خصوصاً وإنّ اُمّ معاوية كانت هند بنت عتبة التي حملت بمعاوية من أربعة أشخاص لم يكن منهم أبو سفيان حتّى ينسب إليه .
فقد صرّح الزمخشري بأنّه منسوب إلى أربعة لم يكن أبو سفيان مشتركاً معهم (1) .
وكانت جدّة معاوية حمامة بغيّة من ذوات الرايات في ذي المجاز (2) .
هذا أصل بني اُميّة اُمّاً وأباً ، فأي وصلة بينهم وبين بني عبد مناف نسباً أو حسباً ؟!
(1) ـ الصفوة بتثليث الصاد من صفو الشيء : خالصه وخياره وأحسنه (3) .
وفسّرت بمعنى النقاوة أيضاً (4) .
والمرسلين جمع المرسل ، وهو الرسول مطلقاً من الإنس والملك .
إذ المرسل بمعنى الموجّه إلى الأمر المبعوث له كالأنبياء ، بل وحتّى بعض الملائكة بدليل قوله تعالى : (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلا) (5) (6) .
وأهل البيت (عليهم السلام) هم الأفضل والأحسن من المرسلين أجمعين ، ما عدا جدّهم خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله) .
وهم الخلاصة التي إختارها الله من رسله ، اُولئك الرسل الذين كانوا هم المصطفون من الحقّ .
وقد دلّت على ذلك آية الإصطفاء في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) (7) وتلاحظ تفسير آل إبراهيم بآل محمّد (صلى الله عليه وآله) في أحاديثه (8) . مثل :
حديث حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) قال : « نحن منهم ونحن بقيّة تلك العترة » (9) .
وقد تمثّلت فيهم صفات الأنبياء وسنن المرسلين اُولئك الأنبياء والرسل الذين كانوا بأنفسهم القدوة العليا للصفات الفاضلة ، والمحاسن الكاملة .
كما تلاحظه في مثل :
حديث فضيل ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : « كانت في علي سنّة الف نبي » (10) .
وحديث أبي ذرّ الغفاري قال : بينما ذات يوم من الأيّام بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ قام وركع وسجد شكراً لله تعالى ، ثمّ قال :
« ياجندب من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في خلّته ، وإلى موسى في مناجاته ، وإلى عيسى في سياحته ، وإلى
أيّوب في صبره وبلائه ، فلينظر إلى هذا الرجل المقبل الذي هو كالشمس والقمر الساري ، والكوكب الدرّي ، أشجع الناس قلباً وأسخى الناس كفّاً ، فعلى مبغضه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين » ، قال : فالتفت الناس ينظرون مَن هذا المقبل ، فإذا هو علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام (11) .
ولذلك لم يبعث الله تعالى نبيّاً إلاّ بمعرفة حقّهم ، وتفضيلهم على مَن سواهم كما في حديث عبدالأعلى قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول :
« ما من نبي جاء قط إلاّ بمعرفة حقّنا وتفضيلنا على مَن سوانا » (12) .
بل أخذ من الأنبياء الميثاق بالشهادة بذلك كما في حديث أبي الصباح الكناني ، عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) قال :
أتى رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو في مسجد الكوفة قد احتبى بسيفه قال : ياأمير المؤمنين إنّ في القرآن آية قد أفسدت قلبي وشكّكتني في ديني .
قال له (عليه السلام) : وما هي ؟
قال : قوله عزّوجلّ : (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا) (13) هل كان في ذلك الزمان غيره نبيّاً يسأله ؟
فقال له علي صلوات الله عليه : اجلس اُخبرك إن شاء الله .
إنّ الله عزّوجلّ يقول في كتابه : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الاَْقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) (14) .
فكان من آيات الله عزّوجلّ التي أراها محمّداً (صلى الله عليه وآله) أنّه أتاه جبرئيل (عليه السلام)فاحتمله من مكّة ، فوافى به بيت المقدّس في ساعة من الليل .
ثمّ أتاه بالبراق فرفعه إلى السماء ، ثمّ إلى البيت المعمور ، فتوضّأ جبرئيل وتوضّأ النبي (صلى الله عليه وآله) كوضوئه ، وأذّن جبرئيل وأقام مثنى مثنى ، وقال للنبي (صلى الله عليه وآله) : تقدّم فصلّ واجهر بصلاتك ، فإنّ خلفك اُفقاً من الملائكة لا يعلم عددهم إلاّ الله ، وفي الصفّ الأوّل أبوك آدم ونوح وهود وإبراهيم وموسى وكلّ نبي أرسله الله مذ خلق السماوات والأرض إلى أن بعثك يامحمّد .
فتقدّم النبي (صلى الله عليه وآله) فصلّى بهم غير هائب ولا محتشم ركعتين ، فلمّا إنصرف من صلاته أوحى الله إليه : (اسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا) الآية .
فالتفت إليهم النبي (صلى الله عليه وآله) فقال : بم تشهدون ؟
قالوا : نشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنّ عليّاً أمير المؤمنين ووصيّك ، وكلّ نبي مات خلّف وصيّاً من عصبته غير هذا ـ وأشار إلى عيسى بن مريم ـ فإنّه لا عصبة له ، وكان وصيّه شمعون الصفا بن حمّون بن عمامة .
ونشهد أنّك رسول الله سيّد النبيّين ، وأنّ علي بن أبي طالب سيّد الوصيين ، اُخذت على ذلك مواثيقنا لكما بالشهادة . (15) سورة الإسراء : الآية 1 .
فقال الرجل : أحييت قلبي وفرّجت عنّي ياأمير المؤمنين (16) .
وما تكاملت النبوّة لنبي في الأظلّة حتّى عرضت عليه ولاية محمّد وآل محمّد ، فأقرّوا بطاعتهم وولايتهم ، كما في حديث حذيفة بن أسد الغفاري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
« ما تكاملت النبوّة لنبي في الأظلّة حتّى عرضت عليه ولايتي وولاية أهل بيتي ومُثّلوا له ، فأقرّوا بطاعتهم وولايتهم » (17) .
واعلم أنّ في نسخة الزيارة (18) بعد قوله هذا ، زيادة قوله : « وآل يس » ويس هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآل محمّد آل يس (عليهم السلام) .
وقد خصّهم الله بالسلام في سورة الصافات (19) التي سُلّم فيها على الأنبياء دون آلهم ، إلاّ آل يس كما تلاحظه في أحاديثنا المروية عن أئمّتنا الطاهرين سلام الله عليهم مثل حديث سليم بن قيس عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال :
« إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) إسمه ياسين ، ونحن الذين قال الله : (سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ) » (20) .
وفي المجمع (6) قال ابن عبّاس : آل يس آل محمّد (صلى الله عليه وآله) ، وهو قراءة ابن
____________
(1) ربيع الأبرار : ج4 ص275 الباب68 الرقم99 .
(2) الزام النواصب : ص166 .
(3) مجمع البحرين : ص54 مادّة .
(4) لسان العرب : ج14 ص462 .
(5) سورة الحجّ : الآية 75 .
(6) مرآة الأنوار : ص110 .
(7) سورة آل عمران : الآية 33 .
(8) تفسير كنز الدقائق : ج3 ص71 ـ 72 .
(9) تفسير كنز الدقائق : ج3 ص71 .
(10) بحار الأنوار : ج39 ص38 ب73 ح8 .
(11) بحار الأنوار : ج39 ص38 ب73 ح9 .
(12) الكافي : ج1 ص437 ح4 .
(13) سورة الزخرف : الآية 45 .
(14) بحار الأنوار : ج26 ص285 ح45 .
(15) المعالم الزلفى : ص303 ب26 ح6 .
(16) في البلد الأمين ، ومستدرك الوسائل .
(17) سورة الصافات : الآية 130 .
(18) بحار الأنوار : ج23 ص168 ب8 ح2 .
(19) مجمع البيان : ج8 ص456 و457 .
وَصَفْوَةَ الْمُرْسَلِينَ
- الزيارات: 1114