حرق الأحاديث ومنع روايتها:
س18 ـ لماذا قُمتَ بجمع ما كُتب من الأحاديث الشريفة وقُمتَ بإحراقها، وأمرتَ الناس ألاّ يحدّثوا عن النبىّ (صلى الله عليه وآله)؟
ج ـ كنت قد جمعت في كتاب خمسمائة حديث، وبعد وفاة الرسول قمت بإحراقها مخافة أن أكون قد أخذت هذه الأحاديث عن رجل قد ائتمنت ووثقت به ولم يكن كما حدّثني فأكون قد نقلت ذلك(1).
ثمّ جمعت الناس وقلت: إنّكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول الله، فمن سألكم قولوا: بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه(2).
س19 ـ هل منعك رواية الحديث كان برأيك، أم أنّه كان لديك نصّ من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك؟
ج ـ كان برأيي ولم يكن لدي أي نصّ بذلك، وإنّما خشيت من اختلاف الناس في رواية الحديث; لأنّهم بدأوا في الاختلاف في بداية عهدي.
س20 ـ على ماذا اختلف المسلمون وقد كنتم قريبي عهد برسول الله (صلى الله عليه وآله)، هل اختلفوا في عدد ركعات الصلاة أم على صيام شهر رمضان؟
ج ـ لا، كان جلّ خلافهم في مسألة الخلافة بعد الرسول (صلى الله عليه وسلم).
س21 ـ يتبادر هنا سؤالان؟
1 ـ إمّا أن تكون الأحاديث التي انتشرت في بداية عهدك تؤكّد النصّ على خلافتك، أو كما تدّعي ترك الأمر شورى بين الناس. ولو كانت كذلك لما كان هناك داع لمنع رواية أو كتابة هذه الأحاديث؟!!
2 ـ وإمّا أن تكون في خلاف ما ذهبتم إليه من البيعة ونصر لمخالفيك وفي إبراز فضائلهم وأحقيّتهم في هذا الأمر، فأحببت صرف الناس عن الخوض في ذلك الأمر وتوجيههم إلى القرآن؟
ج - نعم، هذا صحيح; لأنّ الناس بعد أن سمعوا بمقالة عليّ وأنّه أحقّ منّي بهذا الأمر، بدأوا برواية أحاديث تؤيّده، لذلك أمرت بحرق الأحاديث وعدم كتابتها أو التحدّث بها والاكتفاء بالقرآن(3).
____________
1- تذكرة الحفّاظ 1: 5.
2- تذكرة الحفّاظ 1: 3.
3- إنّ ما يؤكّد هذا الهدف الذي سنّه أبو بكر ومَن جاء بعده ما رواه الزبير بن بكّار (ت256) بسنده عن عبد الرحمن بن يزيد قال:
قدم علينا سليمان بن عبد الملك حاجّاً سنة (82هـ) وهو ولي عهد، فمرّ بالمدينة، فدخل عليه الناس فسلّموا عليه، وركب إلى مشاهد النبيّ (صلى الله عليه وآله) التي صلّى فيها وحيث أصيب أصحابه بأُحد، ومعه أبان بن عثمان وعمرو بن عثمان وأبو بكر بن عبد اللّه، فأتوا قباء ومسجد الفضيخ ومشربة أُمّ إبراهيم وأُحد، وكلّ ذلك يسألهم، ويخبرونه عمّا كان.
ثمّ أمر أبان بن عثمان أن يكتب به سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومغازيه.
فقال أبان: هي عندي، وقد أخذتها مصحّحة، ممّن أثق فيه.
فأمر بنسخها، وألقى إلى عشرة من الكتاب فكتبوها في رق.
فلمّا صارت إليه نظر فإذا فيها ذكر الأنصار في العقبتين وذكر الأنصار في بدر فقال: ما كنت أرى لهؤلاء القوم هذا الفضل، فإمّا أن يكون أهل بيتي غمضوا عليهم، وإمّا أن يكونوا ليس هكذا.
فقال أبان: أيها الأمير لا يمنعنا ما صنعوا... أن نقول بالحقّ، هم ما وصفنا لك في كتابنا هذا.
قال سليمان: ما حاجتي إلى أن أنسخ ذاك حتى أذكره لأمير المؤمنين لعلّه يخالفه، فأمر بذلك الكتاب فخرق وقال: أسأل أمير المؤمنين إذا رجعتُ، فإن يوافقه فما أيسر نسخه.
فرجع سليمان بن عبد الملك، فأخبر أباه بالذي كان من قول أبان، فقال عبد الملك: وما حاجتك أن تقدّم بكتاب ليس لنا فيه فضل؟ تعرّف أهل الشام أموراً لا نريد أن يعرفوها!
قال سليمان: فلذلك يا أمير المؤمنين أمرتُ بتخريق ما كنتُ نسخته حتى استطلع رأي أمير المؤمنين.
فصوّب رأيه.
راجع الموفقيات للزبير بن بكار: 332 نقلا عن معالم المدرستين للعسكري: 261.
ذكرتُ ذلك لأقول: إن كان بنو أميّة وبعد أن استتب لهم الأمر لا يتحمّلون ذكر فضل الأنصار، فكيف يتحملون ذكر فضل أهل البيت وسيدهم أمير المؤمنين؟!
ويدلّ عليه ما روي: أنّ خالد القسري ـ أحد ولاة بني أُميّة ـ طلب من أحدهم أن يكتب له سيرة النبيّ.
فقال الكاتب: فإنّه يمرّ بي الشيء من سيرة علي بن أبي طالب أفأذكره؟
فقال خالد: لا، إلاّ أن تراه في قعر جهنم..
راجع الأغاني: 19: 59 نقلا عن الصحيح من سيرة النبيّ للعاملي: 358.