• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الثالث كيف تجاهلوا سنة الرسول ونقضوا أولى عرى الإسلام وهي نظام الحكم؟

من خلال سلسلة متكاملة ومتلاحقة من الخطوات، تمكن ذلك النفر من تجاهل سنة الرسول التي رتبت من يخلف النبي بعد موته، ونتيجة لذلك نقضوا أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم حتى قبل أن يدفن الرسول الأعظم!!
الخطوة الأولى: هي الحيلولة بين جيش أسامة وبين الخروج
لقد نجح ذلك النفر بتثبيط المسلمين عن الخروج في جيش أسامة، مع أن الرسول الأعظم قد عبأ هذا الجيش بنفسه، وعبأ ذلك النفر فيه، وأعطى الرسول الراية لأسامة بنفسه، وحث الرسول هذا الجيش على الخروج سريعا (1)، وقال الرسول جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلف عنه (2) لكن ذلك النفر وأولياءهم كانوا يرون أن تأمير الرسول لأسامة على الجيش وهو فتى غير مناسب!!! والأفضل أن يعين الرسول بدلا منه!! هذه هي الحجة التي احتجوا بها حتى لا يخرجوا مع الجيش، فاضطر الرسول أن ينهض من فراش الموت وهو معصوب ومحموم، وأن يصعد المنبر، وأن يدافع عن قراره بتأمير أسامة وأن يؤكد ذلك بقوله: (... وأيم الله إنه لخليق بالإمارة (3) ومع هذا فقد أصروا على موقفهم بأن تأمير الرسول لأسامة غير مناسب ويتوجب على الرسول أن يستبدله!!! ومن الطبيعي أن يصر الرسول على قراره فكان يقول: (جهزوا جيش أسامة، أرسلوا بعث أسامة) وكرر ذلك مرات متعددة وهم متثاقلون (4) ويبدو أن ذلك النفر قد ضغط على أسامة ضغطا شديدا، فدخل على رسول الله فأمره رسول الله بالسير وقال له: (أغدو على بركة الله (5) فقال أسامة للرسول: دعني أمكث حتى تشفى، فقال الرسول أخرج وسر على بركة الله، فقال أسامة: إن خرجت وأنت على هذه الحالة خرجت وفي قلبي قرحة، فقال الرسول: سر على النصر والعافية فقال أسامة: يا رسول الله إني أكره أن أسائل عنك الركبان فقال الرسول: أنفذ لما أمرتك به) (6) فقام أسامة، ثم أغمي على الرسول، واستفاق وأخذ بقول: أنفذوا بعث أسامة، لعن الله من تخلف عن بعث أسامة!! ومع هذا لم يخرجوا ولم يستجيبوا لرسول الله، وأصروا على رأيهم بأن تأمير الرسول لأسامة عمل غير صائب فلا ينبغي لأسامة وهو فتى أن يتأمر على شيوخ المهاجرين والأنصار!! وحتى بعد أن توفي الرسول أصروا على رأيهم وضغطوا على الخليفة الأول كي ينزع أسامة!! لأن تأمير الرسول لأسامة ليس مناسبا ولا صحيحا!! فأخذ الخليفة الأول بلحية عمر بن الخطاب وقال له:
(ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب استعمله رسول الله وتأمرني أن أنزعه) (7).
لقد استمات ذلك النفر للحيلولة بين جيش أسامة وبين الخروج لأن الرسول قد عبأهم بهذا الجيش بنفسه، فإن تخلفوا عنه سينكشفون ثم إن خروجهم بهذا الجيش سيقوض كل خططهم الرامية إلى زحزحة الخلافة عن صاحبها الشرعي والاستيلاء عليها بالقوة والتغلب بعد تجاهل سنة الرسول التي رتبت نظام الحكم بعد موت النبي!! فلو خرجوا مع الجيش لانتقلت الخلافة في غيابهم إلى صاحبها الشرعي انتقالا سلميا ولما اختلف اثنان لقد فطن ذلك النفر إلى تدبير النبي، لذلك استماتوا للحيلولة بين جيش أسامة وبين الخروج، وكانت هذه هي الخطوة الرئيسية الأولى لتجاهل سنة الرسول تجاهلا تاما ونقض أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم!!
الخطوة الثانية: الحيلولة بين الرسول وبين كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية للأمة

لما علم النبي أن ذلك النفر قد نجح بالحيلولة بين جيش أسامة وبين الخروج صمم على كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية للأمة ليسهل عملية الانتقال السلمي إلى خليفته الشرعي الذي اختاره الله وأعلنه رسوله، وقبله الجميع وبايعه الجميع في غدير خم بما فيه أفراد ذلك النفر.
ومن المؤكد أن الرسول الأعظم قد ضرب موعدا لذلك، ودعا إليه بعض الخلص من أصحابه ليشهدوا كتابة الوصية والتوجيهات النهائية، ومن المؤكد أن شخصا ممن كان يسكن مع النبي قد سمع بذلك، ومن المؤكد أن ذلك الذي سمع كان متعاطفا مع ذلك النفر وضالعا معهم في المؤامرة، فنقل الخبر إلى عمر بن الخطاب (8) ولأن عمر بن الخطاب رجل حازم فقد أطلع أركان حزبه على ما سمع واتفقوا على أن يجمعوا وبصمت أكبر عدد ممكن من أعوانهم، وأن يدخلوا حجرة الرسول في الوقت الذي حدده لكتابة وصيته وتوجيهاته النهائية!!
حضر الذين اصطفاهم الرسول ليكتب أمامهم وصيته وتوجيهاته النهائية وليلخص أمامهم الموقف للأمة، جلست هذه الصفوة بين يدي رسول الله!!
فجأة وبدون استئذان دخل عمر بن الخطاب ومعه أركان حزبه وعدد كبير من أعوانه الذين اتفق معهم على خطة تحول بين الرسول وبين كتابة ما أراد كتابته!!
ماذا يفعل النبي أمام هذه المفاجأة!! لم يلغ الموعد، ويضرب موعدا جديدا لأن الموت يدركه، بل مضى إلى حيث أمره الله متجاهلا وجود المتآمرين ونواياهم!!
فقال للذين دعاهم (إئتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا) (9).
ما إن أتم الرسول جملته حتى تصدى له عمر بن الخطاب، وقال متجاهلا طلبه، ومتجاهلا وجود الرسول، وموجها كلامه للصفوة التي اختارها الرسول:
(لا حاجة لنا بكتابه، إن المرض قد اشتد به، إن النبي يهجر، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله) (10) وما إن أتم عمر جملته حتى قال أعوانه بصوت واحد متجاهلين وجود الرسول وموجهين كلامهم للحضور:
(القول ما قال عمر، إن رسول الله يهجر، ما له أهجر!! ما شأنه أهجر!!استفهموه إنه يهجر) (11).
صعقت الصفوة التي اختارها النبي من هول ما سمعت، فقالت: إلا تسمعون رسول الله يقول: قربوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده!! وكرر عمر أقواله السابقة وعلى الفور ضج أتباع عمر فرددوا اللازمة التي اتفقوا عليها قبل دخولهم إلى منزل النبي (القول ما قال عمر إن الرسول يهجر...) كان واضحا أن عمر وحزبه على استعداد لفعل أي شئ يحول بين الرسول وبين كتابة ما أراد، سمعت النسوة، فقالت النسوة لعمر وحزبه: (ألا تسمعوا رسول الله يقول قربوا يكتب لكم...) فصاح بهن عمر: (إنكن صويحبات يوسف...).
هنا تدخل الرسول فقال: (دعوهن فإنهن خير منكم) (12) دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه قوموا عني لا ينبغي عندي تنازع (13) لقد اكتفى الرسول بتأكيداته السابقة، ورد على عمر وحزبه ردا يليق بجلال النبوة وطبيعة الظروف وهذا ما تمناه عمر وحزبه، لقد تحققت غايتهم من اقتحامهم لمنزل الرسول ولم يعد هنالك ما يوجب بقاءهم، وهكذا كسروا خاطر النبي الشريف، وقصموا ظهر الدين والأمة معا، وتركوا النبي يصارع الموت تحف بجنابه الأقدس ملائكة الرحمن.
وقد فعل عمر وحزبه ذلك (حتى لا يجعل الأمر خطيا لعلي بن أبي طالب) فيؤكد تأكيداته اللفظية بتأكيد خطي، وقد اعترف عمر بذلك، لأنه كان يعتقد أن مصلحة الإسلام والمسلمين تقتضي أن لا يتولى الخلافة علي وأن اختيار الرسول للإمام علي كاختياره لأسامة عمل غير صحيح وغير مناسب!!
فإنا لله وإنا إليه راجعون.
الخطوة الثالثة: توزيع الأدوار
من اللحظة التي قعد فيها رسول الله على فراش الموت، استنفر ذلك النفر قاعدتهم الشعبية، وقامت قيادتهم بتحديد الخطوات اللازمة للاستيلاء على منصب الخلافة بالقوة.
1 - تحديد ساعة الصفر أو الاعلان عن وجود انقلاب على الشرعية الإلهية: قدر ذلك النفر أن أفضل وقت لتنفيذ الانقلاب هو الفترة الواقعة ما بين وفاة النبي وبين دفنه، حيث يكون الإمام الشرعي وأهل بيت النبوة والفئة القليلة المؤمنة مشغولين بتجهيز الرسول لمواراته في ضريحه المقدس فإذا نجح الانقلابيون بتنصيب خليفة خلال هذه الفترة فسيواجهون الإمام الشرعي وآل محمد والفئة القليلة المؤمنة بأمر واقع لا طاقة لهم على دفعه، وهذا ما حدث بالفعل، فلم يشارك ذلك النفر بتجهيز الرسول ولا شاركوا بدفنه مع أن أبسط حقوق الرسول على ذلك النفر هو المشاركة بالتجهيز والدفن خاصة وأن أبا بكر وعمر قد نالا شرف مصاهرة الرسول.
قال ابن سعد: (ولي وضع الرسول في قبره هؤلاء الرهط الذين غسلوه العباس وعلي، والفضل وصالح مولاه (وخلى أصحاب رسول الله بين رسول الله وأهله فولوا أجنانه) (14).
وقال ابن عبد ربه: (دخل القبر علي والفضل وقثم أبناء العباس وشقران مولاه ويقال أسامة بن زيد وهم تولوا غسله وتكفينه وأمره كله) (15).
وأن أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن الرسول (16).
قالت عائشة: ما علمنا بدفن الرسول حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ليلة الأربعاء (17) والقوم مجمعون على أن رسول الله قد مرض في حجرة عائشة وتوفي فيها، ومع هذا فإن عائشة لم تعلم بدفن الرسول لأنها كانت مشغولة كأبيها وكعمر بمصلحة المسلمين وتنصيب خليفة مناسب غير الخليفة الذي اختاره الله ورسوله!!
قال ابن سعد: (ولم يله إلا أقاربه، ولقد سمعت بنو غنم صريف المساحي حين حضر، وأنهم لفي بيوتهم) (18).
هذه الروايات رواها أولياء الخلفاء وهي تدل ضمنا وصراحة على أنهم قد تركوا رسول الله جنازة في أيدي أهله وأقاربه، وذهبوا ليستولوا على ملك النبوة، ويتقاسموه في غياب أهله الشرعيين ويضعوا المسلمين أمام أمر واقع، فإذا كان هذا تعاملهم مع الرسول شخصيا فكيف يتعاملون مع سنته!!
2 - تقسيم أنصار ذلك النفر على شكل سرايا كل سرية لها مهمة محددة!!
أ - قسم يبقى في المسجد وحوله، ليكون قرب آل محمد، يراقب تحركاتهم وينتظر اللحظة التي يأتي بها الخليفة الجديد، فيستقبلونه مجرد وصوله، ويبايعونه أمام آل محمد، بعفوية وبدون اعتراض، وكأن هذه البيعة طبيعية، وكأن هذا القسم لا يعرف شيئا عن المؤامرة والانقلاب!!
وبالفعل عندما جاء الخليفة الجديد نهضت هذه المجموعة لاستقباله فقال عمر بن الخطاب: (ما لي أراكم حلقا شتى، قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته وبايعه الأنصار) (19).
وكأن كلام عمر (مسحة رسول) فقام عثمان بن عفان والأمويون فبايعوا الخليفة الجديد، وقام سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما من بني زهرة فبايعوا الخليفة الجديد، ولم يبق من ذلك الجمع لم يبايع إلا علي بن أبي طالب والعباس ومن معهما والزبير بن العوام الذي انضم لهما (20) وهكذا عزل الهاشميون وآل محمد كما خطط الانقلابيون ونجح القسم الذي وضع في المسجد وحوله بأداء دوره على أكمل وجه!!!
ب - قسم آخر يتحرك إلى منطقة الأنصار، ويتجمعون في سقيفة بني ساعدة كأنهم زوار لسعد بن عبادة الذي كان مريضا وطريح الفراش بإجماع كل المؤرخين، ومهمة هذا القسم أن ينتظر قدوم قادة الانقلاب، وأن يشترك بالحوار وكأنه لا علم له بما دبروا، حتى إذا ما نجح قادة الانقلاب بجر الحاضرين إلى الخوض في حديث من يخلف النبي، أمسكوا بالحديث فتابعوه حتى يتم تنصيب الخليفة المتفق عليه وهو أبو بكر، عندئذ ينهض أفراد هذا القسم ويبايعوا أبا بكر كأول خليفة للنبي، فيذهل الحاضرون من غير الانقلابيين، ويجدون أن من الحكمة مبايعة الخليفة الجديد باعتباره واقعا، وحتى يشركهم في ما بعد بالمنافع والأدوار، ويحافظوا على مصالحهم باعتبار أن هذه الخليفة هو رأس الحكومة الواقعية!!
3 - افتعال اجتماع سقيفة بني ساعدة: في وقت يطول أو يقصر سيكتشف المسلمون بإن اجتماع سقيفة بني ساعدة كان مفتعلا وقد حوله الانقلابيون من مجرد اجتماع لزوار عند مريض إلى اجتماع سياسي وقد أثبتنا ذلك (21) فسعد بن عبادة كان مريضا بالإجماع، وقاعد على فراش المرض في منزله المجاور لسقيفة بني ساعدة، ولأن سعد سيد الخزرج بلا كلام فمن الطبيعي أن تأتي وجوه الخزرج لعيادته والاطمئنان على صحته، ومن الطبيعي أن يتعرض الزوار في حديثهم العادي لوفاة الرسول، والفراغ الذي سيتركه، وفجأة حضرت الأوس المتفقة مع قادة الانقلاب، والمحصورة مهمتها بمبايعة الخليفة في اللحظة المناسبة عند ترشيحه من قبل قادة الانقلاب، وليس في حضور الأوس أو جزء كبير منهم أو حتى مجموعة من الأوس لزيارة سعد بن عبادة ما يثير الريبة، فسعد مريض وعيادة المريض وزيارته مرغوبة في الجاهلية والإسلام، وهذه الزيارة من حيث الظاهر مبادرة نبيلة من الأوس. لقد جلس الجميع واطمأنوا على صحة المريض سعد بن عبادة ومن غير المستبعد أن الجميع قد تطرقوا إلى عصر ما بعد النبوة، ويجمع المؤرخون أن الحضور قد قالوا لسعد بن عبادة أن الأمر لك، فما كنت فاعلا فلن نعصي لك أمرا، بمعنى أن سعد بن عبادة يتولى توجيه الأنصار إلى ما يمكن عمله وكيف يتم ذلك، وليس المقصود تولية سعد خليفة على المسلمين، فلو أن المقصود تولية الخلافة لسعد لبايعه الحاضرون خليفة، ولوضعوا المسلمين تحت أمر واقع كما فعل الانقلابيون!! لكن سعد لا يقبل ذلك، ولا يقبل الخزرج ذلك ولا تقبل الأوس ذلك أيضا، لأن الأنصار كانت تعرف أن الرسول قد استخلف الإمام علي بن أبي طالب، وطوال عهد الرسول المبارك وهو يؤكد هذه الحقيقة وقبل شهرين من وفاته نصبه الرسول وتوجه إماما للمسلمين في غدير خم وبايعه المسلمون وقدموا له التهاني بحضور الرسول، كأن مسألة خلافة النبي محسومة ومعروفة عند الجميع خاصة الأنصار، وحتى بعد أن نجح الانقلابيون بتنصيب خليفة في سقيفة بني ساعدة قالت الأنصار " لا نبايع إلا عليا أو قال بعض الأنصار: " لا نبايع إلا عليا " (22) وعلى غائب، لأن عامة المهاجرين والأنصار كانوا لا يشكون بأن عليا هو صاحب الأمر بعد رسول الله (23) ولكن كان من الطبيعي أن ينشرح خاطر سعد مما عرضته الأوس حول تنسيق المواقف إن العرض غريب ومدهش، لكن تقبله سعد، وتقبلته الخزرج بحسن نية وبارتياح، لأن الخزرج كانت خالية الذهن تماما من موضوع الانقلاب، ومن تواطؤ أعداد كبيرة من الأوس فيه!!
4 - حضور أبي بكر وعمر وأبي عبيدة: بينما كان الزوار مجتمعين في منزل سعد بن عبادة حضر أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، كان حضورهم مستهجنا من جميع الوجوه فهم أصهار الرسول، وقد جرت العادة أن يساعد الأصهار أهل الميت بتجهيزه ودفنه، إن ترك الثلاثة لرسول الله يثير الدهشة والاستغراب لكن سعد والخزرج تصوروا لأول وهلة أن زيارة الثلاثة تعبير عن المحبة والتقدير لسعد، ولفتة نبيلة تجاه الخزرج، وأن الزيارة لوجه الله تعالى! ولم يعلم سعد، ولا علمت الخزرج ساعتها أن الثلاثة اختاروا هذا المكان وهذا التجمع بالذات لينصبوا خليفة بديلا للخليفة الذي اختاره الله ورسوله!! من الطبيعي أن ينهض الجميع أو يفسحوا المجال على الأقل للزوار الثلاثة ثم يجلس الجميع، من الذي وصل الحديث!! من الذي بدأ الحديث!! كيف تطور الحديث عن خلافة النبي المحسومة! لا أحد يعلم ذلك على وجه اليقين، لم تعد الروايات التاريخية التي " هندستها " وسائل إعلام دولة الخلافة التاريخية مقبولة عقليا ولا قادرة على الوقوف أمام أي تحليل منطقي!! لكن المؤكد أن اجتماع السقيفة بالمعنى الذي تقدمه وسائل إعلام الخلافة التاريخية كان مفتعلا، وأنه لم يكن بالأصل اجتماعا سياسيا لغاية انتخاب خليفة من الأنصار كما يزعمون!! وأن الثلاثة وأعوانهم هم الذين استغلوا وجود بعض الناس عند سعد بن عبادة، وحولوا ذلك الاجتماع إلى اجتماع سياسي لغاية تنصيب الخليفة بديل للخليفة الذي نصبه الله ورسوله، ومواجهة آل محمد وصاحب الحق الشرعي وكافة المسلمين بأمر واقع لا طاقة لهم على دفعه إلا بالقتال وتفريق وحدة المسلمين!!
5 - الثلاثة وأعوانهم يتجاهلون بالكامل الإمام الذي اختاره الله ورسوله ليخلف الرسول: بعد أن نجح الثلاثة وأعوانهم بتحويل الاجتماع عند مريض إلى اجتماع سياسي، تجاهلوا بأن الرسول قد عين خليفة، وتجاهلوا سنة الرسول التي نظمت عصر ما بعد النبوة، وتجاهلوا نظام الحكم في الإسلام وانطلقوا من نقطة الصفر قافزين عن كل الأحكام الشرعية التي أعلنها النبي، فقال أبو بكر للحاضرين، نحن عشيرة الرسول... وقال عمر: " إن العرب لا ينبغي أن تولي هذ الأمر إلا من كانت النبوة فيهم من ينازعنا سلطان محمد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته " (24) وقال أبو عبيدة: " يا أيها الأنصار كنتم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من بدل وخالف " (25). أنت تلاحظ أن الثلاثة كانوا يحتجون بحجة أهل بيت النبوة، ويتصرفون كأن الرسول لم يعالج هذا الموضوع، لقد فهم الأنصار أن الثلاثة يريدون أن ينصبوا خليفة، ويضعوا الناس أمام أمر واقع، فقالت الأنصار أو قال بعض الأنصار: " لا نبايع إلا عليا " (26) وكان علي غائب، وقال المنذر بن الأرقم: " إن فيكم لرجلا لو طلب هذا الأمر لم ينازله أحد " يعني علي بن أبي طالب (27).
تجاهل أبو بكر ما قالته الأنصار فقال: " هذا عمر وهذا أبو عبيده بايعوا أيهما شئتم، فقال عمر ما لأبي بكر أبسط يدك أبايعك، وكثر اللغط وكثر الاختلاف، أهل الشرعية من الأنصار يقولون لا نبايع إلا عليا والثلاثة يريدون أبا بكر والمندسون يترقبون الفرصة. لما رأى بشير بن سعد أن الثلاثة لم يقبلوا بولاية علي أدرك أن البيعة لأحدهم واقعة لا محالة، فأراد أن يكون له السبق فقال إن محمدا من قريش وأهله أحق بميراثه وتولي سلطانه... ثم قفز وبايع أسيد بن حضير ومن حضر من الأوس، وحتى ينال الخزرج جزاءا من هذا الشرف ولا يأخذه الأوس وحدهم بايع أكثرية من حضر... " (28).
6 - استقدام المرتزقة من الأعراب: استقدم الانقلابيون أعدادا كبيرة من الأعراب، وطلبوا منهم أن يتواجدوا في الوقت الذي حدوده قرب بيت سعد بن عبادة، فجاءت قبيلة أسلم قال الطبري: " إن أسلم أقبلت بجماعة حتى تضايق بهم السكك فبايعوا أبا بكر " (29) قال عمر بن الخطاب في ما بعد: " ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر " (30) قال عمر هذا الكلام وهو في سقيفة بني ساعدة، وهو بحاجته ماسة إلى مؤيدين ينتصر بهم على سنة الرسول وعلى صاحب الحق الشرعي!! فكيف عرف أن هذه القبيلة التي لا تسكن المدينة ستكون من المؤيدين له! إن لم تكن هنالك علاقة أو اتفاق مسبق معها، ثم ما هي مصلحة هذه القبيلة باندفاعها الذي وصل إلى درجة التهور في تأييدها لذلك النفر!! قال ابن الأثير فجاءت أسلم فبايعت (31) وقال الزبير بن البكار: " فقوي بهم أبو بكر " (32) وقال المفيد: " إن القبيلة كانت قد جاءت لتمتار من المدينة " (33) لقد حسمت الأعراب الموقف وأجبرت المترددين على الاعتراف بالأمر الواقع، وهذا ليس وليد صدفة، إنما كان ثمرة تخطيط اتفاق مسبق!!
7 - زقة الخليفة الجديد: بايع أبا بكر الانقلابيون من المهاجرين والطلقاء والأنصار والمنافقين والمرتزقة من الأعراب في سقيفة بني ساعدة، وبعد أن تمت بيعتهم له أحاطوا به وزفوه زفا إلى المسجد (34) ولما وصل موكب الخليفة الجديد المسجد استقبله الأمويون برئاسة عثمان بن عفان فبايعوا، وبنو زهرة برئاسة سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف فبايعوا، وتبعا لهم بايعت بطون قريش باستثناء بني هاشم والزبير وخالد بن سعيد الأموي، وهكذا واجه الانقلابيون الأمة بأمر واقع لا سبيل إلى دفعه ، إلا برجوعهم إلى الحق وهذا غير وارد فلو أرادوا الحق لما خرجوا منه، أو بحرب غير متكافئة تفرق وحدة المسلمين.
8 - توقع الخليفة الجديد وأعوانه المباركة الفورية من آل محمد عامة ومن صاحب الحق الشرعي خاصة: بعد ما نصب الانقلابيون الخليفة الجديد وحشدوا ذلك الحشد الهائل من الأتباع والأعوان ومن أعداء الله ورسوله وواجهوا صاحب الحق الشرعي وآل محمد بهذا الواقع المر، توقع الخليفة الجديد وأعوانه بأن يسكت صاحب الحق الشرعي، وأن يسكت أهل بيت النبوة وأن يبادروا على الفور للاعتراف بهذه الأمر الواقع وإن يبادروا إلى مبايعة الخليفة الجديد خاصة وأنه قد استعرض قواته أمام بيت العزاء!!
لكن ما توقعه الانقلابيون لم يحدث ولم يتقدم الإمام علي بن أبي طالب ولا أحد من بني هاشم إلى مبايعة الخليفة الجديد أو إظهار الاعتراف بالأمر الواقع بل اعتبروه عملا غير شرعي بل ومعدم شرعا!! كذلك فقد توقع الخليفة وأعوانه أن تتقدم الفئة القليلة المؤمنة فتبايعه، وتبارك له وتعترف بالأمر الواقع، وتتناسى كل ما قاله رسول الله!! ولكن ذلك لم يحدث، فقد رفضت القلة المؤمنة الاعتراف بالأمر الواقع، وبالوضع الجديد!! قال عمر بن الخطاب في ما بعد: " وإنه كان من خبرنا حين توفي نبينا أن عليا والزبير ومن معهما - سلمان الفارسي، وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود وأبي بن كعب - تخلفوا عنا في بيت فاطمة (35).





__________________
(1) مسند أحمد ج 1 ص 55 وتاريخ الطبري ج 2 ص 466 وط أوروبا ج 1 ص 1822، وابن الأثير ج 2 ص 124، وابن كثير ج 5 ص 246، وابن أبي الحديد ج 1 ص 123، وتاريخ السيوطي ص 145، وسيرة ابن هشام ج 4 ص 328، وتيسير الوصول ج 2 ص 41، وتاريخ الخميس ج 1 ص 188، وتاريخ أبي الفداء ج 1 ص 156، وابن شحنة بهامش الكامل ص 112.
(2) المغازي للواقدي ج 3 ص 117 والسيرة الحلبية ج 3 ص 207، والطبقات الكبرى ج 2 ص 190.
(3) الملل والنحل للشهرستاني ج 1 ص 23 وج 1 ص 20 بهامش الفصل لابن حزم ج 1 ص 24.
(4) المغازي للواقدي ج 3 ص 119، والطبقات الكبرى ج 2 ص 190، وشرح النهج ج 1 ص 57، والسيرة الحلبية ج 3 ص 207 و 243.
(5) كنز العمال ج 10 ص 573، ومنتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد ج 4 ص 182.
(6) المغازي للواقدي ج 3 ص 112، والطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 ص 191، والسيرة الحلبية ج 3 ص 208 وص 235، والسيرة الدحلانية ج 2 ص 340، وشرح النهج ج 1 ص 160، وكنز العمال ج 10 ص 571.
(7) السقيفة للجوهري راجع شرح النهج ج 6 ص 52.
(8) تاريخ الطبري ج 3 ص 226، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 335، والسيرة الحلبية ج 3 ص 209 و 236، والسيرة الدحلانية ج 2 ص 340.
(9) في كتابنا المواجهة ص 503 - 506 كشفنا الذي سرب هذا الخبر وأثبتنا بأنه كان أحد المتآمرين.
(10) حسب الروايات التي نقلها رواه القوم وثقاتهم، فإن الرسول الأعظم لم يتلفظ سوى بجملة واحدة تحمل هذا المعنى، وفي الفصول السابقة سقنا كافة هذه الروايات.
(11) راجع صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج 7 ص 9، وصحيح مسلم آخر كتاب الوصية ج 5 ص 75 وج 2 ص 16، وصحيح مسلم بشرح النووي ج 11 ص 94 - 95 ومسند أحمد ج 1 ص 355، وصحيح البخاري ج 4 ص 31، وتاريخ الطبري ج 2 ص 194، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 320، وتذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص 62، وسر العالمين، وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي.
(12) المصدر السابق.
(13) شرح النهج لابن أبي الحديد ج 7 ص 114 الطبعة الأولى بيروت وج 2 ص 79 سطر 3 تحقيق محمد أبو الفضل مكتبة الحياة وج 3 ص 167 طبعة دار الفكر، وكتابنا المواجهة ص 503 وما فوق.
(14) المصدر السابق.
(15) شرح النهج لابن أبي الحديد ج 7 ص 114 الطبعة الأولى بيروت وج 2 ص 79 سطر 3 تحقيق محمد أبو الفضل مكتبة الحياة وج 3 ص 167 طبعة دار الفكر، وكتابنا المواجهة ص 503 وما فوق.
(16) المصدر السابق.
(17) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 70، وكنز العمال ج 4 ص 54 و 60، ومعالم المدرستين ج 1 ص 121.
(18) العقد الفريد ج 3 ص 63، وقريب منه تاريخ الذهبي ج 1 ص 321 و 324 و 326.
(19) كنز العمال ج 3 ص 140.
(20) سيرة ابن هشام ج 4 ص 344، وتاريخ الطبري ج 2 ص 452 و 455 وط أوروبا ج 1 ص 1833 و 1837، وابن كثير ج 5 ص 270، وابن الأثير في أسد الغابة ج 1 ص 34 ترجمة الرسول، ومعالم المدرستين ج 1 ص 121.
(21) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 1 ص 121.
(22) راجع كتابنا نظرية عدالة الصحابة والمرجعية السياسية في الإسلام ص 311 وما فوق.
(23) تاريخ الطبري ج 3 ص 120 وط أوروبا ج 1 ص 1818، وابن الأثير ج 2 ص 23.
(24) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 103، والموفقيات للزبير بن البكار ص 579 و 580.
(25) راجع الإمامة والسياسة ص 6، وتاريخ الطبري حوادث سنة 11.
(26) المصدر السابق.
(27) تاريخ الطبري ج 3 ص 208 وط أوربا ج 1 ص 1818، وابن الأثير ج 2 ص 123 وشرح النهج ج 2 ص 265.
(28) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 103، والموفقيات للزبير بن البكار ص 579.
(29) راجع التفصيلات في الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج 1 ص 5 وما فوق.
(30) تاريخ الطبري ج 2 ص 458 وطبعة أوروبا ج 1 ص 1833، وابن الأثير ج 2 ص 224، والزبير بن بكار برواية ابن أبي الحديد ج 6 ص 287.
(31) تاريخ الطبري ج 3 ص 458 وط أوروبا ج 1 ص 1843.
(32) ابن الأثير ج 2 ص 224.
(33) شرح النهج ج 6 ص 287.
(34) الجمل للمفيد ص 43.
(35) الموفقيات ص 578، والرياض النضرة للطبري ج 1 ص 164، وتاريخ الخميس ج 1 ص 188.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page