• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

إكمال الحوار مع شيخي أبي دعاء:


بعد ذلك بأيام قلائل ذهبت إلى شيخنا (أبو دعاء) متوكّلاً على الله مصطحباً معي صديقي (حارث) وأخذت جزئين من خمسة أجزاء كانت عندي من كتاب سلسة الأحاديث الصحيحة للألباني، فدخلنا عليه ورحّب بنا وهو مكفهر الوجه على غير عادته وكأنّه لقاء رسمي خالٍ من الابتسامات المتبادلة والكلام الزائد، فاقتصر على الترحيب والسكوت اكتفاءً بالإشارة لنا بالدخول إلى غرفة مكتبته، قائلاً: تفضّلوا أهلاً وسهلاً. وبعد أن جلسنا سأل عن أحوالنا وأخبارنا وهل كلّمنا أحداً آخر خلال هذه الفترة؟ فأجبناه بالنفي خائفين من معرفته بكلامنا مع دكتور (عمار) رغم علمنا بعدم معرفة أحدهما للآخر ولكنهما كلاهما يعرفان صديقنا (ماجد) فخشينا من احتمال إخبار (عمار) لماجد فنفتضح حينها، ولكننا أحضرنا عذراً بأنّ عماراً أيضاً صاحب علم وأقدم منّا في هذا المسلك فكلامنا معه كان للاستفادة منه فهو وماجد ليسا في خانة واحدة بكلّ تأكيد.
فقال لنا مباشرة: ها ماذا فعلتم؟ وإلى ما توصّلتم؟
فقلت له: عندنا بعض الإشكالات حول عدالة الصحابة؟
فقال: كيف؟
فقلت له: انظر إلى الشيخ الألباني كيف يتكلّم في أبي الغادية ذلك الصحابي الذي قيل بأنّه من أهل بيعة الرضوان ولكنه قتل عماراً وورد فيه حديث ينص على كونه من أهل النار، فقرر الشيخ الألباني بأنّه من أهل النار، وهذا مخالف لعقيدتنا بعدالة جميع الصحابة وينسفها وينقضها تماماً، فماذا يبقى لنا من الدين بعد ذلك؟
قال: ماذا تقصد؟
قلت: إن عماد مذهب أهل السنّة والجماعة وأساسه هو نظرية عدالة جميع الصحابة فإذا انتقضت هذه القاعدة الكلية بواحد فممكن أن تنتقض بغيره! وإذا دخل الاحتمال في كلّ صحابي بأنّه ليس عادلاً أو مؤمناً أو من أهل الجنّة فلا يمكننا بعد ذلك اعتماد روايته وتصديق إخباره عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وبذلك تنتفي حجية الأحاديث ــ أي: السنّية ــ برمّتها أو أنّه سوف يجب علينا إخضاع الصحابة كغيرهم لقاعدة الجرح والتعديل أيضاً وهذا مخالف للإجماع! بالإضافة إلى صعوبة تطبيق ذلك؛ لأنّ علماءَنا المتقدّمين لم يفعلوا ذلك مع أحد من الصحابة، فكيف نأتي بجرح وتعديل لهم جميعاً بعد هذه القرون! سيكون هذا عسيراً جدّاً إن قلنا بإمكانه.
فقال لي: ماذا تقول؟! وما هذه المقدّمات والنتائج من أين لك هذا الكلام الذي لم يقله أحد قبلك!! حتّى الشيخ الألباني الذي تنقل عنه هذا الموقف لم يصل إلى ما وصلت أنت إليه وقررته من نتائج خطيرة مخالفة لإجماع الأمّة! فمن أنت حتّى تتكلّم بمثل هذا الكلام؟!
قلت له: أنا عبد فقير مسكين جاهل ولكنني أطلب العلم كما تعلم ذلك وكما أمرنا رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأريد الوصول إلى الحقّ ومعرفة عقيدتي عن دليل واطمئنان لأنّني أنا من سيُسأل يوم القيامة وليس الشيخ الألباني ولا ابن تيمية ولا أهل السنّة والجماعة، لأنّ الله تعالى رفض تقليد الآباء والسادة والكبراء في العقائد ولم يعذر مَن تعذّر بأنّهم هم من أضلّوه وإنّما عذّبهم تعالى جميعاً فقال(عزوجل): {لِكُلٍّ ضِعْفٌ}(1).
فقال أبو دعاء ــ بعد أن أخذ منّي الكتاب وقرأ المطلب كلّه ــ : نعم، إن أخطأ صحابي واحد فهذا لا يعني بأنّ كلّ الصحابة ارتدّوا، وأنّهم ليسوا عدولاً، وأنّ أغلب الصحابة فاسقون أو في النار، بل يعتبر هذا الرجل استثناءً ومنصوصاً عليه، أمّا غيره فيجب الاعتقاد بعدالته وفضله، وهذا ما قاله الألباني هنا وهو كلام مقبول!
فهلا أخذت بكلّ كلام الشيخ الألباني (حفظه الله) ولم تقتطع ما يعجبك؟
فقلت له: هذا ادّعاء لم يثبت وليس عليه دليل واضح، بل لو تأمّلت جيّداً في كلام الألباني تجده لا يقول بما قلته وفهمته أنت أبداً! فقد ردّ على ابن حجر لمّا حاول الاعتذار لأبي الغادية بأنّه مجتهد وأنّه مأجور قائلاً: هذا حقّ (يعني قاعدة أنّ الصحابة متأوّلون فيما جرى بينهم وللمجتهد المخطئ أجر)، لكن تطبيقه على كلّ فرد من أفرادهم مشكل، لأنّه يلزم تناقض القاعدة المذكورة بمثل حديث الترجمة، إذ لا يمكن القول بأنّ أبا غادية القاتل لعمار مأجور لأنّه قتله مجتهداً ورسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: (قاتل عمار في النار)! فالصواب أن يقال: إنّ القاعدة صحيحة إلاّ ما دلّ الدليل القاطع على خلافها، فيستثنى ذلك منها، كما هو الشأن هنا، وهذا خيرٌ من ضرب الحديث الصحيح بها. والله أعلم(2).
فالشيخ الألباني هنا لا يقول بأنّ أبا غادية فقط هو المستثنى! وإنّما قال بوضوح: إنّ القاعدة صحيحة إلاّ ما دلّ الدليل القاطع على خلافها! فالألباني يعترف بأنّنا لو وجدنا نصوصاً تخرج مائة صحابي وتدينهم وتذمّهم لوجب علينا إخراجهم من هذه القاعدة، ولكننا لم نعمل بهذا الأمر ولم نقبله وتعصّبنا وغلونا في الصحابة حتّى التزمنا القول بوجوب اعتقاد عدالة الكل!!
فقال: أين هذه النصوص التي تدلّ على استثناء صحابة آخرين غير أبي الغادية من هذه القاعدة؟
قلت له: أحسنت خذ مثلاً أنّ هناك حديثاً ينص على أنّ معاوية وجيشه دعاة إلى النار، فهل نفهم بأنّهم كانوا مجتهدين فعلاً ومأجورين على مقاتلتهم وخروجهم على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)؟ أم أنّ هذا النص يصرّح بكونهم قاصدين للخروج على الإمام الشرعي وأنّهم قصدوا الفساد والإفساد والبغي، وأثبت النية السيئة وجعلهم دعاة إلى جهنم؟ فقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) فيهم: (ويح عمار يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار)(3)، وفي رواية أخرى: (ويح عمار تقتله الفئة الباغية عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار)(4).
فقال: نعم، ممكن أن يكون النص خاصاً بعمار فقط، فلو أطاعهم عمار لاستحق النار، ولا يلزم منه أن يكون معاوية وعمرو بن العاص وجيش أهل الشام كلّه في النار! خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار بعض الآيات التي مدحت الصحابة الذين دخلوا الإسلام بعد الفتح، وكذلك الأحاديث التي صححها الألباني نفسه في فضل معاوية وعمرو بن العاص وعامّة الصحابة!
فقلت له: أنا أذكر أحاديث متّفق على صحتها وموافقة للواقع، وأنت تريد أن تلزمني بأحاديث يمكن أن يكون معاوية نفسه قد أمر بوضعها أو علماء الحكومات قاموا بذلك تملقاً للملك والحاكم وتبريراً لما فعله وفعلوه! أليس هناك دواعي لوضع مثل هذه الأحاديث التي تبرر وتمدح الباطل وأهله؟ فكيف يُطمئن لصدورها عن النبيّ الأعظم وهي تخالف وتناقض ما ثبت عنه(صلى الله عليه وآله)؟! ولماذا تلوي أعناق النصوص وتتأوّلها وتخالف ظواهرها؟ بل هي نصّ محكم بأنّ معاوية قائد وصاحب فئة باغية داعية إلى النار! ولا اجتهاد في معرض النص! فكيف يمكن لنا أن نخصص العام ونخالف الظاهر لأجل مصلحة أناس لا تربطنا بهم علاقة ولا ولاء إلاّ إذا اتّبعوا الحقّ وكانوا من أهله؟! أمّا أن يبغوا ويظلموا ويفسدوا ويقتلوا ويصفهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) الذي لا ينطق عن الهوى بأنّهم بغاة ودعاة للنار، فلا يجب علينا أن نتأوّل لهم ونبرر أفعالهم حتّى نتولاّهم فنوقع أنفسنا بالمساءلة دونهم وفي محاذير خطيرة بدلاً عنهم، وسيسألنا الله تعالى الذي أمرنا بموالاة أوليائه والبراءة من أعدائه أيّاً كانوا، وحذّرنا من فعل مثل هذا الأمر مع الكل وبعموم لم يخصص وحذر الصحابة أنفسهم من فعل ذلك أيضاً فقال عز من قائل: {لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(5)، فأوجب تعالى علينا بذلك نبذ كلّ عاص لله مخالف لأمره مرتكب لنهيه والبراءة منه من هذه الحيثية.
فلماذا نقحم أنفسنا مع أناس قد نصّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) عليهم بأنّهم بغاة ظالمون داعون إلى النار، ونحن نريد أن نتولاّهم وندافع عنهم دفاعاً مستميتاً، ونأخذ الدين عنهم ونجعلهم أئمة وأمراءً للمؤمنين، ونقحمهم تحت عنوان مقدّس عظيم وهو عنوان الصحابة فنجعله فضفاضاً يشمل كلّ من هبّ ودبّ دون أن يدلّ دليل على إخلاصه ورضا الله تعالى عنه كي نزكّيه ونتولاّه ونقدّسه وندافع عنه مهما فعل! مثلما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) في بعض الصحابة وأثبت وجوب محبّتهم وتزكية الله تعالى لهم(6)؟
قال: كيف تقول ذلك في أصحاب محمّد(صلى الله عليه وآله)؟! الله الله في أصحاب محمّد!!
قلت له: وماذا قلت أنا غير كلامك؟! أنا من يقول يجب علينا احترام هذا العنوان وعدم توسيعه بحيث يشمل غير الصالحين المخلصين، وكذلك من نصّ الشرع على عدم إخلاصه وكلّ من هبّ ودبّ! فهؤلاء يجب أن نعتقد بأنّهم ليسوا مخلصين وليسوا مجتهدين وغير مأجورين، بل محاسبين على كلّ ما فعلوه وما أفسدوه ومن قتلوه، لقد قتلوا عشرات الآلاف من كبار الصحابة ومن خيار التابعين والقراء وحملة الدين! فهل ترى أنّ من يقتل الصحابة ومن تبعهم بإحسان مأجور؟ والذي يسبّهم أو يلعنهم أو يتبّرأ منهم كافر؟ ما لكم كيف تحكمون، وبأيّ لغة تتكلّمون؟!!
قال: أنت على خطر عظيم لأنّك تجرؤ على من اختارهم الله تعالى لصحبة نبيّه(صلى الله عليه وآله)، فهؤلاء تلاميذ محمّد وحوارييه! كيف تجرؤ على الطعن بهم وهم حفظة الدين وناقليه إلينا؟!
قلت: لا والله أنا أقدّر كلّ من ساهم بنقل الدين وحفظه لنا، ولكنني أتكلّم على من دلّ الدليل على خطئه، وتقصّده للخطأ والفساد والإفساد، وليس أكثر! وأضيف إلى ذلك: بأنّ وجود مثل هؤلاء في الصحابة والسلف وكذلك وجود الكثير من المنافقين مجهولي الهوية ضمن الصحابة يجعلنا نشكك بكلّ ما نقل وأثر عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) من أحاديث عن طريقهم؛ لأنّ في الصحابة وفي النقلة أناس من أهل النار، وكذلك وجود المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار، وهؤلاء المنافقون ينقسمون إلى أناس معروفين بأعيانهم ومشخّصين بأسمائهم كأُبيّ بن أبي سلول، وهذا الصنف يمكن اجتنابه والحذر منه، أو بصفاتهم كالمتخلّفين عن الصلاة أو الجهاد، وهؤلاء منافقون مجهولون لنا ويمكن لأهل زمانهم وأقرانهم الطعن فيهم واجتنابهم، أمّا من جاء بعدهم كالتابعين فلا يتصوّر أحد بأنّه يميّزه ويعرفه وخصوصاً أنّ أكثر هؤلاء أصبحوا ولاة وقادة، وهناك منافقون لا يعلمهم إلاّ الله ورسوله وحذيفة بن اليمان، وهم المنافقون الاثنا عشر أصحاب العقبة الذين حاولوا تنفير دابة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ليقتلوه، وهناك منافقون لا يعلمهم إلا الله ورسوله، وهناك منافقون مردوا على النفاق لا يعلمهم حتّى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، قد ذكرهم تعالى في قوله: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ}(7).
فهذه الأصناف من المنافقين كلّها موجودة ومدرجة ضمن أفراد الصحابة وهم مجهولون لنا، ومع كلّ ذلك لا نجيز لأحد التعرّض لهم بجرح وقدح، ونقول بأنّهم فوق ذلك، وأنّهم كلّهم عدول، وكلّهم في الجنّة، وأنّ الله تعالى قد اختارهم لنبيّه وعدّلهم ورضي عنهم ورضوا عنه أجمعين، ودون أيّ استثناء لأحد، ولو كان قد رأي رسول الله(صلى الله عليه وآله) مرّة واحدة!
أنا يا شيخي الفاضل أرى بأنّ هذا الكلام لا يستقيم! وهذه العقيدة لا تثبت بدليل يمكن الركون إليه والاعتماد عليه والاطمئنان له والتزامه ؛ لأنّ دليله عبارة عن عموميات محتملة في القرآن والسنّة وليست نصوصاً، وهي أيضاً مخصصة بنفس الكتاب والسنّة لوجود الاستثناءات والنقوض التي ترد عليها بكلّ صراحة ووضوح، مثل تسميته تعالى لأحد الصحابة فاسقاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}(8)، وكذلك ذكره تعالى لإمكان الردة فيهم حين خاطبهم تعالى بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}(9)، بل صرّح تعالى بوقوع الارتداد والانقلاب منهم عند موت النبيّ(صلى الله عليه وآله) أو قتله فقال: {وَمَا محمّد إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ}(10)، مع الأخذ بنظر الاعتبار بأنّ كلّ آية تمدح الصحابة على فعل صالح فعلوه كالهجرة والنصرة والبيعة والعبادة والمحبّة والجهاد والقوّة والطاعة، كانت نصوص مقيدة إمّا بزمان أو مكان أو شرط يجب توفّره ليدخل في الممدوحين، كالإيمان والإخلاص والصدق وكون ذلك الفعل لله تعالى وليس لمصلحة شخصية أو لدنيا أو تجارة أو امرأة.
فالمهاجرون مثلاً لا يمكن أخذ مدحهم على عمومه وظاهره ليشمل كلّ فرد فرد ممّن هاجر من الصحابة، ولا يمكن مدح وتنزيه كلّ مهاجر ظاهراً ؛ لأنّ ذلك سينتقض بفعل أحد الصحابة الذي هاجر ليتزوّج امرأة مثلاً وكان يسمّى من قبل الصحابة أنفسهم مهاجر أم قيس(11)، وكذا مدح الأنصار قد نقض ظاهر عمومه كبير الخزرج سعد بن عبادة الذي بقي شاذّاً عن الجماعة دون أن يبايع أبا بكر وعمر أيضاً حتّى مات(12)، وقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)(13)، و(من فارق الجماعة شبراً فمات إلاّ مات ميتة جاهلية)(14)، حتّى أنّ عائشة حينما ذكرته في حديث الإفك وصفته بقولها: "وكان رجلاً صالحاً"، وكذلك انتحار أحد الأنصار في إحدى المعارك حين أصيب(15)، وكذلك مقاتلة بعضهم مع النبيّ(صلى الله عليه وآله) رياءً وسمعة وليقال عنه إنّه شجاع، هذا بالإضافة إلى وجود عصاة وفسّاق وخوالف وفارّين من الزحف والقتال ومنافقين كثيرين في الصحابة، وكذلك يرد على أهل بيعة الرضوان أمثال أبي الغادية قاتل عمار الذي قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) فيه: (قاتل عمار وسالبه في النار)(16)، وأمثال عبد الرحمن بن عديس البلوي(17) وعمرو بن الحمق الخزاعي(18)، فهما بدريان رضوانيان، وهما ممّن قاد الثورة على عثمان وحاصروه ومنعوه الماء والطعام وقادوا حملة قتله، وباشر عمرو بنفسه قتل عثمان، وكذلك محمّد بن أبي بكر وكنانة بن بشر وسودان ابن حمران، فينتقض استدلال أهل السنّة بذلك رأساً ؛ لأنّهم يقولون بالعموم المطلق وعدم استثناء أيّ صحابي مهما فعل، وهذا ما لم أستطع الاقتناع به خصوصاً مع مخالفته لآيات وأحاديث كثيرة جدّاً، بل مخالفته لروح الإسلام وتعاليمه وتكاليفه التي خوطب بها الصحابة قبل غيرهم!

استطراد:
هل نصدّق قول الله تعالى في الصحابة؟
أَستطرِدُ هنا للفائدة فأقول: إنّ الله تعالى أكّد هذه الحقيقة وخاطب الصحابة بالتكاليف
والاختبارات والابتلاءات وجعلهم كغيرهم من الناس فقال عزّ من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(19).

وقال تعالى أيضاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ}(20).

وقال أيضاً: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِندَ اللّهِ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(21)، وأيضاً قوله: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}(22).
وقوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}(23).
وقوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ}(24).
وقوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}(25) فكلّ هذه الآيات وغيرها كثير تدلّ بوضوح على توجيه هذه التكاليف الشرعية إلى الصحابة في الأصل وأوّلاً وبالذات ومن ثمّ يكون الخطاب متوجّهاً إلى الأمّة، فالصحابة حالهم كحال غيرهم مكلّفون ومخاطبون بالأحكام الشرعية ومطالبون بامتثال الأوامر الإلهية وتنفيذها والإخلاص في الأعمال، فمن كان يرجو الله واليوم الآخر {فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً}(26)، ومن لم يكن مخلصاً ولم يقصد وجه الله تعالى في عمله فحاله كحال غيره لا يقبل منه عدل ولا صرف ويأتي يوم القيامة صفر اليدين، لا تنفعه معرفة ولا صحبة ولا نسب ولا سبب!! فهل بعد كلّ هذا الوضوح في الموقف الإلهي من الصحابة يمكن أن نصدّق أهل السنّة في دعواهم عدالة جميع الصحابة ودخولهم كلّهم الجنّة وعدم سماع حسيس جهنم لكلّ واحد منهم!!
وكذلك بيّن تعالى مخالفات بعض الصحابة على العكس من قول وعقيدة السنّة بعدالتهم جميعاً، وكذلك إمكانية صدور المخالفة والمعصية منهم وبكثرة! بحيث يفهم جيّداً أنّهم أناس عاديون كغيرهم لا خصوصية لهم حتّى نلزم من خلالها القول بعدالتهم أجمعين، فأوضح تعالى ذلك بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ}(27)، وقوله تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حتّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(28)، وقوله تعالى: {انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}(29)، وقوله تعالى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ}(30)، وقوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ}(31)، وقوله تعالى: {رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ}(32)، وقوله تعالى: {مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}(33)، وقوله تعالى: {وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ}(34)، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ}(35)، وقوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً}(36)، وقوله تعالى: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}(37)، وقوله تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ}(38)، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ}(39)، وغيرها الكثير من الآيات المباركات التي تتكلّم عن معاصي وأعمال قد ارتكبها المسلمون في عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) أو يمكن أن يرتكبوها.
هذا بالإضافة إلى ما نقل في الأحاديث والروايات والتأريخ من حصول مخالفات ومعاصي وقتال وسباب ولعن فيما بين الأصحاب، فلا أدري كيف تتم نظرية عدالة جميع الصحابة وكيف تستقيم مع كلّ هذا؟! فضلاً عن غرابة هذه النظرية وبُعدها عن ذهن الصحابة أنفسهم، فلم نَر من يزكّي نفسه منهم! بل الكل كانوا يخافون من النفاق أو الردة أو المعصية أو الحساب، حتّى تمنّى أبو بكر أن يكون (بعرة)(40)!! وتمنّى عمر أن يكون (تبنة) أو (لم تلده أمّه) أو يكون (نسياً منسياً)!!(41) أو يخرج منها صفراً أو كفافاً لا عليّ ولا لي!!(42) حتّى أنّ عمر كان يسأل حذيفة في سؤاله بكونه من المنافقين، فكيف يكون مبشراً بالجنّة؟ وكيف نعلم نحن بذلك ونجزم له بها وهو لا يعلم كما هو واضح من إلحاحه على حذيفة بالسؤال والتأكّد من كونه ليس منافقاً(43)؟! فيا له من إيمان!! ويا لها من جنّة قد بشّروا بها! فإمّا أنّه لا يصدّق رسول الله(صلى الله عليه وآله) حينما يخبره بأنّه من أهل الجنّة، أو تكون الأحاديث موضوعة مكذوبة على رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعدهم! فرجّحوا ما شئتم!!
ناهيك عن أحاديث الحوض والتي تبيّن ردة الصحابة من بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وتغييرهم وتبديلهم وانقلابهم على أعقابهم القهقرى فلا يخلص منهم إلاّ كمثل همل النعم، كما صرّحت بذلك رواية أبي هريرة عند البخاري(44).

نعود إلى موضوعنا الأصلي والكلام مع شيخي أبي دعاء:
فقد أجابني بعد قولي في الصحابة وتفصيل القول فيهم: اتّق الله ولا تؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعض! فالألباني الذي تستدل بكلامه هو نفسه يؤمن بعدالة الصحابة، وكذلك هو يروي ويصحح الأحاديث الكثيرة في فضل الصحابة وخصوصاً الخلفاء الثلاثة، فهل تقبل رأيه فيهم وتصحيحه لروايات فضائلهم أم أنّك تنتقي ما يعجبك فقط من قوله وأحاديثه؟
قلت له: أنا لا أتكلّم الآن عن شخصية معيّنة أو أشخاص معينين ــ مع أنّ الشيخ الألباني يختلف قوله عن أهل السنّة ولا يلتزم بعدالة جميع الصحابة ــ وإنّما أتكلّم عن قاعدة مطردة مطلقة عامّة وهي عدالة جميع الصحابة، وأحاول من خلال البحث التأكّد من صحّتها أو بطلانها والإشكالات التي ترد عليها ولو بناقض واحد فتسقط هذه القاعدة بتمامها، فلا يهمني فضل أو عدالة فلان أو معصية أو جرح علاّن، وإنّما المهم عندي ثبوت كلية هذه القاعدة أو جزئيتها، ولذلك أقول لك شيخي العزيز: دعنا عن كلّ التفاصيل ولنبحث هذه القاعدة بشكل عام، هل هي صحيحة أم باطلة؟
ثمّ إنّ ما يصححه الشيخ الألباني إنّما يصححه من حيث السند، وأنا أطعن وأخالف في ذلك بسبب قواعد الجرح والتعديل عندنا، فإنّ لي عليها اعتراضات كثيرة! فقد وثّق علماء الحديث الكثير من النواصب والخوارج بل كلهم وبأعلى درجات التوثيق مع أنّهم منافقون كذّابون أفّاكون بنصّ قول رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعهده لعليّ(عليه السلام) بذلك حينما أخبرنا(عليه السلام) بقوله: (والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبيّ الأمي(صلى الله عليه وآله) إلي أن لا يحبّني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق)(45)، وكلّنا يعلم بأنّ المنافق قد ذكر صفاته رسول الله(صلى الله عليه وآله) بأنّه: (إذا حدّث كذب)(46) فكيف نوثّقهم ونصدّق أخبارهم ونأخذ الدين عنهم ونجتهد في مقابل النص لأجلهم ونجعلهم في أعلى درجات الوثاقة دائماً؟!
وأيضاً فإنّ الخوارج مثلاً ثقات ولا يكذبون عندنا وبحسب قواعدنا؛ لأنّهم يعتقدون كفر مرتكب الكبيرة والكذب كبيرة فهي كفر فهم لا يمكن أن يكذبوا أبداً، فيجب أن نوثّقهم! وبهذه الطريقة الحدسية الظنية الشاذة العجيبة والمخالفة للنصوص الشرعية وللواقع مع علمنا بقول واعتراف أحد كبار الخوارج بعد توبته ورجوعه عن قولهم: "إنّ هذه الأحاديث دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم فإنّا كنّا إذا هوينا أمراً صيّرناه حديثاً"(47)!! فهذا اعتراف واضح وصريح من قبل الخوارج أنفسهم بأنّهم أناس متّهمون كذّابون يضعون الأحاديث على رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فكيف نُكذِّبُ رسولَ الله(صلى الله عليه وآله) ونخالفه ونقوم بتوثيقهم بهذه الطريقة الظنية الساذجة، وهذه الموازين التي ما أنزل الله بها من سلطان؟!
وفي المقابل نجد بالعكس من هذه القاعدة تماماً نستعملها مع الشيعة، فنقول كما قال الذهبي وابن حجر: إننا لا نروي عن الرافضي ولا كرامة! ونبرر ذلك بأنّهم يسبّون أبا بكر وعمر ونتشدد معهم بعكس ما فعلناه مع النواصب والخوارج الذين يكّفرون ويسبّون ويبغضون ويلعنون عليّاً(عليه السلام)، مع أنّ النصوص الصحيحة تصرّح بذمّ من يسبّ عليّاً أو يبغضه وليس العكس! فقد قال الذهبي في ميزان اعتداله: "ثمّ بدعة كبرى كالرفض الكامل والغلو فيه والحط على أبي بكر وعمر والدعاء إلى ذلك فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة"(48).
فتبيّن من خلال ذلك بأنّ قواعدنا التوثيقية مخالفة لنصوص وموازين الشريعة تماماً وبلا دليل، بل مخالفة ومصادمة للأدلة!
بل أزيدك على هذا، أنّ الحافظ ابن حجر العسقلاني قد أكّد حصول عين ما قلته واستشكله وأقرَّ بأنّ مقاييس أهل السنّة تسير وتعمل بعكس ما تدل عليه ظواهر النصوص والموازين الشرعية! ولكنّه يؤوّله بعد ذلك ويحاول ترقيعه وارتضاء فعله وصدوره عن علماء الجرح والتعديل ؛ لأنّ هذه القواعد لولاها لساخ المذهب، فهي أعمدته وركائزه فلا يستطيع السني الاعتراف والانحراف عنها وإلاّ أصبح رافضياً لا محالة!
فقد قال ابن حجر ما نصّه: "وقد كنت أَستشكلُ توثيقهم الناصبي غالباً وتوهينهم الشيعة مطلقاً ولا سيّما أن عليّاً ورد في حقّه (لا يحبّه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ منافق)، ثمّ ظهر لي في الجواب عن ذلك أنّ البغض ها هنا مقيَّدٌ بسببٍ وهو كونه نصر النبيّ(صلى الله عليه وآله) ؛ لأنّ من الطبع البشري بغض من وقعت منه إساءة في حقّ المبغض والحبّ بعكسه وذلك ما يرجع إلى أمور الدنيا غالباً، والخبر في حبّ عليّ وبغضه ليس على العموم (!!) فقد أحبّه من أفرط فيه حتّى ادّعى أنّه نبي أو أنّه إله تعالى الله عن إفكهم، والذي ورد في حقّ عليّ من ذلك قد ورد مثله في حقّ الأنصار وأجاب عنه العلماء أنّ بغضهم لأجل النصر كان ذلك علامة نفاقه وبالعكس فكذا يقال في حقّ عليّ وأيضاً فأكثر من يوصف بالنصب يكون مشهوراً بصدق اللهجة والتمسّك بأمور الديانة بخلاف من يوصف بالرفض فإنّ غالبهم كاذب ولا يتورّع في الأخبار..."(49)!!
انظر ــ أخي القاريء ــ إلى محاولتهم الترقيع وضعفهم في ردّ ذلك ووضوح مخالفتهم للنصوص الصريحة ومعارضة موازينهم للنصوص! فتبرير وتأويل وصرف حديث عام مثل قوله(صلى الله عليه وآله) (لا يبغضك إلا منافق) تحريف وإبطال للدين والشريعة، وإلاّ فإنّ بغض حجر أو شجر لأجل كونه يحمي رسول الله(صلى الله عليه وآله) ويعينه على النصر كفر واضح، فلا خصوصية حينئذ ولا معنى للحديث البتة على هذا التفسير، فهذا خلط للأوراق والتواء على النصوص الواضحة العامّة الصريحة وتخصيصها بلا مخصص واقعاً.
فنرى بأنّ أئمة السنّة يروون عن مثل عمران بن حطان وإسحق بن سويد وحريز بن عثمان والجوزجاني ومروان بن الحكم وغيرهم من النواصب والخوارج، ويعرضون عن رواية الإمام الصادق والكاظم والرضا(عليهم السلام)، مع اعترافهم بإمامتهم وفضلهم في العلم والدين، بل وصلت النوبة للإمام الحسن(عليه السلام) وهو سيّد شباب أهل الجنّة! فلم يخرج له البخاري حديثاً واحداً! فلماذا هذا الجفاء لأهل البيت(عليهم السلام) والإصرار على موالاة أعدائهم؟!
أمّا مقدار الأحاديث فنرى التفاوت الكبير والهوّة العظيمة فيما نرويه عن الإمام عليّ(عليه السلام) بالمقارنة مع ما نرويه عن مثل أبي هريرة النكرة المجهول المثير للجدل!!
بل إنّنا لم نرو عن أهل البيت(عليهم السلام) إلاّ ما كان موافقاً لرواياتنا، كما فعل ذلك وصرّح به الإمام مالك صاحب المذهب ومفتي المدينة وعالم السلطات والحكومات حين فعل ذلك مع الإمام الصادق(عليه السلام)، فقد نقلوا كيف تعامل مالك معه فقالوا: "لم يرو مالك عن جعفر حتّى ظهر أمر بني العباس"(50)، و"كان مالك لا يروي عن جعفر بن محمّد حتّى يضمّه إلى آخر من أولئك الرفعاء ثمّ يجعله بعده"(51)، ويقول فيه إمامهم في الرجال يحيى بن سعيد القطان: "في نفسي منه شيء ومجالد أحبّ إليّ منه"(52)!! مع اتّفاقهم على ضعف مجالد ووثاقة وإمامة جعفر حتّى قال أبو حنيفة: "ما رأيت أحداً أفقه من جعفر"(53).
وكذلك هناك مشكلة عند السنّة مع أهل البيت(عليهم السلام)، وهي أنّهم مع روايتهم القليلة عنهم فهم لا يتّبعون رواياتهم ولا يحرصون على العمل بها إن هم رووها وصحّت عندهم! خذ مثلاً رواية البخاري عن عليّ(عليه السلام) في مسألة شرب الماء من وقوف، فقد كان الإمام عليّ في زمن خلافته الراشدة وكذلك أنكر على البعض الذين يتنزّهون عن شرب الماء من قيام فشرب(عليه السلام) قائماً وأخبرهم بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد فعل ذلك والرواية في أصح كتبنا(54) ومع ذلك لا نعمل بهذه الرواية، ونأخذ بقول ورواية أنس أو أبي هريرة، فأين اتّباعنا لأهل البيت(عليهم السلام)؟! بل سنّة النبيّ المؤكّدة التي ينقلها سيّد العترة والخليفة الراشد، وفي نفس الوقت نرى أنّ ابن عباس حبر الأمّة وترجمان القرآن يقول في عليّ(عليه السلام): "إذا أتانا الثبت عن عليّ لم نعدل به"(55). فلا أدري متى نتّبعهم إذن إن تركنا ذلك مع هكذا حديث؟!
وعندنا مشكلة أخرى مع أهل البيت(عليهم السلام)، وهي كوننا جعلناهم في عزلة وفي محل ريبة وشبهة، ولا نروي عنهم هكذا وإنّما بتحرّز واختيار وعند موافقة رواياتهم(عليهم السلام) لرواياتنا، وفي الظرف الذي نريده نحن وليس مطلقاً، وهذا أمر غريب وتصرّف فريد لم نفعله مع راوٍ آخر أبداً!! فكما ذكرنا: (لم يرو مالك عن جعفر حتّى ظهر أمر بني العباس)، وكذلك (لم يرو عنه حتّى يضمه إلى رجل من أولئك)!! وأبو حنيفة يتّفق مع أبي جعفر المنصور على الإمام الصادق(عليه السلام) ليحرجه ويقلل فتنة الناس وحبّهم وإعجابهم وانبهارهم به التي كان أبو جعفر يشكو منها ويتضايق من ثبوتها للإمام الصادق(عليه السلام)، حيث روى أئمة السنّة قصة جميلة ومهمّة جدّاً وتكشف عن واقع أئمة وعلماء أهل السنّة وتعاونهم مع الحكومات ضدّ أهل البيت(عليهم السلام)!
فقد رووا ومنهم ابن عدي بسنده إلى حسن بن زياد يقول: سمعت أبا حنيفة، وسئل من أفقه من رأيت؟ فقال: ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمّد لمّا أقدمه المنصور الحيرة بعث إليّ فقال: يا أبا حنيفة إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمّد فهيّئ له من مسائلك تلك الصعاب فقال: فهيّأت له أربعين مسألة، ثمّ بعث إليّ أبو جعفر فأتيته بالحيرة، فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه، فلمّا بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخلني لأبي جعفر، فسلّمت وأذن لي أبو جعفر فجلست، ثمّ التفت إلى جعفر فقال: يا أبا عبد الله تعرف هذا؟ قال: نعم هذا أبو حنيفة، ثمّ أتبعها قد أتانا، ثمّ قال: يا أبا حنيفة هات من مسائلك سل أبا عبد الله، فابتدأت أسأله قال فكان يقول: في المسألة: أنتم تقولون فيها كذا وكذا وأهل المدينة يقولون كذا ونحن نقول كذا، فربما تابعنا وربما تابع أهل المدينة وربما خالَفنا جميعاً حتّى أتيت على أربعين مسألة ما أخرج منها مسألة، ثمّ قال أبو حنيفة: أليس قد روينا أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس(56).
فهذا التعاون بين أئمة السنّة والسلطات الحاكمة ضدّ أهل البيت(عليهم السلام) يثبت بأنّنا غير جادّين في اتّباع أئمة أهل البيت(عليهم السلام) كما ندّعي ونزعم، بل يمكن أن يكون الأليق والأصح وصفنا باتّباع الحكومات وأذنابهم!
ولذلك فإنّي أرى بأنّنا لا نستطيع أن نصرّح بذلك فقط، وأمّا واقعاً وفعلاً فأجزم بعدم متابعتنا لأهل البيت(عليهم السلام) وعدم مبالاتنا بهم، بل إنّنا نتّبع ونلتزم كلّ من يبتعد عنهم وندافع عنه ؛ لأنّنا جعلنا أهل البيت(عليهم السلام) مظان فتنة وشبهة وريبة، فمن يقترب منهم أو يروي عنهم سيكون مصيره الإهمال والاتّهام في صدقه ودينه مفارقاً للجماعة!
هذا وقد شكك علماء السنّة إمّا بأئمة أهل البيت(عليهم السلام) أنفسهم، وإمّا طعنوا في الرواة عنهم! حينما وجدوا بأنّ الكثير من رواياتهم لا تتوافق مع رواياتنا وأحكامنا، فمن تجرّأ ولم يعبأ بمنزلة ومقام أهل البيت(عليهم السلام) جرّحهم وطعن فيهم مباشرة، كابن خلدون وابن حبان ومالك ويحيى بن سعيد القطان والجوزجاني وغيرهم، ومن تورّع عن ذلك شكك بالرواة عنهم ووصفهم ووصمهم بالكذب، فأضعنا عن طريق هذه الطرق الملتوية والمخفية رواياتهم وعلمهم شئنا أم أبينا.
فقال لي شيخي (أبو دعاء): أكمل وفضفض كلّ ما عندك، وأظهر لنا حقدك وبغضك لأهل السنّة وحقدك عليهم! لا أدري كيف غُسل دماغك بهذا الشكل ومن فعل بك ذلك؟! أنا لا أصدّق ما أسمع!! ولو حكاه لي عنك أيّ شخص آخر ولم أسمعه منك بنفسي فأقطع بأنّي سأكذبّه مباشرة، ولكن مع الأسف قد سمعته منك بنفسي! أنا يائس منك بعد ما سمعته، وسأخبر الإخوة بمقاطعتك حتّى ترجع إلى صوابك ورشدك وما كنت عليه من عقيدة وفكر! أمّا وأنت على هذا الحال فلا يمكننا تقبّل أفكارك أبداً، ولا أقبل مطلقاً أن تكلّم أحد إخوتنا بشيء ممّا قلته لي الآن مهما كان الداعي أو العذر وقد أعذر من أنذر!
هيّا اذهبوا إلى حيث شئتم، فلا أدري ما أقول!! ولكننا قطعاً قد خسرناكم وخسرتمونا مع شديد الأسف، ولكن نقول: بأنّ الله يهدي من يشاء ويضلّ من يريد وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
فخرجنا أنا وحارث من بيته مرتاحين مسرورين بدرجة كبيرة لم نكن لنتوقّعها، بل كنّا خائفين قبل المقابلة بدرجة كبيرة وكنّا قلقين ممّا سيفعله بنا لو صارحناه بما عندنا وما في قلبنا! فالحمد لله.

____________
1- الأعراف: 38.
2- سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ الألباني (ح 2008).
3- صحيح البخاري (1/115).
4- صحيح البخاري (3/207).
5- المجادلة: 22.
6- كما في حديث: (إنّ الله أخبرني بأنّه يحبّ أربعة وأمرني بحبّهم، علي منهم عليٌ منهم عليٌّ منهم والمقداد وأبي ذر وسلمان) رواه الترمذي.
7- التوبة: 101.
8- الحجرات: 6 .
9- المائدة: 54 .
10- آل عمران: 144 .
11- روى الهيثمي في مجمع الزوائد (2/101) عن شقيق قال: قال عبد الله: من هاجر يبتغي شيئاً فهو له، قال: وهاجر رجل ليتزوّج امرأة يقال لها أم قيس فكان يسمّى مهاجر أم قيس، رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. وقال ابن حجر في فتح الباري (1/8): قال ابن دقيق العيد: نقلوا أنّ رجلا هاجر من مكة إلى المدينة لا يريد بذلك فضيلة الهجرة وإنّما هاجر ليتزوّج امرأة تسمّى أم قيس...انتهى...وقصّة مهاجر أم قيس رواها سعيد بن منصور... ابن مسعود قال: من هاجر يبتغى شيئاً فإنّما له ذلك، هاجر رجل ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس فكان يقال له مهاجر أم قيس ورواه الطبراني من طريق أخرى عن الأعمش...فكّنا نسمّيه مهاجر أم قيس، وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
12- انظر الطبقات الكبرى لابن سعد (7/390) قال: ولم يبايعه سعد بن عبادة فتركه ولم يعرض له حتّى توفي أبو بكر وولي عمر فلم يبايع له أيضاً فلقيه عمر ذات يوم في طريق من طرق المدينة فقال له عمر: إيه يا سعد إيه سعد، فقال سعد: إيه يا عمر، فقال عمر: أنت صاحب ما أنت عليه؟ فقال سعد: نعم أنا ذلك وقد أفضى الله إليك هذا الأمر وكان واليه صاحبك أحب إلينا منك وقد والله أصبحت كارهاً لجوارك..! وكذلك في أسد الغابة لابن الأثير (2/284) قال: فلم يبايع سعد أبا بكر ولا عمر وسار إلى الشام.
13- رواه مسلم في صحيحه (6/22) ورواه أحمد بألفاظ منها ما في (4/96): (من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية) كما قال الشيخ الألباني في كتاب السنّة لابن أبي عاصم (489) وحسّنه وما وجدناه في مسند أحمد لفظه هو: (من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية).
14- البخاري (8/87) ومسلم (6/21) وأحمد (5/180) والترمذي (4/226) وأبو داود (2/426) بلفظ: (من فارق الجماعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه).
15- راجع مجمع الزوائد (7/214) وأسد الغابة لابن الأثير (1/112) وقال الهيثمي عنه: رواه الطبراني وإسناده حسن؛ أنّ رجلاً كان يجري في القتال ويخبرون النبيّ(صلى الله عليه وآله) بذلك والنبيّ يقول لهم: هو في النار.. فقالوا له: يا رسول الله استشهد فلان قال: هو في النار، فلمّا اشتدّ به ألم الجراح أخذ سيفه فوضعه بين ثدييه ثمّ اتكأ عليه حتّى خرج من ظهره... وذكرها الهيثمي كقصّة أخرى مشابهة لهذه عن أحمد (7/214) بلفظ: (...فقد نحر فلان نفسه) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، ورووا قصّة أخرى عن أحد الصحابة أيضاً وقد قتل نفسه بمشاقص فلم يصلِّ عليه النبيّ(صلى الله عليه وآله) كما في صحيح مسلم (3/66).
16- أخرجه الحاكم في مستدركه (3/387) وصححه على شرط البخاري ومسلم ووافقه الذهبي وجاء له الألباني بشاهد آخر في صحيحته (2008) عند أحمد (4/198): وقال: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم. وروى ابن أبي شيبة في مصنّفه (7/492) و(8/43): وكان ممن بايع تحت الشجرة.
وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (2/840) عنه: كان الأمير على الجيش القادمين من مصر إلى المدينة الذين حصروا عثمان وقتلوه.
17- قال ابن حجر عنه في فتح الباري (2/159): أحد رؤوس المصريين الذين حصروا عثمان، وفي مقدّمة الفتح (ص258) حين شرحه لحديث يذكر الذي صلّى بالناس حين حصر عثمان (ويصلّي لنا إمام فتنة) قال: المراد بإمام الفتنة المذكور عبد الرحمن بن عديس البلوي قاله ابن عبد البر. وروى ابن أبي شيبة في مصنّفه (7/492) و(8/43): وكان ممن بايع تحت الشجرة، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (2/840) عنه: كان الأمير على الجيش القادمين من مصر إلى المدينة الذين حصروا عثمان وقتلوه.
وقال الزركلي في الأعلام (3/316): ولّما قتل عثمان، عاد إلى مصر، فطلبه معاوية ابن أبي سفيان وقبض عليه وسجنه في لد ( بفلسطين) ففر، فأدركه صاحب فلسطين فقتله. ومن النوادر اللطيفة التي حصلت مع ابن عديس هذا أنّه لما عثر عليّه أحدهم بعد فراره قال له: لا تقتلني فأنا من أصحاب الشجرة! فقال له: أرى أنّ الشجر كثير فقتله.
18- قال الزركلي في أعلامه (5/76) عنه: صحابي، من قتلة عثمان، سكن الشام، وانتقل إلى الكوفة ثمّ كان أحد الرؤوس الذين اشتركوا في قتل عثمان، وقال ابن شبة النميري في تاريخ المدينة (4/1232) بسنده: دخل عليه محمّد بن أبي بكر بشريان كان معه فضربه في حشائه حتّى وقعت في أوداجه فخر، وضرب كنانة بن بشر جبهته بعمود، وضربه سودان بن حمران بالسيف، وقعد عمرو بن الحمق على صدره فطعنه تسع طعنات، وقال علمت أنّه مات في الثالثة فطعنته ستاً لما كان في قلبي عليه.
19- آل عمران : 102 ــ 107.
20- الأنفال: 20 ــ 22 .
21- النحل: 90 ــ 96.
22- الروم: 31 ــ 32 .
23- البقرة: 110 .
24- العنكبوت: 2ـ 4.
25- آل عمران: 97.
26- النساء: 69.
27- المائدة: 54.
28- البقرة: 217.
29- التوبة: 41.
30- التوبة: 38.
31- الجمعة: 11.
32- التوبة: 87.
33- آل عمران: 179.
34- التوبة: 61.
35- المجادلة: 11ـ 12.
36- الأحزاب: 29.
37- الحجرات: 6.
38- البقرة: 108.
39- الحجر: 24.
40- نقلها ابن عساكر في تاريخ دمشق (30/331) والمتقي الهندي في كنز العمال (12/336) وابن أبي شيبة في المصنف (8/144).
41- الحاكم في المستدرك (4/9) واقتصر على (نسياً منسياً) وابن أبي شيبة في المصنف (8/152) والمتقي الهندي في كنز العمال (12/619) وفيه تمنّى كونه تبنة وعدم ولادة أمّه له وكونه نسياً منسياً، ونقل عبد الرزاق في مصنفه (11/307) وابن أبي شيبة أيضاً (8/191) عن عائشة من قولها: يا ليتني كنت نسياً منسياً.
42- البخاري (2/107) و(4/205) ولفظه: وددت أنّ ذلك كفافاً لا عليّ ولا لي.
43- راجع مجمع الزوائد للهيثمي (3/42) وكنز العمال للمتقي الهندي (13/344) والمصنف لابن أبي شيبة (8/637) حتّى أنّ الفسوي قد اعترض على هذه الرواية واعتبرها من الذم لعمر ومناقضة لما يعتقده السنّة في عمر وما يجب أن يعتقده هو في نفسه فقال ابن حجر في مقدّمة فتح الباري (ص402): وشذّ يعقوب الفسوي فقال في حديثه خلل كثير ثمّ ساق من روايته قول عمر في حديثه يا حذيفة بالله أنا من المنافقين؟ قال الفسوي: وهذا محال! (قلت والكلام لابن حجرـ): هذا تعنّت زائد وما بمثل هذا تضعف الإثبات ولا ترد الأحاديث الصحيحة، فهذا صدر من عمر عند غلبة الخوف وعدم أمن المكر فلا يلتفت إلى هذه الوساوس الفاسدة في تضعيف الثقات والله أعلم (!!).
44- راجع الحديث في صحيح البخاري (7/208) عن أبي هريرة وغيرها كثير في البخاري وفي مسلم.
45- صحيح مسلم (1/60).
46- البخاري في سبع روايات ومواضع منها (1/14) ومسلم (1/56).
47- الكفاية للخطيب البغدادي (ص151) وتفسير القرطبي (1/78) وذكره ابن الجوزي في مقدّمة موضوعاته (1/39) وكذلك الفتني في تذكرة موضوعاته (ص7) وابن حجر في لسان ميزانه (1/10) وفي تهذيب تهذيبه (8/114) وغيرهم.
48- ميزان الاعتدال (1/6)، وذكره ابن حجر في لسان الميزان (1/9) بلفظه، وفي تهذيب التهذيب (1/94) بمعناه.
49- تهذيب التهذيب (8/411).
50- الكامل لابن عدي (2/131) وتاريخ الإسلام للذهبي (9/90) وتهذيب الكمال للمزي (5/76).
51- نفس المصادر السابقة.
52- نفس المصادر السابقة.
53- الكامل لابن عدي (2/132)، وتاريخ الإسلام (9/89)، وتهذيب الكمال (5/79)، مع أنّهم يقولون عن أبي حنيفة بأنّه أفقه الناس فهو بنفسه يعترف ويقر بأنّ الإمام الصادق أفقه الناس كما نقل الزيلعي ذلك في نصب الراية (1/33): قال ابن الجوزي في (المنتظم): لا يختلف الناس في فهم أبي حنيفة وفقهه، كان سفيان الثوري وابن المبارك يقولان: أبو حنيفة أفقه الناس، وقيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة ؟ فقال: رأيت رجلاً، لو كلّمك في هذه السارية أن يجعلها ذهباً لقام بحجّته، وقال الشافعي: الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة، وقال القاضي عياض في (ترتيب المدارك): قال الليث لمالك: أراك تعرق؟ فقال مالك: عرقت مع أبي حنيفة، إنّه لفقيه يا مصري.
54- صحيح البخاري (6/248).
55- الإصابة لابن حجر (4/467)، والاستيعاب لابن عبد البر (3/1104)، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر أيضاً (2/58)، وتهذيب الكمال للمزي (20/486)، وتهذيب التهذيب لابن حجر (7/297).
56- الكامل لابن عدي (2/132) وتهذيب التهذيب للمزي (5/79) وسير أعلام النبلاء للذهبي (6/258) وتاريخ الإسلام للذهبي أيضاً (9/89).


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page