وبعد الدكتور زيد وصاحبه المهندس أياد جاء دور الشيخ عبد الله المفتي الذي يعتبر أعلم السلفية وأكثرهم اطّلاعاً في مسائل الخلاف مع الشيعة، لكونه ممّن له ردّ في مجلدين كبيرين على كتاب المراجعات للسيّد شرف الدين الموسوي وقد جاء به إلى بيتي مهندس أياد أيضاً.
فبدأ الكلام بعد أن جلسنا في غرفتي بين الكتب الكثيرة التي كانت تحيط بنا من كلّ جانب فبدأ بالكلام فقال: سمعنا ما سمعناه عنك فاقترح بعض الإخوة الأعزاء أن أقوم بزيارتك لبيان الحقّ لك لكونك عزيزاً علينا، وإنّي أتيت لأبيّن لك عدم صواب رأيك، وأنّ هذا الكتاب الذي بين يدي هو كتاب الردّ على المراجعات لنتّخذ من المراجعات منهجاً لتسلسل وترتيب الحوار والنقاش، فهو جيّد من هذه الناحية فقط! وإلاّ فهو جاهل مفتر مخلط متخبط لا يعلم شيئاً عن كتبنا وعلمائَنا، فتورّط وافتضح في مراجعاته المفتريات هذه.
فقلت له: على كلّ حال أهلاً وسهلاً بك، لا بأس بذلك ولا مانع عندي، تكلّم بما تريد؟
قال: الحديث الأوّل الذي يذكره شرف الدين هذا، هو حديث الثقلين.
قلت له: نعم.
قال: الحديث ضعيف.
قلت له: سبحان الله!! كيف تقول ذلك وقد صححه محدث العصر الشيخ الألباني؟!
قال: هل ذكرت لك أيّ شخص أو اسم عالم؟
قلت له: ماذا تقصد؟
قال: لا تذكر لي أيّ شخص صحح أو ضعّف، فأنا أستطيع أن أذكر لك أيضاً من ضعّف هذا الحديث.
قلت له: فكيف سنصل إلى نتيجة إذن؟
قال: يجب أن نصحح ونضعف نحن بحسب الدليل.
قلت له: وهل نحن أعلم من الألباني؟! كيف ترد قوله وهو محقق ومدقق وإمام معتمد من أئمة أهل السنّة السلفيين؟
قال: الأسماء لا تهم ولا تغيّر الحقائق، فنحن مطالبون بالنظر في الدليل بأنفسنا ولا يجوز التقليد ولا ينفعنا أبداً كما ذكرت لك.
قلت له: فهل نحن نمتلك علماً كافياً لنصحح ونضعف الأحاديث بأنفسنا ونستغني عن علماء الأمّة؟
فقال: لم لا؟!
قلت: سبحان الله الاجتهاد أصبح مبتذلاً عند السلفيين إلى أبعد الحدود! ومع ذلك فإنّ رجال الحديث كلّهم ثقات يروي لهم أصحاب الكتب الستة وليس الشيخان فقط فكيف تجرؤ على تضعيف الحديث؟!
قال: أحسنت، لنتكلّم هكذا بالعلم وليس بالعاطفة.
السند الأوّل للحديث فيه علّتان: فسفيان الثوري مدلّس وقد عنعن وحبيب بن أبي ثابت مدلّس ويرسل عن أم سلمة ولم يدركها فالحديث ضعيف.
فقلت له: وهل هذه العلل الواضحة غابت عن الشيخ الألباني وهو محدّث العصر؟
قال: اتّفقنا على عدم ذكر أيّ اسم!
فقلت له: صحيح ولكن كلامك مردود منقوض ؛ لأنّ البخاري ومسلم يرويان عشرات الأحاديث عن هذين الرجلين بالعنعنة فهل تستطيع تضعيف عشرات الأحاديث التي تملأ الصحيحين عن هؤلاء؟
قال: أبداً لا توجد، هذا افتراء! أخرجها لي إن كنت صادقاً؟!
قلت له: ليس شأني أن أبحث الآن وأخرج لك هذه الأحاديث وهذه الأسانيد، أنت ابحث وفتّش عنها في كتبك، فإن لم تجدها فتعال وكذّبني، وأنا سأتّبعك حينها في ردّ الحديث وتضعيفه، بل أقول لك إن لم تجد كلامي صحيحاً فتعال وابصق في وجهي، فماذا تريد أكثر من ذلك؟
فأصرّ على إخراجها وإلاّ قطع النقاش.
فقلت له: سأخرجها وأحضرها لك في لقائنا القادم.
فلمّا رفض أصررت أنا أيضاً على موقفي من عدم استطاعتي فعل ذلك الآن، وأنّي أقطع بوجودها وهو من يجب عليه بيان كذبي وردّ دعوتي حتّى أتّبعه وأقتنع بضعف الحديث وردّه، مع كثرة طرقه وقوّة أسانيده ووجود شاهد له في صحيح مسلم كما ذكر ذلك الألباني وصحح وحسّن بعض طرقه(1).
قال: الخلاصة هي أنّ الرواية الصحيحة غير صريحة وهي لا تفيدكم والرواية الصريحة ليست صحيحة.
قلت له: تضعّفون ما يخالف مذهبكم دائماً وتؤوّلون ما يصحّ عندكم ممّا يضرّكم وينفع خصمكم، فهذا ليس ديناً ولا عدلاً ولا إنصافاً، فأنتم تحتاجون إلى التجرد والإنصاف وتغيير قواعدكم هذه كي نصل إلى نتيجة ترضي الله تعالى.
قال: رواية مسلم صحيحة ولكنها لا تذكر التمسك بالعترة من أهل البيت(عليهم السلام) وإنّما تنصّ على التمسّك بالقرآن فقط، وحفظ النبيّ(صلى الله عليه وآله) في أهل بيته ليس إلاّ!
قلت له: سبحان الله! النبيّ(صلى الله عليه وآله) يقول: (إنّي تارك فيكم ثقلين)، وأنتم تقولون: لم يترك فينا إلاّ ثقلاً واحداً، فماذا نقول لكم؟!! مع أنّ هناك طرقاً كثيرة تصرّح بأنّه ترك لنا العترة مع القرآن على حدٍّ سواء بدليل قوله(صلى الله عليه وآله): (ولقد أخبرني اللطيف الخبير بأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض).
فرواية مسلم مثلها مثل رواية الترمذي والطبراني والحاكم والجميع، ولكن رواية مسلم فيها تفصيل وإضافات ضاع معها المعنى وهذا يدل على تصرّف الرواة في رواية مسلم لا العكس!
فانتهى النقاش وقال لي: أنت متعصّب ولا تتفاهم فلا ينفع الكلام معك!
فقلت له: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}(1)، أنا أيضاً أراك متعصباً معانداً لا ينفع معك الكلام: {فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}(2) فخرجوا من البيت ولم يعودوا بعدها أبداً(3).
____________
1- راجع سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني (ح1761).
2- المؤمنون: 53.
3- البقرة: 113.
4- هذا الرجل المعروف بالشيخ عبد الله المفتي رأيت كتابه ــ الذي كان يحمله معه حينما ناقشني وكان مخطوطاًـ بعد مرور سنوات على لقائنا مطبوعاً بعنوان الحجج الدامغات لنقض كتاب المراجعات ففوجئت بأنّه ذكر اسم مؤلّفه بإسم مستعار وهو أبو مريم بن محمّد الأعظمي وهو غيّر اسمه الحقيقي! فلا أدري ما المسوّغ الشرعي لهم لفعل ذلك مع أنّهم ينكرون بشدّة ويشنعون على الشيعة مبدأ التقية؟!
وجاء دور المفتي
- الزيارات: 1552