ثمّ إنّ عمر بن سعد نادى في أصحابه : مَن ينتدب للحسين (ع) ويوطئه فرسه ؟ فانتدب عشرة ، منهم : إسحاق بن حَيْوة الحضرمي وأحبش بن مرثد الحضرمي ، فأتوا فداسوا الحسين (عليه السّلام) بخيولهم حتّى رضّوا ظهره وصدره(1) .
وصلّى عمر بن سعد على [ مَن ] قُتل من أصحاب[ ـه ] ودفنهم .
وسرّح برأس [ الإمام (عليه السّلام) ] من يومه ذلك مع خوْليّ بن يزيد إلى عبيد الله بن زياد ، فأقبل خوْليّ دار القصر فوجد باب القصر مغلقاً ، فأتى منزله فوضعه تحت إجانة في منزله(2) . فلمّا أصبح غدا بالرأس إلى عبيد الله بن زياد .
[ حمل عيال الإمام (ع) إلى الكوفة ]
وأقام عمر بن سعد يومه ذلك والغداة(3) .
وقطف رؤوس الباقين فسرّح باثنين وسبعين رأساً(4) ، مع شمر بن ذي الجوشن وقيس بن الأشعث ، وعمروبن الحجّاج وعزرة بن قيس ، فأقبلوا حتّى قدموا بها على عبيد الله بن زياد .
ثمّ أمر حُميد بن بُكير الأحمري(5) فأذّن في النّاس بالرّحيل إلى الكوفة .
وحُمل معه بنات الحسين (ع) وأخواته ومن كان من الصبيان ، وعلي بن الحسين (ع) مريضاً(6) .
قال قرّة بن قيس التميمي : لا أنسى زينب ابنة فاطمة (ع) حين مرّت بأخيها الحسين (عليه السّلام) صريعاً ، وهي تقول : يا محمّداه ! يا محمّداه ! صلّى عليك ملائكة السّماء ، هذا الحسين بالعراء ، مرمّل بالدماء مقطّع الأعضاء ، يا محمّداه ! وبناتك سبايا ، وذرّيّتك مقتلة تسغى عليها الصبا . فأبكت والله ، كلّ عدوّ وصديق(7) وصحن النّسوة ولطمن وجوههنّ(8) .
ودفن الحسين (ع) وأصحابه أهل الغاضريّة من بني أسد ، بعد ما قُتلوا بيوم(9) و(10) .
ــــــــــــ
(1) فبرص إسحاق بن حيوة الحضرمي . وبلغني أنّ أحبش بن مرثد الحضرمي كان واقفاً في قتال بعد ذلك ، فأتاه سهم غرب [ لا يُعرف راميه ] ففلق قلبه فمات . وروى وطئ الخيل أبو الفرج / 79 ، والمسعودى 3 / 72 ، والمفيد في الإرشاد / 242 ـ ط النّجف ـ ، وسبط ابن الجوزي / 254 ، ثمّ قال : ووجدوا في ظهره آثاراً سوداً فسألوا عنها ، فقِيل : كان ينقل الطعام على ظهره في اللّيل إلى مساكين أهل المدينة . . . وإنّما ارتكب بن سعد هذا الشقاء لقول ابن زياد في كتابه إليه : فإنّ قُتل حسين (ع) فأوطئ الخيل صدره وظهره ؛ فإنّه عاقّ شاقّ ، قاطع ظلوم ؛ وليس دهري في هذا أن يضرّ بغد الموت شيئاً ، ولكن عليّ قول لوقد قتلته فعلت به هذا 5 / 415 .
(2) قال هشام : فحدّثني أبي ، عن النّوار بنت مالك بن عقرب من الحضرميّين [ ، وهي امرأة خوْلّى ] ، قالت : أقبل خوْلّى برأس الحسين (عليه السّلام) فوضعه تحت إجانة في الدار ، ثمّ دخل البيت فأوى إلى فراشه . فقلت له : ما الخبر ؟ ما عندك ؟ قال : جئتك بغنى الدّهر ، هذا رأس الحسين (ع) معكِ في الدار .
فقلت : ويلك ! جاء النّاس بالذهب والفضة وجئت برأس ابن رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] ) ، لا والله ، لا يجمع رأسي ورأسك بيت أبداً .
فهممت من فراشي فخرجت إلى الدار ، وجلست أنظر ، فوالله ، مازلت أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من السّماء إلى الإجانة ، ورأيت طيراً أبيضَ ترفرف حولها 5 / 455 .
(3) وكذلك في الإرشاد / 243 .
(4) والإرشاد / 243 . وقال السّبط : اثنان وتسعون رأساً / 256 . ولعله مصحّف عن : سبعين . ويدلّ عليه أنّه بنفسه ، قال : وكانت زيادة على سبعين رأساً / 259 ، ط النّجف .
(5) كان من شرطة ابن زياد ممّن يقوم على رأسه ، وقد بعثه ابن زياد مع شريح القاضي ناظراً مراقباً له مشرفاً عليه ، حينما أرسله ليشاهد هانئاً ويُخبر قومه بسلامته ، فكان شريح يقول : أيم الله ، لولا مكانه معى لكنت أبلغت أصحاب هانئ بما أمرني هانئ به 5 / 368 .
(6) 5 / 453 ـ 455 . حدثني سليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم قال .
(7) ورواه السّبط / 256 .
(8) فحدّثني أبو زهير العبسي ، عن قرّة بن قيس التميمي 5 / 455 .
(9) حدّثني سليمان بن أبي راشد ، عن حميد بن مسلم ، قال 5 / 453 ـ 455 .
(10) والمفيد في الإرشاد / 243 ـ 249 ، والمسعودي في مروج الذهب 3 / 72 . والمشهور : أنّه كان بعد ما قُتلوا بثلاثة أيّام ، وذلك مع الإمام السجّاد (عليه السّلام) ، كما تشهد به مناظرة علي بن حمزة مع الرضا (عليه السّلام) ، فراجع مقتل الحسين للمقرّم / 415 .
[ وطئ الخيل ]
- الزيارات: 1672