• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

القول بتحريف القرآن

هذا القول في حدّ ذاته شنيع لا يتحمّله مسلم آمن برسالة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، سواء كان شيعياً أم سنياً; لأنّ القرآن الكريم تكفّل ربّ العزّة والجلالة بحفظه، فقال عزّ من قائل: { إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }(1)، فلا يمكن لأحد أن يُنقّص منه أو يزيد فيه حرفاً واحداً، وهو معجزة نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم) الخالدة، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
والواقع العملي للمسلمين يرفض تحريف القرآن; لأن كثيراً من الصحابة كانوا يحفظونه عن ظهر قلب، وكانوا يتسابقون في حفظه وتحفيظه إلى أولادهم على مرّ الأزمنة حتّى يومنا الحاضر، فلا يمكن لإنسان ولا لجماعة ولا لدولة أن يُحرّفوه أو يبدّلوه.
ولو جُبناً بلاد المسلمين شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً وفي كلّ بقاع الدنيا، فسوف نجد نفس القرآن بدون زيادة ولا نقصان، وإن اختلف المسلمون إلى مذاهب وفرق وملل ونحل، فالقرآن هو الحافز الوحيد الذي يجمعهم ولا يختلف فيه من الأمّة اثنان، إلاّ ما كان من التفسير أو التأويل، فكلّ حزب بما لديهم فرحُون.
وما يُنْسبُ إلى الشيعة إلى القول بالتحريف، هو مجرّد تشنيع وتهويل وليس له في معتقدات الشيعة وجود.
وإذا ما قرأنا عقيدة الشيعة في القرآن الكريم فسوف نجد إجماعهم على تنزيه كتاب اللّه من كلّ تحريف.
يقول صاحب كتاب عقائد الإماميّة الشيخ المظفّر: "نعتقد أنّ القرآن هو الوحي الإلهي المنزّل من الله تعالى على لسان نبيه الأكرم، فيه تبيان كلّ شيء، وهو معجزته الخالدة التي أعجزتْ البشر عن مجاراتها في البلاغة والفصاحة، وفيما احتوى من حقائق ومعارف عالية، لا يعتريه التبديل والتغيير والتحريف، وهذا الذي بين أيدينا نتلوه هو نفس القرآن المنزّل على النبي، ومن ادعى فيه غير ذلك فهو مخترق أو مغالط أو مشتبه، وكلّهم على غير هدى فإنّه كلام اللّه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه"(2) (انتهى كلامه).
ويدلّ على عدم وقوع التحريف ـ سوى العمومات أمثال حديث الثقلين وأحاديث العرض على الكتاب ـ قول علي (عليه السلام) في نهج البلاغة: "كتاب ربكم فيكم، مبيّناً حلاله وحرامه، وفرائضه وفضائله، وناسخه ومنسوخه، ورخصه وعزائمه، وخاصّه وعامّه، وعبره وأمثاله، ومرسله ومحدوده، ومحكمه ومتشابهه... ".
وما قاله الإمام الباقر (عليه السلام) كما في الكافي 8: 53 "... وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده..."، فالمراد من إقامة الحروف هو حفظها عن التغيير والتبديل والزيادة والنقصان.
وهذان الحديثان يدلاّن بكل صراحة على نفي التحريف.
وبعد هذا فكلّ بلاد الشيعة معروفة، وأحكامهم في الفقه معلومة لدى الجميع، فلو كان عندهم قرآن غير الذي عندنا لعلمه الناس، وأتذكّر أنّي عندما زرتُ بلاد الشيعة للمرّة الأُولى كان في ذهني بعض هذه الإشاعات، فكنت كلّما رأيت مجلّداً ضخماً تناولته علّني أعثر على هذا القرآن المزعوم، ولكن سرعان ما تبخّر هذا الوهم، وعرفتُ فيما بعد أنّها إحدى التشنيعات المكذوبة لينفّروا الناس من الشيعة.
ولكن يبقى هناك دائماً من يُشنّع ويحتج على الشيعة بكتاب اسمه "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربُ الأرباب"، ومؤلفه الميرزا محمد حسين النوري الطبرسي المتوفي سنة 1320 هجري وهو شيعي، ويريد هؤلاء المتحاملون أن يحمّلُوا الشيعة مسؤولية هذا الكتاب! وهذا مخالف للانصاف.
فكم من كُتب كتبت وهي لا تُعبّر في الحقيقة إلاّ عن رأي كاتبها ومؤلّفها، ويكون فيها الغثّ والسمين، وفيها الحقّ والباطل، وتحمل في طياتها الخطأ والصواب، ونجد ذلك عند كلّ الفرق الإسلاميّة ولا يختصّ بالشيعة دون سواها، أفيجوز لنا أن نُحمّل أهل السنّة والجماعة مسؤولية ماكتبه وزير الثقافة المصري وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بخصوص القرآن والشعر الجاهلي؟
أو مارواه البخاري وهو صحيح عندهم من نقص في القرآن وزيادة، وكذلك صحيح مسلم وغيره(3).
ولكن لنضرب عن ذلك صفحاً ونقابل السيئة بالحسنة، ولنعم ماقاله في هذا الموضوع الأُستاذ محمّد المديني عميد كلية الشريعة بالجامعة الأزهرية، إذ كتب يقول:
"وأمّا أنّ الإماميّة يعتقدون نقص القرآن فمعاذ اللّه، وإنّما هي روايات رُويت في كتبهم، كما رُوي مثلها في كتُبنا، وأهل التحقيق من الفريقين قد زيّفوها، وبيّنوا بطلانها، وليست في الشيعة الإماميّة أو الزيديّة من يعتقد ذلك، كما إنّه ليس في السنّة من يعتقده.
ويستطيع من شاء أن يرجع إلى مثل كتاب الإتقان للسيوطي، ليرى فيه أمثال هذه الروايات التي نضرب عنها صفحاً.
وقد ألّف أحد المصريين في سنة 1498م كتاباً اسمه "الفرقان" حشّاه بكثير من أمثال هذه الروايات السقيمة المدخولة المرفوضة، ناقلاً لها عن الكتب مصادر عند أهل السنّة، وقد طلب الأزهر من الحكومة مصادرة هذا الكتاب بعد أن بينّ بالدليل والبحث العلمي أوجه البطلان والفساد فية، فاستجابت الحكومة لهذا الطلب وصادرتْ الكتاب، فرفع صاحبه دعوى يطلب فيها تعويضاً، فحكم القضاء الإداري في مجلس الدولة برفضها.
أفيقال أنّ أهل السنّة ينكرون قداسة القرآن؟ أو يعتقدون نقص القرآن لرواية رواها فلان؟ أو لكتاب ألّفه فلان؟
فكذلك الشيعة الإماميّة، إنّما هي روايات في بعض كتبهم كالروايات في بعض كتبنا، وفي ذلك يقول الإمام العلاّمة السعيد أبو الفضل بن الحسن الطبرسي من كبار علماء الإماميّة في القرن السادس الهجري في كتاب (مجمع البيان لعلوم القرآن):
"فأمّا الزيادة فيه فمجمع على بطلانها، وأمّا النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية أهل السنّة أنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي
نصره المرتضى قدّس اللّه روحه، واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب "مسائل الطرابلسيات"، وذكر في مواضع: إنّ العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان، والحوادث الكبار، والوقائع العظام، والكتب المشهورة، وأشعار العرب فإنّ العناية اشتدّت، والدواعي توفّرت على نقله وحراسته، وبلغتْ إلى حدّ لم تبلغهُ فيما ذكرناه; لأنّ القرآن معجزة النبوّة، ومأخذ العلوم الشرعيّة، والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كلّ شيء أختلفَ فيه من إعرابه، وقراءاته، وحروفه، وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد"(4).
وحتّى يتبينّ لك أيها القارئ أنّ هذه التهمة (نقص القرآن والزياده فيه) هي أقرب لأهل السنّة منها لأهل الشيعة، وذلك من الدواعي التي دعتني إلى أن أراجعُ كل معتقداتي; لأنّي كلّما حاولتُ انتقاد الشيعة في شيء والاستنكار عليهم إلاّ وأثبتوا براءتهم منه وإلصاقه بي، عرفتُ أنّهم يقولون صدْقاً، وعلى مرّ الأيام ومن خلال البحث اقتنعتُ والحمد للّه، وها أنا مقدّم لك مايثبت ذلك في هذا الموضوع:
أخرج الطبراني والبيهقي:
إنّ من القرآن سورتين إحداهما هي:
"بسم اللّه الرحمن الرحيم، إنّا نستعينك ونستغفرك ونُثني عليك الخير كلّه ولا نكفُركَ ونَخلعُ ونتركُ من يفجرك".
والسورة الثانية هي:
"بسم اللّه الرحمن الرحيم، اللّهم إياك نعبدُ ولك نُصلّي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك الجدّ، إنّ عذابك بالكافرين ملحقُ".
وهاتان السورتان سمّاهما الراغب في المحاضرات سورتي القنوت، وهما مّما كان يقنتُ بهما سيّدنا عمر بن الخطّاب، وهما موجودتان في مصحف ابن عبّاس، ومصحف زيد بن ثابت(5).
أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده:
عن أُبي بن كعب قال: كم تقرأون سورة الأحزاب؟ قال: بضعاً وسبعين آية، قال: لقد قرأتها مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل البقرة أو أكثر
منها، وإنّ فيها آية الرجم(6).
وأنت ترى أيّها القارئ اللّبيب أنّ السورتينّ المذكورتين في كتابي الإتقان والدر المنثور للسيوطي، واللتين أخرجهما الطبراني والبيهقي، واللتين تسميان بسورتي القُنوت لا وجود لهما في كتاب اللّه تعالى.
وهذا يعني أنّ القرآن الذي بين أيدينا ينقص هاتين السورتين الثابتتين في مصحف ابن عباس ومصحف زيد بن ثابت، كما يدّل أيضاً بأنّ هناك مصاحف أُخرى غير التي عندنا، وهو يذكّرني أيضاً بالتشنيع على أنّ للشيعة مصحف فاطمة، فافهم!
وإنّ أهل السنّة والجماعة يقرأون هاتين السورتين في دعاء القنوت كلّ صباح، وكنتُ شخصياً أحفظهما وأقرأ بهما في قنوت الفجر.
أمّا الرواية الثانية التي أخرجها الإمام أحمد في مسنده، والتي تقول بأنّ سورة الأحزاب ناقصة ثلاثة أرباع، لأنّ سورة البقرة فيها 286 آية بينما لا تتعدّى سورة الأحزاب 73 آية. وإذا اعتبرنا عدّ القرآن بالحزب فإن سورة البقرة فيها أكثر من خمسة أحزاب، بينما
لا تعد سورة الأحزاب إلاّ حزباً واحداً.
وقول أُبي بن كعب: "كنتُ أقرأها مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل البقرة أو أكثر" وهو من أشهر القرّاء الذين كانوا يحفظون القرآن على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو الذي اختاره عُمر ليُصلّي بالناس صلاة التراويح(7). فقوله هذا يبعث الشكّ والحيرة كما لا يخفى.
وأخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن أُبي بن كعب قال: إن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:
"إنّ اللّه تبارك وتعالى أمرني أن أقرأ عليك القرآن، فقال: فقرأ: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب، فقرأ فيها: (ولو أنّ ابن آدم سأل وادياً من مال فأعطيه لسأل ثانياً، فلو سأل ثانياً فأعطيه لسأل ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب، ويتوب اللّه على من تابَ، وأنّ ذلك الدين القيّمُ عند اللّه الحنفية غير المشركة، ولا اليهودية ولا النصرانية، ومن يفعل خيراً فلن يكفره) "(8).
وأخرج الحافظ ابن عساكر في ترجمة أُبي بن كعب أنّ أبا الدرداء ركب إلى المدينة في نفر من أهل دمشق، فقرأ فيها على
عمر بن الخطاب هذه الآية:
(إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ولو حميتم كما حَمُو لفسدَ المسجد الحرام) فقال عمر بن الخطاب: من أقرأكم هذه القراءة؟ فقالوا: أُبي بن كعب، فدعاه فقال لهم عمر: إقرأوا، فقرأوا: (ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام) فقال أُبي ابن كعب لعمر بن الخطاب: نعم أنا أقرأتهم، فقال عمر لزيد بن ثابت: أقرأ يازيد، فقرأ زيد قراءة العامة، فقال عمر: اللّهم لا أعرف إلاّ هذا! فقال أُبي بن كعب:
واللّه ياعمر إنّك لتعلمُ أنّي كنتُ أحْضر ويغيبون، وأدنوا ويحجبون، ووللّه لئنْ أحْبْبتَ لألزمنّ بيتي فلا أُحدّث أحداً، ولا أُقرأ أحداً حتّى أموت، فقال عمر: اللّهم غفراً، إنّك لتعلم إنّ اللّه قد جعل عندك علماً، فعلّم الناس مَاعلمتَ(9).
قال: ومرّ عمر بغلام وهو يقرأ في المصحف:
(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أبٌ لهم) فقال: ياغلام حكها، فقال: هذا مصحف أُبي بن كعب، فذهب إليه
فسأله فقال له: إنّه كان يُلهيني القرآنُ ويُلهيكَ الصفقُ بالأسواق(10).
وروى مثل هذا ابن الأثير في جامع الأُصول، وأبو داود في سننه، والحاكم في مستدركه.
وأترك لك أخي القارئ أنْ تُعلّقَ في هذه المرّة بنفسك على أمثال هذه الروايات التي ملأتْ كتب أهل السنّة والجماعة، وهم غافلون عنها ويشنّعون على الشيعة الذين لا يوجد عندهم عشر هذا!
ولكن لعلّ بعض المعاندين من أهل السنّة والجماعة ينفرُ من هذه الروايات فيرفضها كعادته، وينكر على الإمام أحمد تخريجه مثل هذه الخرافات، فيضعّف أسانيدها ويعتبر أنّ مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود ليسا عند أهل السنّة بمستوى صحيحي البخاري ومسلم، ولكن مثل هذه الروايات موجودة في صحيح البخاري وصحيح مسلم أيضاً.
فقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه في باب مناقب عمّار وحذيفة رضي اللّه عنهما عن علقمة قال: قدمتُ الشام فصلّيتُ
ركعتين، ثم قلتُ: اللّهم يسّر لي جليساً صالحاً، فأتيت قوماً فجلستُ إليهم، فإذا شيخٌ قد جاء حتّى جلس إلى جنبي، قلتُ من هذا؟ قالوا: أبو الدرداء، قلتُ: إنّي دعوتُ اللّه أن ييسّر لي جليساً صالحاً فيسّرك لي.
قال: مّمنْ أنت؟ فقلتُ: من أهل الكوفة، قال: أو ليس عندكم ابن أُمّ عبد صاحبُ النعلين والوساد والمطهرة، وفيكم الذي أجاره اللّه من الشيطان على لسان نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، أوليس فيكم صاحبُ سرّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي لا يعلمُ أحد غيرهُ، ثم قال: كيف يقرأ عبداللّه: { وَاللَيْلِ إِذَا يَغْشَى } فقرأت عليه: (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى والذكر والأُنثى) قال: واللّه لقد أقرأنيها رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) من فيه إلى فىَّ(11).
ثمّ زاد في رواية أُخرى قال: مازال بي هؤلاء حتّى كادوا يستنزلوني عن شيء سمعته من رسول اللّه

(صلى الله عليه وآله وسلم)(12).
وفي رواية قال: (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى والذكر والأُنثى) قال: أقرأنيها النُّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من فاهُ إلى فىَّ، فما زال هؤلاء
حتّى كادوا يردّوني(13).
فهذه الروايات كلّها تفيد بأنّ القرآن الذي عندنا زيد فيه كلمة "وما خلق".
وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس أنّ عمر بن الخطاب قال: إنّ اللّه بعث محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحقّ، وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل اللّه آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، فلذا رجم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمانٌ أن يقول قائلٌ: واللّه مانجدُ آية الرجم في كتاب اللّه، فيضلّوا بترك فضيلة أنزلها اللّه، والرجمُ في كتاب اللّه حقٌ على من زنى إذا أُحْصِنَ من الرجال والنساء إذا قامتْ البيّنة أو كان الحبل والاعتراف، ثمّ إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب اللّه: أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفرٌ بكم أن ترغبوا عن آبائكم، أو إنّ كفْراً بكم أنْ ترغبوا عن آبائكم(14).
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه: (في باب لو أنّ لابن آدم واديين لابتغى ثالثاً).
قال: بعث أبو موسى الأشعري إلى قرّاء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقُراؤهم، فأتلوه ولا يطولنّ عليكم الأمل فتقسوا قلوبكم كما قستْ قلوب من كان قبلكم، وإنّا كنّا نقرأ سورةً كنا نشبّهُها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها غير إنّي قد حفظت منها (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب).
وكنّا نقرأ سورة كنّا نشبهها بإحدى المسبّحات فأنسيتها غير إنّي حفظت منها: (يا أيّها الذين آمنوا لما تقولون مالا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة)(15).
وهاتان السورتان المزعومتان اللتان نسيهما أبو موسى الأشعري إحداهما تُشبه براءة يعني 129 آية، والثانية تشبه إحدى المسبحات يعني عشرون آية، لا وجود لهما إلاّ في خيال أبي موسى، فاقرأ وأعجب فإنّي أترك لك الخيار أيّها الباحث المنصف.
فإذا كانت كتب أهل السنّة والجماعة مسانيدهم وصحاحهم مشحونة بمثل هذه الروايات التي تدّعي بأنّ القرآن ناقص مرّة،
وزائد أُخرى، فلماذا هذا التشنيع على الشيعة الذين أجمعوا على بطلان هذا الادّعاء؟!
وإذا كان الشيعي صاحب كتاب "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب" وهو المتوفي سنة 1320 هجرية كتب كتابه منذ مايقرب مائة عام، فقد سبقه السنّي في مصر صاحب كتاب "الفرقان" بما يقارب أربعة قرون، كما أشار إلى ذلك الشيخ محمّد المدني عميد كلية الشريعة بالأزهر(16).
والمهم في كلّ هذا أنّ علماء السنّة وعلماء الشيعة من المحقّقين قد أبطلوا مثل هذه الروايات واعتبروها شاذّة، وأثبتوا بالأدلّة المقنعة بأنّ القرآن الذي بين أيدينا هو نفس القرآن الذي أُنزل على نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وليس فيه زيادة ولا نقصان، ولا تبديل ولا تغيير.
فكيف شنّع أهل السنّة والجماعة على الشيعة من أجل روايات ساقطة عندهم، ويبرّؤون أنفسهم، بينما صحاحهم تثبت صحة تلك الروايات؟
وإنّي إذ أذكر مثل هذه الروايات بمرارة كبيرة وأسف شديد، فما أغنانا اليوم عن السكوت عنها وطيّها في سلّة المهملات، لولا الحملة الشعواء التي شنّها بعض الكتّاب والمؤلّفين ممن يدّعون التمسّك بالسنّة النبويّة، ومن ورائهم دوائر معروفة تموّلهم وتشجعّهم على الطعن وتكفير الشيعة، خصوصاً بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، فإلى هؤلاء أقول: اتقوا اللّه في إخوانكم، { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً }(17).






_____________
1- الحجر: 9.
2- عقائد الإمامية: 62.
3- إذ إنّ كتاب (فصل الخطاب) لا يعدّ شيئاً عند الشيعة، بينما روايات نقص القرآن والزيادة فيه أخرجها صحاح أهل السنّة والجماعة أمثال البخاري ومسلم ومسند الإمام أحمد (المؤلّف).
4- مقال الأُستاذ محمّد المديني عميد كلية الشريعة في الجامع الأزهر، مجلة رسالة الإسلام، العدد الرابع، من السنة الحادية عشر: 382 و383 (المؤلّف).
5- السنن الكبرى للبيهقي 2: 210، كتاب الدعاء للطبراني: 238، المصنّف لابن أبي شيبة 3: 121 ح4997، الدر المنثور 6: 421، والمحاضرات للراغب الأصفهاني 2: 443. (مبدأ القرآن ونزوله).
6- مسند أحمد بن حنبل 5: 132، وقال محقّق الكتاب ـ حمزة أحمد الزين ـ: "اسناده صحيح".
7- صحيح البخاري2: 252، كتاب صلاة التراويح.
8- مسند الإمام أحمد بن حنبل 5: 131، مسند أبي داود الطيالسي: 73، وقال محقّق الكتاب ـ حمزة أحمد الزين ـ: "اسناده حسن".
9- تاريخ دمشق للحافظ ابن عساكر 7: 338 و 68: 102، كنز العمال 2: 595 ح4816.
10- السنن الكبرى للبيهقي 7: 69، تاريخ دمشق 7: 339، سير أعلام النبلاء 1: 397، الدر المنثور 5: 183، كنزل العمال 2: 569 ح4746، المستدرك للحاكم: (كتاب التفسير، في تفسير سورة الأحزاب) وصححه، سنن أبي داود 2: 515 ح5182، وصرّح الشيخ الألباني بصحته.
11- صحيح البخاري4: 215، كتاب فضائل أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، باب مناقب عمّار وحذيفة.
12- المصدر نفسه.
13- صحيح البخاري4: 219، كتاب فضائل أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، باب مناقب عبد اللّه بن مسعود.
14- صحيح البخاري8: 26، كتاب المحاربين، باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت.
15- صحيح مسلم3: 100، كتاب الزكاة، باب لو أن لابن آدم واديان لابتغى ثالثاً.
16- رسالة الإسلام: العدد الرابع، من السنة الحادية عشر: 382 و 383.
17- سورة آل عمران: 21.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page