• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

لا سنة و لا شيعة

مقال شيق حول فكرة نبذ المذاهب للعلامة الفقيد الشيخ محمد جواد مغنية ( رحمه الله )
ما زلنا نسمع الحين بعد الحين كلمة تدور على لسان أكثر من واحد ، و هي " لا سنة و لا شيعة " بل مسلمون ، و كفى . حتى أن أحد الشيوخ ألف كتاباً ، اسماه بذلك . و ليس من شك أن بعض من ردد هذه الكلمة طيب القلب ، خالص النية ، و انه عبر بها عن أمنيته و هي أن يسود الوئام ، و تزول الحواجز بين المسلمين . و لكن البعض الآخر أراد بها أن يسكت الشيعة على ما يوجه إلى عقيدتهم من التزييف و الطعون ، و أن يتقبلوا ما يتقوله عليهم الحفناوي و الجبهان و محب الدين الخطيب و إخوان السنة في القاهرة ، و مجلة التمدن الإسلامي في دمشق ، و غيرها . و بكلمة يريد بها أن المسلمين هم السنة دون الشيعة ، و أن عقيدة التشيع يجب إلقاؤها في سلة المهملات ، لأنها بزعمه لا تمت إلى الإسلام بسبب . و قد جهل أو تجاهل أن نفي التشيع هو نفي للقرآن و الحديث ، و بالتالي ، نفي للإسلام من الأساس .
في سنة 1380 هجرية احتفلت جمعية البر و الإحسان في صور بعيد الغدير ، و كان بين المتكلمين شيخ أزهري و أنا ، و بعد أن ألقيت كلمتي تكلم هذا الشيخ ، و قال فيما قال : ما لنا و ليوم الغدير ؟ لقد ذهب بما فيه . و الاحتفال به تباعد بين المسلمين ، و هم أحوج إلى التقريب و الوئام .
و بعد أن انتهى من كلامه عدت إلى منصة الخطابة ، و عقبت على خطابه بقولي :
مهما نهى الشيخ عن شيء فإنه لن يستطيع هو و لا غيره أن ينهى عن كتاب اللّه و سنة نبيه ، و نحن لسنا مع عيد الغدير ، و لا مع علي بن أبي طالب لو لم يكن اللّه و رسوله معه ، و إذا لم يترك اللّه و الرسول علياً فماذا نصنع ؟ . هل نتركه نحن ؟ .
ثم إذا تركنا علياً – و الحال هذه - هل نكون مسلمين حقاً ؟ . إن احتفالنا بهذا اليوم هو احتفال بالقرآن الكريم و سنة النبي العظيم بالذات ، احتفال بالإسلام و يوم الإسلام . إن النهي عن يوم الغدير تعبير ثانٍ عن النهي بالأخذ بالكتاب و السنة ، و تعاليم الإسلام و مبادئه 1 .
و تلك كتب الأحاديث و السِّيَر متخمة بالأدلة و البراهين القاطعة على أن تعظيم العترة الطاهرة تعظيم للّه و كتابه ، و للرسول و سنته .
و الآن و في كتابي هذا أذكر رواية تغني عن ألف دليل و دليل ، لأن الذين أوردوها هم الآل و العترة بالذات :
كان من عادة المأمون العباسي أن يعقد المجالس للعلماء على اختلاف مذاهبهم و فرقهم ، و يرغب إليهم أن يتدارسوا و يتناقشوا في الفقه و الحديث و الفلسفة و غيرها ، و في ذات يوم جمعهم في حضور الإمام الرضا ( عليه السلام ) و ألقى عليهم هذا السؤال :
من هم المصطفون المعنيون بقوله تعالى : ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ... ﴾ 2 ؟
قال العلماء - غير الإمام - : إنهم أمة محمد بكاملها .
قال المأمون للإمام الرضا ( عليه السلام ) : ما تقول أنت يا أبا الحسن ؟
قال الإمام : انه أراد العترة الطاهرة دون غيرهم .
قال المأمون : و ما الدليل على ذلك ؟
قال الإمام : لو أراد اللّه عز وجل بهذه الآية الكريمة جميع المسلمين كما قال العلماء لحرمت النار على كل مسلم ، و إن فعل ما فعل ، لأنه سبحانه لا يعذب أحداً ممن اصطفاه ، و الثابت بضرورة الدين خلاف ذلك ، و ان من يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، و ان من يعمل مثقال ذرة شراً يره ، هذا ، إلى أن آيات القرآن الكريم يفسر بعضها بعضاً ، كما أن الأحاديث النبوية هي تفسير و بيان لكتاب اللّه ، و في الكتاب و الحديث دلائل و شواهد على أن المراد بقوله تعالى : ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ... ﴾ 2 هم العترة الطاهرة ، منها :
1 - قوله تعالى : ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 3 فقد دلت الآية على أن أهل البيت هم المطهرون من الرجس ، و بديهة أن المصطفين مطهرون . فأهل البيت - إذن - هم المصطفون دون غيرهم .
2 - قول الرسول الأعظم ( صلى الله عليه و آله ) : " اني مخلف فيكم الثقلين : كتاب اللّه ، و عترتي أهل بيتي ألا و أنهما لن يفترقا ، حتى يردا علي الحوض " و ما دام الكتاب ملازماً للعترة ، و لم يفترق عنها بحال ، إذن ، هي التي ترثه ، و هي التي خصها اللّه بالقرب و الاصطفاء .
3 - قوله تعالى : ﴿ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ 4 . فالذين اختارهم اللّه هنا في هذه الآية و اصطفاهم للمباهلة هم بالذات الذين اصطفاهم و عناهم في آية " ثم أورثنا الكتاب " و لا يختلف اثنان أن المراد بأنفسنا علي ، و ابناؤنا الحسن و الحسين ، و نساؤنا فاطمة ، و هذه خاصة لا يتقدمهم فيها أحد ، و فضل لا يلحقهم به بشر ، و شرف لا يسبقهم إليه مخلوق .
4 - إن النبي ( صلى الله عليه و آله ) سد أبواب الصحابة جميعاً التي كانت على مسجده إلا باب علي ، حتى تكلموا ، و احتجوا ، و قالوا فيما قالوا : يا رسول اللّه أبقيت علياً ، و أخرجتنا .
فقال : ما أنا أبقيته و أخرجتكم ، و لكن اللّه سبحانه هو الذي أبقاه و أخرجكم . فكما اخرج اللّه الناس هناك ، و أبقى علياً ، كذلك أخرجهم من آية " ثم أورثنا الكتاب " و أبقى العترة الطاهرة .
5 - قوله تعالى : ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ ... ﴾ 5 . فقد نص صراحة على أن لأهل البيت حقاً خاصاً بهم لا يشاركهم فيه أحد ، و ما ذاك إلا لأن اللّه سبحانه قد اصطفاهم على الأمة جمعاء .
6 - إن اللّه عز وجل لم يبعث نبياً إلا أوحى إليه أن لا يسأل قومه أجراً على تبليغ رسالته ، لأن اللّه سبحانه هو الذي يوفيه اجر الأنبياء إلا محمداً ( صلى الله عليه و آله ) ، فإن اللّه أمره أن يجعل أجره مودة قرابته ، بطاعتهم و معرفة فضلهم . فقد حكى عن نوح أن قال : ﴿ وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ ... ﴾ 6 .
و حكى عن هود أنه قال لقومه : ﴿ يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ... ﴾ 7 .
أما محمد ( صلى الله عليه و آله ) فقد قال بأمر ربه : ﴿ ... قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ... ﴾ 8 و إذا كان وجوب المودة ميزة خاصة بآل الرسول دون غيرهم من آل الأنبياء فكذلك ارث الكتاب و الاصطفاء ميزة خاصة بهم دون غيرهم .
7 - إن اللّه سبحانه قال : ﴿ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ﴾ 9 و قال : ﴿ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ 10 . و قال : ﴿ سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ 11 . و لم يقل سلام على آل نوح ، و لا سلام على آل إبراهيم ، و لا سلام على آل موسى . و لكنه قال عزَّ مَن قال : ﴿ سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ﴾ 12 . و يس هو محمد ( صلى الله عليه و آله ) بالاتفاق ، و إذا خصهم اللّه بالسلام فقد خصهم أيضاً بإرث الكتاب و الاصطفاء .
و جاء في الحديث أن المسلمين سألوا محمداً ( صلى الله عليه و آله ) : كيف نصلي عليك يا رسول اللّه ؟
قال : تقولون اللهم صلِّ على محمد و آل محمد .
8 - قوله تعالى : ﴿ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ... ﴾ 13 فقد جعل اللّه سبحانه الآل في حيز ، والناس في حيز دونهم ، ورضي لهم ما رضي لنفسه ، واصطفاهم على الخلق ، فبدأ بنفسه ، ثم ثنى برسوله ، ثم بذي القربى في كل ما كان من الفيء والغنيمة ، وغير ذلك ، وهذا فضل للآل دون الأمة .
9 - قوله تعالى : ﴿ ... فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ 14 وأهل البيت هم أهل الذكر ، لأنهم عدل القرآن الكريم بنص حديث الثقلين .
10 - قوله تعالى : ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ... ﴾ 15 .
قال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : إن اللّه تبارك و تعالى قد أمرنا مع الناس بإقامة الصلاة في قوله : " اقيموا الصلاة " ، ثم خصنا من دونهم بهذه الآية الكريمة ، فكان رسول اللّه بعد نزولها يأتي إلى باب علي و فاطمة عند حضور كل صلاة خمس مرات ، و يقول : الصلاة يرحمكم اللّه . و لم يكرم أحداً من ذراري الأنبياء بمثل هذه الكرامة التي أكرمنا بها .
و بعد أن انتهى الإمام من حديثه الطويل 16 قال العلماء و المأمون للإمام : جزاكم اللّه خيراً أهل البيت عند أمة جدكم ، فإنا لا نجد بيان ما اشتبه علينا من الحق إلا عندكم . و صلى اللّه على محمد و آله الطيبين 17
****************************
1. قال الشيخ عبد اللّه العلايلي في خطبة أذاعتها محطة الإذاعة اللبنانية : إن عيد الغدير جزء من الإسلام ، فمن أنكره فقد أنكر الإسلام بالذات . و ذلك في 18 ذي الحجة سنة 1380 هجري .
2. a. b. القران الكريم : سورة فاطر ( 35 ) ، الآية : 32 ، الصفحة : 438 .
3. القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 33 ، الصفحة : 422 .
4. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 .
5. القران الكريم : سورة الإسراء ( 17 ) ، الآية : 26 ، الصفحة : 284 .
6. القران الكريم : سورة هود ( 11 ) ، الآية : 29 ، الصفحة : 225 .
7. القران الكريم : سورة هود ( 11 ) ، الآية : 51 ، الصفحة : 227 .
8. القران الكريم : سورة الشورى ( 42 ) ، الآية : 23 ، الصفحة : 486 .
9. القران الكريم : سورة الصافات ( 37 ) ، الآية : 79 ، الصفحة : 449 .
10. القران الكريم : سورة الصافات ( 37 ) ، الآية : 109 ، الصفحة : 450 .
11. القران الكريم : سورة الصافات ( 37 ) ، الآية : 120 ، الصفحة : 450 .
12. القران الكريم : سورة الصافات ( 37 ) ، الآية : 130 ، الصفحة : 451 .
13. القران الكريم : سورة الأنفال ( 8 ) ، الآية : 41 ، الصفحة : 182 .
14. القران الكريم : سورة النحل ( 16 ) ، الآية : 43 ، الصفحة : 272 .
15. القران الكريم : سورة طه ( 20 ) ، الآية : 132 ، الصفحة : 321 .
16. ذكر الشيخ الصدوق في كتاب " عيون الأخبار " هذه الأدلة القاطعة مع غيرها لإثبات أن المراد من آية " واورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا " هم العترة الطاهرة ، و رواها عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، و قد لخصتها بشيء من التصرف في التعبير ، لأجل التوضيح و الاختصار ، مع المحافظة التامة على المعنى .
17. تجد هذا المقال الرائع موجودا ضمن مقالات كتاب الشيعة في الميزان لمؤلفه القدير العلامة الشيخ محمد جواد مغنية رحمه الله .

مركز الاشعاع الاسلامي

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page