شورى عمر
ج ـ لما طعنني أبو لؤلؤة قال لي الناس: استخلف.
وهنا رجعت بذاكرتي إلى السقيفة، فقد كان ثالثنا أبو عبيدة بن الجراح، فقلت لو كان أبو عبيدة حيّاً لاستخلفته، وبقي أمامي أوّل من بايع من المهاجرين وهو عثمان بن عفان، ولأنّه هو الذي كتب عهد أبي بكر وقد جعلني فيه وأمضاه أبو بكر، فأردت أن أُوصي له، فدبّرت الأمر بنفسي ورتّبته حيث ينتهي إليه، وأكون أمام الصحابة وبني هاشم قد جعلتها شورى، لذلك قلت لمن كان عندي: إنّ رسول الله مات وهو راض عن هؤلاء الستّة من قريش: علي، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف.
وقد رأيت أن أجعلها شورى بينهم على طريقتي، ليختاروا بأنفسهم، ثمّ قلت لهم: أكلكم يطمع في الخلافة بعدي! فوجموا، فقلتها لهم ثانية، فأجابني الزبير وقال: وما الذي يبعدنا منها! وليتها أنت فقمت بها، ولسنا دونك في قريش ولا في السابقة ولا في القرابة.
فغضبت منه; لأنّه ذكّرني بوضعي في قريش سابقاً، وإنّهم أسمى منّي وأقدم مني إسلاماً.
فقلت لهم: أفلا أخبركم عن أنفسكم!
فقال الزبير: قل، فإنّا لو استعفيناك لم تعفنا.
فقلت: أمّا أنت يا زبير فوعق لَقِس ضجر مبرم لا تستقيم على وجه، مؤمن الرضى، كافر الغضب، يوماً إنسان ويوماً شيطان، ولعلّها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مُدٍّ من شعير! أفرأيت إن أفضت إليك! فليت شعري، من يكون للناس يوم تكون شيطاناً؟ ومن يكون يوم تغضب؟ وما كان الله ليجمع لك أمر هذه الأُمّة وأنت على هذه الصفة.
ـ ثم أقبلت على طلحة ـ وكنت مبغضاً له منذ قال لأبي بكر يوم وفاته ما قاله عني ـ فقلت: أقول أم أسكت؟
فقال: قل، فإنّك لا تقول من الخير شيئاً.
فقلت: أمّا أنّي أعرفك منذ أصيبت اصبعك يوم أحد والبأو (الكبر والفخر) الذي حدث لك، ولقد مات رسول الله ساخطاً عليك بالكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب!
فقد قال طلحة بمحضر ممّن نقل عنه إلى رسول الله: ما الذي يغنيه حجابهن اليوم! وسيموت غداً فننكحهن.
ـ ثمّ قلت لعبد الرحمن بن عوف: وأمّا أنت يا عبد الرحمن، فلو وزن نصف إيمان المسلمين بإيمانك لرجح إيمانك به، ولكن ليس يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك، وما لزهرة وهذا الأمر!
ـ ثمّ أقبلت على عليّ: فقلت له: لله أنت لولا دعابة فيك! أما والله لئن وليتهم لتحملنهم على الحقّ الواضح، والمحجة البيضاء.
ـ ثمّ أقبلت على عثمان فقلت له: هيهاً إليك! كأنّي بك قد قلدتك
قريش هذا الأمر لحبها إياك، فحملت بني أُميّة وبني أبي معيط على رقاب الناس، وآثرتهم بالفيء.
ثمّ قلت: ادعوا إليّ أبا طلحة الأنصاري، فدعوه لي، فقلت له: انظر يا أبا طلحة، إذا عدتم من حفرتي، فكن في خمسين رجلاً من الأنصار حاملي سيوفكم، فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر وتعجيله، واجمعهم في بيت، وقف بأصحابك على باب البيت ليتشاوروا ويختاروا واحداً منهم، فإن اتفق خمسة وأبى واحد فاضرب عنقه، وإن اتفق أربعة وأبى اثنان فاضرب أعناقهما، وإن اتفق ثلاثة وخالف ثلاثة فانظر الثلاثة التي فيها عبد الرحمن بن عوف، فارجع إلى ما قد اتفقت عليه، فإن أصرّت الثلاثة الأُخرى على خلافها فاضرب أعناقها، وإن مضت ثلاثة أيام ولم يتفقوا على أمر فاضرب أعناق الستّة ودع المسلمين يختاروا لأنفسهم(1).
وهنا وبهذا الترتيب قد أخرجت عليّاً من الخلافة وضمنتها لعثمان دون أن أذكره بالاسم!
لأنّ طلحة من بني تيم، وبني تيم صار بينها وبين بني هاشم ضغن من عدم مبايعة علي لأبي بكر وطعنه فيه.
وسعد بن أبي وقاص ابن عمّ عثمان، وسوف يقف معه.
وعبد الرحمن بن عوف صهر عثمان أيضاً.
ولم يبق مع علي إلاّ الزبير! وحتى لو كان طلحة مع علي فلن يغني عنه شيئاً; لأنّ الغلبة تكون للجهة التي يكون فيها عبد الرحمن بن عوف.
وإن اختلفوا جميعاً ولم يتفقوا قتلوا جميعاً وقتل عليّ ولم تصل له الخلافة، وبذلك تكون الخلافة قد خرجت من بني هاشم أيضاً.
ـ وهكذا تمّ الأمر ووصلت الخلافة إلى عثمان (وبني أُميّة)، لذلك نكتفي بالأسئلة الموجهة لعمر بن الخطاب الخليفة الثاني، ونأتي الآن إلى الخليفة الثالث الذي وصل إلى الخلافة بنصّ من عمر، ولكن بعد أمر دبر بليل كما يقول المثل.
____________
1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 8: 187.
شورى عمر
- الزيارات: 1246