ، حفظ الله وتأييده ، الإيمان ، نيل الطاعة ، الصوم ، عدم إضاعة الإيمان ، حمد الله والثناء عليه ، القوّة على العبادة ، النجاة ، القيام ، شدّة العزم وسداد الرأي ، تمام العمل ، حضور الرغبة ، عبادة الله ، رعاية الله ، الزهد في الدنيا ، الفوز ، التوبة ، صحبة الأنبياء والمرسلين ، الخلاص ، ابتغاء الزلفة بموالاة أولياء الله ، أداء الصلاة كما هي مفروضة ، سلوك محبّة الله ومرضاته ، الأعمال الصالحة ، الاعتراف بأيادي الله ونعمه ، الرشد والإرشاد ، إطالة العمر ، النفع في الحياة ، موافقة الحقّ والعدل ، النجاة من العذاب ، توفيق الحمد ، توفيق أهل الهدى ، الفقه ، الشكر والخشية ، مصاديق الإجابة ، سدّ الفاقة والفقر ، فتح الأبواب ، تسهيل الأسباب ، إدامة التوفيق ، مصاحبة التوفيق ، الهداية ، معرفة التأويل ، رفد الله ، وفور النعمة ، العون الإلهي ، قوّة الصبر ، زيادة التوفيق ، قضاء الحوائج ، الخير ، بركة الله ، كلاءة الله ، إرشاد الأمر ، التوكّل على الله ، الثواب ، الثقة بالله ، القيام بالطاعة ، القتل في سبيل الله مع وليّ الله ، معرفة أصل الدين ، محاسن الأخلاق ، سبق الحسنى ، إحياء سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، الأمان من مكر الله ، استعمال الفقه ، الذكر ، التوفيق للتوبة والخيرات ، الهداية ، صواب الرأي ، عفو الله ، إجابة الدعاء ، صلاح ما يؤمّله الإنسان ، الخيرة في عافية ، درك ليلة القدر ، اليُسر ، توفيقات آل محمد (عليهم السلام) ، توفيقات الشيعة ، عدم الضلال ، دلالة الله على الخير ، فضل الله ، زيارة أولياء الله ، إعطاء المنى ، الإيمان بالنبيّ ، معرفة الوحدانية ، تحمّل الخير وطاقته ، ستر الله ، الوفادة على الله ، معرفة الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، كفاية الله ، معرفة صفات الله ، اصطفاء الله واستجابة الدعاء ، اجتناب المعاصي والآثام ، اليسر للخير ، صالح العمل ، المقام المحمود ، عمل الأبرار ، قراءة القرآن الكريم والتدبّر فيه ، زيارة الأئمة (عليهم السلام) ، كلّ ما يرضي الله ، الاستعداد للموت قبل حلوله ، الأمر الرشيد ، الحمد على النعم الإلهيّة ، وأداء شكر النعم عملا وقولا ، أداء حقّ الله وفرائضه وأوامره ، قضاء الدين ، ما فيه النفع والقربة إلى الله سبحانه ، موالاة أولياء الله ، إرادة الخير ، تسهيل الاُمور ، منافع الدنيا والآخرة ، الاستقامة ، العمل بما ورد عليه من الله سبحانه ، التسديد للحُسنى ، نورانية القلب ، التأمّل في صنع الخلائق ، صحّة الجواب وسلامته ، قبول الموعظة ، فهذه جملة ما ورد في مصاديق التوفيق الإلهي وعلائمه ، نسأله أن يوفّقنا وإيّاكم لمحابّه وما يرضاه ويسعدنا في الدارين ، ويرزقنا خير الدنيا والآخرة ، إنّه حميد مجيد.
هذا إجمال ما أردنا بيانه في أصل التوفيق ومعناه من منظار الإسلام ، وأمّا أسبابه فنشير إليها بكلّ إيجاز وإشارة ، بذكر بعض الآيات الكريمة والروايات الشريفة ، وعلى المطالع أن يرجع إلى المطوّلات من الكتب الروائية في هذا الباب ، كبحار الأنوار لشيخنا الأجل العلاّمة المجلسي قدّس سرّه الشريف ، والله الموفّق للصواب.

1 ـ اغتنام الفرصة

 

جاء الإسلام ليكوّن للمسلم حياة سعيدة ، فدعاه إلى النشاط والحيوية والفرح المعقول ، ونهاه عن التضجّر والكسل والحزن المذموم ، الذي يُعدّ من وساوس الشيطان وتسويلاته ، وأمره أن يغتنم الفرص وينتهزها ، كما يغتنم خمساً قبل خمس ، كما ورد في الحديث النبويّ الشريف لأبي ذرّ الغفاري ، فقال (صلى الله عليه وآله) :
« يا أبا ذرّ ، اغتنم خمساً قبل خمس : اغتنم شبابك قبل هرمك ، وفراغك قبل شغلك ، وصحّتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وحياتك قبل مماتك ».
وأمّا اغتنام الفرصة ، فقد قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) :
« انتهزوا فُرص الخير فإنّها تمرّ مرّ السحاب ».
« الفرصة تمرّ مرّ السحاب ، فانتهزوا فرص الخير ».
« الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود ».
« الفرصة خلسة ».
« الفرصة غُنم ».
« أ يّها الناس ، الآن الآن من قبل الندم ، ومن قبل أن تقول نفس : يا حسرتي على ما فرّطت في جنب الله ، وإن كنت لمن الساخرين ، أو تقول : لو أنّ الله هداني لكنت من المتّقين ، أو تقول حين ترى العذاب : لو أنّ لي كرّة فأكون من المحسنين ».
قال الإمام الحسين (عليه السلام) :
« يا ابن آدم ، إنّك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن اُمّك ، فخذ ممّـا في يديك لما بين يديك ، فإنّ المؤمن يتزوّد ، والكافر يتمتّع ».
« الأمس موعظة ، اليوم غنيمة ، وغداً لا تدري »[8].
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
« كن على عمرك أشحّ منك على درهمك ودينارك ».
« إنّ العمر محدود لن يتجاوز أحد ما قدّر له ، فبادروا قبل نفاد الأجل ».
وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) :
« لو اعتبرت بما أضعت من ماضي عمرك لحفظت ما بقي ».
« إنّ المغبون من غبن عمره ، وإنّ المغبوط من أنفذ عمره في طاعة ربّه ».
« إنّ ماضي عمرك أجل ، وآتيه أمل ، والوقت عمل ».
« إنّ ماضي يومك منتقل ، وباقيه متمّ ، فاغتنم وقتك بالعمل ».
« إنّ الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما ، ويأخذان منك فخذ منهما ».
« ما أسرع الساعات في اليوم ، وأسرع الأيام في الشهر ،وأسرع الشهور في السنة ، وأسرع السنين في العمر ! ».
« رحم الله امرءاً علم أنّ نفسه خُطاه إلى أجله ، فبادر عمله ، وقصّر أمله ».
« إعمل لكلّ يوم بما فيه ترشد »[9].
فمن كان يرى حياته وعمره هكذا ، وينظر بهذه الرؤية الإلهية ، كيف لا يستغلّ دقائق عمره ، ولم يغتنم فرص حياته ؟ ! ولا يجعلها غصّة بضياعها ، فإنّ إضاعة الفرصة غصّة ، فإنّها تمرّ كما تمرّ سحاب الربيع ، فهي سريعة الزوال وإن كان يتصوّرها الناظر كثيرة وفيها المطر الغزير ، فتدبّر فما أروع هذا التمثيل في لسان الروايات الشريفة.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :« بادر الفرصة قبل أن تكون غصّة ».
قال الإمام الباقر (عليه السلام) :« بادر بانتهاز البغية عند إمكان الفرصة ، ولا إمكان كالأيام الخالية مع صحّة الأبدان ».
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
« والله ما يساوي ما مضى من دنياكم هذه بأهداب بُردي هذا ( الأهداب جمع هدب وهو خمل الثوب وطرّته ) ، ولما بقي منها أشبه بما مضى من الماء بالماء ، وكلّ إلى لقاء وشيك وزوال قريب ، فبادروا العمل وأنتم في مهل الأنفاس ، وجدّة الأحلاس ( الأحلاس جمع حلس : ما يوضع على ظهر الدابّة تحت السرج ) ، قبل أن تأخذوا بالكَظَم ( مخرج النفس ) فلا ينفع الندم ».
« من فتح له باب من الخير ، فلينتهز ، فإنّه لا يدري متى يغلق عنه ».
قال الإمام الصادق (عليه السلام) :« ترك الفرص غصص ».
«من انتظر بمعاجلة الفرصة مؤاجلة الاستقصاء سلبته الأيام فرصته،لأنّ من شأن الأيام السلب ،وسبيل الزمن الفوت ».
ما أروع هذه الكلمة الحكمية التي تخبرك عن واقع الأيام والزمان ، فمن الناس ، من لم يغتنم الفرصة المتاحة له في عمل من الأعمال ، فلا يعجل في الاستفادة منها ، بل يؤجّل العمل ويؤخّر الفرصة على أمل أن يستقصي أطراف العمل كلّه ، مثلا لو اُتيحت له الفرصة بأن يتزوّج ولو ببناء عشّ ذهبيّ متواضع ، تجده لا يقدم ويدّعي أ نّه لا بدّ لي من قصر فخم وسيارة آخر موديل وعمل تجاري ناجح وأثاث منزلية رائعة حتّى يتزوّج ، فمثل هذا الشخص تسلبه الأيام تلك الفرصة ، لأنّ من شأن الأيام السلب ، وطريقة الزمن الفوت.
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) :« من أخّر الفرصة عن وقتها ، فليكن على ثقة من فوتها ».
« إذا أمكنت الفرصة فانتهزها ، فإنّ إضاعة الفرصة غصّة ».
« أشدّ الغصص فوت الفرص ».
« أفضل الرأي ما لم يفت الفرص ، ولم يوجب الغصص ».
« من ناهز الفرصة أمن الغصّة ».
« الصبر على المضض يؤدّي إلى إصابة الفرصة ».
« الاُمور مرهونة بأوقاتها ».
« من الخُرق ـ أي الحماقة ـ المعاجلة قبل الإمكان ، والإناءة بعد الفرصة »[10].
نتيجة الأحاديث الشريفة : أنّ العاقل من يستغلّ الفرص ويبادر إليها ، وذلك بعد التمكّن ، فلا يعجل قبل الإمكان ، فإنّه من مصاديق العجلة من الشيطان ، بل عليه أن ينتظر ، وبمجرّد أن تتاح له الفرصة فلا يتأنّى ، كلاعب كرّة القدم فإنّه يتحيّن وينتظر الفرصة ، حتّى يهجم على مرمى الحارس ، ويسجّل هدفاً ، ومثل هذا يعدّ لاعباً ناجحاً وموفّقاً.
فالمسلم يبادر إلى الفرصة ، ويعمل ولا يقضي حياته بالبطالة والفراغ.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :« إنّ الله يُبغض الصحيح الفارغ لا في شغل الدنيا ولا في شغل الآخرة ».
وقال الإمام الكاظم (عليه السلام) :« إنّ الله ليبغض العبد النوّام ـ أي الذي ينام كثيراً ـ إنّ الله ليبغض العبد الفارغ ».
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) :
« إن يكن الشغل مجهدة ، فاتّصال الفراغ مفسدة ».
وفي أدعية الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) :
« واشغل قلوبنا بذكرك عن كلّ ذكر ، وألسنتنا بشكرك عن كلّ شكر ، وجوارحنا بطاعتك من كلّ طاعة ، فإن قدّرت لنا فراغاً من شغل ، فاجعله فراغ سلامة لا تدركنا فيه تبعة ولا تحلقنا فيه سأمة ، حتّى ينصرف عنّا كتاب السيئات بصحيفة خالية من ذكرِ سيّئاتنا ، ويتولّى كتّاب الحسنات عنّا مسرورين ».
وقال في دعاء مكارم الأخلاق :
« اللهمّ صلّ على محمد وآله ، واكفني ما يشغلني الاهتمام به ، واستعملني بما تسألني غداً عنه ، واستفرغ أيّامي فيما خلقتني له ».
« وارزقني صحّة في عبادة ، وفراغاً في زهادة ».
« وأذقني طعم الفراغ لما تحبّ بسعة من سعتك ، والاجتهاد فيما يزلف لديك وعندك ، وأتحفني بتحفة من تحفاتك ، واجعل تجارتي رابحة ، وكرّتي غير خاسرة ، وأخفني مقامك ، وشوّقني لقاءك ».
ونتيجة الأحاديث الشريفة : إنّ الفراغ للمؤمن مذموم ، إلاّ إذا كان في طاعة الله من التفكّر والتأمّل والتدبّر في خلق الله ، فإنّ المؤمن يحتاج إلى مثل هذه الساعة في حياته ، كما قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) :
« ما أحقّ الإنسان أن تكون له ساعة لا يشغله عنها شاغل »[11].
فيخلو بنفسه وربّه لمحاسبة النفس ومناجاة الربّ عزّ وجلّ ، فتدبّر.
قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً نبيّه الأكرم (صلى الله عليه وآله) :
( فَإذا فَرَغْتَ فانْصَبْ وَإلى رَبِّكَ فَارْغَبْ )[12].

________________________________________
[1]الروايات نقلتها من ميزان الحكمة 10 : 590.
[2]البحار 1 : 93.
[3]البحار 1 : 227.
[4]البحار 1 : 155.
[5]البحار 2 : 175.
[6]تفسير فرات الكوفي : 319.
[7]البحار 75 : 356.
[8]الروايات من ميزان الحكمة 7 : 442.
[9]الروايات من ميزان الحكمة 6 : 539.
[10]الروايات من ميزان الحكمة 7 : 444.
[11]الروايات من ميزان الحكمة 7 : 458.
[12]الانشراح : 7 ـ 8.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page