تسارعت الأحداث وشهد ليل المدينة رجلاً ملثمين يجتمعون في الظلام يتآمرون للاطاحة بالعهد الجديد .. لوأد الشمس التي اشرقت بعد ليالي الشتاء الطويل لقد تحول عثمان بين ليلة وضحاها إلى مظلوم بعد أن كان ظالماً ها هو طلحة الذي انفر اموالاً طائلة وقدم مساعدات كبيرة من اجل الاطاحة بعثمان يتهيأ للفرار إلى مكّة من اجل المطالبة بدم عثمان ، لقد اصبح عثمان مظلوماً .. لأنهم فقدوا بغيابه الدنيا الجميلة .. دنيا القصور والإمتيازات والليالي الجميلة ! ووصلت الحوادث منعطفاً خطيراً عندما دخلت عائشة زوج النبي أم المؤمنين قلب الأحداث لترفع فيما بعد راية التمرّد على الشرعية ؛ حتى عائشة التي كانت بالأمس تهاجم عثمان بقسوة باتت تهتف بظلامته اليوم ! وهنا يتوقف التاريخ مذهولاً ... فاذا بالذين قتلوا عثمان في الخامس عشر من ذي الحجة الحرام يرفعون لواء المطالبة بدمه من علي (1) وهكذا وجد مروان بن الحكم ان الظروف تسير في صالحه ففرّ إلى مكّة ومعه بنو أمية فاجتمعت الاحقاد والاطماع والمصالح تحت راية عائشة لا حبّاً بعثمان ولكن كرهاً لعلي ... وانفق الامويون أموالاً طائلة لتجهيز جيش المتمرّدين الذي تحرك صوب البصرة بقيادة عائشة (2) زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلّم واصيب البصريون بالدهشة وهم يرون عائشة وطلحة والزبير قد جاءوا إلى البصرة للطلب بدم عثمان الذي قتل في المدينة ! وفي البصرة حدثت اشتباكات عنيفة مع انصار الإمام وقع فيها عشرات القتلى والجرحى .
وتحرك الإمام بقوّاته باتجاه العراق ، وعسكر في منطقة « ذي قار » ينظر وصول الامدادات من الكوفة ، غير أن الوالي (3) وكان عثماني الهوى قد وقف إلى جانب عائشة ، وراح يحدث الناس نكث البيعة وعدم مساندة الإمام ؛ وقد وصل الحسن بن علي وعمّار لحث الكوفيين على الالتحاق بجيش الإمام ، وظل الموقف على ما هو عليه ولم تجد خطابات نجل الإمام ولا صاحبه في تغيير الموقف ، وهنا وصل مالك الأشتر على جناح السرعة ، فاقتحم قصر الامارة بالقوّة وطرد الوالي الذي غادر القصر مذموماً مدحوراً .
**********
(1) يقول عليه السلام : « انهم ليطلبون حقاً هم تركوه ودماً هم سفكوه فلئن كنت شريكهم فيه فأن لهم لنصيبهم منه ، ولئن كانوا ولوه دوني فما التبعه إلا عندهم ... وان اعظم حجّتهم لعلى انفسهم .. يرتضعون امّاً قد فطمت ... ويحيون بدعة قد اميتت .. يا خيبة الداعي من دعا ! والام أجيب ! »
(2) اقترح عبد الله بن عباس على الإمام أن يخرج معه أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلّم لتقوية موقفه ولكن الإمام رفض ذلك قائلاً :
لا أرى إخراجها من بيتها كما رأى الرجلان إخراج عائشة وكانت أم سلمة من أكثر أزواج انبي صلى الله عليه وآله وسلّم اخلاصاً للإمام عليه السلام ؛ وقد دخلت في جدل مع عائشة حول العواقب الوخيمة التي سترتب على تمرّها وحمايتها للناكثين واعلانها الحرب .
(3) أبو موسى الأشعري .