تلا هذه الآية : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ) (1) ثمّ قال : نحن النعمة التي أنعم الله بها على عباده ، وبنا يفوز من فاز يوم القيامة (2) .
وروى العياشي باسناده في حديث طويل قال : سأل أبو حنيفة أبا عبدالله (عليه السلام) عن هذه الآية (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذ عَنِ النَّعِيمِ) (3) .
فقال : ما النعيم عندك يانعمان ؟
قال : القوت من الطعام والماء البارد .
فقال : لئن أوقفك الله بين يديه يوم القيامة حتّى يسألك عن كلّ أكلة أكلتها أو شربة شربتها ليطولنّ وقوفك بين يديه .
قال : فما النعيم جعلت فداك ؟
قال : « نحن أهل البيت النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد ، وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين ، وبنا ألّف الله بين قلوبهم ، وجعلهم إخواناً بعد أن كانوا أعداء ، وبنا هداهم الله للإسلام ، وهي النعمة التي لا تنقطع ، والله سائلهم عن حقّ النعيم الذي أنعم به عليهم ، وهو النبي (صلى الله عليه وآله) وعترته (عليهم السلام) » (4)
اسم جامع للخير ، فيكون البارّ بمعنى فاعل الخير .
وفسّر الأبرار بأنّهم هم المطيعون لله ، المحسنون في أفعالهم ، وأهل البيت صلوات الله عليهم هم الأبرار في صفتهم ، والأصل والأساس للأبرار في عنصرهم ، لما يلي من الوجوه الأربعة :
(الف) : امّا بتفسير الأبرار بنفس الأئمّة المعصومين سلام الله عليهم ; كما يشهد له ظاهر عموم قوله تعالى : (إِنَّ الاَْبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْس كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً) (5) .
وأهل البيت هم أصل الأبرار بهذا المعنى لأنّ كلّ واحد منهم خلّف من هو سيّد الأبرار ، فيكون الأئمّة اُصولا وعناصر للأبرار .
(ب) : أو تفسير الأبرار بمطلق البارّ وجميع المؤمنين الأبرار كما يشهد له ظاهر عموم قوله تعالى : (إِنَّ الاَْبْرَارَ لَفِي نَعِيم) (6) .
فإنّ المؤمنين الأبرار يهتدون بهدي الأئمّة الطاهرين وينتسبون إليهم ، وينتمون إلى ولايتهم ، فكان الأئمّة سلام الله عليهم هم الأصل للبارّين ، كما تلاحظه في صفوة أصحاب المعصومين ، وفي من تلاهم من كرام المؤمنين .
(ج) : أو لأنّ الأئمّة الهداة هم السبب لإيجاد العالم وخلق الأبرار ، فكان خلق الأبرار ببركتهم ، وكانوا هم الأصل لهم ، كما يشهد له حديث « لولاك لما خلقت الأفلاك ... » المتقدّم بمصادره (7)
(د) : أو لأنّهم (عليهم السلام) هم الأصل لشيعتهم الأبرار من حيث أنّ شيعتهم خُلقوا من فاضل طينتهم فكانوا متفرّعين منهم ، وكان أهل البيت هم الأصل لهم ، كما يشهد لهم أحاديث الطينة التي تلاحظها في مثل
حديث بشر بن أبي عقبة ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) قالا : « إنّ الله خلق محمّداً (صلى الله عليه وآله) من طينة من جوهرة تحت العرش ، وإنّه كان لطينته نضج فجبل طينة أمير المؤمنين (عليه السلام) من نضج طينة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان لطينة أمير المؤمنين (عليه السلام)نضج فجبل طينتنا من فضل طينة أمير المؤمنين (عليه السلام) .
وكان لطينتنا نضج فجبل طينة شيعتنا من نضج طينتنا ، فقلوبهم تحنّ إلينا ، وقلوبنا تعطف عليهم تعطّف الوالد على الولد ونحن خير لهم وهم خير لنا ، ورسول الله لنا خير ونحن له خير » (8) .
وحديث أبي الحجّاج قال : قال لي أبو جعفر (عليه السلام) : « ياأبا الحجّاج إنّ الله خلق محمّداً وآل محمّد (صلى الله عليه وآله) من طينة علّيين ، وخلق قلوبهم من طينة فوق ذلك ، وخلق شيعتنا من طينة دون علّيين ، وخلق قلوبهم من طينة علّيين ، فقلوب شيعتنا من أبدان آل محمّد .
وإنّ الله خلق عدوّ آل محمّد (صلى الله عليه وآله) من طين سجّين وخلق قلوبهم من طين أخبث من ذلك ، وخلق شيعتهم من طين دون طين سجّين ، وخلق قلوبهم من طين سجّين فقلوبهم من أبدان اُولئك ، وكلّ قلب يحنّ إلى بدنه » (9) .
___________
(1) ـ عناصر جمع عُنصر بمعنى الأصل والحسب والنَسب .
والأبرار جمع بَرّ بالفتح ، بمعنى البارّ وهو فاعل الخير ، إذ البِرّ بالكسر ، (1) سورة إبراهيم : الآية 28 و29 .
(2) الكافي : ج1 ص217 ح1 .
(3) سورة التكاثر : الآية 8 .
(4) بحار الأنوار : ج24 ص49 ب29 .
(5) سورة الإنسان : الآية 5 .
(6) سورة الانفطار : الآية 13 .
(7) ص49 من هذا الكتاب .
(8) بحار الأنوار : ج25 ص8 ب1 ح11 .
(9) بحار الأنوار : ج25 ص8 ب1 ح12 .
وَعَناصِرَ الاَْبْرارِ
- الزيارات: 1328