5 ـ الانتصار على الأتعاب الكاذبة :
الإسلام في مبادئه السامية وجهاده المقدّس ، لا يرضى للمسلم بالهزيمة في ساحات الوغى وميادين الصعاب والمتاعب والمشاكل ، بل يصرخ في وجه المؤمن ، بأنّ الله يحبّ المؤمن القويّ ويبغض المؤمن الضعيف :
( وَأعِدُّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة ).
ودائماً يدعوه إلى الفوز بإحدى الحسنيين : إمّا الانتصار وإمّا الشهادة والقتل في سبيل الله ، فمن كان هذا منطقه من المستحيل أن يتراجع أمام الأتعاب الصادقة فكيف بالكاذبة ، بل يعمل ليل نهار ويرى أنّ ذلك بعين الله وثوابه وأجره ، فيتنافس في نيل المكارم والمحامد ، ويستبق الخيرات ، ويستقيم كما أمره الله سبحانه ، فإنّه يتأسّى بنبيّه الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله) :
( لَكُمْ في رَسولِ اللهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ).
وأنّ الله أمر نبيّه في مقام الدعوة والتبليغ والرسالة أن يستقيم :
( اسْتَقِمْ كَما اُمِرْتَ ).
حتّى قال : شيّبتني سورة هود ، لما فيها من الأمر بالاستقامة والانتصار وتحمّل المصاعب والمتاعب من أجل إنقاذ الناس من براثن الجهل والفساد والضلال وهدايتهم إلى الصراط المستقيم والدين القويم والسعادة الأبديّة.
عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، قلت : يا رسول الله أوصنيي . قال : قل : « ربّي الله » ، ثمّ استقم . قلت : رّبي الله وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكّلت وإليه اُنيب . قال : ليهنيك العلم أبا الحسن ، لقد شربت العلم شرباً ونهلته نهلا.
قال الإمام الصادق (عليه السلام) :
المؤمن له قوّة في دين وبرّ في استقامة.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) :
اعلموا أنّ الله تبارك وتعالى يبغض من عباده المتلوّن ـ وهذا معنى لطيف ، فإنّ هناك من الناس من يتلوّن كلّ يوم بلون ، بل كلّ ساعة ، ولا إرادة له ولا تصميم ، وإنّه ضعيف المزاج ، لم يكن صاحب كلمة في حياته ـ فلا تزولوا عن الحقّ وولاية أهل الحقّ ، فإنّ من استبدل بنا هلك.
وقال (عليه السلام) :
العمل العمل ، ثمّ النهاية النهاية ، والاستقامة الاستقامة ... ألا وإنّ القدر السابق قد وقع ، والقضاء الماضي قد تورّد ، وإنّي متكلّم بعدّة الله وحجّته ، قال الله تعالى : ( إنَّ الَّذينَ قالوا رَبُّنا اللهُ ثُمَّ اسْتَقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ ) ، وقد قلتم : ( ربّنا الله ) فاستقيموا على كتابه وعلى منهاج أمره ، وعلى الطريقة الصالحة من عبادته ( طاعته ) ، ثمّ لا تمرقوا منها ولا تبتدعوا فيها ، ولا تخالفوا عنها.
وقال (عليه السلام) :
أفضل السعادة استقامة الدين.
كيف يستقيم من لم يستقم دينه.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
لو صلّيتم حتّى تكونوا كالحنايا ، وصمتم حتّى تكونوا كالأوتار ، ثمّ كان الاثنان أحبّ إليكم من الواحد لم تبلغوا الاستقامة.
وقال أمير المؤمنين في صفات المتّقين :
« من علامة أحدهم أ نّك ترى له قوّة في دين وحزماً في لين ، وإيماناً في يقين ، وحرصاً في علم ، وعلماً في حلم »[1].
هذا في أصل الاستقامة والانتصار والحزم ، وأمّا ثمرات الاستقامة فمنها كما في قوله تعالى :
( وَأنْ لَوِ اسْتَقاموا عَلى الطَّريقَةِ لأسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً )[2].
( إنَّ الَّذينَ قالوا رَبُّنا اللهُ ثُمَّ اسْتَقاموا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنونَ )[3].
( إنَّ الَّذينَ قالوا رَبُّنا اللهُ ثُمَّ اسْتَقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أنْ لا تَخافوا وَلا تَحْزَنوا وَأبْشِروا بِالجَنَّةِ الَّتي كُنْتُمْ توعَدونَ )[4].
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
إن تستقيموا تفلحوا.
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) :
من استقام فإلى الجنّة ، ومن زلّ فإلى النار.
الاستقامة سلامة.
من لزم الاستقامة لزمته السلامة.
السلامة مع الاستقامة.
عليك بمنهج الاستقامة فإنّه يكسبك الكرامة ويكفيك الملامة.
لا مسلك أسلم من الاستقامة.
لا سبيل أشرف من الاستقامة.
من لزم الاستقامة لم يعدم السلامة[5].
________________________________________
[1]نهج البلاغة ، الخطبة 193 ، خطبة همام.
[2]الجنّ : 16.
[3]الأحقاف : 13.
[4]فصّلت : 30.
[5]الروايات من ميزان الحكمة 8 : 285.