يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! اَنْتُمْ صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ، وَ قَلْبُ الْعَرَبِ، وَ اَنْتُمْ خَزَنَةُ اللَّهِ فى اَرْضِهِ وَاَهْلِ حَرَمِهِ، فيكُمُ السَّيِّدُ الْمُطاعِ، الطَّويلُ الذَّرَّاعِ، وَ فيكُمُ الْمِقْدامُ الشُّجاعِ، اَلْواسِعِ الْباعِ، اِعْلَمُوا اَنَّكُمْ لَمْ تَتْرُكُوا لِلْعَرَبِ فِى الْمَفاخِرِ نَصيباً اِلاَّ حُزْتُمُوهُ، وَ لا شَرَفاً اِلاَّ اَدْرَكْتُمُوهُ، فَلَكُمْ عَلَى النَّاسِ بِذلِكَ الْفَضيلَةُ، وَ لَهُمْ بِهِ اِلَيْكُمُ الْوَسيلَةُ، وَ النَّاسُ لَكُمْ حَرْبٌ وَ عَلى حَرْبِكُمْ اَلَبُّ، وَ اِنّى اُوصيكُمْ بِتَعْظيمِ هذِهِ الْبَيِّنَةُ )يَعْنِى الْكَعْبَةُ(، فَاِنَّ فيها مَرْضاةً لِلرَّبِّ، وَ قِواماً لِلْمَعاش، وَ ثَباتاً لِلْوَطْأَةِ، صِلُوا اَرْحامَكُمْ وَ لا تَقْطَعُوها، فَاِنَّ صِلَةُ الرَّحِمِ مَنْساةٌ فِى الْأَجَلِ، وَ زِيادَةٌ فِى الْعَدَدِ، وَ اتْرُكُوا الْبَغْىَ وَ الْعُقُوقَ فَفيهِما هَلَكَةُ الْقُرُونِ قَبْلَكُمْ، اَجيبُوا الدَّاعِىَ، وَ اَعْطُوا السَّائِلَ فَاِنَّ فيهِما شَرَفُ الْحَياةِ وَ الْمَماتِ، وَ عَلَيْكُمْ بِصِدْقِ الْحَديثِ، وَ اَداءِ الْأَمانَةِ، فَاِنَّ فيهِما مَحَبَّةٌ فِى الْخاصِ وَ مَكْرَمَةٌ فِى الْعامِ.
وَ اِنّى اُوصيكُمْ بِمُحَمَّدٍ خَيْراً فَاِنَّهُ الْأَمينُ فى قُرَيْشٍ، وَ الصِّدّيقُ فِى الْعَرَبِ، وَ هُوَ الْجامِعُ لِكُلِّ ما اَوْصَيْتُكُمْ بِهِ، وَ قَدْ جاءَنا بِاَمْرٍ قَبِلَهُ الْجَنانُ، وَ اَنْكَرَهُ اللِّسانِ، مَخافَةَ الشَّنَآنِ، وَ اَيْمُ اللَّهِ كَاَنّى اَنْظُرُ اِلى صَعاليكِ الْعَرَبِ وَ اَهْلِ الْأَطْرافِ وَ الْمُسْتَضْعَفينَ مِنَ النَّاسِ قَدْ اَجابُوا دَعْوَتَهُ، وَ صَدَّقُوا كَلِمَتَهُ، وَ عَظَّمُوا اَمْرَهُ، فَخاضَ بِهِمْ غَمَراتِ الْمَوْتِ، وَ صارَتْ رُؤَساءُ قُرَيْشٍ وَ صَناديدُها اَذْناباً ، وَ دَوْرُها خَراباً، وَ ضُعَفاؤُها اَرْباباً، وَ اِذاً اَعْظَمُهُمْ عَلَيْهِ اَحْوَجُهُمْ اِلَيْهِ، وَ اَبْهَدِهِمْ لَهُ اَحْظاهُمْ عِنْدَهُ، قَدْ مَحَضَتْهُ الْعَرَبُ وِدادَها، وَ اَصْفَتْ لَهُ فُؤادَها، وَ اَعْطَتْهُ قِيادَها.
دُونَكُمْ يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! اِبْنَ اَبيكُمْ، كُونُوا لَهُ وُلاةً وَ لِحِزْبِهِ حُماةً، وَ اللَّهِ لا يَسْلُكُ اَحَدٌ سَبيلَهُ اِلاَّ رَشَدَ، وَ لا يَأْخُذُ اَحَدٌ بِهُديهُ اِلاَّ سَعَدَ، وَ لَوْ كانَ لِنَفْسى مُدَّةً، وَ فى أَجَلى تَأْخيراً، لَكَفَفْتُ عَنْهُ الْهَزاهِزَ، وَ لَدافَعْتُ عَنْهُ الدَّواهِىَ
- الكلاعي الأندلسي، أبو الربيع سليمان بن موسى (متوفاي634هـ)، الإكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء، ج 1، ص 295، تحقيق د. محمد كمال الدين عز الدين علي، ناشر: عالم الكتب - بيروت، الطبعة: الأولى، 1417هـ؛
- الصالحي الشامي، محمد بن يوسف (متوفاي942هـ)، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، ج 2، ص 429، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، ناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1414هـ؛
-الحلبي، علي بن برهان الدين (متوفاي1044هـ)، السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون، ج 2، ص 49، ناشر: دار المعرفة - بيروت – 1400؛
- العاصمي المكي، عبد الملك بن حسين بن عبد الملك الشافعي (متوفاي1111هـ)، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، ج 1، ص 394، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود- علي محمد معوض، ناشر: دار الكتب العلمية.