• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

بين الخلفاء والشريعة

لا ريب ان اهم شروط الامامة والتي تعتبر المفهوم الواقعي والحكمة العالية في الخلافة في الاسلام هو: ان يكون الامام والخليفة حافظا للدين، وصائنا للشريعة، ومنفذالقوانين القرآن وتشريعاته.
هذا ما اوضحه أمير المؤمنين (ع) في ضمن بيانه لشروط الامامة فقال: ولا المعطل للسنة فيهلك الامة.
ولكن التاريخ يروي لنا عكس هذا تماما، ويستفاد مما احتوته احاديث الصحيحين، ان بعض حكام الشريعة، وقوانين الدين، قد تعرضت للتزوير وتطاولت اليها ايدي التشويه والتحريف في عهد الخلفا، وانهـم كانوا يغيرون التعاليم والاحكام الدينية حسب ما تقتضيه مصالحهم ونزعاتهم الشخصية، وكل واحد منهم كان يفسر الشريعة والسنة وفقا لرايه وكيفما شات اهواؤهم.
لما ارادوا ان يبرروا هذا العمل ـ ويصبغوا هذه التحريفات والتغييرات بالصبغة الدينية والطابع الشرعي، ويظهروا باطلهم ومخالفاتهم للنصوص في كسوة الحق سموه الاجتهاد، وخلف ستار الاجتهاد وباسمه دسوا تحريفاتهم ومخالفاتهم في اوساطالمجتمعات الاسلامية، بينما الاجتهاد في الواقع امر، ومخالفة التعاليم القرآنية الصريحة والسنة النبوية امر آخر.
وبهذه المناسبة يقول امير المؤمنين الامام علي (ع):
قد عملت الولاة قبلي اعمالا خالفوا فيها رسول اللّه (ص)، متعمدين بخلافه، ناقضين لعهده، مغيرين لسنته، ولو حملت الناس على تركها، وحولتها الى مواضعها، والى ما كانت في عهد رسول اللّه (ص)، لتفرق عني جندي، حتى ابقى وحدي، او مع قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي، وفرض امامتي من كتاب اللّه وسنة رسوله (ص)(1).
وقال ايضا: لو قد استوت قدماي من هذه المداحض لغيرت اشيا.
وعلق ابن ابي الحديد في شرحه على هذه الكلمة: لسنا نشك انه كان يذهب في الاحكام الشرعية والقضايا الى اشيا يخالف فيها اقوال الصحابة، نحو قطعه السارق من رؤوس الاصابع، وبيعه امهات الاولاد، وغير ذلك، وانما كان يمنعه من تغيير احكام من تقدمه اشتغاله بحرب البغاة والخوارج(2).
اقول: ان عدد الاحكام التي غيرت وحرفت واحصا المخالفات التي وقعت في قبال اوامر النبي (ص) واحكامه سوا في حياته او بعد وفاته من قبل الصحابة، فهي كثيرة العدد مستخرجة ومروية في كتب الحديث والتفسير بكثرة.
الا اننا نذكر هنا بعض تلك الاعمال ـ وقد نقلها الشيخان في صحيحيهما التي خالف فيها الاصحاب اوامر الرسول (ص) وسننه، وحرفوها:

لا ريب ان اهم شروط الامامة والتي تعتبر المفهوم الواقعي والحكمة العالية في الخلافة في الاسلام هو: ان يكون الامام والخليفة حافظا للدين، وصائنا للشريعة، ومنفذالقوانين القرآن وتشريعاته.
هذا ما اوضحه أمير المؤمنين (ع) في ضمن بيانه لشروط الامامة فقال: ولا المعطل للسنة فيهلك الامة.
ولكن التاريخ يروي لنا عكس هذا تماما، ويستفاد مما احتوته احاديث الصحيحين، ان بعض حكام الشريعة، وقوانين الدين، قد تعرضت للتزوير وتطاولت اليها ايدي التشويه والتحريف في عهد الخلفا، وانهـم كانوا يغيرون التعاليم والاحكام الدينية حسب ما تقتضيه مصالحهم ونزعاتهم الشخصية، وكل واحد منهم كان يفسر الشريعة والسنة وفقا لرايه وكيفما شات اهواؤهم.
لما ارادوا ان يبرروا هذا العمل ـ ويصبغوا هذه التحريفات والتغييرات بالصبغة الدينية والطابع الشرعي، ويظهروا باطلهم ومخالفاتهم للنصوص في كسوة الحق سموه الاجتهاد، وخلف ستار الاجتهاد وباسمه دسوا تحريفاتهم ومخالفاتهم في اوساطالمجتمعات الاسلامية، بينما الاجتهاد في الواقع امر، ومخالفة التعاليم القرآنية الصريحة والسنة النبوية امر آخر.
وبهذه المناسبة يقول امير المؤمنين الامام علي (ع):
قد عملت الولاة قبلي اعمالا خالفوا فيها رسول اللّه (ص)، متعمدين بخلافه، ناقضين لعهده، مغيرين لسنته، ولو حملت الناس على تركها، وحولتها الى مواضعها، والى ما كانت في عهد رسول اللّه (ص)، لتفرق عني جندي، حتى ابقى وحدي، او مع قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي، وفرض امامتي من كتاب اللّه وسنة رسوله (ص)(1).
وقال ايضا: لو قد استوت قدماي من هذه المداحض لغيرت اشيا.
وعلق ابن ابي الحديد في شرحه على هذه الكلمة: لسنا نشك انه كان يذهب في الاحكام الشرعية والقضايا الى اشيا يخالف فيها اقوال الصحابة، نحو قطعه السارق من رؤوس الاصابع، وبيعه امهات الاولاد، وغير ذلك، وانما كان يمنعه من تغيير احكام من تقدمه اشتغاله بحرب البغاة والخوارج(2).
اقول: ان عدد الاحكام التي غيرت وحرفت واحصا المخالفات التي وقعت في قبال اوامر النبي (ص) واحكامه سوا في حياته او بعد وفاته من قبل الصحابة، فهي كثيرة العدد مستخرجة ومروية في كتب الحديث والتفسير بكثرة.
الا اننا نذكر هنا بعض تلك الاعمال ـ وقد نقلها الشيخان في صحيحيهما التي خالف فيها الاصحاب اوامر الرسول (ص) وسننه، وحرفوها:

1 ـ القتل والفتك

1 ـ القتل والفتك
تحريف الاحكام:
من الاحكام الضرورية في الشريعة الاسلامية حرمة الانسان المسلم الذي يقربالشهادتين شهادة ان لا اله الا اللّه وان محمدا رسول اللّه (ص) فاهراق دمه واستباحة ماله حرام، ولا يحق لاحد التعرض لهما الا من الناحية الحقوقية الفردية.
قال النبي (ص): امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا: لا اله الا اللّه، فمن قال: لا اله الا اللّه، فقد عصم مني ماله ونفسه الا بحقه، وحسابه على اللّه(3).
فبعد وفاة الرسول ابي بعض المسلمين المعتقدين بوجوب احكام الدين وضرورياته كالزكاة ان يدفع الزكاة الى ابي بكر، والحق لانهم ما كانوا يعترفون بخلافة ابي بكر على انها خلافة شرعية، ولذلك حاربهم ابو بكر فقتل رجالهم وسبى نساهم واطفالهم(4).
ولما راوا فضاعة ما فعلوه عمدوا الى الباسه لباس الشرعية ليحصنوا بذلك شرف الخليفة من النقد والاستنكار، ويبرؤونه من وصمة العار، ولذلك سموا مانعي دفع الزكاة الى الخليفة بالمرتدين، وبذلك اشتهروا، وصيروا في قائمة الكفار مثل مسيلمة(5) وطليحة(6) اللذان حاربا الاسلام في عهد رسول اللّه
(ص).
بينما الروايات والتاريخ يدفعان هذا الاتهام والوصمة بالارتداد عن هذه الفئة وينفيانه عنها وتبرئ اولئك من هذه الفرية.
ومن الاحاديث التي تكشف عن واقعية هذه القضية وحقيقتها هو ما اخرجه البخاري ومسلم في كتابيهما، حيث كشفا عن جوانب جزئية من هذه القصة نتطرق الى نقل خلاصة القضية من الناحية التاريخية.
اخرج الشيخان عن ابي شهاب، اخبرني عبيداللّه بن عبداللّه بن عتبة ان ابا هريرة قال: لما توفي النبي (ص) واستخلف ابوبكر، وكفر من كفر من العرب، قال عمر: يا ابا بكر قال رسول اللّه (ص): «امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا: لا اله الا اللّه، فمن قال: لا اله الا اللّه عصم مني ماله ونفسه الا بحقه وحسابه على اللّه»؟
قال ابو بكر: واللّه لاقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فان الزكاة حق المال واللّه لومنعوني عناقا كانوا يؤدونها الى رسول اللّه (ص) لقاتلتهم على منعها.
قال عمر: واللّه ما هو الا ان رايت ان قد شرح اللّه صدر ابي بكر للقتال، فعرفت انه الحق(7).
اقول: ان الجملة الاولى من هذه الحكاية وكفر من كفر من العرب كما يظهر من ظاهرها ليست الا كذبا وتدليسا، وما هي الا ذريعة التمسوها لتوجيه القتل والغارات والتنكيل بالمسلمين، التي وقعت بامر من الخليفة ابي بكر، وما يشهد على زيف دعواهم ما جاء في الفقرات الاخيرة من القصة البخارية.
1 ـ ورد في جواب ابي بكر لعمر: «انى اقاتل من فرق بين الصلاة والزكاة» وهذه العبارة انما تدل بوضوح على ايمانهم واقامتهم الصلاة وليس فيها ما يمت الى كفرهم.
2 ـ فلو فرضنا انهم مرتدون فان اعتراض عمر على الخليفة حينئذ يكون باطلا، حيث انه استنكر عمل الخليفة وانتقده، واستدل في استنكاره بحديث يبين فيه تعاليم الاسلام في بيان مصونية مال المسلمين ودمائهم.
قال ابن رشد: وقد بقى من احكامه حكم مشهور، وهو ماذا حكم من منع الزكاة ومن لم يجحد وجوبها؟
فذهب ابو بكر (رض) الى ان حكمه حكم المرتد، وبذلك حكم في مانع الزكاة من العرب، وذلك انه قاتلهـم وسبى ذريتهـم، وخالفه في ذلك عمر، واطلق من كان استرق منهم وبقول عمر قال الجمهور(8).
وكانت حروب الردة كما يصطلحون عليها منحصرة في جبهتين: في جبهة حضرموت ضد قبائل كندة ومارب وكان اميرالعسكر الخليفي عكرمة بن ابي جهل وفي جبهة اطراف المدينة ضد قبائل عبس وذبيان وبني كنانة وغيرها بقيادة خالد بن الوليد.
وهـؤلا الرجال الذين قتلوا بسيف المسلمين بقيادة عكرمة وخالد لم يرتدوا ولم يكونوا منكري وجوب الزكاة، بل هم مسلمون وكانوا يقولون:
اطعنا رسول اللّه مادام وسطنا.
فيا قوم ما شاني وشان ابي بكر(9).
بعضهـم كانوا يقولون لممثل الخليفة: انك تدعو الى طاعة رجل لم يعهد الينا ولا اليكم فيه عهد(10).
وتارة كانوا يقولون(11) لهم: انظروا في شان عترة النبي (ص) فما كان من امرهم، وهم الاولى بتسنم خلافة الرسول فاقصيتموهم واللّه تعالى يقول:
(واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض في كتاب اللّه)(12).
قال ابن كثير: وجعلت وفود العرب بعد خلافة ابي بكر تقدم المدينة، يقرون
بالصلاة ويمتنعون عن اداء الزكاة، ومنهم من امتنع عن دفعها الى الصديق ابي بكر(13).
وقال العقاد: اما القبائل ورا ذلك، فكان لكل منها نصيب من التقلقل يناسب نصيبها من القرب والبعد والمودة والجفا، فاقربهم الى مهد الاسلام كانوا يخلصون للنبي (ص) ويخرجون على من ولى الحكم بعده:
اطعنا رسول اللّه مذ كان بيننا    فيا لعباد اللّه ما لابي بكر واناس منهم آمنوا بالزكاة ولم يؤمنوا بمن يؤدونها اليه(14).
وقال الاستاذ محمد حسنين هيكل: جمع ابو بكر كبار الصحابة يستشيرهم في قتال الذين منعوا الزكاة، وكان رأي عمر بن الخطاب وطائفة من المسلمين معه الا يقاتلواقوما يؤمنون باللّه ورسوله، وان يستعينوا بهم على عدوهم، ولعل اصحاب هذا الراي كانوا اكثر الحاضرين، في حين كان الذين اشاروا بالقتال هم القلة.
واغلب الظن ان المجادلة بين القوم في هذا الامر البالغ الخطر طالت، واحتدمت ايما احتدام، فقد اضطر ابوبكر ان يتدخل بنفسه فيها، يؤيد القلة ولقد اشتد في تاييد رايه في ذلك المقام يدل على ذلك قوله: واللّه لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه الى رسول اللّه (ص) لقاتلتهم على منعه(15).
اقول: وقصة التشاور بين ابي بكر وبلاطه نقلها السيوطي(16) والبلاذري وابن الاعثم الكوفي(17)، وقال الاعثم:
وان جملة «واللّه لو منعوني عقالا» قالها ابوبكر في جواب عمر عندما رآه يعارض فكرة قتال المسلمين.
وعلى اي حال يتضح مما ذكرناه ونقلناه عن ابن كثير وسائر المؤرخين، ومن كلام ابي بكر ان السبب والباعث الرئيسي ورا قتاله لهؤلاء القوم لم يكن ارتدادهم وتراجعهم عن الاسلام، او انكارهم لاحدى الضروريات الدينية اي الزكاة ـ، بل الباعث في قتالهم هو انهم امتنعوا عن اداء الزكاة لابي بكر كما كانوا يؤدونها لرسول اللّه (ص).
مالك بن نويرة عامل النبي (ص) على الصدقات:
الحروب التي شنت على القبائل المختلفة، وقتل فيها رجالها وسبيت النساوالاطفال، لم يكن سببها في الواقع هو ارتدادهم عن الدين وخروجهم عن الاسلام كما اتهموا بها، وانما السبب الواقعي هو امتناعهم عن اداء الزكاة للخليفة لابي بكر.
ولما كان استعراض كل الجزئيات المكنونة في تلك الحروب الردة وشرحها ممايستدعي ويستوجب الاطالة والاطناب، فلذلك اكتفينا بذكر قصة قتل مالك بن نويرة ورجال قبيلته خاصة(18).
قال ابن حجر في ترجمة مالك بن نويرة: وكان النبي (ص) استعمله على صدقات قومه قبيلة بني تميم(19).
وقال ابن الاعثم الكوفي: ثم ضرب خالد عسكرا بارض بني تميم، وبث السرايافي البلاد يمنة ويسرة، قال: فوقعت سرية من تلك السرايا على مالك بن نويرة فاذا هو في حائط له ومعه امراته وجماعة من بني عمه.
قال: فلم يرع مالك الا والخيل قد احدقت به، فاخذوه اسيرا واخذوا امراته معه، وكانت مسحة من جمال، واخذوا كل من كان معه من بني عمه، فاتوا بهم الى خالد بن الوليد حتى اوقفوا بين يديه.
 قال: فامر خالد بضرب اعناق بني عمه بديا.
فقال القوم: انا مسلمون، فعلى ماذا تامر بقتلنا؟ قال خالد: واللّه لاقتلنكم، فقال له شيخ منهم: اليس قد نهاكم ابو بكر عن ان تقتلوا من صلى للقبلة؟ قال خالد: بلى قد امرنابذلك، ولكنكم لم تصلوا ساعة قط.
قال: فوثب ابو قتادة الى خالد بن الوليد فقال: اشهد انك لا سبيل لك عليهم، قال خالد: وكيف ذلك؟ قال:
لاني كنت في السرية التي قد وافتهم، فلما نظروا الينا قالوا: من اين انتم؟ قلنا: نحن مسلمون قالوا:
ونحن مسلمون ثم اذنا وصلينا فصلوا معنا فقال خالد: صدقت يا ابا قتادة، ان كانوا قد صلوا معكم فقد منعوا الزكاة التي تجب عليهم ولابد من قتلهم قال: فرفع شيخ منهم صوته وتكلم، فلم يلتفت خالد اليه والى مقالته، فقدمهم فضرب اعناقهم عن آخرهم.
قال: وكان ابو قتادة قد عاهد اللّه انه لا يشهد مع خالد بن الوليد مشهدا ابدا بعدذلك اليوم.
قال: ثم قدم خالد مالك بن نويرة ليضرب عنقه، فقال مالك: اتقتلني وانا مسلم اصلي الى القبلة؟ خالد: لو كنت مسلما لما منعت الزكاة ولا امرت قومك، واللّه مانلت ما في مثابتك منامك حتى اقتلك.
قال: فالتفت مالك بن نويرة الى امراته فنظر اليها ثم قال: يا خالد برجوعك عن دين الاسلام، وجفلك لابل الصدقة، وامرك لقومك بحبس ما يجب عليهم من زكاة اموالهم قال: ثم قدمه خالد فضرب عنقه صبرا فيقال: ان خالد بن الوليد تزوج بامراة مالك، ودخل بها، وعلى ذلك اجمع اهل العلم(20).
قال اليعقوبي المؤرخ: وكان متمم بن نويرة اخو مالك شاعرا فرثى اخاه بمراث كثيرة ولحق بالمدينة الى ابي بكر، فصلى خلف ابي بكر صلاة الصبح، فلما فرغ ابو بكر من صلاته، قام متمم فاتكا على قوسه ثم قال:
نعم القتيل اذا الرياح تناوحت    خلف البيوت قتلت يابن الازور
ادعـوته باللّه ثـم غـدرته    لـو هـو دعـاك بذمه لم يغدر
فقال ابوبكر: ما دعوته ولا غدرت به(21).
وقال اليعقوبي ايضا: وكان اول ما عمل به عمر لما ولي الخلافة ان رد سبايا اهل الردة الى عشائرهم(22).
وقال ابن الاعثم: فهم ابو بكر بقتل المقاتلة وقسمة النسا والذرية، فمنعه عمر عن ذلك فامر بهم ابو بكر فحبسوا، ولما صار الامر الى عمر قال لهم: انطلقوا فانتم احرار لوجه اللّه فلا فدية عليكم(23).
نعم، هكذا كان المسلمون يقتلون وتضرب اعناقهم وتسبى نساؤهم وذرياتهم، بامر من الخليفة، وما ذنبهم الا انهم امتنعوا عن اداء الزكاة الى الخليفة، وكانوا يسحبون والاغلال في اعناقهم الى مركز الحكومة الاسلامية.
ولكن لما مات ابو بكر وحل محله خليفته عمر بن الخطاب استنكر ما كان يراه ابوبكر صحيحا، واول عمل قام به ان اطلق سراح الاسرى والسبايا وارجعهم الى قبائلهم كما قرأنا معا خلاصة ما نقله الشيخان في صحيحيهما في الاسطر السابقة.
واخرج مسلم في صحيحه باسناده عن ابي هريرة قال:
ان رسول اللّه (ص) لما اعطى الراية يوم خيبر لعلي بن ابي طالب (ع) قال له: امش ولا تلتفت حتى يفتح اللّه عليك، قال: فسار علي (ع) شيئا ثم وقف ولم يلتفت فصرخ: يارسول اللّه على ماذا اقاتل الناس؟
قال: قاتلهم حتى يشهدوا ان لا اله الا اللّه وان محمدا رسول اللّه (ص)، فاذا فعلواذلك فقد منعوا منك دماهم واموالهم الا بحقها وحسابهم على اللّه(24).
هذه هي سيرة الرسول وسنته وانقياد الامام علي (ع) لاوامره، وهذه هي سنة الاسلام ونهجه الصحيح.
وتلك كانت طريقة الخلفاء ومنهجم في اجرا الاحكام الدينية والسنة النبوية.

2 ـ قصة فدك وإرث الرسول (ص):

2 ـ قصة فدك وإرث الرسول (ص):
المورد الثاني من مخالفة الخلفاء لرسول اللّه (ص) واحكام الشريعة، والتي وقعت في عهد الخليفة ابي بكر هو مسالة غصبه فدك وارث رسول اللّه (ص) من فاطمة الزهرا (س)، وانه آذى بضعة الرسول (ص) واغضبها.
ولما كانت هذه الواقعة وبعض جوانبها قد وردت مجملة ومختصرة في الصحيحين في موردين فقط، نقلاها عن عائشة بنت ابي بكر، راينا لزاما ان ننقل النص منهما ومن ثم ندرس هذه القضية دراسة محق قة على نحو الاختصار.
1 ـ عروة بن الزبير: ان عائشة ام المؤمنين (رض) اخبرته ان فاطمة (س) ابنة رسول اللّه (ص) سالت ابا بكر الصديق بعد وفاة رسول اللّه (ص) ان يقسم لها ميراثها مما ترك رسول اللّه مما افا اللّه عليه.
فقال لهـا ابو بكر: ان رسول اللّه (ص) قال: لا نورث، ما تركنا صدقة فغضبت فاطمة بنت رسول اللّه (ص)، فهجرت ابا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت وعاشت بعد رسول اللّه (ص) ستة اشهر.
قالت: وكانت فاطمة (س) تسال ابا بكر نصيبها مما ترك رسول اللّه (ص) من خيبر  
وفدك وصدقته بالمدينة، فابى ابو بكر عليها ذلك(25).
2 ـ عن عروة، عن عائشة: ان فاطمة (س) بنت النبي (ص)، ارسلت الى ابي بكر، تساله ميراثها من رسول اللّه (ص) مما افا اللّه عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبرفقال ابو بكر: ان رسول اللّه (ص) قال: لا نورث ما تركنا صدقة، انما ياكل آل محمد (ع) في هذا المال، واني واللّه لا اغير شيئا من صدقة رسول اللّه (ص) عن حالها التي كان عليها في عهد رسول اللّه (ص)، ولاعملن فيها بما عمل به رسول اللّه (ص).
فابى ابو بكر ان يدفع الى فاطمة (س) منها شيئا، فوجدت فاطمة (س) على ابي بكرفي ذلك، فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي (ص) ستة اشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا، ولم يؤذن بها ابا بكر وصلى عليها، وكان لعلي (ع) من الناس وجه حياة فاطمة (س)، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة ابي بكرومبايعته، ولم يكن يبايع تلك الاشهر، فارسل الى ابي بكر ان ائتنا ولا ياتنا معك احد(26).
اقول: هذان الحديثان اخرجهما الشيخان باسنادهما عن عائشة، ولما كان الحديث طويلا انتقينا الفقرات الاولى منها حيث انها بيت القصيد.
وعلى الرغم من ان كلام عائشة قد اعطت القضية نوعا من الجدل والمصالحة، وصبغتها بصبغة الصلح والمسالمة، الا انها تحتوي على نقاط هامة، وتكشف عن حقائق كانت مستورة نشير اليها باختصار:
اموالا وقرى خارج المدينة غير فدك كما اثبته المحققون والعلماء(27).
وهذا ما نستفيده من كلام عائشة حيث قالت: بان فاطمة طالبت ابا بكر بعد وفاة النبي بموارد متعددة، مثل فدك والخمس من غنائم خيبر والصفايا والصدقات خارج المدينة.
ولعل اشتهار فدك من بين كل تلك الموارد، لاهميتها الخاصة وموقعها كما يقول ابوداود في سننه: ان ارباح فدك السنوية في عهد الخليفة عمر بن عبدالعزيز كانت تبلغ ‌اربعين الف دينار وقد ردها الخليفة لبني الحسن(28).
2 ـ ان ابا بكر عندما امتنع من ان يرجع ميراث النبي (ص) الى اهل بيته (ع) عمد الى تزويرو جعل حديث ونسبه الى رسول اللّه (ص) بانه قال: لا نورث.
3 ـ ان فاطمة الزهرا (س) انكرت هذا الحديث المزيف وانتقدته، وهجرت ابابكرولم تكلمه، حتى توفيت فغسلها وكفنها ودفنها وصلى عليها زوجها علي بن ابي طالب (ع) ليلا، ولم يخبر الخليفة بوفاتها والصلاة عليها.
4 ـ كانت فاطمة (س) في المدة التي عاشتها بعد ابيها الرسول ستة اشهر(29) اقوى حام ومدافع لأمير المؤمنين (ع) في مقابل مخالفيه، ولذا نقرا انه ما بايع أمير المؤمنين (ع) ابابكر ما دامت فاطمة (س) حية، وعندما توفيت فاطمة (س) وتغير اسلوب الخليفة واصحاب رسول اللّه (ص) في معاملتهم لأمير المؤمنين الامام علي (ع)، ارسل الى ابي بكر وبايعه، كماقالت عائشة: استنكر وجوه الناس فالتمس مصالحة ابي بكر ومبايعته.
ابداع مادة قانونية:
اما ما يرتبط من هذه الموارد الاربع المذكورة ببحثنا هو الموردين الاوليين اي مصادرة ميراث النبي وغصبه، والاخر وضع حديث مزيف بحيث صار قانونا لمن ياتي بعده ولما كان موضوع مصادرة الارث وغصب فدك من مسلمات الحوادث التاريخية المتفق عليها عند السنة والشيعة، لذلك لم نر لزوما للبحث فيها، فعلى هذا فان البحث منحصر في المورد الثاني.
كان الخليفة ابوبكر في تلك اللحظات الحساسة بحاجة ماسة الى ذريعة قوية ووسيلة شرعية، حتى تمكنه من الوصول الى ما نواه من مصادرة ميراث النبي واخراج ماكان عليه يدي الزهرا ابنة الرسول (ص) من ملكيتها، ويجعلها جزا من الانفال العامة المتعلقة ببيت المال، وهو في نفس الوقت كان يفكر ان لا يواجه هزيمة في منازعته مع الجانب الاخر يعني فاطمة الزهرا (س) ويكون هو المنتصر عند الراي العام، فما كانت ذريعة اقوى وادحض لمطالبة الجانب الاخر من ان يضع ويختلق حديثا وينسبه الى النبي (ص) اذ يقول: نحن معاشر الانبياء لا نورث، ما تركناه صدقة.
هذا الحديث في معارضته ومناقضته للنصوص القرآنية صريح وواضح، وزد على هذه المخالفة ما فيه من معاكسته لكثير من الحقائق الاخرى التي سنذكرها:
فلو كان الحديث المنسوب الى النبي صحيحا فلم لم يرويه احد من اهل بيته (ع) واصحابه سوى ابي بكر، وحتى ابنته وصهره (ع) وكذا ازواجه لم يسمعوا بمثل هذا الخبرمن النبي (ص)؟
الم تكن وظيفة الرسول (ص) وفقا للاية (وانذر عشيرتك الا قربين)(30) ان يخبربه ابنته (س) صاحبة الحق وصهره الامام علي (ع) الذي كان ملازما له دائما لكي لا تطالب بعد وفاته (ص) بالارث وكذا يصنع من حدوث الاختلاف بين اهل بيته (ع) واصحابه؟
هل الرسول (ص) كان يجهل انه سيحدث بعد وفاته اختلاف ونزاع حول مسالة الارث؟
ولو كان هذا الحديث صحيحا لماذا لاثت فاطمة الزهرا (س) وهي من اصحاب الكسا ومعصومة من الذنوب والخطا(31)، خمارها، واشتملت بجلبابها، واقبلت في امة من حفدتها ونسا قومها، تطا ذيولهـا، ما تخرم مشيتها مشية رسول اللّه (ص)، حتى دخلت على ابي بكر، وهو في حشر من المهاجرين والانصار وغيرهم، فنيطت دونها ملائة، فحنت ثم انت انة اجهش القوم لها بالبكا، فارتج المجلس، ثم امهلت هنيهة، حتى اذاسكن نشيج القوم، وهدات فورتهم، افتتحت الكلام وبدات خطبتها التاريخية واحتجاجها الخالد.
وبعد الحمد والثنا ذكرتهم بمتاعب ابيها رسول اللّه (ص)، وقضية خلافة بعلها، مستدلة بالبراهين الجلية، والدلائل الواضحة، ثم توجهت الى ابي بكر، وقالت: يا ابن ابي قحافة، افي كتاب اللّه ان ترث اباك ولا ارث ابي؟ وبعد ذلك توجهت الى قبر رسول اللّه (ص) وقالت:
قـد كـان بـعدك انبا وهـنبثة    لو كـنت شاهدها لم تكثر الخطب
ابدت لنا رجال نجوى صدورهم    لـما قـضيت وحالت دونك الكثب
تـجـهمتنا رجال واستخف بـنا    اذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب(32)
فلو كان ما نسبه ابو بكر الى الرسول (ص) صحيحا لماذا غضبت عليه فاطمة الزهرا (س) التي قال عنها الرسول: من اغضبها فقد اغضبني(33) ولم تكلم ابابكر حتى توفيت (ع)؟(34).
فلو كان ادعا ابي بكر صحيحا لما وقف أمير المؤمنين والحسن والحسين (ع) الذين نزلت فيهم آية التطهير والمباهلة الى جانب الزهرا (س) في احتجاجها مع ابي بكر؟
وهل يعقل ان ياخذ الامام علي وفاطمة والحسن والحسين (ع) الصدقات وهي محرمة عليهم وهي مختصة بفقرا المسلمين، ويصيرونها ملكا لهم؟ هذه الامورتدل بوضوح بان أمير المؤمنين وفاطمة وابناهما (ع) كانوا ينكرون على ابي بكر في جعله لهذه الرواية، وقالوا بانه قانون موضوع مختلق لا اساس له ولا اعتبار.
اصحاب النبي (ص):
قلنا: انه ليس في اصحاب النبي (ص) من سمع هذا الحديث من النبي (ص) الا ابابكر، وهذه المسالة من المسائل التي ما وسع علماء العامة ومحققيهم الا ان يصرحواوينوهوا على انها من منفردات ابي بكر، وعلى سبيل المثال نذكر ثلاثا منهم:
1 ـ قال ابن ابي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة: انه لم يرو هذا الخبر الا ابوبكر وحده، ذكر ذلك اعظم المحدثين، حتى ان الفقها في اصول الفقه اطبقوا على ذلك في احتجاجهم في الخبر برواية الصحابي الواحد(35).
وقال ايضا في موضع آخر تاييدا لقول السيد المرتضى: صدق المرتضى رحمه اللّه فيما قال، فلم يرو الخبر نفي الارث الا ابو بكر وحده(36).
2 ـ قال السيوطي: واختلف الاصحاب في ميراثه النبي فما وجدوا عند احد من ذلك علماء فقال ابو بكر: سمعت رسول اللّه (ص) يقول: انا معشر الانبياء لا نورث، ما تركناه صدقة(37).
3 ـ قال ابن حجر: اختلف الاصحاب في ميراث النبي فما وجدوا عند احد من ذلك علماء فقال ابو بكر: سمعت رسول اللّه (ص) يقول: انا معاشر الانبياء لا نورث(38).
زوجات النبي (ص):
ذكرنا سابقا ان اسطورة نفي الارث من الانبيا، والتي ولدت بعد وفاة النبي على انها حديث نبوي لم يسمعه اي احد من اصحاب النبي (ص) ولا عترته (ع) وحتى زوجاته لم يسمعن من النبي مثل هذا الحديث.
ولو كان هذا الحديث صدر من النبى حقيقة لاخبرهن بذلك، لان لهن نصيب وسهم معين في ميراثه (ص)، وهن اولات حق في تركة النبي (ص)، وهذا البخاري يروي في صحيحه عن عائشة تقول: بان زوجات النبي (ص) طالبن ابا بكر ارثهن وسهمهن من تركة الرسول (ص) الثمن، وارسلن اليه عثمان لكي يطالبه بالثمن من الارث.
وهذه القصة فيها دلالة واضحة على ان ازواج النبي قد انكرن على ابي بكروكذبنه، واثبتن بعملهن هذا ان هذا القانون منع ارث النبي (ص) هو من القوانين الموضوعة ولم يكن له وجود شرعي في الخارج وضعه ابو بكر ونسبه للنبي (ص).
اخرج البخاري حديثا عن عائشة تشير الى حكاية هذه المطالبة:
عن عروة بن الزبير قال: سمعت عائشة زوج النبي تقول: ارسل ازواج النبي (ص) عثمان الى ابي بكر يسالنه ثمنهن مما افا اللّه على رسوله (ص)، فكنت انا اردهن فقلت لهن: الا تتقين اللّه، الم تعلمن ان النبي (ص) كان يقول: لا نورث، ما تركناصدقة، يريد بذلك نفسه، انما ياكل آل محمد (ص) في هذا المال(39).
وقد اشرنا فيما سبق بان هذا الحديث لم ينقله احد غير ابي بكر ولم ينسبه
 المحدثون الى عائشة، وان عائشة نفسها في احتجاجها على سائر ضراتها وازواج النبي (ص) تروي الحديث عن ابيها ابي بكر ايضا.
والجدير بالذكر ان الخلفاء كانوا يعطون كل واحدة من ازواج رسول اللّه (ص) مايجبر حرمانها من ارث النبي (ص) واما عائشة فقد كان لها نصيب الاسد، وهي اكثرهن حظا من تلك العطايا(40).
والحق ما قاله ابن الفارقي استاذ المدرسة الغربية ببغداد كما يحدث ابن ابي الحديد عنه فقال:
سالت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد فقلت له: اكانت فاطمة (س) صادقة؟ قال: نعم.
قلت: فلم لم يدفع اليها ابو بكر فدك وهي عنده صادقة؟
فتبسم ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته، قال: لواعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها، لجات اليه غدا وادعت لزوجها الخلافة وزحزحته عن مقامه، ولم يمكنه الاعتذار والموافقة بشي، لانه يكون قد سجل على نفسه انهاصادقة فيما تدعي كائنا ما كان من غير حاجة الى بينة وشهود.
وهذا كلام صحيح وان كان اخرجه مخرج الدعابة والهزل(41).

3 ـ صلح الحديبية:

3 ـ صلح الحديبية:
قال ابو وائل: كنا بصفين حيث اعلن وقف الحرب بين جند الامام علي (ع) وجيش معاوية، فقام بعض جند الامام مخالفا فقام سهل بن حنيف وسط جند الامام فقال: ايها الناس اتهموا انفسكم ولا تدعوا انكم تعلمون كل شي فانا كنا مع رسول اللّه (ص) يوم الحديبية، ولو نرى قتالا لقاتلنا فجا عمر بن الخطاب فقال: يا رسول اللّه  السنا على الحق وهم على الباطل؟ فقال (ص): بلى فقال عمر: اليس قتلانا في الجنة، وقتلاهم في النار؟ قال (ص): بلى قال عمر: فعلى ما نعطى الدنية في ديننا، انرجع ولما يحكم اللّه بيننا وبينهم؟ فقال (ص): يابن الخطاب اني رسول اللّه ولن يضيعني اللّه ابدا.
فرجع عمر متغيظا فلم يصبر اي انه لم يقنع بكلام النبي (ص) حتى جاء ابا بكرفقال: يا ابا بكر السنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: يابن الخطاب انه رسول اللّه ولن يضيعه اللّه ابدا، فنزلت سورة الفتح(42).
وقد ورد في ذيل احدى الروايات، الفقرة التالية:
فنزلت سورة الفتح فقراها رسول اللّه (ص) على عمر الى آخرها، فقال عمر: يارسول اللّه او فتح هو؟ قال: نعم(43).
اقول: يتضح من هذا الموضوع وما يليه موضوع الوصية الذي سنبحثه في الفصل الاتي مدى جراة الخليفة عمر على النبي (ص) وتجاسره عليه (ص)، ومن هذين الموضوعين يمكننا ان نعلم مدى درجة ايمان عمر واعتقاده بالنبوة، واعتماده على اقوال وكلام الرسول الذي لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى(44)، ومخالفته لاوامرالنبي (ص) واعتراضه على النبي (ص).

4 ـ الوصية التي لم تكتب:

4 ـ الوصية التي لم تكتب:
عن عبيداللّه بن عبداللّه بن عتبة، عن ابن عباس قال: لما حضر رسول اللّه (ص)، وفي البيت رجال، فيهـم عمر بن الخطاب فقال النبي (ص): هلم اكتب لكم كتابا لا تضلون
 بعده. فقال عمر: ان رسول اللّه (ص) قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن حسبنا كتاب اللّه، فاختلف اهل البيت، فاختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول اللّه (ص) كتابالن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر.
فلما اكثروا اللغو والاختلاف عند رسول اللّه (ص)، قال رسول اللّه (ص): قوموا.
قال عبيداللّه: فكان ابن عباس يقول: ان الرزية ما حال بين رسول اللّه (ص) وبين ان يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم(45).
وعن ابن عيينة، عن سليمان الاحول، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس انه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم بكى، حتى خضب دمعه الحصبا فقال: اشتد برسول اللّه (ص) وجعه يوم الخميس فقال:
ائتوني بكتاب اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا، فتنازعوا، وما ينبغي عند نبي تنازع وقالوا: ما شانه اهجر؟ استفهموه فذهبوا يردون عليه.
قال (ص): دعوني فالذي انا فيه خير اوصيكم بثلاث: اخرجوا المشركين من جزيرة العرب، واجيزوا الوفد بنحو ما كنت اجيزهم، قال: وسكت عن الثالثة او قالهافانسيتها(46).
اقول: اخرج مسلم الحديث الثاني بطريقين وسندين الى ابن عباس، الاول عن سعيد بن جبير، والاخر عن عبيداللّه بن عتبة، وذكره البخاري في صحيحه في سبعة مواردوباسانيد مختلفة(47).
فاما الحديث فقد مدت اليه يد المحرفين بالتحريف والتغيير فحرفت بعض متنه
والفاظه، الا انه لم يخل من احتوائه على نكات مهمة، راينا لزاما ان نشير اليها والى التحريفات فيه:
1 ـ النكتة الاولى التي تجب الاشارة اليها والتمحيص فيها هي: انه قد ذكر اسم الخليفة عمر صريحا في ثلاثة موارد من الاحاديث السبعة بانه هو الذي خالف النبي (ص) وصده عن كتابة الوصية فقال عمر: ان رسول اللّه (ص) قد غلب عليه الوجع(48).
وفي الاربعة الاخرى لم يذكر اسم المتكلم الخليفة عمر بالصراحة بل جاء في مورد واحد منها:
فقال بعضهم: ان رسول اللّه (ص) قد غلبه الوجع(49)، وجا في الثلاثة الباقية: فقالوا: هجر رسول اللّه (ص)(50).
ولكن مضامين جميع هذه الاحاديث السبعة تصرح بان المبتكر والمبدع للمخالفة هو عمر بن الخطاب الذي اوجد الشبهة هجران النبي (ص) واما العبارات الاخرى فقال بعضهم او فقالوا: هجر رسول اللّه (ص) لا يمكن ان تشكك في الحقيقة وتشوهها وتحرف المسالة عن واقعيتها.
وان الاختلاف والنزاع الذي حدث للحاضرين عند الرسول (ص) لم يكن الا ردا اواثباتا لقول الخليفة هجر الرسول (ص) وعندكم القرآن حسبنا كتاب اللّه الذي مال اليه فئة من الحاضرين، وخالفه آخرون كما جاء في النص:
فقال عمر: ان رسول اللّه (ص) قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب اللّه، فاختلف اهل البيت فاختصموا فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول اللّه (ص) كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر.
نقل ابن ابي الحديد رواية مفصلة من حوار جرى بين ابن عباس والخليفة عمروقداعترف الخليفة فيه بحقيقة هامة:
فقال: ان النبي (ص) في مرضه اراد ان يصرح باسمه ـ الامام علي (ع) فمنعت من ذلك.
وذكر هذا الخبر احمد بن ابي طاهر صاحب كتاب تاريخ بغداد في تاريخه مسندا(51).
2 ـ ان جملتى «هـجر رسول اللّه» و«غلب عليه الوجع» وان كانتا متغايرتين لفظا الا ان مفهومهما واحد وهو نسبة الهجر والهذيان الى النبي (ص).
الا ان رواة الحديث وحفاظ اهل السنة لما شاهدوا بان هذا البهتان العمري وهذه النسبة التي نسبها خليفتهم عمر الى رسول اللّه تخالف صريح الايات القرآنية التي تصف النبي (ص) وخاصة آية (ما ضل صاحبكم وما غوى)(52) سوف تعرضهم للنقد وتوقعهم في المؤاخذات والانتقادات، قاموا وكدابهم الدائم بتحريف وتغيير الحديث باشكال مختلفة.
ففي الاحاديث التي لم يرد فيها اسم الخليفة عمر صراحة، ونسبوا فيها القول المذكور الى بعض الحاضرين عند النبي (ص)، ذكرت جملة هجر رسول اللّه (ص) صريحة.
واما الاحاديث التي ورد فيها اسم عمر او جاء فيها كلمة بعض والتي هي اشارة لامحالة الى ان البعض هو عمر، فترى محدثو العامة اتوا بجملة «غلب عليه الوجع» بدلا عن كلمة هجر، ولا ريب ان تلك الجملة تعبير كنائي عن هذه الكلمة ومفهومهما واحد لاغير(53).
وقد اشرنا فيما سلف الى ان المبدع للمقولة، والمخترع الاول للشبهة، والمبادر في القائها هو الخليفة عمر ذاته، ولا احد غيره، واذا تلفظ ونطق الاخرون بها وقالوا: «هجر» لم ياتوا بها من تلقا انفسهم بل انهم تعلموا ذلك من الخليفة.
3 ـ النكتة الثالثة الهامة هي ما يرتبط بالشق الاخير من الحديث اذ ان بعض الرواة والحفاظ اسقطوا ذلك، وقطعوا ذيله، ولكن آخرين غيرهم ذكروا الرواية بكاملها، وفيها ان النبي (ص) في تلك اللحظة الحساسة، وبعدما امتنع من كتابة الوصية اوصى بثلاث وصايا، فنقل الراوي اثنتين منها، ونسي الثالثة فقال: واوصى عند موته بثلاث ونسيت الثالثة.
وهنا يتبادر سؤال: ما هي الوصية الثالثة التي نسجت العنكبوت اوتار نسيانهاعليه؟
والحق ان نسيان الوصية الثالثة من وصايا النبي كانت فيه مصلحة ومنفعة لان تنسى ولا شك ان هذه الوصية الثالثة المنسية هي نفس الموضوع المهم والمصيري الذي اهتم النبي به وامر باحضار الكتف والدواة ليكتبه والذي يكون سدا منيعا امام ضلالة المسلمين وغيهم.
والمهم ان الوصية التي اراد النبي (ص) ان يوصي بها كانت من الاهمية والخطورة بحيث استدعت ان يقوم احد الحاضرين في مجلس النبي بالمعارضة والمخالفة ويلفق على النبي بهتان الهجر والهذيان.
وهذه الوصية التي بها تسد ابواب الضلالة والانحراف ما زالت باقية في ذهن النبي (ص) حتى استدعت ان يكتبها بعد ان اكدها وكررها شفاها، وذكرها صراحة، ولاشك في ان الراوي كان يعلمها ويدري تلك الوصية الا ان مصلحة النظام ومنافعها هي التي
 الزمته ان يكتم وصية النبي (ص) ويدفنها تحت اكمام النسيان والتناسي كما قال: «ونسيت الثالثة».
والجدير بالعجب والدهشة ان ابن عباس وسعيد بن جبير الراوي الاول والثاني لوصية النبي (ص) الثالثة قد نقلاها، ولكن ما ان تصل سلسلة سند الرواية الى سليمان الاحول حتى طغى عليه عفريت النسيان فغابت تلك الوصية عن باله وصرح البخاري بان سفيان بن عيينة الراوي الرابع من سلسلة سند الحديث المبتور قال بان جملة «ونسيت الثالثة» هي كلمة سليمان الاحول وليست كلمة سعيد بن جبير او عبداللّه بن عباس، وهكذا اعترف قائلا: قال سفيان: هذا من قول سليمان(54).
فتعسا وسحقا لهذه السياسة التي تحول بين المر وبين الحقائق المصيرية، وتقوم بتحريف الحقائق وتزويرها، وتودع الكثير من الحلول الضرورية في قفص النسيان والتناسي.
سؤال وجواب:
استشكل بعض العلما من اهل السنة قائلا:
فلو كانت كتابة الوصية ذات اهمية قصوى، فلماذا اعرض النبي (ص) عن ذلك على اثر مخالفة شرذمة قليلة؟
فلو كانت الوصية بهذه المكانة من الاهمية لماذا استسلم النبي (ص) لمخالفة الفئة المعارضة، وهو يرى ان هذا الامر هو نجاة للامة ومصلحة لها؟
واما الجواب: فنكتفي بما قاله المرحوم العلامة السيد شرف الدين الموسوي بهذا الصدد اذ يقول:
وانما عدل عن ذلك لان كلمتهم تلك «هجر رسول اللّه» التي فاجاوه بها اضطرته الى العدول، اذ لم يبق بعدها اثر لكتابة الكتاب سوى الفتنة والاختلاف من بعده، في انه هل هجر فيما كتبه والعياذ باللّه او لم يهجر؟ كما اختلفوا في ذلك واكثروا اللغو واللغطنصب عينه، فلم يتسن له يومئذ اكثر من قوله لهم: «قوموا» كما سمعت، ولو اصر فكتب الكتاب للجوا في قولهم: «هجر»، ولاوغل اشياعهم في اثبات هجره والعياذ باللّه فسطروابه اساطيرهم، وملاوا طواميرهم، ردا على ذلك الكتاب وعلى من يحتج به.
لهذا اقتضت حكمته البالغة ان يضرب (ص) عن ذلك الكتاب صفحا لئلا يفتح هؤلاء المعارضون واوليائهم بابا الى الطعن في النبوة نعوذ باللّه ونستجير به، وقدراى (ص) ان عليا واولياه خاضعون لمضمون ذلك الكتاب سوا عليهم، اكتب ام لم يكتب؟ وغيرهم لا يعمل به ولا يعتبره لو كتب، فالحكمة والحال هذه توجب تركه اذ لا اثر له بعد تلك المعارضة سوى الفتنة كما لا يخفى والسلام(55).
وخلاصة المقال: ان النبي (ص) احس بان المعارضين الذين بهتوه بالهجر والهذيان وهو ما زال حيا، فلا ريب انهم يصرون ويلحون في اثبات ذلك عليه حتى يشككوا اشياعهم في اصل النبوة ويشطبوا على اعتبارها فكان ما فوجئ به كافيا، فلو كان يصرلكانت النتيجة اطم.
ولذلك اقتضت حكمته ان يعرض عن الكتابة ويسد بالنتيجة باب الطعن على النبوة ذاتها.

5 ـ حج التمتع:

5 ـ حج التمتع:
ومن الاحكام الدينية والتعاليم الاسلامية التي تم تحريفها وتغييرها في عهد عمربن الخطاب وبدلت، عما كانت عليه في عهد رسول اللّه (ص) مسالة حج التمتع وان هذا التحريف العملي كحكم رسول اللّه جوبه في عهد عثمان بن عفان بالمخالفة الشديدة من قبل أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) حتى ارجع الى حكمه الاول الذي كان في عهدرسول اللّه (ص) وحسب ما امر به رسول اللّه والغيت بدعة عمر بن الخطاب بعد ان عملوا بها
برهة من الزمن.
واما اهل السنة وعلماؤهم فقد اطبقوا على الافتا في العمل بحج التمتع الذي كان جائزا في عهد النبي وتركوا الاقتدا والالتزام ببدعة الخليفة الذي حرم حج التمتع(56).
وقبل الخوض في المسالة ارى من الضروري ان نستلهم مجرى هذا الحكم وكيفيته ومتعلقاته من كتب الحديث والصحيحين.
تعريفه:
هو ان يحرم المتمتع بالعمرة الى الحج في احد اشهر الحج شوال، ذي القعدة وذي الحجة ويلبي بها من الميقات ثم ياتي مكة، ويطوف بالبيت سبعا، ثم يسعى بين الصفاوالمروة سبعا، ثم يقصر ويحل من احرامه ليحل له جميع ما حرم عليه بالاحرام، حتى ينشئ في تلك السنة نفسها احراما للحج من مكة، ويخرج لعرفات، ثم يفيض الى المشعرالحرام، ومنها الى منى، ثم ياتي بباقي المناسك من رمي الجمار والهدي والحلق اوالتقصير والطواف وغيرها مما هو مفصل في الكتب الفقهية.
وسبب تسميته بحج التمتع هو ان فيه متعة والتذاذ باباحة المحظورات التي حرمت بالاحرام في المدة التي تخللت بين الاحرامين احرام العمرة واحرام الحج يعني ان المتمتع له ان يتمتع ويلتذ بما حرم عليه بسبب احرام التمتع وما حرم عليه بسبب احرام الحج.
وهذا فرض لمن يسكن خارج مكة مسافة ثمانية واربعين ميلا اي ثمانية وسبعين كيلومترا، ووجوبه ثابت بالادلة القرآنية الصريحة والسنة النبوية قال تعالى:
(فمن تمتع بالعمرة الى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة ايام في الحج وسبعة اذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن اهله حاضري المسجد  الحرام واتقوا اللّه واعلموا ان اللّه شديد العقاب)(57).
واما الاحاديث في ذلك فمتواترة ومتظافرة، ونذكر هنا بعضها:
الرسول يتحدى السنن الجاهلية:
كانت العمرة في اشهر الحج في الجاهلية قبل الاسلام تعتبر من اكبر الذنوب وافجرالفجور، وقد شرعهـا الرسول (ص)، وامر باتيانها في هذه الاشهر الثلاثة شوال ذي القعدة وذي الحجة وهو بتشريعه هذا الامر تحدى قريش الجاهلية في تبليغ دعوته.
ولما كان هذا الامر على خلاف سنة الجاهلية وعادتهم، فلذلك كان تشريعه (ص) له في بداية الدعوة امرا صعبا وعسيرا على بعض المسلمين ان يقبلوه ويؤمنوا به، ولذلك تعاظم عليهم وخالفوا امر رسول اللّه (ص) وتشريعه لمتعة الحج.
وفي هذا المورد اخرج البخاري ومسلم باسنادهما عن ابن عباس قال:
كانوا يرون ان العمرة في اشهر الحج من افجر الفجور في الارض، ويجعلون المحرم صفرا، ويقولون: اذا برا الدبر وعفا الاثر، وانسلخ صفر، حلت العمرة لمن اعتمر.
قدم النبي (ص) واصحابه صبيحة رابعة من ذي الحجة مهلين بالحج، فامرهم ان يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم فقالوا: يا رسول اللّه اي الحل؟ قال: «حل كله»(58).
واخرج ابن ماجة في سننه باسناده عن جابر بن عبداللّه قال:
اهللنا مع رسول اللّه (ص) بالحج خالصا، لا نخلطه بعمرة، فقدمنا مكة لاربع ليال خلون من ذي الحجة، فلما طفنا بالبيت وسعينا بين الصفا والمروة، امرنا رسول اللّه (ص) ان نجعلها عمرة، وان نحل الى النسا، فقلنا: ما بيننا ليس بيننا وبين عرفة الا خمس فنخرج اليها ومذاكيرنا تقطر منيا فقال رسول اللّه (ص): اني لابركم واصدقكم ولولا الهدي لاحللت.
فقال سراقة بن مالك: متعتنا هذه لعامنا هذا ام لابد؟
فقال (ص): «لا لابد الاباد»(59).
ورواه ايضا البخاري(60) ومسلم(61) بتفاوت يسير عما اخرجه ابن ماجة.
وروى مسلم في صحيحه باسناده عن جابر بن عبداللّه قال:
اهللنا مع رسول اللّه (ص) بالحج، فلما قدمنا مكة امرنا ان نحل، ونجعلها عمرة فكبرذلك علينا، وضاقت به صدورنا، فبلغ ذلك النبي (ص)، فما ندري اشي بلغه من السما ام شي من قبل الناس؟ فقال:
ايها الناس، احلوا فلولا الهدي الذي معي فعلت كما فعلتم.
قال: فاحللنا حتى وطئنا النسا، وفعلنا ما يفعل الحلال، حتى اذا كان يوم التروية، وجعلنا مكة بظهر، اهللنا بالحج(62).
فاما هؤلاء الذين هم حديثو عهد بالاسلام، والذين ما زالت السنن الجاهلية مترسخة في عقولهم وقلوبهـم، وكانوا يعتقدون بان الحاج اذا احرم في اشهر الحرم لايحق له ان ياتي بمحظورات الاحرام، وخاص ة اتيان النسا، الا ان يتم المناسك ويحل من احرام الحج، تراهم قد اظهروا استنكارهم لامر الرسول بان قالوا: اننطلق ومذاكيرنا تقطر منيا؟
ولما كان هذا البعض الذين كبر عليهم امر رسول اللّه (ص) وتشريع حج التمتع، وضاقت به صدورهم، فلم يسعهم قبول ذلك وظلوا مترددين حتى اغضبوا بفعلهم رسول اللّه (ص) وآذوه.
تقول عائشة:
قدم رسول اللّه (ص) لاربع مضين من ذي الحجة او خمس، فدخل علي وهوغضبان فقلت: من اغضبك يا رسول اللّه قال (ص): او ما شعرت اني امرت الناس بامر فاذا هم يترددون(63).
تحريم حج التمتع:
اشرنا في ما سبق ان هذا التشريع الذي ثبت وجوبه بالنص من الكتاب والسنة، قدعمل به المسلمون في عهد الرسول (ص) وعهد الخليفة ابي بكر الصديق الذي دام سنتان كما كان في عهد النبي (ص)، ولكن لما استخلف الخليفة عمر بن الخطاب منع من حج التمتع، ونهى عنه، وشدد في تحريمه، واغلظ عليه وهدد مخالفيه القائلين بوجوب التمتع باشد المجازاة.
ونقل اصحاب الصحاح والسنن والمسانيد والتاريخ والتراجم روايات متواترة في كتبهم هذا المنع والتحريم، ونكتفي بذكر طرفا منها مما اخرجه الصحيحان.
قال عمران بن حصين: نزلت آية المتعة في كتاب اللّه(64) يعني متعة الحج وامرنابها رسول اللّه (ص) ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج، ولم ينه عنه رسول اللّه (ص) حتى مات، قال رجل برايه ما شاء(65).
عن ابي نظرة قال: كنت عند جابر بن عبداللّه، فاتاه آت فقال: ابن عباس وابن الزبيراختلفا في المتعتين متعة الحج ومتعة النسا فقال جابر: فعلناهما مع رسول
 اللّه (ص) ثم نهانا عنهما عمر، فلم نعد لهما(66).
وعن مطرف قال: بعث الي عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه فقال: اني كنت محدثك باحاديث، لعل اللّه ان ينفعك بها بعدي، فان عشت فاكتم عني، وان مت فحدث بها ان شئت، انه قد سلم علي، واعلم ان نبي اللّه (ص) قد جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب اللّه ولم ينه عنها نبي اللّه (ص).
قال رجل فيها برايه ما شاء(67).
اقول: حسبك لما في هذا الحديث من تحريم الخليفة عمر لمتعة الحج ونهيه اياها، فان فيه ايضا حقيقتين مهمتين لابد من الاشارة اليهما:
1 ـ ان عمران بن حصين اخبر مطرف احاديث ومسائل كثيرة مما كان مكرهاعلى اخفائها في هذه المدة، وامتنع من اعلانها حتى دنت السويعات الاخيرة من حياته، ولكن لم يذكر في الحديث من تلك المسائل الكثيرة سوى مسالة التمتع في الحج وباقي المسائل ظلت منسية.
2 ـ ان وصية عمران الى مطرف فيها تاكيد وتصريح على ان الاشخاص قد سلبت عنهم حرياتهم، وكانوا ممنوعين عن كشف الحقائق وبيانها ورواية المطالب الحقة وفي قبال هذا فانهم كانوا ملزمين ومكرهين على ان يكرروا ما تهواه الهيئة الحاكمة، ولايبدون عكس ذلك ابدا، ويكتموا الحقائق حفظا لمصالح الخلفا، ولذلك تسمع عمران بن حصين يقول: ان عشت فاكتم عني، وان مت فحدث بها ان شئت، انه قد سلم علي.
وذكر المؤرخون والمحدثون والمفسرون في كتبهم ان عمر بن الخطاب خطب الناس ذات يوم، فقال وهو على المنبر بكل صراحة:
متعتان كانتا على عهد رسول اللّه (ص) وانا انهى عنهما واعاقب عليهما، متعة الحج ومتعة النسا(68).
ولكن الامام احمد بن حنبل كما هو دابه في الاسقاط والتقطيع جملة «وانا انهى عنهما»(69).
علل تحريم عمر متعة الحج:
قد يتبادر سؤال الى ذهن القارئ العزيز عن السبب والداعي الى تحريم متعة الحج والنهي عنه خاصة بعد وفاة النبي (ص)، وما هي الغاية من هذا الفعل والهدف من المنع؟
والاجابة على هذا السؤال تكمن في مضامين الاحاديث التي اخرجها الصحيحان وغيرهما من الكتب المعتبرة عند اهل السنة والجماعة.
لان البحث والتحقيق في هذه المصادر المعتبرة والموثوقة تكشف لنا بان الغاية من هذه المخالفة لامر القرآن والسنة النبوية، وتحريم ما كان حلالا مثل حج التمتع لم تكن الا بسبب تلك الكلمة التي تفوه بها بعض المسلمين عندما استكبروا حين نزوله فاغضبوا بها رسول اللّه وآذوه، وعللوا تحريمهم فيما بعد بان قالوا: اننطلق ومذاكيرنا تقطرمنيا وشبعوا مخالفتهم العلل السخيفة الناجمة من سوابقهم الذهنية والمعهودة من العهدالجاهلي.
نعم، هذه الاهداف والتوجيهات هي التي كانت سببا في تحريمهم لحج التمتع بعدوفاة الرسول، والتي جعلتهم يعارضون نص القرآن ويخالفون امر الرسول (ص) الصريح الذي اراد بتشريعه هذا الحكم محو احدى العادات والسنن الجاهلية.
وهذا التعليل الباطل ورد بالتفصيل في صحيح مسلم واكثر مصادر اهل السنة.
منها: عن ابراهيم بن ابي موسى، عن ابي موسى انه كان يفتي بالمتعة فقال له رجل: رويدك ببعض فتياك، فانك لا تدري ما احدث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في النسك بعد، حتى لقيه بعد فساله، فقال عمر: قد علمت ان النبي (ص) قد فعله واصحابه، ولكن كرهت ان يظلوا معرسين بهن في الاراك، ثم يروحون في الحج تقطررؤوسهم(70).
قال احد المحشين على صحيح مسلم في بيان وتوضيح كلمة عمر «تقطر رؤوسهم»: وهذا التعبير احسن من قول بعضهم: «تقطر مذاكيرنا المني»، فبين سيدنا عمرالعلة التي لاجلها كره التمتع، وكان رايه كما قال الزرقاني: عدم الترفه للحاج بكل طريق، فكره قرب عهدهم بالنسا لئلا يستمر البلل الى ذلك الحين يوم عرفة(71).
وقال الامام السندي في بيان كلام عمر «تقطر رؤوسهم»: يريد ان الافضل للحاج ان يتفرق شعره ويتغير حاله، والتمتع في حق غالب الناس صار مؤديا الى خلافه فنهيتهم لذلك(72).
اقول: وعلى كل حال فالهدف هو الذي اشرنا اليه، فالهدف واحد والتعابير في ذلك متعددة كما قيل: تعددت الاسباب والموت واحد.
واما الجواب القاطع لكل هذه التبريرات والمخالفات هو ما قاله رسول اللّه (ص) لهم: انا اتقاكم واصدقكم وابركم(73).
وقال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى اللّه ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم ومن يعص اللّه ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا)(74).
عثمان وحج التمتع:
اشرنا سابقا ان أمير المؤمنين الامام علي (ع) راى المؤمنين على عهد عثمان ومعاوية يسعون جادين في اقامة هذه السنة النبوية واحيائها، كما كانت على عهد رسول اللّه (ص)، كانوا يجهدون في اماتة بدعة عمر، حتى ادرك علماء اهل السنة وفقهاؤهم بطلان بدعة عمرو افتوا بجواز متعة الحج والعمل بهذه السنة النبوية وتطبيقها من جديد بعد تلك الفترة من التحريم والمنع رغم فتوى عمر.
واليك بعض الاحاديث التي تومئ الى هذه المثابرة والمعارضة لتحريم عمر كمانقلتها مصادر اهل السنة والجماعة وخاصة الصحيحان.
اخرج البخاري ومسلم باسنادهما عن مروان بن الحكم:
شهـدت عثمان وعليا (ع)، وعثمان ينهى عن المتعة وان يجمع بينهما، فلما راى علي (ع) اهل بهما لبيك بعمرة وحجة قال: ما كنت لادع سنة النبي (ص) لقول احد(75).
وكذلك اخرج هذا الاختلاف بين عثمان والامام علي (ع) باسنادهما عن سعيد بن مسيب قال:
اجتمع علي وعثمان بعسفان، فكان عثمان ينهى عن المتعة او العمرة فقال علي (ع): ما تريد الى امر فعله رسول اللّه (ص) تنهى عنه؟ فقال عثمان: دعنا منك فقال (ع): اني لا استطيع ان ادعك، فلما ان راى علي ذلك اهل بهما جميعا(76).
ورواه مسلم بسنده عن عبداللّه بن شقيق وفيه: فقال عثمان لعلي كلمة خشنة وتعسف(77).
وفي سنن النسائي: عن سعيد بن مسيب انه قال بعد شرح الاختلاف بين الامام علي (ع) وعثمان قال (ع): اذا رايتموه قد ارتحل فارتحلوا، فلبى علي واصحابه بالعمرة(78).
وقال الامام السندي في شرحه على هذه الكلمة: اذا رايتموه اي ارتحلوا معه ملبين بالعمرة، ليعلم انكم قدمتم السنة على قوله وانه لا طاعة له في مقابلة السنة(79).
لفتة نظر:
لابد من الاشارة هنا الى نكتة ذات اهمية، وهي ان الكثير من الحقائق التي اشيراليها في كتب الحديث والتاريخ قد اندرست حقيقتها الواقعية ونالتها ايدي التحريف والاغراض السياسية آنذاك بان اسدلوا عليها حجبا من التعتيم والتزوير.
وهذا الاختلاف الواقع بين أمير المؤمنين (ع) والخليفة عثمان في مسالة حج التمتع التي ورد ذكرها في الصحيحين هي من تلك الحقائق التي لم تذكر الا بنحو الاجمال والاشارة، ولا شك ان الاختلاف بينهما لم يكن بهذه البساطة.
ويتضح مدى الاختلاف بينهما من رواية ابي عمر ابن عبد البر باسناده عن عبداللّه بن الزبير ان الاختلاف بينهما كان شديدا الى درجة آلت ان يقتل أمير المؤمنين الامام علي (ع) في سبيل ذلك ويهرق دمه.
قال ابن الزبير: انا واللّه لمع عثمان بالجحفة ومعه رهط من اهل الشام وفيهم حبيب بن مسلمة الفهري اذ قال عثمان: وذكر له التمتع بالعمرة الى الحج، ان اتموا الحج وخلصوه في اشهر الحج، فلو اخرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت زورتين كان افضل، فان اللّه قد وسع في الخير فقال له علي (ع): اعمدت الى سنة رسول اللّه (ص) ورخصة رخص للعبادبها في كتابه، تضيق عليهم فيها، وتنهى عنها، وكانت لذي الحاجة
 ولنائي الدار.
ثم اهل بالعمرة وحجة معا، فاقبل عثمان على الناس فقال: وهل نهيت عنها؟ اني لم انه عنها، انما كان رايا اشرت به، فمن شاء اخذ به ومن شاء تركه.
قال: فما انسى قول رجل من اهل الشام مع حبيب بن مسلمة: انظر الى هذا كيف يخالف أمير المؤمنين؟ واللّه لو امرني لضربت عنقه قال: فرفع حبيب يده فضرب بها في صدره، وقال: اسكت، فض اللّه فاك، فان اصحاب رسول اللّه (ص) اعلم بما يختلفون فيه(80).
معاوية وحج التمتع:
قرأنا فيما سلف الاختلاف الواقع بين ابن عباس وابن الزبير في مسالة المتعتين، ودفاع جابر بن عبداللّه عن قول ابن عباس، والدفاع الذي ذكر آنفا لم ينحصر في مسالة المتعتين فحسب بل هناك قضايا عديدة دافع فيها جابر عن ابن عباس، ورغم الارهاب والمنع عن نقل الحديث عن رسول اللّه (ص) فان جابرا لم يكن يخشى الارهاب في عهدالخلفا، فانه كان يحدث علنا ويكشف الحقيقة التي كادت ان تدفن على اثر البدع(81).
ومن خلال التحقيق في الاحاديث يتضح لنا ان الاختلاف والنزاع في مسالة حج التمتع شمل عهد معاوية ايضا، وذلك لما كان معاوية مصمما على احيا سيرة عمروعثمان في المسالة ولكن بعض المسلمين خالفوه ولم يرضخوا لقوله.
اخرج النسائي في سننه باسناده عن ابن شهاب، عن محمد انه حدثه انه سمع سعدبن ابي وقاص والضحاك بن قيس، عام حج معاوية بن ابي سفيان، وهما يذكران التمتع بالعمرة الى الحج فقال الضحاك: لا يصنع ذلك الا من جهل امر اللّه تعالى فقال سعد: بئسماقلت يا ابن اخي قال الضحاك: فان عمر بن الخطاب نهى عن ذلك قال سعد: قد صنعها رسول اللّه (ص) وصنعنا معه(82).
وروى مسلم في صحيحه والامام احمد في مسنده باسنادهما عن غنيم قال:
سالت سعد بن ابي وقاص عن المتعة قال: فعلناها، وهذا كافر بالعرش يعني معاوية(83).
ونستفيد من هذين الحديثين ان الاختلاف في حج التمتع ما يزل موجودا في عهدمعاوية، والا لما كان لتقييد الاختلاف بين اثنين بزمان معين او تحديده بعهد كفر معاوية قبل اظهاره الاسلام له معنى.

6 ـ المتعة او الزواج المنقطع:

6 ـ المتعة او الزواج المنقطع:
ومن الاحكام التي غيرها وبدلها الخليفة عمر بن الخطاب كما صرح بهذا الامرالصحيحان في مضامين احاديثهما هو نكاح المتعة او الزواج المؤقت الذي ما زال ممنوعا الى هذا العصر حسب ما افتى بمنعه الخليفة عمر، وتارة اخذها البعض وسيلة للتشنيع على الشيعة، وذريعة للنيل منهم، وعزوا بسببها الافتراءات والاكاذيب الى الشيعة وعقائدهم.
ومن هنا راينا انه من الضروري واللازم ان نقوم بالتحقيق والبحث فيها من خلال فصول خمسة:
1 ـ تعريفها:
المتعة او الزواج المؤقت الذي هو موضع اختلاف الشيعة والسنة عبارة عن: ان يتزوج الرجل امراة حيث لا يكون له اي مانع شرعي من نكاحها كالزواج الدائم بمهروصداق معلوم الى مدة معلومة، وبمجرد انقضا المدة وانتهائها تبين المراة من الرجل من غير اجراء صيغة الطلاق ويجوز للرجل ان يفارقها قبل انقضا المدة بان يهبها المدة الباقية.
والمتعة تشترك مع الزواج الدائم في كثير من الاحكام وتفترق عنه في بعض الاحكام.
الاحكام المشتركة: اما الاحكام المشتركة بين هذين النوعين من انواع النكاح الدائم والمؤقت فهي كالتالي:
1 ـ وجوب الايجاب والقبول.
2 ـ وجوب المهر والصداق.
3 ـ تجب على المراة في الزواج المؤقت ان تعتد عدة الطلاق ان بني عليها، ولم تكن يائسة تماما كالزواج الدائم، الا ان عدتها قراان او خمسة واربعين يوما.
4 ـ عدة الوفاة فيهما اربعة اشهر وعشرة ايام.
5 ـ عدة المراة الحامل فيهما الذي توفي زوجها فهي ابعد الاجلين.
6 ـ لا فرق بين الاولاد في مسالة التوارث وغيرها سوا ولدوا بالزواج الدائم اوالمنقطع.
7 ـ احكام المصاهرة فيهما مشتركة كحرمة الام او الاخت حرمة ابدية.
8 ـ حكم الجماع فيهما مشترك من حيث حرمة وطيها في حيضها او في نهار شهررمضان.
الاحكام المختصة بكل منها: واما وجوه الاختلاف والافتراق بين النكاح الدائم والمنقطع تتلخص في عدة موارد.
1 ـ يجب تعيين المدة في المنقطع دون الدائم.
2 ـ لا يتوارث الزوجان في المنقطع الا اذا كان ذلك من شروط ضمن العقد.
3 ـ يجب تعيين الصداق والمهر في المنقطع دون الدائم.
4 ـ ليس للمراة في الزواج المنقطع ان تطالب بالنفقة الا اذا كانت المطالبة شرطاضمن العقد.
5 ـ لا يجوز للرجل ان ينكح اكثر من اربع زوجات في آن واحد في الزواج الدائم على العكس من الزواج المؤقت فليس فيه هذه المحدودية(84).
2 ـ مشروعية المتعة في الاسلام:
ن اصل تشريع المتعة في الاسلام ثابت بالكتاب والسنة القطعية ومتفق عليه عندالمسلمين شيعة وسنة.
اما دليل الاجماع: فلان المسلمين على اختلاف مذاهبم وعقائهم متفقون على ان المتعة او الزواج المؤقت قد شرعه اللّه ورسوله، ولاشك في تشريعة من جانب الرسول (ص) ولا يشك احد من العلما المسلمين بكونه من الضروريات الدينية.
قال الفخر الرازي: واتفقوا علماء المسلمين على انها كانت مباحة في ابتداء الاسلام واختلفوا في انها هل نسخت ام لا؟ فذهب السواد الاعظم من الامة الى انهامنسوخة، وقال السواد منهم: انها بقيت مباحة كما كانت(85).
واما دليل الكتاب: قال تعالى: (فما استمتعتم به منهن فتوهن اجورهن)(86).
قطع مفسرو الشيعة جميعا بان الاية نزلت بشان بيان حكم النكاح المنقطع، وعلى هذا اكثر مفسري اهل السنة، والمراد من قوله تعالى: (فتوهن اجورهن) اي اعطوهن صدقاتهن في المتعة.
وهـكذا قرا بعض القرا الاوائل مثل: ابي بن كعب، ابن عباس، سعيد بن جبير والسدي: (فما استمتعتم به منهن الى اجل) حيث انهم جعلوا كلمة الى اجل اي تعيين المدة في الزواج المنقطع جزا من الاية.
ونقل هذه القراة الطبري(87) في تفسيره والزمخشري(88) عن ابن عباس، ونقلها الفخر الرازي عن ابي بن كعب(9).
وكذا روى الطبري عن مجاهد وهو من المفسرين في القرن الاول الاسلامي قوله: بان هذه الاية نزلت بشان المتعة(90).
ومما يؤيد شان نزولها في المتعة سياق الايات نفسها من هذه السورة حيث انه قرينة واضحة وشاهد بين على ذلك، لان صدر السورة (النسا) تبين حكم الزواج الدائم.
قال تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النسا مثنى وثلاث ورباع وآتوا النساصدقاتهن نحلة)(91).
فلو فرضنا ان الاية آية الاستمتاع هي كذلك تتعلق بالزواج الدائم فانها تستلزم كون تكرار الحكم الواحد في سورة واحدة بنفسها من دون غاية، وهذا مما ينافي بلاغة القرآن المجيد واما لو فرضنا ان الاية تتعلق بالمتعة كما هي فانها تبين حكما ثانياومستقلا، وحينئذ لايستدعي التكرار، ولايرد على القرآن اي نقد.
وبعبارة اخرى يلاحظ من خلال التدبر في سورة النسا ان السورة قد بينت وذكرت النسا اللاتي يحرم نكاحهن، وتبين كذلك الطرق التي بها تحل النساللرجال وهي اربع:
1 ـ الزواج الدائم بالحرة.
2 ـ ملك اليمين.
3 ـ الزواج بالاماء.
4 ـ الزواج المؤقت.
فاما حكم الزواج الدائم والزواج بملك يمين فقد ورد ذكره في الاية الثالثة من سورة النسا حيث قال تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النسا او ما ملكت ايمانكم).
وحكم الزواج بالاماء فهو مذكور في الاية الخامسة والعشرين في قوله تعالى: (ومن لم يستطع منكم طولا ان ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت ايمانكم من فتياتكم المؤمنات).
وفي آية: (فما استمتعتم به منهن فتوهن اجورهن) التي هي محل بحثنا بين اللّه عزوجل حكم النوع الرابع من الزواج وهو الزواج المؤقت او المتعة.
واما السنة: فقد دلت على مشروعية المتعة من خلال تظافر الاحاديث المتواترة التي اوردها الشيعة والسنة.
وقد اخرج البخاري ومسلم في بيان مشروعية المتعة روايات عديدة باسنادهماعن: سلمة بن اكوع، جابر بن عبداللّه، عبداللّه بن مسعود، ابن عباس، سبرة بن معبد، ابو ذرالغفاري، عمران بن حصين، واكوع بن عبداللّه الاسلمي.
ولما كان نقل جميع الاحاديث المروية في هذا الموضوع يستدعي الاطالة والاطناب وبحاجة الى كتاب مستقل اكتفينا بذكر بعض مما روي في الصحيحين.
1 ـ اخرج مسلم في صحيحه باسناده عن سلمة بن اكوع وجابر بن عبداللّه الانصاري قالا: خرج علينا منادي رسول اللّه (ص) فقال: ان رسول اللّه (ص) قد اذن لكم ان تستمعتوا يعني متعة النسا(92).
واخرجه مسلم بلفظ آخر: ان رسول اللّه (ص) اتانا فاذن لنا في المتعة(93).
واخرجه البخاري بلفظ ثالث: كنا في جيش فاتانا رسول رسول اللّه (ص) فقال: انه قد اذن لكم ان تستمتعوا فاستمتعوا(94).
2 ـ روى مسلم ايضا عن جابر بن عبداللّه قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمروالدقيق، الايام، على عهد رسول اللّه (ص) وابي بكر حتى نهى عنه عمر، في شان عمرو ابن حريث(95).
اقول: ذكر ابن حجر قصة عمرو بن حريث بنحو الاجمال والاختصار فقال: دخل عمرو بن حريث الكوفة وتمتع بامراة فحملت المراة منه، فجات به وهي حامل منه الى الخليفة عمر، فسال عمر عمرو عن القصة فاعترف عمرو، ومن بعدها نهى الخليفة عن المتعة(96).
3 ـ واخرجا باسنادهما عن عبداللّه بن مسعود فقال: كنا نغزو مع رسول اللّه (ص) ليس لنا نسا فقلنا:
الا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا ان ننكح المراة بالثوب الى اجل، ثم قرا عبداللّه: (يا ايها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما احل اللّه لكم ولاتعتدوا ان اللّه لا يحب المعتدين)(97)(98).
 اقول: اخرجه مسلم بثلاثة اسانيد عن ابن مسعود، ولا يخفى فان قراة ابن مسعودلهذه الاية اعتراض وانتقاد على من حرم هذا النوع من الزواج المتعة وكانه اراد ان يقول: ان هذا الزواج من الطيبات، وانه قد شرع في الدين كسائر التشريعات والقوانين الشرعية، وان حكمه باق الى ابد الاباد، وتحريمه يعتبر اعتدا وتجاوز عن الحدود الالهية.
وقال النووي في شرحه لرواية ابن مسعود: فيه اشارة الى انه كان يعتقد اباحتهاكقول ابن عباس، وانه لم يبلغه نسخها(99).
4 ـ روى مسلم عن ابي نضرة قال: كنت عند جابر بن عبداللّه، فاتاه آت، فقال: ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول اللّه (ص) ثم نهاناعنهما عمر فلم نعد لهما(100).
3 ـ عمر يحرم المتعة:
علم مما ذكرناه في الصفحات السابقة ان مشروعية المتعة كانت ثابتة في عهدالرسول (ص) ثبوتا قطعيا ودلت عليه الاية القرآنية والسنة النبوية ودليل الاجماع.
وكذا علم من مضامين ثلاثة احاديث من الاحاديث الخمسة التي ذكرناها ان المتعة كان يعمل بها على عهد الرسول (ص)، وان ها كانت مباحة في عهد الخليفة ابي بكر، وفترة من عهد الخليفة عمر ومن ثم نهى عنها عمر.
وهاك ايها القارئ الكريم تصريحات بعض المؤرخين والمحدثين في هذا الموضوع:
اخرج الامام احمد بن حنبل في مسنده باسناده عن ابي نضرة قال: قلت لجابر بن عبداللّه: ان ابن الزبير (رض) ينهى عن المتعة، وابن عباس يامر بها قال: فقال لي: على يدي جرى الحديث، تمتعنا مع رسول اللّه (ص) ومع ابي بكر، فلما ولى عمر خطب الناس فقال: ان القرآن هو القرآن، وان رسول اللّه هو الرسول (ص)، وانهـما كانتا متعتان على عهد رسول اللّه (ص): احدهما متعة الحج، والاخرى متعة النسا(101).
اقول: ذكرنا آنفا في فصل متعة الحج ان الامام احمد بن حنبل قد اسقط المقولة الاخيرة من كلام الخليفة حيث قال: «وانا انهى عنهما واعاقب عليهما»(102).
قال السيوطي: عمر بن الخطاب اول من حرم المتعة(103).
وقال ابن رشد الاندلسي: واشتهر عن ابن عباس تحليلها وتبع ابن عباس على القول بها اصحابه من اهل مكة واهل اليمن، ورووا ان ابن عباس كان يحتج لذلك بقوله تعالى: (فما استمتعتم به) وفي حرف عنه (الى اجل مسمى).
وروي عنه انه قال: ما كانت المتعة الا رحمة من اللّه عزوجل رحم بها امة محمد (ص)، ولولا نهي عمر عنها ما اضطر الى الزنا الا شقي.
ورواه عنه ابن جريج وعمرو بن دينار وعن عطا قال: سمعت جابر بن عبداللّه يقول: تمتعنا على عهد رسول اللّه (ص) وابي بكر ونصفا من خلافة عمر، ثم نهى عنها عمرالناس(104).
اقول: ان ابن جريج الذي قال بجواز المتعة والذي نقل عنه الفقيه الفيلسوف ابن رشد هو افقه علماء مكة في عهده توفي عام 150 من الهجرة.
قال عبداللّه بن احمد بن حنبل: قلت لابي: من اول من صنف الكتب؟ قال: ابن جريج(105).
 وقال الامام محمد بن ادريس الشافعي: استمتع ابن جريج بسبعين امراة(106).
وقال الرجالي المعروف الذهبي: ابن جريج هو احد الاعلام الثقات وكان فقيه اهل مكة، وهو في نفسه مجمع على ثقته مع كونه قد تزوج نحوا من سبعين امراة نكاح المتعة، وكان يرى الرخصة في ذلك(107).
قال الفاضل القوشجي: ان عمر صعد المنبر وقال: ايها الناس ثلاث كن على عهدرسول اللّه (ص)، انا انهي عنهن واحرمهن واعاقب عليهن وهي: متعة النسا ومتعة الحج وحي على خير العمل(108).
وقال محمد بن المنصور: كنا مع المامون في طريق الشام فامر فنودي بتحليل المتعة فقال يحيى بن اكثم لي ولابي العينا: بكرا غدا اليه، فان رايتما للقول وجها فقولا، والا فاسكتا الى ان ادخل قال:
فدخلنا عليه وهو يستاك، ويقول وهو مغتاظ: متعتان كانتاعلى عهد رسول اللّه (ص) وعلى عهد ابي بكر (رض) وانا انهي عنهما، ومن انت يا جعل حتى تنهى عما فعله رسول اللّه (ص) وابو بكر؟ فاوما ابو العينا الى محمد بن منصور وقال: رجل يقول في عمر بن الخطاب ما يقول، نكلمه نحن؟ فامسكنا فجا يحيى بن اكثم فجلس وجلسنا وكلمه يحيى واخبره بقيام الناس فانصرف المامون عن رايه(109).
4 ـ دعوى النسخ في المتعة:
لقد تذرع علماء اهل السنة في تبرير مواقف الخلفا، وتثبيت مقامهم وتنزيههم من النقد والمؤاخذة بسبب التحريفات والتغييرات التي اوجدها الخلفاء في الاحكام الى احد هذين الطريقين: 1 ـ جعل الحديث 2 ـ ادعا الاجتهاد.
وانهـم يحاولون ان يثبتوا حكم الخليفة اولا: بان يوضعوا احاديث وينسبوها الى الرسول (ص) ويعبرون عنها بانها صادرة عنه (ص) وثانيا: اذا لم تسنح لهم الفرصة في الوضع والجعل فانهم يعمدون الى القول باجتهاد الخليفة وينسبون الحكم المخالف لحكم الرسول (ص) بانه مما اجتهد فيه الخليفة وثالثا: فانهم يستفيدون من كلا الناحيتين كما هوفي المتعة فانها ذو جنبتين اي انهم يقومون بوضع الحديث وادعا الاجتهاد.
وقد ثبت في كتب الحديث والتاريخ ان المتعة كانت مباحة على عهد رسول اللّه (ص) وعهد ابي بكر وفترة من خلافة عمر بن الخطاب وكان المسلمون ياتمرون فيهابامر من اللّه عزوجل ورسوله (ص).
والذي نهـى عنها هو عمر بن الخطاب وهدد من يخالف رايه باشد العقوبات، وقدذكرنا فيما سبق بعض الاحاديث واقوال المؤرخين فيما يختص بالموضوع ومع ذلك نرى ان بعض اصحاب رسول اللّه (ص) الذين كانوا رواة وعلما ومفسرين اعلنوا مخالفتهم الصريحة لامر عمر وفتواه، واثبتوا حكم جواز المتعة قولا وعملا.
ولكن عالج بعض العلما من اهل السنة حكم الخليفة وتثبيت فتواه بالتوجيه التالي اولا بان آية المتعة وحكم جوازها هي من الايات والاحكام المنسوخة ورووا في هذا الادعا احاديث موضوعة، وتارة اخرى يدعون بان منع المتعة هو من اجتهادات الخليفة عمر(110).
ولما كان موضوع النسخ في آية المتعة والحكم بجواز الزواج المنقطع بحاجة الى تفصيل وتبيين اكثر وكتاب مستقل في الموضوع فاننا نرجو من القرا الكرام مطالعة الكتب الاخرى التي كتبت في هذا الموضوع(111).
ان الذين قالوا بان حكم المتعة منسوخ ونسبوا هذا النسخ المزعوم الى عهدالرسول (ص) اقوالهم متشتتة ومتضاربة، بحيث لا يمكن الجمع بينها، وهذا الاضطراب بنفسه دليل آخر على كون ادعا النسخ تحكم وافترا.
وذلك لان بعضهم ادعى بان الناسخ آية، وادعى آخرون بان الناسخ هو السنة والاحاديث الصحيحة واما اقوال المدعين في كل من الناسخ سوا كان آية او حديث مضطربة.
فمثلا ان القائلين بان المتعة نسخت بية من القرآن يلاحظ انهم قد اختلفوا في تعيين الاية الناسخة الى خمسة اقوال:
القول الاول: بانها نسخت بقوله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون الا على ازواجهم)(112).
والقول الثاني: فان الاية الناسخة هي آيات العدة(113).
الثالث: ان الاية الناسخة هي آية الارث(114).
القولالرابع: آية التحريم(115).
والقول الاخر: هي الاية التي ذكرت فيها تعدد الزوجات(116).
بينما لانرى بين مفهوم الايات المذكورة وآية المتعة اي تضارب ولا تناقض حتى تنسخها وكذا نشاهد ان بعض هذه الايات(117) مكية وآية المتعة مدنية فكيف يتصور ان ينسخ ما نزل مؤخرا بما نزل مقدما؟
واما الذين قالوا: ان آية المتعة نسخت بالسنة والحديث لهم خمسة عشر قولاكذلك، لان بعض هذه الاحاديث يقول: نسخت آية المتعة في غزوة خيبر، وبعضها يقول: في فتح مكة وقيل: في غزوة تبوك وقال آخرون: نسخت في حجة الوداع وادعى آخرون انها نسخت في غزوة حنين (الاوطاس)(118).
ولكن القول الحق ان الروايات التي وردت في صحيح البخارى وصحيح مسلم، تقول: بان آية المتعة لم تنسخ ابدا لا بية ولا بحديث، بل ان المسلمين كانوا يعملون بهاعلى عهد رسول اللّه (ص) وابي بكر ونصفا من خلافة عمر ثم نهى عنها عمر(119).
واما الروايات التي قيل انها ناسخة للمتعة علاوة على ما فيها من التناقضات والاضطراب فيما بينها، وانها تخالف الكثير من الروايات الصحيحة التي تقول بعدم النسخ ‌فانها اخبار آحاد وثبت في محله بان القرآن لا ينسخ بالخبر الواحد.
5 ـ الافتراءات الشائعة:
اشرنا سابقا ان حكم المتعة ثابت كتابا وسنة، وبالرغم من ان حدود المتعة وشروطها قد ذكرت بالتفصيل وببيان واضح في الكتب الفقهية الشيعية، مع هذا نرى ان بعض علماء اهل السن ة ومؤلفيها تشبثوا بكل حشيش، كالغريق، وما وسعهم الا ان يكتبوا ما توهموه من الاباطيل، ورشحتها خزعبلاتهم الفكرية حول المتعة او لما نجم من جمودهم الفكري وتعصبهم المفرط، فاتهموا الشيعة باراجيف موهومة ونسبوا اليهم الافتراءات والاكاذيب.
ونذكر للقرا اربعة من تلك الاقوال:
1 ـ كلمة الشيخ محمد عبده: قال في مكافحته للمتعة: فان المتمتع بالنكاح المؤقت لا يقصد الاحصان دون المسافحة، بل يكون قصده الاول المسافحة، فان كان هناك نوع ما من احصان نفسه ومنعها من التنقل في دمن الزنا، فانه لا يكون فيه شي مامن احصان المراة التي تؤجر نفسها كل طائفة من الزمن لرجل، فتكون كما قيل:
كرة حذفت بصوالجة    فتلقفها رجل رجل(120)
اقول: يظهر من توهم صاحب المنار ان بين الزواج المؤقت «المتعة» والعفة والزواج الشرعي منافاة وتباين حيث ادعى ان الزوجة المؤقتة «بالتمتع» ليست زوجة شرعية ولذا عبر عن الزواج المؤقت بالسفاح والزنا.
وقد اوضحنا فيما سبق ان المتعة شبيهة بالزواج الدائم من حيث الشروط والعدة.
واما تشبيه صاحب المنار المراة في المتعة بالمراة التي تؤجر، والكرة التي يتلقفها الرجال واحد بعد اخر، فيه: اولا: لو كان هذا الادعا صحيحا فان الايراد يرد اولاوبالذات على اصل تشريعه في عهد الرسول لانه لا يمكن تصور هذا التشبيه والتقبيح بانه منحصر بزمان دون زمان، ولا يشك احد ان المسلمين الاوائل كانوا يتمتعون على عهد الرسول (ص)، ثم نستثني القبح عن هذا الزمان من بقية الازمنة، لان الشي القبيح يظل قبيحا الى الابد ولا يزول القبح عنه.
وثانيا: لو فرضنا صحة هذا التوهم والاشكال فانه يرد ايضا على الزوجة الدائمة فانه لا يحق لها ان تتزوج رجلا آخر بعدما حصل لها الطلاق من الزوج الاول، وهكذا لماتطلق من الزوج الثاني لا يجوز لها الزواج بالثالث، لانها حينئذ تكون لعبة وكرة حسب تعبير الشيخ محمد عبده بايدي الرجال والازواج، وعلى هذا فلا يكون فرق بين الزواج الدائم والمؤقت من هذه الناحية.
وما يثير العجب ان صاحب المنار بعد ان اطال الكلام في هذا الموضوع يختتم
 كلامه قائلا: اخشى ان اكون خرجت بهذا البحث عن منهاجي فيه وهو الاعراض عن مسائل الخلاف التي لا علاقة لها بفهم القرآن والاهتدا به، وعن الترجيح بين المذاهب الذي هو مثار تفرق المسلمين وتعاديهم، على انني ابرا الى اللّه من التعصب والتحيز الى غير ما يظهر لي انه الحق واللّه عليم بذات الصدور(121).
ومع هذا الكلام تراه ينحاز ويتعصب حتى ينجر الى ان يسخر ويستهزئ باصل اصيل ثابت حكمه في القرآن والسنة واجماع المسلمين.
2 ـ كلمة موسى جار اللّه: ارى ان المتعة من بقايا الانكحة في الجاهلية كانت امراتاريخيا لا حكما شرعيا بقيت في صدر الاسلام بقا العوائد التي لا تستاصل الا بزمن، فالعرب قبل الاسلام كان لها انكحة دامت حتى صارت عادة ابطلها الاسلام يمكن ان البعض كان يرتكب المتعة في صدر الاسلام جريا على العادة مستحلا او جاهلا، ويمكن ان الشارع اقرها لبعض في بعض الاحوال من باب ما نزل فيها ما قد سلف، وقدنزل في اشد المحرمات ونسخت وحرمت تحريم ابد ولم يكن نسخها نسخ حكم شرعي بل نسخ امر جاهلي، ولم يكن في الاسلام نكاح متعة، ليس بيد احد دليل لاباحتها في زمن من صدر الاسلام ولم تقع من صحابي في الاسلام ولو وقعت فلا يتمكن احد ان يثبت انها كانت باذن من الشارع بل دوام عمل كان في الجاهلية وعادة معروفة(122).
اقول: فلو امعنت النظر ايها القارئ الكريم في الصفحات السابقة وكررت مطالعتك فيها يظهر لك جواب ادعا موسى جار اللّه وعلمت ان حكم المتعة ثبت في القرآن والسنة ثبوتا قطعيا وقد اتفقت اقوال المحدثين والمفسرين بان المسلمين في صدرالاسلام قد عملوا بالمتعة.
وما قول جار اللّه النابع عن العصبية الا تحكم وتخرص واستهزا وتفكه لما وردفي الكتب الحديثية والتفسيرية والتاريخية.
(فويل للذين يكتبون الكتاب بايديهم ثم يقولون هذا من عنداللّه ليشتروا به ثمناقليلا فويل لهم مما كتبت ايديهم وويل لهم مما يكسبون)(123).
3 ـ فرية الالوسي: لفق محمود شكري الالوسي البغدادي بهتانا وافكا واضحافاضحا على الشيعة فقال: ان عند الشيعة متعة اخرى يسمونها المتعة الدورية، ويروون في فضلها ما يروون، وهي ان يتمتع جماعة بامراة واحدة فتقول لهم من الصبح الى الضحى في متعة هذا، ومن الضحى الى الظهر في متعة هذا، ومن الظهر الى العصر في متعة هذا، ومن العصر الى المغرب في متعة هذا، ومن المغرب الى العشا في متعة هذا، ومن العشا الى منتصف الليل في متعة هذا، ومن منتصف الليل الى الصبح في متعة هذا(124).
لقد اسلفنا البحث حول موضوع المتعة وبيان حقيقتها وماهيتها في بداية هذا الفصل وآن لنا ان نقول ان ما نسبه الالوسي الى الشيعة ما هو الا بهتان واضح وافترافاضح.
اليس من سائل يسال هذا الالوسي: اي شيعي هذا الذي يقول بهذا الراي وهذا النوع من المتعة؟
واي رواية عثر عليها الالوسي تروي لنا هذا النوع من المتعة؟
ومن هو الراوي الذي ذكر فضائل لهذه المتعة الالوسية؟
وفي اي كتاب نقلت هذه الروايات التي افرزتها خيالات وتوهمات الالوسي؟
وما هي الكتب الحديثية والتفسيرية الشيعية التي رويت فيها هذه التخرصات الالوسية؟
واي عالم او جاهل شيعي يفتي بصحة هذا النوع من المتعة الالوسية؟
(كبرت كلمة تخرج من افواههم ان يقولون الا كذبا)(125).
4 ـ عصبية الشيخ محمود شلتوت: هو الرئيس السابق لجامعة الازهر بمصر واحدالعلما المتفتحين علميا والواعين والمعروف عنه انه لا تاخذه العصبية فتراه لما ياتي على ذكر المتعة يتعصب ويبرز شنشنته فيقول:
زواج المتعة ومنه الزواج الى اجل هو ان يتفق رجل مع امراة خالية من الازواج على ان تقيم معه مدة ما معينة او غير معينة في مقابلة مال معلوم.
واضاف قائلا: ان القرآن قد ربط بعنوان الزوجية احكاما كثيرة كالتوارث وثبوت النسب والنفقة والطلاق والعدة وليس شي من هذه الاحكام بثابت فيما يعرف بزواج المتعة(126).
لقد ذكرنا آنفا ان احد شروط المتعة هو تعيين المدة وهكذا العدة باقسامهاوالتناسب والتوارث فانها من شروط المتعة واما ادعا ان الزواج المؤقت نوع من المتعه فانه ناشئ عن، وليس بصحيح ولا معنى له.
(افرايت من اتخذ الهه هواه واضله اللّه على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعداللّه افلا تذكرون)(127).

7 ـ صلاة التراويح:

7 ـ صلاة التراويح:
وهي صلاة نافلة تقام في ليالي شهر رمضان بنحو الجماعة.
وهذه الصلاة ما سنها النبي (ص)، ولا كانت على عهده، وحتى انها لم تكن على عهد ابي بكر، وفترة من عهد عمر بن الخطاب، ولا شرع في الاسلام اقامة النوافل جماعة الا صلاة الاستسقا، واقامة الصلاة جماعة انما هي في الصلوات الواجبة فقط.
 وفي العام اربع عشر من الهجرة ابتدع الخليفة هذه الصلاة، والزم المسلمين ان يقيموا النوافل في ليالي شهر رمضان جماعة، وكتب بذلك الى البلدان والولاة ونصب في المدينة امامين يصليان بالناس وهما: ابي بن كعب اماما للرجال، وتميم الداري اماماللنسا.
وحسبك ايها القارئ الكريم ما روي بهذا الصدد في الصحيحين وبعض المصادرالمعتبرة الاخرى.
1 ـ روى البخاري باسناده عن عبدالرحمن بن عبدالقاري انه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة الى المسجد فاذا الناس اوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر: اني ارى لو اجتمع هؤلاء على قارئ واحد لكان امثل، ثم عزم فجمعهم على ابي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة اخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر: نعم البدعة هذه(128).
2 ـ واخرج هو ومسلم معا باسنادهما عن ابن شهاب، عن حميد بن عبدالرحمان، عن ابي هريرة ان رسول اللّه (ص) قال: من قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
قال ابن شهاب: فتوفي رسول اللّه (ص) والامر على ذلك عدم الجماعة في النوافل، ثم كان الامر على ذلك في خلافة ابي بكر، وصدرا من خلافة عمر رضي اللّه عنهما(129).
قال ابن سعد: وهو اي عمر اول من سن قيام شهر رمضان، وجمع الناس على ذلك وكتب الى البلدان، وذلك في شهر رمضان سنة اربع عشرة وجعل للناس بالمدينة
قارئين قارئا يصلي بالرجال، وقارئا يصلي بالنسا(130).
ذكر اليعقوبي في حوادث سنة اربع عشرة: وفي هذه السنة سن عمر قيام شهررمضان، وكتب بذلك الى البلدان، وامر ابي بن كعب وتميم الداري ان يصليا بالناس.
فقيل له في ذلك: ان رسول اللّه (ص) لم يفعله، وان ابا بكر لم يفعله فقال: ان تكن بدعة فما احسنها من بدعة(131).
وقال السيوطي: وفي سنة اربع عشرة جمع عمر الناس على صلاة التراويح(132).
سيرة أمير المؤمنين علي (ع):
يستفاد من مضامين الشواهد التاريخية ومتون الاحاديث ان أمير المؤمنين الامام علي (ع) جاهد في ايام خلافته ان يعيد هذه الصلاة على ما كانت عليه في عهد رسول اللّه (ص) ويطبق اوامر الرسول (ص) خاصة فيما يتعلق بهذه العبادة، ولكن ثمة بعض الاسباب والعوامل منها: جهل بعض المسلمين شلت عزيمة الامام (ع) وحالت دون تطبيق نواياه.
وقد اشار الامام علي (ع) الى هذا الامر في احدى خطبه فقال:
ولو امرت الناس ان لا يجمعوا في شهر رمضان الا في فريضة، لنادى بعض الناس من اهل العسكر ممن يقاتل معي: يا اهل الاسلام، وقالوا: غيرت سنة عمر، نهينا ان نصلي في شهر رمضان تطوعا، حتى خفت ان يثوروا في ناحية عسكري، بؤسي لما لقيت من هذه الامة بعد نبيها من الفرقة، وطاعة ائمة الضلال والدعاة الى النار(133).
نقل ابن ابي الحديد عن كتاب الشافي: وقد روي ان أمير المؤمنين (ع) لما اجتمعوا
اليه بالكوفة، فسالوه ان ينصب لهم اماما يصلي بهم نافلة شهر رمضان، زجرهم وعرفهم ان ذلك خلاف السنة النبوية فتركوه، واجتمعوا لانفسهم، وقدموا بعضهم فبعث اليهم ابنه الحسن (ع) فدخل عليهم المسجد، ومعه الدرة، فلما راوه تبادروا الابواب، وصاحوا: واعمراه(134).
استجواب العيني:
وقال العيني في شرحه على البخاري في بيان قول عمر: ونعم البدعة.
وانما دعاها عمر بدعة لان رسول اللّه (ص) لم يسنها لهم، ولا كانت في زمن ابي بكر، ثم ان البدعة ان كانت مما يندرج تحت مستحسن في الشرع فهي بدعة حسنة(135).
ونسائل العيني: انك قد اعترفت والزمت نفسك بان هذه الصلاة بدعة، ولكن من اين لك ان تحكم بانها بدعة حسنة؟
فان قلت: ان هذه البدعة الحسنة الرسول (ص) افضل فعليك ان تتبع السنة النبوية الراجحة وتترك البدعة المرجوحة والباطلة.
فما قولك يا عيني، ومن كان على شاكلتك؟

8 ـ التطليقات الثلاث.

8 ـ التطليقات الثلاث.
ما هي التطليقات الثلاث؟
ان الطلاق الثالث الذي يحرم المطلقة على مطلقها، هو: ان يطلق المر امراته مرتان وفي كل مرة يرجعها او يتزوجها بعد انقضا العدة، وفي المرة الثالثة لو طلقها لاتحل له حتى يتزوجها محلل ثم يطلقها او يموت عنها فبعد ذلك يمكن ان يتزوجها الزوج الاول.
وقد جاء هذا الحكم في القرآن صريحا وبينا وقال تعالى: (الطلاق مرتان فامساك بمعروف او تسريح باحسان الى ان قال فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره)(136).
الجملة الاسمية «الطلاق مرتان» صريحة بان الطلاق لابد وان يكون متعددا ولوطلق الرجل زوجته مرة واحدة، وقيده بعدد الثلاثة، كان يقول لها: طلقتك ثلاثا، فان هذا الطلاق يعد مرة واحدة ولم تتطلق الزوجة لنص القرآن في ذلك، وللرجل ان يرجع اليها، ولم يستوجب حرمة الرجوع، او الزواج بها مرة اخرى.
قال الزمخشري في بيان الطلاق مرتان:
التطليق الشرعي الذي لا تحل المراة لزوجها هوتطليقة بعد تطليقة على التفريق دون الجمع والارسال دفعة واحدة، ولم يرد بالمرتين التثنية اي ان يقول: طلقتك طلاقين، ولكن التكرير كقوله: (ثم ارجع البصر كرتين)(137) اي كرة بعد كرة لا كرتين اثنتين(138).
فالمسالة من الناحية القرآنية، وسنة الرسول واضحة، وسيرته (ص) مؤيدة لهذه المسالة بحيث لا ابهام فيها.
واما تحريم الخليفة عمر بن الخطاب المراة المطلقة بهذه الكيفية على زوجها اعراض عن التعدد والتكرار في الطلاق، واكتفى بتقييد الطلاق بعدد ثلاثة لفظا، بان يقول الرجل مرة واحدة لزوجته:
انت طالق ثلاثا فان الخليفة عمر يرى ان هذه المراة قدطلقت وحرمت على الرجل حرمة ابدية، ولا يحق له الرجوع اليها والزواج بها ثانية الا ان تنكح زوجا غيره.
واليك ايها القارئ الكريم بعض الاحاديث مما روي في صحيح مسلم:
1 ـ قال ابن عباس: كان الطلاق على عهد رسول اللّه (ص) وابي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: ان الناس استعجلوا في امر قدكانت لهم فيه اناة، فلو امضيناه عليهم، فامضاه عليهم(139).
وعن طاووس قال: ان ابا الصهبا قال لابن عباس: هات من هناتك، الم يكن الطلاق الثلاث على عهد رسول اللّه (ص) وابي بكر واحدة؟
فقال: قد كان ذلك، فلما كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فاجازه عليهم(140).
هذا ما استخرجه مسلم في صحيحه حول مسالة التطليقات الثلاثة، وهي ثابتة في كتب التاريخ والحديث والمصادر المعتبرة ثبوت المسلمات بان الطلاق المقيدبالعدد كان طلاقا واحدا، حتى عهد الخليفة عمر حيث افتى الناس، بان الطلاق المقيد بالعدد ثلاثة لفظا، هو ثلاث تطليقات، وبعده يوجب التحريم وحرمة رجوع الزوج اليها.
وعلى خطى عمر بن الخطاب افتى اكثر علماء اهل السنة وائمتهم الاربعة عبرالتاريخ بحرمة المتعة ولم يتعدوا فتوى الخليفة عمر، واليوم كذلك تبعا للسلف افتى علماؤهم بذلك الحكم، ولا يخفى على احد ان هذه الفتوى المباينة للنص الصريح مماجا به القرآن قد عورض من قبل الاخرين، المخالفين لهذا الراي، حيث انهم انكروا ذلك تارة بالصراحة، وتارة بالكناية والايما، حتى آل الامر الى الغا فتوى عمر من جانب المحاكم الشرعية في مصر وفقيهها الاعظم.
وحسبك يا قارئي الكريم الفتاوى المصرحة وآرا علماء اهل السنة المخالفة لراي عمر نوردها اليك بالاجمال.
مجرى التطليقات الثلاث:
قال ابن رشد الاندلسي: المسالة الاولى: جمهور فقها الامصار على ان الطلاق بلفظ ثلاث حكمه حكم التطليقة الثالثة لا تحل الرجوع بعد ذلك(141).
وقال الجزيري في كتابه الفقه على المذاهب الاربعة: فاذا طلق الرجل زوجته ثلاثادفعة واحدة، بان قال لهـا: انت طالق ثلاثا لزمه ما نطق به من العدد في المذاهب الاربعة وهو رأي الجمهور(142).
وتلاحظ في هاتين المقولتين ان ابن رشد وكذا الجزيري كشفا عن مخالفتهما لهذه النظرية رأي عمر في الطلاق، وابديا ان هذا الراي العمري هو خلاف الواقع وهو من الاحكام المبتدعة ـ المختلقة.
فاما ابن رشد يرد هذه النظرية باسلوب كنائي جميل وذلك في ثنايا بيانه لمسالة اخرى غير مسالة الطلاق قال: ان من الزم الطلاق الثلاث في واحدة، فقد رفع الحكمة الموجودة في هذه السنة المشروعة(143).
واما الجزيري مؤلف الفقه على المذاهب الاربعة بعد ان ذكر ادلة الطرفين المخالف والموافق في مسالة الطلاق، اعتبر هذه المسالة من المسائل الاجتهادية وصير مخالفة ابن عباس لعمر مخالفة مجتهد لاخر وبعد ذلك قال:
ومما لا شك فيه ان ابن عباس من المجتهدين الذين عليهم المعول في الدين، فتقليده جائز ولا يجب تقليد عمر فيما رآه، لانه مجتهد، وموافقة الاكثرين له لا تحتم تقليده عمر(144).
وقال الشيخ محمد عبدة بعد بحث طويل حول آية الطلاق: ان انشا الطلاق ثلاثا بالقول ليس في قدرة الرجل ايقاعه مرة واحدة، ذلك ان الامور العملية لا تتكرر بتكررالقول المعبر عنها بل ولا القولية ايضا، فمن فسخ العقد مرة وعبر عنها بقوله ثلاثة فهو كاذب.
ثم يضيف عبده على خبر رسول اللّه (ص) عن رجل طلق امراته ثلاث تطليقات جميعا فقام (ص) غضبان ثم قال: ايلعب بكتاب اللّه وانا بين اظهركم؟
واضاف الشيخ محمد عبده:
وليس المراد من اطالة الكلام في هذه المسالة مجادلة المقلدين، او ارجاع القضاة والمفتين عن مذاهـبهـم فيها، فان اكثرهم يطلع على هذه النصوص في كتب الحديث وغيرها ولا يبالي بها، لان(145). وفي عام 1929 من الميلاد اي قبل 69 عام الغت المحاكم الشرعية بمصر حكم عمر، من دستورها وبعدهـا بفترة وجيزة افتى شيخ الازهر ورئيسها والمرجع الاعلى لاهل السنة الشيخ محمود شلتوت فقال: والذي نراه في المسالة من جهة الوقوع وعدمه ونفتي به هو الراي الذي اختاره قانون المحاكم الشرعية الصادر سنة 1929 وهو ان الطلاق المقترن بعدد كان يقول الرجل لامراته: انت طالق بالثلاث لا يقع الا طلقة واحدة رجعى ة(146).
اما تاثير هذه الفتاوي والاراء النافية لفتوى عمر وصمودها امام رأي الخليفة على المذاهب الاربعة السنية واتباعهم، لاشك فانها بحاجة الى زمن اطول حتى تتحرر من الاغلال والقيود التقليدية العميا والتعصب الجاهلي.

9 ـ البكاء على الموتى.

9 ـ البكاء على الموتى.
حزن الانسان عند موت احبته وبكائه عليهم، مسالة نفسية ومن مستلزمات العاطفة البشرية، وهما من مقتضيات الرحمة والشفقة الانسانية.
وقد اباح الدين الاسلامي البكا على الاموات، والرسول (ص) نفسه كان يبكي على الاموات وخاصة الذين استشهدوا في سبيل اللّه.
وورد في الكتب والمصادر الدينية ان البكا على الاموات كان سيرة متبعة عندالمسلمين، وحيث انه لم يتماشى مع قريحة الخليفة عمر بن الخطاب، ولم يوافق رايه نهى عنه نهيا شديدا، وكان يضرب فيه بالحصا والعصا الذين يبكون على امواتهم مهما كان الميت عظيما ومكرما.
ونورد لك ـ ايهـا القاري ـ الاحاديث الدالة على ان النبي (ص) كان يبكي على الاموات وينعاهم، وبعدها نذكر موقف الخليفة عمر بن الخطاب تجاه مسالة البكا على الموتى، مما ورد في المصادر التاريخية وخاصة الصحيحين:
روى البخاري باسناده عن انس بن مالك: ان النبي (ص) نعى جعفرا وزيدا قبل ان يجي خبرهم وعيناه تذرفان(147).
وروى ايضا عنه قال: ثم دخلنا عليه بعد ذلك وابراهيم يجود بنفسه فجعلت عينارسول اللّه (ص) تذرفان فقال له عبدالرحمن بن عوف: وانت يا رسول اللّه؟ فقال: ابن عوف انها رحمة ثم اتبعها باخرى فقال: ان العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول الا ما يرضي ربنا، وانا بفراقك يا ابراهيم لمحزونون(148).
واخرج مسلم في صحيحه: زار النبي (ص) قبر امه فبكى وابكى من حوله(149).
وفي صحيح البخاري روايات متواترة حول بكا النبي (ص) وبضعته فاطمة الزهرا (س) اكتفينا بذكر ثلاثة منها(150).
واما ما ورد في الصحيحين عن نهي الخليفة عمر بن الخطاب فنذكر بعضه:
اخرج البخاري باسناده عن عبداللّه بن عمر في حديث حول مرض سعد بن عبادة وعيادة النبي (ص) اياه وبكائه على سعد وثم يذكر مخالفة ابيه عمر بن الخطاب لامرالرسول (ص).
فقال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فاتاه النبي (ص) يعوده مع عبدالرحمن بن عوف وسعد بن ابي وقاص وعبداللّه بن مسعود، فلما دخل عليه فوجده في غاشية اهله فقال: قد قضى؟ قالوا: لا يا رسول اللّه، فبكى النبي (ص)، فلما راى القوم بكاء النبي (ص) بكوا فقال (ص): الا تسمعون ان اللّه لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا واشار الى لسانه او يرحم وان الميت يعذب ببكا اهله عليه.
وكان عمر (رض) يضرب فيه بالعصا ويرمي بالحجارة ويحثى بالتراب(151).
واخرج مسلم هذا الحديث ولكن اسقط القسم الاخير منه(152).
وكذا اخرج البخاري في صحيحه: وقد اخرج عمر اخت ابي بكر حين ناحت(153).
وروى احمد في مسنده عن ابن عباس في ضمن ذكره موت عثمان بن مظعون، لماماتت رقية ابنة رسول اللّه (ص) فقال (ص): الحقي بسلفنا الخير عثمان بن مظعون.
قال: وبكت النسا فجعل عمر يضربهن بسوطه، فقال النبي (ص) لعمر: دعهن يبكين، واى اكن ونعيق الشيطان.
 ثم قال رسول اللّه (ص): مهما يكون من القلب والعين فمن اللّه والرحمة، ومهما كان من اليد واللسان فمن الشيطان.
وقعد رسول اللّه (ص) على شفير القبر وفاطمة (س) الى جنبه تبكي، فجعل النبي (ص) يمسح عين فاطمة بثوبه رحمة لها(154).
اقول: ونقل ابن سعد هذه القصة بتفاوت يسير في الفاظها وزاد في آخرها: لما قام عمر بضرب النسا وزجرهن، فاخذ رسول اللّه (ص) بيده وقال: مهلا يا عمر(155).
وكذلك روى احمد بن حنبل عن ابي هريرة في حديث طويل مر على رسول اللّه (ص) جنازة، ومعها بواك، فنهـرهـن عمر فقال له رسول اللّه (ص): دعهن، فان النفس مصابة والعين دامعة والعهد حديث(156).
قال ابن ابي الحديد: واول من ضرب عمر بالدرة ام فروة بنت ابي قحافة اخت ابي بكر مات ابو بكر فناح النسا عليه، وفيهن اخته ام فروة، فنهاهن عمر مرارا، وهن يعاودن فاخرج ام فروة من بينهن وعلاها بالدرة، فهربن وتفرقن(157).

10 ـ صلاة المسافر

10 ـ صلاة المسافر
ان الصلاة الرباعية الظهر والعصر والعشا تقصر في السفر الى ركعتين، ولا فرق في نوعية السفر سواءاً كان للتجارة او الزيارة او الغزو او غيره، وقد ثبتت مشروعية هذا الحكم بالكتاب(158) والسنة النبوية(159).
وكان هذا الحكم يعمل به في عهد الرسول (ص) وعهدي ابي بكر وخليفته عمرومدة من عهد عثمان، وفي النصف الثاني من خلافة عثمان اتم الصلاة وهو في منى مسافرا، وتبعه المسلمون في ذلك، وخالفه آخرون واعترضوا عليه مستنكرين في الاتمام في السفر.
وروى الطبري عن ابن عباس انه قال: ان اول ما استنكر على عثمان هو اتمامه الصلاة في منى، وهو مسافر اليها، واخذ عليه في ذلك، حتى كان هذا العمل منطلق ثورة المسلمين عليه(160).
وقد ذكر المحدثون والمؤرخون والمفسرون في كتبهم تغيير وتحريف عثمان لحكم صلاة المسافر.
وكفاك يا قارئي من كل ما ورد في هذا الموضوع ثلاث احاديث اخرجها الشيخان في صحيحيهما:
عن عبداللّه بن عمر قال: صليت مع النبي بمنى ركعتين وابي بكر وعمر ومع عثمان صدرا من خلافته ثم اتمها(161).
وعن عبدالرحمان بن يزيد يقول: صلى بنا عثمان بن عفان بمنى اربع ركعات فقيل ذلك لعبداللّه بن مسعود فاسترجع (انا للّه وانا اليه راجعون)(162) ثم قال: صليت مع رسول اللّه (ص) بمنى ركعتين، وصليت مع ابي بكر بمنى ركعتين، وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين، فليت حظي من اربع ركعات ركعتان متقبلتان(163).
واخرج البخاري حديثا آخر فيه بان عبداللّه بن مسعود لما قال: صليت مع رسول اللّه (ص) وابي بكر وعمر ركعتين في منى، قال: ثم تفرقت بكم الطرق فياليت حظي من اربع، ركعتان متقبلتان(164).
وقال الطبري في تاريخه في حوادث عام تسع وعشرين: وحج بالناس في هذه السنة عثمان، فضرب بمنى فسطاطا، فكان اول فسطاط ضربه عثمان بمنى، واتم الصلاة بها وبعرفة.
فذكر الواقدي عن ابن عباس يقول: ان اول ما تكلم الناس في عثمان ظاهرا، انه صلى بالناس بمنى في ولايته ركعتين، حتى اذا كانت السنة السادسة اتمها فعاب ذلك غيرواحد من اصحاب النبي (ص)، وتكلم في ذلك من يريد ان يكثر عليه حتى جاء علي (ع) فيمن جاه، فقال (ع): واللّه ما حدث امر، ولا قدم عهد، ولقد عهدت نبيك (ص) يصلي ركعتين، ثم ابا بكر ثم عمر وانت يا عثمان صدرا من ولايتك، فما ادري ما ترجع اليه(165).
مقارنة واستنتاج:
هذه الموارد العشرة التي ذكرناها نقلا عن البخاري ومسلم من الموارد التي خولف فيها النصوص الصريحة في القرآن والسنة النبوية التي اجتهد فيها الخلفاء مقابل النص، وهذه الحقائق الكامنة ورا الدفاع المرير عن الاحكام المذكورة المبتنية عليها جذورالخلافة.
 وهذه الحقائق هي التي دفعت ابن ابي الحديد الى القيام بالمقارنة والمقايسة بين سيرة أمير المؤمنين الامام علي (ع) وسائر الخلفاء فقال:
واما الراي والتدبير: فكان (ع) من اسد الناس رايا، واصحهم تدبيرا، وهو الذي اشار على عمر بن الخطاب لما عزم على ان يتوجه بنفسه الى حرب الروم والفرس بما اشار، وهو الذي اشار على عثمان بامور كان صلاحه فيها، ولو قبلها لم يحدث عليه ماحدث.
وانما قال اعداؤه: لا رأي له، لانه كان متقيدا بالشريعة لا يرى خلافها، ولا يعمل بما يقتضي الدين تحريمه، وقد قال (ع): لولا الدين والتقى لكنت ادهى العرب وغيره من الخلفاء كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه ويستوقفه، سوا اكان مطابقا للشرع ام لم يكن.
ولا ريب ان من يعمل بما يؤدي اليه اجتهاده، ولا يقف مع ضوابط وقيود يمتنع لاجلها مما يرى الصلاح فيه، تكون احواله الدنيوية الى الانتظام اقرب ومن كان بخلاف ذلك، تكون احواله الدنيوية الى الانتثار اقرب(166).

 

 

 

 

____________________
1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: 162، روضة الكافي: 59 ح21، بحار الانوار 34: 168 كتاب تاريخ امير المؤمنين (ع) باب «32» باب علة عدم تغيير اميرالمؤمنين (ع) بعض البدع في زمانه، احقاق الحق 1: 61.
2- شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 19: 161.
3- صحيح البخاري 9: 19 كتاب استتابة المرتدين والمعاندين باب قتل من ابى قبول الفرائض، صحيح مسلم 1: 51 كتاب الايمان باب «8» باب الامر بقتال الناس حتى يقولوا لااله الا اللّه ح32.
ثمة في التاريخ الاسلامي قضايا وحوادث مؤلمة مثل احراق قبيلة بني سليم الذي اشعل خالد.
4- بن الوليد فيها الفار في غرة حكومة الخليفة ابي بكر الصديق راجع الرياض النضرة للمحب الطبري 1: 147.
5- مسيلمة الكذاب: هو مسليمة بن ثمامة من بني حنيفة، ادعى النبوة وكان من المعمرين، نشا باليمامة، ولما ظهر الاسلام في الحجاز وافتتح النبي9 مكة ودانت له العرب، جاه وفدمن بني حنيفة وكان معهم مسيلمة الا انه تخلف مع الرحال خارج مكة فجا الوفد الى النبي واسلموا واخبروا النبي بمكان مسيلمة،
ولما رجعوا الى ديارهم كتب مسيلمة الى النبي: من مسيلمة رسول اللّه الى محمد رسول اللّه، سلام عليك، اما بعد... فاجابه النبي: بسم اللّه الرحمن الرحيم من محمد رسول اللّه الى مسيلمة الكذاب....
وكان مسيلمة يضع اسجاعا ليضاهي بها القرآن، وتوفي النبي9 قبل القضا على فتنته، وفي عهدابي بكر ارسل ابوبكر جيشا بقيادة خالد بن الوليد فقضى عليه، وكان ذلك سنة 12 من الهجرة.
راجع الاعلام ترجمة مسيلمة الجز السابع. المعرب.
6- طليحة الكذاب: هو طليحة بن خويلد الاسدي، قدم هو وقبيلته سنة تسع من الهجرة المدينة فاسلموا، ولما رجعوا ارتد طليحة وادعى النبوة فوجه النبي
(ص) اليه ضرار بن الازورفضربه ضرار بالسيف يريد قتله، فنبا السيف فشاع بين الناس ان السلاح لا يؤثر فيه، ومات النبي (ص) فكثر اتباع طليحة من قبائل اسد وغطفان وطي، وكان يقول: ان جبرئيل ياتيه، وتلاعلى الناس اسجاعا امرهم فيها بترك السجود في الصلاة، فهاجم المدينة في عهد ابي بكروقاتله
خالد ومات في عهد عمر الاعلام ترجمة طليحة الاسدي الجز الثالث المعرب.
7- صحيح البخاري 9: 19 كتاب استتابة المرتدين والمعاندين باب قتل من ابى قبول الفرائض، صحيح مسلم 1: 51 كتاب الايمان باب «8» باب الامر بقتال الناس حتى يقولوا: لا اله الا اللّه.
8- بداية المجتهد 1: 256.
9- للمزيد من الاطلاع على قضية ما سمي بالردة راجع: معجم البلدان للحموي، انساب الاشراف للبلاذري، والفتوح لابن اعثم الكوفي.
10- للمزيد من الاطلاع على قضية ما سمي بالردة راجع: معجم البلدان للحموي، انساب الاشراف للبلاذري، والفتوح لابن اعثم الكوفي.
11- للمزيد من الاطلاع على قضية ما سمي بالردة راجع: معجم البلدان للحموي، انساب الاشراف للبلاذري، والفتوح لابن اعثم الكوفي.
12- الانفال: 75.
13- البداية والنهاية 6: 304 حوادث سنة احدى عشرة فصل في تنفيذ جيش اسامة.
14- عبقرية الصديق: 124.
15- الصديق ابوبكر: 96.
16- تاريخ الخلفاء: 74.
17- الفتوح 1: 6 22.
18- راجع: عبداللّه بن سبا للعلامة العسكري لتزداد اطلاعا عن حروب الردة.
19- الاصابة 5: 560 ترجمة مالك بن نويرة رقم 7712.
20- الفتوح 1: 7.
21- تاريخ اليعقوبي 2: 132.
22- المصدر: 139.
23- الفتوح 1: 18.
24- صحيح مسلم 4: 1871 كتاب فضائل الصحابة باب «4» فضائل علي بن ابي طالب (ع) ح33.
25- صحيح البخاري 4: 96 كتاب الجهاد والسير باب فرض الخمس، صحيح مسلم 3: 1381كتاب الجهاد والسير باب «16» باب قول النبي: لا نورث ح54.
26- صحيح البخاري 5: 177 كتاب فضائل اصحاب النبي باب غزوة خيبر، صحيح مسلم 3: 1381 كتاب الجهاد والسير باب «16» باب قول النبي: لا نورث ما تركنا صدقة ح54.
27- سنن ابي داود 3: 141 كتاب الخراج والامارة والفي باب في صفايا رسول اللّه ح2967.
28- سنن ابي داود 3: 143 كتاب الخراج والامارة والفي باب في صفايا رسول اللّه (ص) ح2972.
29- هذه المدة هي حسب ما ترويه روايات العامة، واما كتب التاريخ والسير عند الشيعة وكذارواياتهم تؤكد بانها سلام اللّه عليها عاشت بعد ابيها 70 يوما او ثلاث اشهر، فعلى الاول ان قلنا بان شهادتها كانت في الثالث عشر من جمادى الاولى وعلى الثلاث اشهر ان قلنا بان شهادتها كانت في الثالث من جمادى
الاخرى.
30- الشعراء: 214.
31- راجع ص 309 اصل.
32- انظر الخطبة بكاملها واحتجاجها على ابي بكر في شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد 16: 211، بلاغات النساء: 12، والشافي للسيد المرتضى 4: 70.
33- راجع ص.
34- راجع ص.
35- شرح نهج البلاغة 16: 227.
36- شرح نهج البلاغة 16: 245.
37- تاريخ الخلفاء: 73.
38- الصواعق المحرقة: 35.
39- صحيح البخاري 5: 115 كتاب المغازي باب حديث بني النضير، صحيح مسلم 3: 1379كتاب الجهاد والسير باب «16» باب قول النبي: لا نورث ح51.
40- شرح نهج البلاغة 16: 220 223.
41- شرح نهج البلاغة 16: 284.
42- صحيح البخاري 4: 125 كتاب الخمس باب في ذيل اثم من عاهد ثم عذر، وج6: 170كتاب التفسير تفسير سورة الفتح، صحيح مسلم 5: 1411 كتاب الجهاد باب «34» باب صلح الحديبية ح94.
43- صحيح البخاري 4: 126 كتاب الخمس باب في ذيل اثم من عاهد ثم عذر، صحيح مسلم3: 1412 كتاب الجهاد والسير باب «34» باب صلح الحديبية ح94.
44- النجم: 4.
45- صحيح مسلم 3: 1259 كتاب الوصية باب «5» باب ترك الوصية لمن ليس له شي يوصي فيه ح22، صحيح البخاري 7: 156 كتاب الطب باب قول المريض قوموا عني.
46- صحيح مسلم 3: 1257 كتاب الوصية باب «5» باب ترك الوصية لمن ليس له شي يوصي فيه ح20.
47- راجع الموارد السبعة المذكورة في الهوامش الاتية 3 و4 و5.
48- الموارد الثلاثة هي كالتالي: صحيح البخاري 1: 39 كتاب العلم باب كتابة العلم، وج7: 156 كتاب الطب باب قول المريض: قوموا عني، وج9: 137
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب كراهية الخلاف.
49- راجع صحيح البخاري 6: 11 كتاب المغازي باب مرض النبي (ص) ووفاته.
50- راجع صحيح البخاري 4: كتاب الجهاد باب هل يستشفع الى اهل الذمة وص 120 كتاب الخمس باب اخراج اليهود من جزيرة العرب، وج6: 12 كتاب المغازي باب مرض النبي (ص) ووفاته.
51- شرح نهج البلاغة 12: 21 و78.
52- النجم: 3.
53- راجع متن الاحاديث التي اشرنا اليها في هوامش ص 345.
54- صحيح البخاري 4: 121 كتاب الخمس باب اخراج اليهود من جزيرة العرب.
55- المراجعات: المراجعة رقم 86.
56- راجع بداية المجتهد لابن رشد القرطبي 1: 341 343، والفقه على المذاهب الاربعة لعبدالرحمن الجزيري 1: 688 696.
57- البقرة: 196.
58- صحيح البخاري 5: 175 كتاب الحج باب التمتع والاقران بالحج، صحيح مسلم 2: 909كتاب الحج باب «31» باب جواز العمرة في اشهر الحج ح198، سنن النسائي 5: 180كتاب الحج باب اباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدي.
59- سنن ابن ماجة 2: 992 كتاب المناسك باب «41» باب فسخ الحج ح2980.
60- صحيح البخاري: 2: 195 كتاب الحج باب تقضي الحائض المناسك كلها، وج3: 4 كتاب الحج باب عمرة التنعيم.
61- صحيح مسلم 2: 883 كتاب الحج باب «17» باب بيان وجوه الاحرام وانه ح141، ورواه النسائي في سننه 5: 178 وفيه زيادات وتفاوت.
62- صحيح مسلم 2: 879 كتاب الحج باب «17» باب بيان وجوه الاحرام ح130.
63- البقرة: 196.
64- صحيح مسلم 2: 900 كتاب الحج باب «23» باب جواز التمتع ح172، صحيح البخاري2: 176 كتاب الحج باب التمتع، وج 5: 204 كتاب المغازي باب بعث ابي موسى الى اليمن.
65- صحيح مسلم 2: 1023 كتاب النكاح باب «3» باب نكاح المتعة ح17.
66- صحيح مسلم 2: 899 كتاب الحج باب «23» باب جواز التمتع ح168.
67- احكام القرآن 2: 152، تفسير القرطبي 2: 392، كنز العمال 16: 519 ح 45715 و ص 521 ح 45722، شرح تجريد الاعتقاد للقوشجي: المقصد الخامس في الامامة 386.
68- احكام القرآن 2: 152، تفسير القرطبي 2: 392، كنز العمال 16: 519 ح 45715 و ص 521 ح 45722، شرح تجريد الاعتقاد للقوشجي: المقصد الخامس في الامامة 386.
69- صحيح مسلم 2: 896 كتاب الحج باب «22» باب في نسخ التحلل ح157، سنن النسائي5: 153 كتاب مناسك الحج باب التمتع، سنن ابن ماجة 2: 992 كتاب مناسك باب «40» باب التمتع بالعمرة الى الحج ح2979، مسند الامام احمد بن حنبل 1: 49 50.
70- صحيح مسلم 4: 46 حاشية الصحيح طبعة دار المعرفة للطباعة، لبنان.
71- حاشية سنن النسائي 5: 153 كتاب الحج باب التمتع.
72- راجع ص 353 هامش 1.
73- الاحزاب: 36.
74- صحيح البخاري 2: 175 كتاب الحج باب التمتع والاقران والافراد بالحج.
75- صحيح البخاري 2: 176 كتاب الحج باب التمتع والاقران، صحيح مسلم 2: 897 كتاب الحج باب «23» باب جواز التمتع ح159.
76- صحيح مسلم 2: 896 كتاب الحج باب «23» باب جواز التمتع ح158.
77- سنن النسائي: 152 كتاب الحج باب التمتع.
78- المصدر السابق.
79- جامع بيان العلم وفضله 2: 30، مسند الامام احمد بن حنبل 1: 92.
80- راجع المصادر الحديثية خاصة صحيح مسلم 2: 885 كتاب الحج باب «18» باب في المتعة بالحج والعمرة ح145.
81- سنن النسائي 5: 152 كتاب الحج باب التمتع.
82- صحيح مسلم 2: 898 كتاب الحج باب «23» باب جواز التمتع ح164، مسند الامام احمد بن حنبل 1: 181.
83- راجع فروع المسالة واحكامها الجزئية في الكتب الفقهية عند الشيعة.
84- تفسير الفخر الرازي 10: 49 عند تفسير الاية 24 من سورة النسا.
85- النساء: 24.
86- تفسير الطبري 5: 8 10.
87- تفسير الكشاف 1: 498.
88- التفسير الكبير 10: 51.
89- تفسير الطبري 5: 9.
90- النساء: 3.
91- صحيح مسلم 2: 1022 كتاب النكاح باب «3» باب نكاح المتعة ح13.
92- المصدر ح14.
93- صحيح البخاري 7: 16 كتاب النكاح باب نهي رسول اللّه عن نكاح المتعة آخرا.
94- صحيح مسلم 2: 1023 كتاب النكاح باب «3» باب نكاح المتعة ح16.
95- فتح الباري 9: 141.
96- المائده: 87.
97- صحيح البخاري 6: 66 كتاب التفسير تفسير سورة المائدة باب (يا ايها الرسول بلغ ماانزل اليك من ربك)، وج7: 5 كتاب النكاح باب ما يكره من التبتل والخصا، صحيح مسلم2: 1022 كتاب النكاح باب «3» باب نكاح المتعة ح11.
98- شرح صحيح مسلم 9: 182.
99- صحيح مسلم 2: 1023 كتاب النكاح باب «3» باب نكاح المتعة ح17.
100- مسند الامام احمد بن حنبل 1: 52.
101- راجع ص 355 هامش 3.
102- تاريخ الخلفاء: 137 فصل في اوليات عمر.
103- بداية المجتهد 2: 63.
104- تهذيب التهذيب لابن حجر 6: 403 و406 ترجمة عبدالملك بن عبد العزيز بن جريج الاموي رقم 855.
105- تهذيب التهذيب لابن حجر 6: 403 و406 ترجمة عبدالملك بن عبد العزيز بن جريج الاموي رقم 855.
106- ميزان الاعتدال 2: 659 ترجمة عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج رقم 5227.
107- شرح التجريد للقوشجي المقصد الخامس: الامامة: 386، شرح نهج البلاغة 1: 182.
108- وفيات الاعيان 6: 149 ترجمة يحيى بن اكثم رقم 793.
109- كما ذهب الفاضل القوشجي الى القول بان المنع مسالة اجتهادية وان القول بالنسخ في هذه المسالة مرفوض.
110- راجع: الغدير للعلامة الاميني الجز السادس، تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي الجزالرابع، المتعة لتوفيق الفكيكي، البيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي 333 ـ 351.
111- يمكن الاطلاع على هذه التناقضات والتضارب الموجود في المسالة عن طريق التامل في الاحاديث المروية في هذه المسالة، وقد جمعها ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 9: 148145.
112- المؤمنون: 7.
113- البقرة: 228.
114- النساء: 12.
115- النساء: 23.
116- النساء: 3.
117- مثل الاية 7 من سورة المؤمنون.
118- راجع صحيح البخاري وصحيح مسلم كتاب النكاح في نكاح المتعة.
119- المنار 5: 13 17.
120- المنار 5: 17.
121- الوشيعة: تلخيص من ص 121 132.
122- البقرة: 79.
123- الفصول المهمة: 65.
124- الكهف: 5.
125- الفتاوي 1: 273.
126- الجاثية: 23.
127- صحيح البخاري 3: 58 كتاب الصوم باب فضل من قام رمضان.
128- صحيح البخاري 3: 58 كتاب الصوم باب فضل من قام رمضان، صحيح مسلم 1: 523كتاب الصلاة باب «25» باب الترغيب في قيام رمضان، ح174.
129- الطبقات الكبرى لابن سعد 3: 281، وفي ارشاد الساري 3: 425 رواه بلفظ آخر.
130- تاريخ اليعقوبي 2: 140.
131- تاريخ الخلفاء: 131.
132- كتاب سليم بن قيس الهلالي: 163.
133- شرح نهج البلاغة 12: 283.
134- عمدة القاري 11: 126.
135- البقرة: 299 230.
136- الملك: 4.
137- تفسير الكشاف 1: 273 ذيل آية 229 من البقرة.
138- صحيح مسلم 2: 1099 كتاب الطلاق باب «2» باب طلاق الثلاث ح15.
139- المصدر نفسه ح17.
140- بداية المجتهد 2: 66 كتاب الطلاق.
141- الفقه على المذاهب الاربعة 4: 341.
142- بداية المجتهد 2: 68 كتاب الطلاق ذيل مسالة 3.
143- الفقه على المذاهب الاربعة 4: 341.
144- تفسير المنار 2: 381 387.
145- الفتاوى: 305.
146- صحيح البخاري 2: 104 كتاب الجنائز باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن.
147- صحيح البخاري 2: 105 كتاب الجنائز باب قول النبي (ص): انا بك لمحزونون.
148- صحيح مسلم 3: 671 كتاب الجنائز باب «36» باب استئذان النبي (ص) ربه في زيارة قبرامه ح108.
149- راجع صحيح البخاري 2: 100 كتاب الجنائز باب قول النبي (ص): يعذب الميت ببعض بكا اهله عليه.
150- صحيح البخاري 2: 106 كتاب الجنائز باب البكا عند المريض.
151- صحيح مسلم 2: 636 كتاب الجنائز باب «6» باب البكا على الميت ح12.
152- صحيح البخاري 3: 160 باب اخراج اهل المعاصي والخصوم.
153- مسند احمد بن حنبل 1: 335.
154- الطبقات الكبرى 3: 399 ترجمة عثمان بن مظعون.
155- مسند احمد بن حنبل 2: 333.
156- شرح نهج البلاغة 1: 181.
157- سورة النساء: 101.
158- راجع صحيح مسلم 1: 478 484 كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب «1» باب صلاة المسافرين وقصرها، صحيح البخاري 2: 53 كتاب
الصلاة باب ما جا في التقصير، سنن ابن ماجة 1: 338 كتاب الصلاة باب «73» باب تقصير الصلاة، سنن ابي داود 2: 3 ابواب صلاة السفر، سنن النسائى3: 116 كتاب تقصير الصلاة في السفر.
159- تاريخ الطبري 4: 267 حوادث عام تسع وعشرين.
160- صحيح البخاري 2: 53 باب ما جا في التقصير باب الصلاة بمنى، صحيح مسلم 1: 482كتاب صلاة المسافرين باب «2» باب قصر الصلاة في منى ح16.
161- ان الاسترجاع عادة ما يقال ويكرر اذا حلت بالانسان مصيبة او رزية عظيمة كما يدل على ذلك قوله تعالى في سورة البقرة آيه 156 وان استرجاع ابن مسعود يكشف عن عظيم التحريف والتغيير الذي حدث في عهد عثمان من تغيير حكم صلاة المسافر كما لاحظت في المتن، وان هذه المخالفة والتحريف لامر رسول اللّه (ص) ونص القرآن لهو من الرزاياوالمصائب العظيمة التي حلت بالاسلام والقرآن المعرب.
162- صحيح البخاري 2: 53 ابواب التقصير باب الصلاة بمنى، صحيح مسلم 1: 483 كتاب صلاة المسافرين باب «2» باب قصر الصلاة بمنى ح19.
163- صحيح البخاري 2: 194 كتاب الحج باب الصلاة بمنى.
164- تاريخ الطبري 4: 267 حوادث سنة تسع وعشرين.
165- شرح نهج البلاغة 1: 28.
166- صحيح مسلم 2: 884 كتاب الحج باب «17» باب بيان وجوه الاحرام وانه ح142.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page