طباعة

العهد الجديد :

وبصعود علي عليه السلام المنبر بدأ فصل جديد من التارسخ .. لقد بدأ فصل الربيع وزمن العدالة والمساواة والأخوّة .. الجماهير والتاريخ والضمير الانساني تصغي الى كلمات تتدفق من روح عظيمة .. روح انصهرت في بوتقة النبوّات .. ها هو علي ربيب  بعد يبايع عبد الملك بن مروان في مشهد مذلّ فقد جاء إلى الحجاج بن يوسف الجلاّد المعروف ليبايع ؛ وعد احتقره الحجاج وخاطبه بالاذلال : لمَ لم تبايع أبا تراب ؟ وجئت تبايع آخر الناس لعبد الملك ؟! انت احقر من أن امدّ اليك يدي .. دونك رجلي فبايع .. ونرى عبد الله بن عمر يهوي على رجل الحجاج ويبايع على السمع والطاعة !!
محمد صلى الله عليه وآله وسلّم يعلن انبعاث الرسالة من جديد .. وعودة شمس الاسلام ها هو يخاطبالتاريخ والحضارة والإنسانية : ألا لا يقولنّ رجال منكم قد غمرتهم الدنيا فاتخذوا العقار .. وفجّروا الأنها .. وركبوا الخيول الفارهة .. واتخذوا الوصائف الروقة .. فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً إذ ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون .. فينقمون ذلك ويستنكرون .. ويقولون حرمنا ابن ابي طالب حقوقنا .
واردف معلناً القاعدة التي تنهض عليها حقوق المواطن المسلم : وايما رجل استجاب لله ورسوله .. فصدّق ملتنا ودخل في ديننا ، واستقبل قبلتنا .. فقد استوجب حقوق الاسلام وحدوده فانتم عباد الله والمال مال الله .
يقسّم بينكم بالسوية  لا فضل لاحد على احد ؛ وللمتقين غداً احسن الجزاء وفضل الثواب .
واضاف قائلاً : واذا كان غداً ان شاء الله فاغدوا علينا .. فان عندنا مالاً نقسّمه فيكم ، ولا يتخلفن احد منكم ، عربي ولا أعجمي .. كان من أهل العطاء أولم يكن  إذا كان مسلماً حرّاً إلا حضر  اقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم .
هل هي مصادفة أن يتولّى علي بن أبي طالب عليه السلام الخلافة في الثامن عشر من ذي الحجة الحرام .. وهل تذكر بعض صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يوم غدير خم (1) عندما هبط جبريل يعلن ولاية علي على كل مسلم ومسلمة وكل مؤمن ومؤمنة .
ان الفترة التي اعقبت رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلّم واقصاء الامام علي عن حقّه هي من أكثر الفترات مأساوية ، والتأمل في مواقف الإمام وتصريحاته (2) ابان تلك الفترة تكشف عن عمق المحنة التي عاشها وصي انبي ازاء قريش التي حاربت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم ما يقارب ربع قرن من الزمن وهي مدّة الدعوة والدولة ، واقصت وصيه عن حقه في القيادة مدّة ربع قرن أيضاً .

*********
(1) كانت الشعوب العربية في الشمال الافريقي في عهد الادارسة والفاطميين تحتفل في يوم 18 ذي الحجة وتعدّه جزءً من الأعياد الإسلامية الكبرى فهو اليوم الذي كمل فيه الدين وتمت النعمة ، ثم نسي شيئاً فشيئاً وما يزال اتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام يتخذون من يوم الغدير عيداً في كل من العراق وايران والهند والباكستان وسوريا ولبنان .
(2) كقوله عليه السلام : « اللهم اني استعديك على قريش ومن اعانهم فانهم قطعوا رحمي واكفؤوا انائي ، واجتمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به من غيري وقالوا : ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تمنعه .. فاصبر مغموماً أو مت متأسفاً .
فنظرت فاذا ليس لي رافد ولا ذابُّ ولا مساعد إلا أهل بيتي فضننت بهم عن  المنية ، فاغضيت على القذى وجرعت ريقي على الشجا وصبرت من كظم الغيظ على امرّ من العلقم ، وآلم للقلب من وخز الشفار » والمقطع الأخير يكشف عن عمق الآلام التي تجرّعها الإمام في تلك الحقة من الزمن .