(1) ـ أركان جمع ركن مثل أقفال جمع قفل ، وركن الشيء هو جانبه القوي .
والبلاد جمع بلدة ، تطلق على كلّ موضع من الأرض عامراً كان أو خلأً .
فأركان البلاد هي جوانبها القويّة التي تمسكها وتحفظها وتبقيها .
وأهل البيت (عليهم السلام) أركان البلاد ، بمعنى أنّ نظام العالم ، وانتظامه ، وبقاءه يكون بوجودهم ، ولولاهم لساخت الأرض بأهلها ، وماجت كما يموج البحر ، وهم الأركان القويّة الذين ببقائهم تبقى الأرجاء ، وبوجودهم ثبتت الأرض والسماء كما في دعاء العديلة الشريف .
وقد نطقت بركنيتهم أخبارنا الشريفة في هذا الباب (1) مثل :
حديث المفضّل بن عمر الجعفي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) جاء فيه : « كان أمير المؤمنين (عليه السلام) باب الله الذي لا يؤتى إلاّ منه ، وسبيله الذي من سلك بغيره هلك ، وكذلك يجري لأئمّة الهدى واحداً بعد واحد .
جعلهم الله أركان الأرض أن تميد بأهلها وحجّته البالغة على من فوق الأرض ومَن تحت الثرى » (2) .
(2) ـ أبواب : جمع باب وهو طريق السلوك إلى الشيء ، فأبواب الإيمان بمعنى الطريق إليه .
والإيمان في اللغة : هو التصديق كما أفاده الشيخ الطريحي ، ثمّ قال :
(الإيمان يرد على صيغتين : الإيمان بالله والإيمان لله .
فالإيمان بالله هو التصديق بإثباته على النعت الذي يليق بكبريائه .
والإيمان لله هو الخضوع والقبول عنه والاتّباع لما يأمر والإنتهاء لما ينهى) (3) .
وأمّا في الشرع : فقد قال العلاّمة المجلسي (قدس سره) : إنّ الإيمان هو التصديق بالله وحده وصفاته وعدله وحكمته ، وبالنبوّة ، وكل ما علم بالضرورة مجيء النبي به ، مع الإقرار بذلك (وعلى هذا أكثر المسلمين بل ادّعى بعضهم إجماعهم على ذلك) والتصديق بإمامة الأئمّة الإثنى عشر وبإمام الزمان (عليه السلام) (وهذا عند الإمامية) (4) .
والأحاديث المباركة توضّح حقيقة الإيمان بأتمّ بيان فلاحظ ما يلي :
1 ـ حديث محمّد بن مسلم ، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : « الإيمان إقرار وعمل ، والإسلام إقرار بلا عمل » (5) .
2 ـ جميل بن درّاج قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله عزّوجلّ : (قَالَتِ الاَْعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الاِْيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ؟ (6) .
فقال لي : « ألا ترى أنّ الإيمان غير الإسلام » (7) .
3 ـ سفيان بن السمط قال : سأل رجل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الإسلام
والإيمان . ما الفرق بينهما ؟ فلم يجبه ، ثمّ سأله فلم يجبه ، ثمّ التقيا في الطريق وقد أزف من الرجل الرحيل .
فقال له أبو عبدالله (عليه السلام) : كأنّه قد أزف منك رحيل ؟
فقال : نعم .
فقال : فألقني في البيت ، فلقيه فسأله عن الإسلام والإيمان ما الفرق بينهما ؟
فقال : الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس : شهادة أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحجّ البيت وصيام شهر رمضان ، فهذا الإسلام .
وقال : الإيمان معرفة هذا الأمر مع هذا ، فإن أقرّ بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلماً وكان ضالا » (8) .
4 ـ سماعة قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أخبرني عن الإسلام والإيمان أهما مختلفان ؟
فقال : إنّ الإيمان يشارك الإسلام ، والإسلام لا يشارك الإيمان .
فقلت : فصفهما لي .
فقال : « الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ الله والتصديق برسول الله (صلى الله عليه وآله) ، به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس .
والإيمان الهدى وما يثبت في القلوب من صفة الإسلام وما ظهر من
العمل به ، والإيمان أرفع من الإسلام بدرجة ، إنّ الإيمان يشارك الإسلام في الظاهر ، والإسلام لا يشارك الإيمان في الباطن وإن إجتمعا في القول والصفة » (9) .
5 ـ أبو الصباح الكناني ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام) : من شهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان مؤمناً ؟
قال : فأين فرائض الله ؟
قال : وسمعته يقول : كان علي (عليه السلام) يقول : « لو كان الإيمان كلاماً لم ينزل فيه صوم ولا صلاة ولا حلال ولا حرام » (10) .
6 ـ أبو الصلت الخراساني قال : سألت الرضا (عليه السلام) عن الإيمان ؟
فقال : الإيمان عقد بالقلب ولفظ باللسان وعمل بالجوارح ، لا يكون الإيمان إلاّ هكذا » (11) .
7 ـ حفص الكناسي قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ما أدنى ما يكون به العبد مؤمناً ؟
قال : « يشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، ويقرّ بالطاعة ويعرف إمام زمانه ، فإذا فعل ذلك فهو مؤمن » (12) .
8 ـ أبو الربيع قال : قلت : ما أدنى ما يخرج به الرجل من الإيمان ؟
قال : « الرأي يراه مخالفاً للحقّ فيقيم عليه » (13) .
والمستفاد من مجموع هذه الأحاديث الشريفة أنّ المعنى الشرعي للإيمان هو : التصديق بالله وحده لا شريك له وبصفاته ، وبالنبوّة ، وبكلّ ما جاء به النبي ومنها الإمامة للأئمّة الإثنى عشر إلى إمام الزمان (عليهم السلام) ، والمعاد ، والإقرار بذلك كلّه ، وعقد القلب عليه ، والتلفّظ به لساناً ، والعمل به جوارحاً .
وأهل البيت سلام الله عليهم هم الطرق إلى الإيمان ، والإيمان لا يعرف إلاّ منهم ، ولا يحصل بدون ولايتهم .
فهم خلفاء الله وأبوابه والطريق إليه كما نصّت عليه الأخبار الواردة مثل :
حديث داود بن كثير أبي خالد الرقي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : قال الله عزّوجلّ :
« ... ألا وقد جعلت علياً علماً للناس ، فمن تبعه كان هادياً ومن تركه كان ضالاّ ، لا يحبّه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ منافق » (14) .
وحديث جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « التاركون ولاية علي المنكرون لفضله المظاهرون أعداءه خارجون عن الإسلام ، من مات منهم على ذلك » (15) .
وحديث الجعفري قال : سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول :
_____________
(1) الكافي : ج1 ص196 باب أنّ الأئمّة هم أركان الأرض .
(2) مجمع البحرين : ص56 .
(1) مجمع البحرين : مادّة ص56 .
(2) بحار الأنوار : ج69 ص149 .
(3) الكافي : ج2 ص24 ح2 .
(4) سورة الحجرات : الآية 14 .
(5) الكافي : ج2 ص24 ح3 .
(6) الكافي : ج2 ص24 ح4 .
(7) الكافي : ج2 ص25 ح1 .
(8) الكافي : ج2 ص33 ح2 .
(9) معاني الأخبار : ص186 ح2 .
(10) معاني الأخبار : ص393 ح41 .
(11) معاني الأخبار : ص393 ح42 .
(12) بحار الأنوار : ج39 ب87 ص253 ح22 .
(13) بحار الأنوار : ج39 ب87 ص302 ح116 .
وَاَرْكانَ الْبِلادِ وَاَبْوابَ الإيِمانِ
- الزيارات: 1190