• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

بكاءُ السّماوات على الإمام الحُسين (عليه السّلام)

بكاءُ السّماء والأرض على الإمام الحُسين (عليه السّلام)
1 ـ روى الحافظ أبو نعيم الإصبهاني ، والسيوطي ، وابن الدمشقي ، والقندوزي ، ومحبّ الدين الطبري ، وابن الصبّاغ ، والبدخشي ، والشبلنجي ، والآمرتسري ، والنقشبندي ، والهندي ، وباكثير الحضرمي ، واللنكهوئي ، ومُحمّد رضا ، واللفظ للأوّل قال :
قال : حدّثنا مُحمّد بن عمر بن سليم ، ثنا عليّ بن العبّاس ، ثنا جعفر بن مُحمّد بن حُسين ، ثنا حُسين العربي ، عن ابن سلام ، عن سعد بن ظريف ، عن أصبغ بن نباتة ، [ قال : أتينا مع عليٍّ (عليه السّلام) كربلاء فمررنا بموضع قبر الحُسين (عليه السّلام) ، فقال عليٌّ (عليه السّلام) ](1) : (( ها هنا مناخُ ركابهم وموضعُ رحالهم ، ها هنا مهراقُ دمائهم ؛ فتيةٌ من آل مُحمّدٍ (صلّى الله عليه وآله) يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السّماء والأرض ))(2) .
2 ـ ذكرها القندوزي قال : وعن كثير بن شهاب الحارثي قال : بينا نحن جلوس عند عليّ (عليه السّلام) في الرّحبة إذ طلع الحُسين (عليه السّلام) قال : (( إنّ الله ذكر قوماً بقوله : فما بكت عليهم السّماءُ والأرضُ . والذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة ، ليقتلنَّ هذا ، ولتبكينَّ عليه السّماء والأرض ))(3) .
ما جاء في معنى بكاء السّماء
القرطبي : عن قرة بن خالد قال : ما بكت السّماء على أحد إلاّ على يحيى بن زكريا والحُسين بن عليّ (عليهما السّلام) ، وحمرتها بكاؤها(4) .
الزّرندي الحنفي : وقال السّدي (رحمه الله) : لمَّا قُتل الحُسين (عليه السّلام) بكت السّماء ، وبكاؤها حمرتها(5) .
جلال الدين السّيوطي : ابن جرير ، وابن المنذر ، عن عطاء (رضي الله عنه) قال : بكاءُ السّماء حُمرة أطرافها(6) .
جلال الدين السّيوطي : وأخرج ابن أبي الدنيا ، عن الحسن (عليه السّلام) قال : (( بكاءُ السّماء حمرتُها ))(7) .
وقال سبط ابن الجوزي ، والزّرندي الحنفي ، واللفظ للأوّل قال : قال جدّي أبو الفرج في كتاب (التبصرة) : لمَّا كان الغضبان يحمرُّ وجهه عند الغضب ، فيستدلّ بذلك على غضبه ، وأنّه أمارة السّخط . والحقُّ سُبحانه وتعالى ليس بجسم ، فأظهر تأثير عظمته على مَن قتل الحُسين (عليه السّلام) بحُمرة الاُفق ؛ وذلك دليلٌ على عظيم الجناية .
وذكر جدّي أيضاً في هذا الكتاب : ولمَّا اُسِرَ العبّاس يوم بدر سمع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)
أنينه ، فما نام تلك الليلة ، فكيف لو سمع أنين الحُسين (عليه السّلام) ؟!
قال : ولمَّا أسلم وحشي قاتل الحمزة (عليه السّلام) ، قال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( غيِّبْ وجهك عنِّي ؛ فإنّي لا اُحبُّ مَنْ قتل الأحبّة )) .
قال : وهذا الإسلام يجبُّ ما قبله ، فكيف يقدر الرسول (صلّى الله عليه وآله) أنْ يرى مَنْ ذبح الحُسين (عليه السّلام) وأمر بقتله ، وحمل أهله على أقتاب الجمال(8) ؟!
وقال السيوطي : وأخرج ابن أبي حاتم ، عن عُبيد المكتب ، عن إبراهيم (رضي الله عنه) قال : ما بكت السّماء منذ كانت الدنيا إلاّ على اثنين . قيل لعُبيد : أليس السّماء والأرض تبكي على المؤمن ؟ قال : ذاك مقامه ، وحيث يصعد عمله . قال : وتدري ما بكاء السّماء ؟ قال : لا . قال : تحمرّ وتصير وردة كالدهان ؛ إنّ يحيى بن زكريا (عليه السّلام) لمَّا قُتِلَ أحمرّت السّماء وقطرت دماً ، وإنّ حُسين بن علي (عليه السّلام) يوم قُتِلَ أحمرّت السّماء(9) .
وقال ابن كثير : وقال ابن أبي حاتم : حدّثنا علي بن الحُسين ، حدّثنا عبد السّلام بن عاصم ، حدّثنا إسحاق بن إسماعيل ، حدّثنا المستورد ابن سابق ، عن عُبيد المكتب ، عن إبراهيم قال : ما بكت السّماء منذ كانت الدنيا إلاّ على اثنين . قلت لعُبيد : أليس السّماء والأرض تبكي على المؤمن ؟ قال : ذاك مقامه حيث يصعد عمله . قال : وتدري ما بكاء السّماء ؟ قلتُ : لا .
قال : تحمرّ وتصير وردة كالدهان ، إنّ يحيى بن زكريا (عليه الصلاة والسّلام) لمَّا قُتِلَ احمرَّت السّماء وقطرت دماً ، وإنّ الحُسين بن علي (عليه السّلام) لمَّا قُتِلَ احمرّت السّماء(10) .
وحدّثنا علي بن الحُسين ، حدّثنا أبو غسان مُحمّد بن عمر وزنيج ، حدّثنا جرير ، عن يزيد بن أبي زياد قال : لمَّا قُتل الحُسين بن علي (عليه السّلام) أحمرَّت آفاق السّماء أربعة أشهر . قال يزيد : واحمرارها بكاؤها . وهكذا قال السّدي في الكبير ، وقال عطاء الخراساني : بكاؤها أنْ تحمرّ أطرافها(11) .
روى الأسفراييني : وعن الأسعد بن قيس : لمَّا قُتِلَ الحُسين (عليه السّلام) ارتفعت حُمرةٌ من المشرق وحُمرةٌ من المغرب فكانتا تلتفيان في كبد السّماء(12) .
ما عُرفت حُمرةُ السّماء حتّى رمى الإمامُ الحُسين (عليه السّلام) بدمه إليها
وفي مقتل الخوارزمي قال : ثم جعل يقاتل حتّى أصابته اثنان وسبعين جراحة ، فوقف يستريح وقد ضعف عن القتال ، فبينما هو واقف إذا أتاه حجرٌ فوقع على جبهته ، فسالت الدّماء من جبهته ، فأخذ الثوب ليمسحَ عن جبهته فأتاه سهمٌ مُحدّدٌ مسمومٌ له ثلاثُ شعبٍ فوقع في قلبه ، فقال الحُسين (عليه السّلام) : (( بسم الله وبالله ، وعلى ملّة رسول الله )) .
ورفع رأسه إلى السّماء وقال : (( إلهي ، إنّك تعلمُ أنّهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن نبيٍّ غيره )) . ثمّ أخذ السّهم وأخرجه من وراء ظهره ، فانبعث الدّم كالميزاب ، فوضع يده على الجرح ، فلمَّا امتلأت دماً رمى بها إلى السّماء ، فما رجع من ذلك قطرة ، وما عُرِفَت الحُمرةُ في السّماء حتّى رمى الحُسين (عليه السّلام) بدمه إلى السّماء ، ثمّ وضع يده على الجرح ثانياً ، فلمَّا امتلأت لطَّخ بها رأسه ولحيته ، وقال : (( هكذا والله ، أكون حتّى ألقى جدِّي مُحمّد (صلّى الله عليه وآله) ، وأنا مخضوبٌ بدمي وأقول : يا رسول الله ، قتلني فلان وفلان ))(13) .
كلام عابر مع ابن كثير وأمثاله
ذكر ابن كثير بعد نقل روايات بكاء الجنِّ ، وبكاء السّماء بالدّم ، وأحمرارها ، والخسوف ، وغيره من التغيرات الكونية والأقوال ، قال : وذكروا أيضاً في مقتل الحُسين (عليه السّلام) أنّه ما قُلِبَ حَجرٌ يومئذ إلاّ وُجِدَ تحته دمٌ عبيطٌ ، وأنّه كُسِفَت الشمسُ ، وأحمرَّ الاُفق ، وسقطت حجارةٌ ، وفي كلِّ من ذلك نظر .

والظاهر أنّه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظّموا الأمر ، ولا شكَّ أنّه عظيم ، ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه ، وقد وقع ما هو أعظم من قتل الحُسين (عليه السّلام) ولم يقع شيء ممّا ذكروه ؛ فإنّه قد قُتِلَ أبوه علي بن أبي طالب (عليه السّلام) وهو أفضل منه بالإجماع ، ولم يقع شيء من ذلك ، وعثمان بن عفّان (رضي الله عنه) قُتِلَ محصوراً مظلوماً ، ولم يكن شيء من ذلك ، وعمر بن الخطاب (رضي الله عنه)
قُتِلَ في المحراب في صلاة الصّبح ، وكأنّ المسلمين لم تطرقهم مصيبة قبل ذلك ، ولم يكن شيء من ذلك ، وهذا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو سيّد البشر في الدنيا والآخرة يوم مات لم يكن شيء ممّا ذكروه ، ويوم مات إبراهيم ابن النّبي (صلّى الله عليه وآله) خُسفَتِ الشمسُ ، فقال النّاس : خُسفَتْ لموتِ إبراهيمَ ، فصلّى بهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) صلاة الكسوف ، وخطبهم وبيَّن لهم أنّ الشمسَ والقمرَ لا ينخسفان لموت أحدٍ ، ولا لحياته(14) .
أقول : وفيما ادّعاه ابن كثير عدّة ملاحظات :
الأولى : قوله : وفي كلّ ذلك نظر .
أقول : بل النظر في ما تنظر فيه إذ ادّعى من غير دليل ، بل الدليل على خلافه ، كما سيتبين ذلك ، وإنّما هي دعوى من أخذ على نفسه نصرة أعداء آل مُحمّد (عليهم السّلام) .
الثانية : قوله : وهذا من سخف الشيعة .
أقول : وهذه عادة مَن لا يحتمل أنْ يسمع فضيلة لأهل البيت (عليهم السّلام) إلاّ ورمى قائلها بالتشيّع ، وصدق القندوزي فيما نقله في ينابيعه قال : وفي جواهر العقدين للشريف السيّد نور الدين علي السّمهودي المصري ، أعلم علماء مصر والحجاز ، ومصنّف تاريخ المدينة المنوّرة (على صاحبها ألف ألف تحية وتصلية) : ( وقد ) نقل البيهقي عن الربيع بن سلمان ـ هو أحد أصحاب الشافعي ـ قال : قيل للإمام الشافعي (رحمه الله) : إنّ ناساً لا يصبرون على سماع منقبة أو فضيلة لأهل البيت الطيّبين (عليهم السّلام) ، فإذا رأوا واحداً منَّا يذكرها
يقولون : هذا رافضي ، ويأخذون في كلام آخر .
فأنشأ الشافعي (يقول) :
إذا فـي مَجْلِسٍ ذكروا عليّاً     وسـبطيهِ وفـاطمةَ الزكيَّه
فأجرى بعضُهم ذكرى سواه     فَـأَيْقِنْ إنَّـه لَـسَلَقْلَقِيَّه(15)
إذا ذكـروا عـليًّا أو بـنيهِ     تـشاغل بـالرواياتِ العليّه
وقال تجاوزوا يا قومُ عَنْ ذا     فـهذا من حديثِ الرافضيّه
بَرِئْتُ إلى المهيمنِ من اُناسٍ     يرون الرَّفَْضَ حُبَّ الفاطميّه
على آلِ الرسولِ صلاةُ ربِّي     ولـعنتُهُ لتلك الجاهليّه(16)
وإلاّ فقوله : من سخف الشيعة ، كاشف عمَّا تحمله نفسه الخبيثة ـ والعياذ بالله ـ البعيدة عن الحقِّ ، وإلاّ هل كلُّ فضيلة لآل مُحمّد (عليهم السّلام) لا يتحمّلها تكون من سخف الشيعة ؟! وقد روى علماء أهل الخلاف هذه الروايات من طرق صحيحة في التغيّرات الكونية التي حصلت لمقتل الحُسين (عليه السّلام) ، ولك بعض ذلك :
ما رواه الهيثمي صاحب مجمع الزوائد : وعن أبي قبيل قال : لمَّا قتل الحُسين بن علي (عليهما السّلام) انكسفت الشمسُ كسفةً حتّى بدت الكواكب نصف النهار ، حتّى ظننا أنّها هي . رواه الطبراني ، وإسناده حسن(17) .
وروى الهيثمي : وعن الزهري قال : ما رُفِعَ بالشام حجرٌ يوم قُتْل الحُسين بن علي (عليه السّلام) إلاّ عن دمٍ . رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح (18) .
 وروى الهيثمي أيضاً وغيره : وعن الزهري قال : قال لي عبد الملك : أيُّ واحدٍ أنت إنْ أعلمتني أيّ علامةٍ كانت يوم قُتل الحُسين (عليه السّلام) ؟ فقال : قلتُ : لمْ تُرفعُ حصاةٌ ببيت المقدس إلاّ وجِدَ تحتها دمٌ عبيطٌ . فقال لي عبد الملك : إنّي وإيّاك في هذا الحديث لقرينان . رواه الطبراني ، ورجاله ثقات(19) .
وروى أيضاً المزّي ، وابن حجر ، وابن عساكر ، والقندوزي : وقال الحُسين بن إسماعيل المحاملي : حدّثنا الحسن بن شيب المؤدب ، قال : حدّثنا خلف بن خليفة ، عن أبيه ، قال : لمَّا قُتل الحُسين (عليه السّلام) اسودّت السّماء ، وظهرت الكواكب نهاراً حتّى رأيت الجوزاء ، ثمّ العصر ، وسقط التراب الأحمر ، وقال : ثمّ العصر(20) .
الثالثة : إنّ ابن كثير خلط بين عُظْمِ المصيبةِ وبين الأفضليّة ؛ فإنّ ما جرى على الحُسين (عليه السّلام) من المصائب أعظمُ ممّا جرى على غيره ، لا أنّ الحُسين (عليه السّلام) أفضلُ من جدِّه وأبيه صلوات الله عليهما وآلهما ، فقوله : وقد وقع ما هو أعظم من قتلِ الحُسين (عليه السّلام) ، ولمْ يقع شيء ممّا ذكروه ؛ فإنّه قد قُتِلَ أبوه علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ، وهو أفضلُ منه بالإجماع ، ولم يقع شيء من ذلك . مغالطة واضحة ؛ حيث يقول أوّلاً : وقد وقع ما هو أعظم من قتل الحُسين (عليه السّلام) . . . ثمّ يقول : وأبوه (عليه السّلام) أفضل منه .
أقول : الكلام في عُظْمِ المُصيبة لا في مَنْ هو أفضل ، فالمفروض إذا أراد قياساً صحيحاً أنْ يقول : ومصيبة قتل أبيه (عليه السّلام) أعظمُ من مصيبته (عليه السّلام) ، وهذا غير صحيح ؛ لأنّ ما جرى على الحُسين (عليه السّلام) من المصائب أعظم ممّا جرى على أمير المؤمنين (صلوات الله عليهم أجمعين) .
هذا إذا لم نلحظ أنّ الأفضلية لها دخل في زيادة عظم المُصيبة ، وإنْ لحظنا أنّ الأفضلية تقتضي عُظم مُصيبة الأفضل ، فأيضاً لا يمنع ذلك من وقوعه لمقتل الإمام الحُسين (عليه السّلام) دون مقتل أبيه أمير المؤمنين (عليه السّلام) ؛ وذلك لأنّ هذه المُصيبة التي جرت على الإمام الحُسين (عليه السّلام) من مصائب أفضل خلق الله على الإطلاق ، ألا وهو النّبي مُحمّد (صلّى الله عليه وآله) ووصيّه أمير المؤمنين (عليه السّلام) ؛ وذلك لأنّ مقتل الحُسين (عليه السّلام) مُصيبته (صلّى الله عليه وآله)(21) ، بل هي أعظمُ مصائبه (صلّى الله عليه وآله) ، فما حصل ـ على الأقل ـ في الكون من التغيّرات هو لأجل مُصيبة أعظم خلق الله النّبي مُحمّد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله) ووصيّه أمير المؤمنين (عليه السّلام) في ولدهما الإمام الحُسين (عليه السّلام) ، فلَماذا هذا الاستبعاد ؟!
وإليك تصريح بعض الأخبار بذلك ، فقد روى الخوارزمي : . . . ثمّ قال كعب : لعلَّكم تهوّنون قتل الحُسين (عليه السّلام) أو لا تعلمون أنّه تفتح يوم قتله أبواب السّماوات كلُّها ، ويؤذن للسّماء بالبكاء فتبكي دماً عبيطاً ! فإذا رأيتم الحُمرة قد ارتفعت من جنباتها ـ شرقياً وغربياً ـ فاعلموا أنّها تبكي حُسيناً .
فقيل له : يا أبا إسحاق ، كيف لم تفعل ذلك بالأنبياء وأولاد الأنبياء من قبل ، وبمَنْ كان خيراً من الحُسين (عليه السّلام) ؟ فقال كعب : ويحكم ! إنّ قتل الحُسين (عليه السّلام) لأمر عظيم ؛ لأنّه ابن بنت خير الأنبياء ، وأنّه يُقتلُ علانيةً مبارزةً ظلماً وعدواناً ، ولا تحفظ فيه وصيّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وهو مزاج مائه ، وبضعةٌ من لحمه ، فيُذبحُ بعرصة كربلاء في كرب وبلاء .
والذي نفسُ كعبٍ بيده ، لتبيكه زُمرةٌ من الملائكة في السّماوات لا يقطعون بكاءهم عليه آخر الدهر ، وأنّ البقعة التي يُدفنُ فيها خيرُ البقاع بعد بيت مكة والمدينة وبيت المقدس ، وما من نبيٍّ إلاّ زاره وقد بكى عليه ، ولها في كلِّ يوم زيارةٌ من الملائكة بالتسليم ، فإذا كانت ليلةُ جمعة أو يومُ جمعة نزل إليها سبعون ألفاً يزورونه ويبكون عليه ، ويذكرون فضله ومنزلته عندهم ؛ وأنّه ليسمّى في السّماوات : الحُسين المذبوح ، وفي الأرض : أبا عبد الله المقتول ، وفي البحار : الفرخ الأزهر المظلوم .
وأنّه يوم يُقتلُ تنكسفُ في النهار الشمسُ ، وفي الليل القمرُ ، وتدوم الظلمةُ على الناس ثلاثة أيام ، وتُدكدك الجبال ، وتُغطمط البحار(22) ، ولولا بقيّة من ذريّته وذريّة مُحمّد (صلّى الله عليه وآله) ، ومحبّي مُحمّد ، ومحبّي أبيه واُمِّه يطلبون بدمه ويأخذون بثأره لصبَّ الله عليهم من السّماء نيراناً .
ثم قال كعب : لعلَّكم تتعجبون ممّا اُحدّثكم من أمر الحُسين (عليه السّلام) ، أوَ لا تعلمون أنّ الله تبارك وتعالى لم يُنزل شيئاً كان أو يكون في آخر الدنيا وأوائلها إلاّ وقد فسّره لموسى ، وما من نسمة خُلقتْ ومضت من ذكر أو اُنثى إلاّ وقد رُفعَتْ إلى آدم وعُرضت عليه ، ولقد عُرضَتْ على آدم هذه الاُمّة خاصة ، فنظر إليها وإلى اختلافها ، وتكالبها على هذه الدنيا ، فقال : يا ربِّ ، ما لهذه الاُمّة وتكالبها على الدنيا ، وهم خير اُمّة وأفضلها ؟! فأوحى الله تعالى إليه : (( أنْ يا آدم ، هذا أمري في خلقي ، وقضائي في عبادي . يا آدم ، إنّهم اختلفوا فاختلفتْ قلوبُهم ، وسيُظهرون في الأرض الفساد ، كفساد قابيل حين قتل هابيل ، وسيقتلون فرخ حبيبي مُحمّد (صلّى الله عليه وآله) )) .
ومُثِّل لآدم (عليه السّلام) مقتل الحُسين (عليه السّلام) ، ووثوب اُمِّة جدِّه عليه ، فنظر آدم إليهم مسودّة وجوههم ، فقال : يا ربِّ ، ابسط عليهم الانتقام ، كما قتلوا فرخ هذا النّبي المُكرم عليك(23) .
أقول : والشيء الآخر ، فما هو المانع من أنْ يكون في الإمام الحُسين (عليه السّلام) خصوصية تقتضي ذلك ، وإنْ لم نعلم بها ؟!
وأيضاً ابن كثير قد أثبت نوح الجنّ على الإمام الحُسين (عليه السّلام) قال : وقد روى حمّاد بن سلمة ، عن عمّار بن أبي عمارة ، عن اُمِّ سلمة أنّها سمعت الجنّ تنوح على الحُسين بن علي . وهذا صحيح(24)
أقول : مع أنّ هذا لم يثبت لموت أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ، فبماذا يجيب ؟! أي الجواب الذي يجيب به هنا هو نفس الجواب على تغيّر الكون لمقتل الإمام الحُسين (عليه السّلام) دون غيره . . . إلخ .
الرابعة : إنّه عندما استشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) حصل تغيّر في الكون ، وهذا ما روي عن الزهري : أنّ أسماء الأنصارية قالت : ما رُفِعَ حجرٌ بإيليا ـ يعني حين قُتِلَ علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ـ إلاّ وُجِدَ تحته دمٌ عبيطٌ .
قال الحافظ أبو بكر بن الحُسين البيهقي (رحمه الله) قلت : كذا روي في هاتين الروايتين ، وقد روي بإسناد صحيح عن الزهري : أنّ ذلك كان حين قُتِلَ الحُسين بن علي (عليه السّلام) ، ولعلّه وُجِدَ عند قتلهما جميعاً ، والله أعلم(25) .
ورواية الزهري عن أسماء أيضاً رواها الحاكم قال : أخبرني أحمد بن بالويه العقصي ، ثنا مُحمّد بن عثمان بن أبي شيبة ، ثنا عبّاد بن يعقوب ، ثنا نواح بن درّاج ، عن مُحمّد بن إسحاق ، عن الزهري : أنّ أسماء الأنصارية قالت : ثمّ ما رُفِعَ حجرٌ بإيليا ليلةَ قُتِلَ عليّ إلاّ ووجِدَ تحته دمٌ عبيطٌ .
قال الحاكم : قد اختلفت الروايات في مبلغ سنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) حين قُتِل(26) .
وقال السّيوطي : وأخرج الحاكم ، والبهيقي ، وأبو نعيم ، عن الزهري قال : لمَّا كان صباح قتلِ علي بن أبي طالب (عليه السّلام) لمْ يُرفع حجرٌ في بيت المقدس إلاّ وُجِدَ تحته دمٌ .
 وقال أيضاً : وأخرج أبو نعيم من طريق الزهري ، عن سعيد بن المُسيّب قال : صبيحة يوم قُتل علي بن أبي طالب لمْ تُرفعَ حصاةٌ من الأرض إلاّ وتحته دمٌ عبيطٌ(27) .
الخامسة : ما ذكره من رواية موت إبراهيم ابن النّبي (صلّى الله عليه وآله) ، فعلى فرض تسليمه ، فالروايات المتقدّمة صرّحت بأنّ السّماء لم تبكِ على أحدٍ إلاّ على النّبي يحيى والإمام الحُسين (عليهما السّلام) ، ولا مانع من تخصيص العام بمخصّص معتبر ، والروايات الواردة في بكاء السّماء وحمرتها رواياتٌ صحيحة ، زيادة على أنّ الرواية التي ذكرها ابن كثير في موت إبراهيم بن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أجنبية عن المقام ؛ ولأنّها واردة في الموت ، وما نحن فيه ـ في قضية الإمام الحُسين (عليه السّلام) ـ هو القتل ، وهو خارج تخصّصاً عن الموت ؛ إذ القتل شيء والموت شيء آخر ، وهذا واضح من تفريق الشّرع المقدّس بينهما ؛ إذ رتّب أحكاماً على القتل بما هو من ثبوت الديّة والقصاص وغيرهما ، بخلاف الموت إذ لا يترتّب عليه شيء من ذلك ، وأيضاً ما نحن فيه هو المُصيبة ، والمصيبة شيء والموت شيء آخر ، ولا ملازمة بينهما .
والشيء الآخر إنّ هذه الرواية ـ على فرض تسليمها مع ما تقدّم ـ واردة في خصوص الكسوف والخسوف ، والتغيّرات الكونية التي حصلت في مقتل الإمام الحُسين (عليه السّلام) أكثر من ذلك ، ونفي الأخص لا يقتضي ولا يدلّ على نفي الأعم ، فلماذا صرّح ابن كثير بنفي الأعم مع وروده بروايات صحيحة لا معارض لها ؟!
ــــــــــــــــ
(1) أثبتنا ما بين المعقوفتين من بعض المصادر الاُخرى ؛ حيث إنّ الإرباك الموجود في عبارة الأصل قد أخلَّ بوحدة السياق . (موقع معهد الإمامين الحسنَين)
(2) دلائل النبوة ـ أبي نعيم 3 / 211 ، الخصائص الكبرى ـ السيوطي 2 / 126 ، جواهر المطالب في مناقب الإمام عليّ (عليه السّلام) ـ ابن الدمشقي 1 / 263 ، ينابيع المودّة لذوي القربى ـ القندوزي 3 / 13 ، ذخائر العقبى / 97 .
هذا ما وقفت عليه ، وقد ذكره جماعة من القوم ، منهم الحافظ أبو نعيم الإصبهاني في (دلائل النّبوة / 509 ، ط حيدر آباد الدكن) إحقاق الحقِّ ـ السيّد المرعشي 8 / 144 ، ومنهم العلاّمة محبّ الدين الطبري في (الرياض النضرة 2 / 22 ، ط مُحمّد أمين الخانجي بمصر) إحقاق الحقِّ ـ السيّد المرعشي 8 / 144 ، ومنهم العلاّمة المذكور في (ذخائر العقبى / 97 ، ط مكتبة القدس بمصر) إحقاق الحقِّ ـ السيّد المرعشي 8 / 144 ،
ومنهم العلاّمة القندوزي في (ينابيع المودّة / 216 ، ط اسلامبول) إحقاق الحقِّ السيّد المرعشي 8 / 145 ، ومنهم العلاّمة المشهور بابن الصبّاغ في (الفصول المهمّة / 154 ، ط الغري) قال : روى الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في كتابه (معالم العترة الطاهرة) إحقاق الحقِّ ـ السيّد المرعشي 8 / 144 ، ومنهم العلاّمة البدخشي في (مفتاح النجا / 135 مخطوط) إحقاق الحقِّ ـ السيّد المرعشي 8 / 144 ، ومنهم العلاّمة الشبلنجي في (نور الأبصار / 117 ، ط العامرة بمصر) إحقاق الحقِّ ـ السيّد المرعشي 8 / 145 ، ومنهم العلاّمة الآمرتسري في (أرجح المطالب / 683 ، ط لاهور) إحقاق الحقِّ ـ السيّد المرعشي 8 / 145 ، منهم العلاّمة النقشبندي في (مناقب العشرة / 27 ، من نسخة مكتبة الظاهرية بدمشق) إحقاق الحقِّ ـ السيّد المرعشي 17 / 545 . ، ومنهم العلاّمة المولوي مُحمّد مبين الهندي في (وسيلة النجاة / 171 ، ط لكنهو) . إحقاق الحقِّ ـ السيّد المرعشي 17 / 546 ، ومنهم العلاّمة باكثير الحضرمي في (وسيلة المآل / 126 ، نسخة مكتبة الظاهرية بدمشق) إحقاق الحقِّ ـ السيّد المرعشي 17 / 546 ، ومنهم العلاّمة المولوي ولي الله اللكنهوئي في (مرآة المؤمنين في مناقب أهل بيت سيّد المرسلين / 77 ، ط الهند) إحقاق الحقِّ ـ السيّد المرعشي 17 / 546 ، ومنهم الفاضل المعاصر مُحمّد رضا في (الإمام عليّ بن أبي طالب (كرم الله وجهه) رابع الخلفاء الراشدين / 18 ، ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) إحقاق الحقِّ ـ السيّد المرعشي 31 / 414 .
(3) ينابيع المودّة لذوي القربى ـ القندوزي 3 / 101 .
أقول : وكثير بن شهاب من قَتَلة الحُسين (عليه السّلام) ، وثّقه كثير من علماء أهل الخلاف ، مثل : العجلي ، وابن حبّان ، تقدّم الكلام عنه في الفصل المتعلّق بقَتَلة الحُسين (عليه السّلام) من هذا الكتاب .
(4) تفسير القرطبي 10 / 220 .
(5) نظم درر السمطين / 222 ، تفسير القرطبي 16 / 141 ، ذخائر العقبى / 145 ، عن ابن السّري ، عن اُمّ سلمة (رضوان الله عليها) .
(6) تفسير الدر المنثور ـ السّيوطي 6 / 31 ، و 4 / 164 ، وفي ط 5 / 749 .
(7) تفسير الدر المنثور ـ السّيوطي 6 / 31 ، وفي ط 5 / 749 .
(8) تذكر الخواصّ ـ سبط ابن الجوزي / 246 ، ط منشورات دار الشريف الرضي ، نظم درر السّمطين ـ الزّرندي الحنفي / 222 .
(9) تفسير الدر المنثور 6 / 31 ، وفي ط 5 / 748 ، تفسير ابن كثير 4 / 154 .
(10) تفسير ابن كثير 4 / 154 .
(11) المصدر نفسه ، تفسير القرطبي 16 / 141 ، تفسير الدرّ المنثور 6 / 31 ، وفي ط 5 / 749 قال : أخرج ابن أبي حاتم (أي الرواية عن يزيد بن زياد) .
(12) نور العين في مشهد الحُسين (عليه السّلام) ـ أبو إسحاق الأسفراييني / 76 ، وفي ط ص 65 .
(13) مقتل الحُسين (عليه السّلام) ـ الخوارزمي 2 / 39 .
(14) تفسير ابن كثير 4 / 154 .
(15) السلقلقيّة : (هي المرأة التي تحيض من دبرها) .
(16) ينابع المودّة ـ القندوزي 3 / 97 .
(17) مجمع الزوائد ـ الهيثمي 9 / 197 .
(18) مجمع الزوائد ـ الهيثمي 9 / 196 .
(19) مجمع الزوائد 9 / 196 ، المعجم الكبير ـ الطبراني 3 / 119 ، الطبقات الكبرى 1 / 163 باختلاف يسير ، ومثله في سير أعلام النبلاء 3 / 314 ، تهذيب التهذيب 2 / 305 ، تهذيب الكمال 6 / 434 مثله .
(20) تهذيب الكمال 6 / 432 ، تهذيب التهذيب 2 / 305 مثله ، ترجمة الإمام الحُسين (عليه السّلام) / 354 بزيادة وسقط التراب الأحمر ، تاريخ مدينة دمشق ـ ابن عساكر 14 / 226 باختلاف يسير مع اختلاف بعض رجال السند ، في ينابيع المودّة شبيهه 3 / 15 ، وسنذكر ذلك مفصّلاً في بحث الآثار التكوينية لمقتل الحُسين (عليه السّلام) .
(21) راجع الفصل الثاني في الأخبار عن مقتل الحُسين (عليه السّلام) ، وأيضاً فصل بكاء النّبي (صلّى الله عليه وآله) ، وانظر ما هو حال النّبي (صلّى الله عليه وآله) لكي يتّضح لك الحقّ ، كما هو واضح إلاّ عند مَنْ أعمى الله قلبه .
(22) الغطمطة : هي اضطراب الأمواج . لسان العرب 6 / 363 مادة غطمط .
(23) مقتل الحُسين (عليه السّلام) ـ الخوارزمي 2 / 192 ـ 194 ، وتأتي هذه الرواية مفصلّة في آخر الفصل المتعلّق بزيارة الحُسين (عليه السّلام) .
(24) البداية والنهاية ـ ابن كثير 6 / 259 .
(25) نظم درر السمطين ـ الزّرندي الحنفي / 149 .
(26) المستدرك ـ الحاكم النيسابوري 3 / 155 .
(27) الخصائص الكبرى ـ السيوطي 2 / 124 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page