ولمّا أتى أهل المدينة مقتل الحسين (ع) ، خرجت [ اُمّ لقمان ](1) بنت عقيل بن أبي طالب (ع) ومعها نساؤها ، وهي حاسرة تلوي بثوبها ، وهي نقول :
ماذا تقولون إن قال النّبيّ لكم ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأهل بعد مفتقدي منهم أسارى ومنهم ضرّجوا بدم (2)
[ و] لمّا بلغ عبد الله بن جعفر بن أبي طالب(3) مقتل ابنيه [ : محمّد وعون ] مع
الحسين (عليه السّلام) دخل عليه النّاس يعزّونه [ فـ ] أقبل على جلسائه ، فقال :
الحمد لله عزّ وجلّ على مصرع الحسين (عليه السّلام) إنْ لا تكن آستْ حسيناً (ع) يديّ ، فقد آساه ولديّ والله ، لوشهدته لا حببت أنْ لا أفارقه حتّى أُقتل معه ، والله ، أنّه لممّا يسخّي بنفسي عنهما ، ويهوّن عليّ المصاب بهما ؛ أنّهما أُصيبا مع أخي وابن عمّي مواسيين له ، صابرين معه(4) و(5) .
ـــــــــــــــ
(1) قال الشيخ المفيد : فخرجت اُمّ لقمان بنت عقيل بن أبي طالب (رحمة الله عليهم) ، حين سمعت نعي الحسين (عليه السّلام) حاسرة ، ومعها أخواتها : اُمّ هانئ وأسماء ، ورملة وزينب بنات عقيل بن أبي طالب (رحمة الله عليهم) ، تبكي قتلاها بالطفّ ، وهي تقول الإرشاد / 248 .
ورواها السّبط في تذكرته ، عن الواقدي ، عن زينب بنت عقيل / 267 .
(2) وروى الطبري : الأبيات عن عمّار الدّهني عن الإمام الباقر (عليه السّلام) ، قال : (( فجهّزهم وحملهم إلى المدينة ، فلمّا دخلوها خرجت امرأة من بني عبد المطلب ناشرةً شعرها ، واضعةً كمّها على رأسها تتلقّاهم وهي تبكي ، وتقول : ))
ماذا تقولون ان قال النّبيّ لكم ما ذا فعلتم وأنتم آخر الأمم !
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي
(3) هو الذي روى خبر حليمة السّعديّة 2 / 158 . وفي سنة ( 8 هـ ) ، حيث رجع الباقون من غزوة مؤتة ، طلبه رسول الله (ص) فأخذه وحمله على يديه 3 / 42 . وهوالذي أشار على علي (عليه السّلام) بعزل قيس بن سعد عن مصر ، وتولية أخيه من اُمّه محمّد بن أبي بكر عليه ، ففعل (عليه السّلام) 4 / 36 . وكان مع علي (عليه السّلام) بصفّين 5 / 61 . وتولّى تجهيز علي (عليه السّلام) ودفنه مع الحسن والحسين (عليهما السّلام) ، ثمّ عاد معهم إلى المدينة 5 / 165 .
وقد مضت ترجمته في كتابه ، مع ولديه : محمّد وعون من مكّة إلى الحسين (عليه السّلام) .
(4) عن سليمان بن أبي راشد ، عن عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنود ، قال 5 / 466 .
(5) قال هشام : حدّثني عوانة بن الحكم ، قال : لمّا قتل عبيد الله بن زياد الحسين بن علي (ع) ، دعا عبد الملك بن أبي الحارث السّلمي ، فقال : انطلق حتّى تقدم المدينة على عمروبن سعيد بن العاص ـ وكان يومئذٍ أمير المدينة ـ فبشّره بقتل الحسين (عليه السّلام) ولا يسبقك الخبر ولا تعتلّ ، وإنْ قامت بك راحتلك فاشتر راحلة ، وأعطاه دنانير .
قال عبد الملك : فقدمت المدينة فدخلت على عمروبن سعيد ، فقال : ما وراك ؟
فقلت : ما سرّ الأمير ، قُتل الحسين بن علي (ع)
فقال : نادِ بقتله . فناديت بقتله .
فلمْ اسمع واعية قطّ مثل واعية نساء بني هاشم في دورهنّ على الحسين [ (عليه السّلام) ، فـ ] ـضحك عمروبن سعيد [ ، و] قال :
عجّت نساء بني زياد عجّة كعجيج نسوتنا غداة الارنب *
ثمّ قال عمرو : هذه واعية بواعية عثمان بن عفّان .
ثمّ صعد المنبر فأعلم النّاس قتله . ورواه المفيد في الإرشاد / 247 ، ط النّجف .
( * ) البيت لعمر بن معد يكرب الزبيدي . وكانت لهم وقعة على بنى زياد انتقاماً منهم لوقعة لهم على بني زبيد . ورواها السّبط مختصراً / 266 . وذُكر عن الشعبي : أنّ مروان بن الحكم كان بالمدينة فأخذ الرأس ، وتركه بين يديه وتناول أرنبة أنفه ، وقال :
يا حبذا بردك في اليدين ولونك الاحمر في الخدّين
ثمّ قال : والله ، لكأنّي أنظر إلى أيّام عثمان .
وقال ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة 4 / 72 : والصحيح ، أنّ عبيد الله بن زياد كتب إلى عمروبن سعيد بن العاص يبشّره بقتل الحسين (عليه السّلام) ، فقرأ كتابه على المنبر وأنشد الرجز المذكور وأومى إلى القبر ، وقال : يوم بيوم بدر . فأنكر عليه قوم من الأنصار . ذكر ذلك أبوعبيدة في كتاب المثالب .
قال هشام : عن عوانة قال ، قال عبيد الله بن زياد لعمر بن سعد : يا عمر ، أين الكتاب الذي كتبتُ به إليك في قتل الحسين (ع) ؟
قال : مضيتُ لأمرك وضاع الكتاب . قال : لتجيئنّ به . قال : ضاع . قال : والله ، لتجيئني به . قال : تُرك والله ، يُقرأ على عجائز قريش اعتذاراً إليهن بالمدينة . أمّا والله ، لقد نصحتك في حسين نصيحة ( * ) لو نصحتها أبي سعد بن أبي وقاص ، كنت قد أدّيت حقّه .
قال عثمان بن زياد ـ أخوعبيد الله ـ : صدق والله ، لوددت أنّه ليس من بني زياد رجل إلاّ وفي أنفه خزامة إلى يوم القيامة ، وأنّ حسيناً لمْ يُقتل .
قال هشام : حدّثني عمروبن حيزوم الكلبي ، عن أبيه أنّه سمع منادياً ينادي ، يقول :
أيّها القاتلون جهلاً حسين اأبشروا بالعذاب والتنكيل
كل أهل السّماء يدعوا عليكم من نبيّ وملاك وقبيل
قد لعنتم على لسان ابن داو دوموسى وحامل الانجيل
وروى الخبر المفيد في الإرشاد / 248 ، والسّبط في تذكرته / 270 ، ط النّجف .
( * ) المقصود بالنّصيحة هنا ، هو: النّصح بمعنى الإخلاص ، لا الإرشاد .
[ أهل البيت في المدينة ]
- الزيارات: 1661