في ظل أمواج الفتن ما أحوج الإنسان إلى أن يجد سفينة النجاة لتأخذ به إلى بر الأمان، وما أحوجه إلى التعرف على المعتقد السليم الذي من خلاله يستطيع أن يعيش واقع حياته اليومية باطمئنان حتى يلقى الله وقد وفى بعهده وميثاقه.
وتبقى مشكلة التعصب الأعمى وعدم التسليم للحق والتمرد عليه تكبرا، مما يجعل بيننا وبينه حجابا إذا أردنا التمسك به والبحث عنه، إذ أنه لا بد من التأكد مما نحن عليه، على ألا يكون التوارث أبا عن جد هو المرتكز لفهم فلسفة الحياة، ولا يمكن أن نحقق العبودية في أنفسنا وهي غاية الخلق (1) إلا عبر الطريق الذي أمرنا الله به ولا يمكن أن تكون الوراثة التي نبذها القرآن هي الضمانة لصحة ما نعتقده والمسلمون انقسموا لفرق ومذاهب كل يدعي وصلا بليلى، والظلمات كثيرة والنور واحد وهذا هو مقصود حديث الفرقة الناجية، فليصبح الإنسان كالمجنون وهو يبحث لكي يختار الصواب.
إن الأمة الإسلامية تعيش تحديا حضاريا في كل الجوانب لم يترك العدو لها مجالا إلا وحاول من خلاله أن يبث سمومه، وفي واقعنا المعاش نجد الكثير من المذاهب التي تلبست بلباس الدين ودعت إليه بينما كانت تخدم مصالح الأعداء وتحمل في داخلها معاول هدم رسالة السماء، وأبرز مصداق لذلك الوهابية التي انتشرت في طول البلاد الإسلامية وعرضها مستغلة الظروف الاقتصادية في الدول النامية ولم تعتمد على المعتقد السليم ولا على الفكر الصحيح أو المنطق في الحوار بل ظهرت عبر مؤسساتها وأموالها، جاعلة الدين كتلة جامدة لا تتفاعل وواقع الحياة، لذلك تتركها دوائر الاستعمار لتسرح بينما تصب على الشيعة كل أنواع التضليل.
هنالك كثير من الأسباب تقف حائلا بين المرء والحقيقة عليه أن يتجاوزها ولقد حاولت ذلك فكان الانتقال عبر محطات التاريخ للوقوف على المنعطفات الخطيرة التي مرت بها الأمة الإسلامية فتفرقت شيعا وأحزابا، لم يكن همي سوى الحقيقة.. الحقيقة وحدها دون الالتفات إلى ما سيعترضني من مشاكل في سبيل ذلك، ولقد حاول البعض عندما انهزم بالدليل والبرهان أن يتهمني تارة بالشيوعية وهي التي لم يستطع نسفها غير علماء الشيعة بقيادة الشهيد الصدر فكيف يلتقي الشيعي مع الشيوعي اللهم إلا إذا اشتبهت الأحرف على السامع وتارة يقولون عنا جمهوريين، هذه الجماعة التي ولدت فكرتها ميتة لأنها عارضت كل شئ القرآن والسنة والعقل، قامت باجتهاد فرد وانتهت بانتهائه من على مسرح الحياة، أما التشيع فأنا لم أنتجه من محض خيالي، إنما وجدت أنه ولد حينما ولدت الرسالة، وشهد الأعداء قبل الأصدقاء بأهلية أهل البيت (ع) لتحمل أمانة السماء والتاريخ يشهد لهم بذلك فما ذنبي إذا كان الدليل يأخذ بعنقي إلى حيث النور، ومن يملك دليلا خلاف قولنا وإذا كان هنالك حق غير مذهب أهل البيت (ع) فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.
وتارة أخرى يتهموننا بأننا نسعى لإثارة الفتن، ولعمري متى كان البحث عن الحق إثارة للفتنة؟ ومتى كان كشف الزيف دلالة على ذلك؟ أن الذين يوزعون هذه التهم إنما يبررون لأنفسهم ويحاولون الانتصار لها بعد هزيمتها داخليا.
عندما بدأت بحثي لم يقم في نفسي أن أطرحه للآخرين وإنما هو تكليف شرعي وتلهف للكشف عن الحق الذي به قامت السماوات والأرض، وظمأ للارتواء من منابع الرسالة الصافية التي لم تكدرها الجاهلية بأنجاسها، ووجدته بحمد الله عذبا ثجاجا في ولاية علي بن أبي طالب (ع) وأتباعه الذين قال فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " والذي بعثني بالحق نبيا لو أن رجلا لقي الله بعمل سبعين نبي ثم لم يلقه بولاية أولي الأمر من أهل البيت ما قبل الله منه عدلا ولا صرفا ".
كما روى الإمام الصادق (ع) عن أبيه عن جده (ع) قال: مر أمير المؤمنين (ع) في مسجد الكوفة ومعه خادمة قنبر رجلا قائما يصلي فقال: يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلا أحسن صلاة من هذا. فقال علي (ع): يا قنبر فوالله لرجل على يقين من ولايتنا أهل البيت خير ممن له عبادة ألف سنة، ولو أن عبدا عبد الله ألف سنة لا يقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت، ولو أن عبدا عبد الله ألف سنة وجاء بعمل اثنين وسبعين نبي ما يقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت وإلا أكبه الله على منخريه في نار جهنم " وغيرها من الروايات التي تجعل الإنسان يقف متأملا وهو يحاول أن يهتدي إلى الطريق.
وعلى فرض عدم صحة هذه الروايات، يجب على الإنسان دفعا للضرر المحتمل - كما يقولون - أن يبحث عن الحق أنى كان، ولقد ادعى أهل البيت (ع) حق الولاية وتواتر المنقول عنهم أن أعمال العبد يتوقف قبولها على ولايتهم وبدونها يسقط عمله. بينما لا نجد أن أحدا من الصحابة ادعى مثل هذا الحق وبالخصوص الخلفاء الثلاثة فالإيمان بهم بالتالي ليس من أصول الدين إنما هو أمر فرعي يحتاج إلى نقاش.
______________
(1) - الآية (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
خاتمة
- الزيارات: 1594