• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

السجود على التربة

أجمع علماء الشيعة على القول بأفضلية السجود على الأرض; لما يروونه عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) قول جدهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): "أفضل السجود على الأرض"(1).
وفي رواية أخرى: "لا يجوز السجود إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض غير مأكول ولا ملبوس"(2).
وقد روى صاحب وسائل الشيعة عن محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن هشام بن الحكم عن أبي عبداللّه (عليه السلام) قال: "السجود على الأرض أفضل لأنّه أبلغ في التواضع، والخضوع للّه عزّ وجلّ "(3).
وفي رواية أُخرى عن محمّد بن الحسن بإسناده عن إسحاق بن الفضل: أنّه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن السجود على الحصر والبواري المنسوجة من القصب، فقال: "لا بأس، وأنّ يسجد على الأرض أحب إليَّ، فإنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يحبّ ذلك، أن يمكّن جبهته من الأرض، فأنا أحبّ لك ما كان يحبّه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) "(4).
أمّا علماء أهل السنّة والجماعة، فلا يرون بأساً في السجود على الزرابي والفرش، وإن كان عندهم أفضلية في الحصر.
وهناك بعض الروايات التي يخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما تؤكّد أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت له خُمرة مصنوعة من سعف يسجد عليها، فقد أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الحيض عن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن ثابت بن عبيد، عن القاسم بن محمّد، عن عائشة قالت: قال لي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): "ناوليني الخُمرة من المسجد"، قالت: فقلت: أنّي حائض، فقال: "إن حيضتك ليست في يدك"(5) (يقول مسلم: والخُمرة هي السجادة الصغيرة مقدار ما يسجد عليها).
وممّا يدلّنا على أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يحبّ السجود على
 الأرض ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعتكف في العشر الأواسط من رمضان، فاعتكف عاماً حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج صبيحتها من اعتكافه، قال: "من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، وقد رأيت هذه الليلة ثمّ أنسيتها، وقد رأيتني أمجد في ماء وطين من صبيحتها، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها بكلّ وتر"، فمطرت السماء في تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف المسجد، فبصرت عيناي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) على جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين(6).
وممّا يدلّنا أيضاً على أنّ الصحابة كانوا يفضّلون السجود على الأرض، وذلك بحضرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ما أخرجه الإمام النسائي في سننه في باب تبريد الحصى للسجود عليه، قال: أخبرنا قتيبة، قال: حدّثنا عباد عن محمّد بن عمرو، عن سعيد بن الحرث، عن جابر بن عبد اللّه قال: كنّا نصلّي مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) الظهر،
 فآخذ قبضة من حصى في كفي أبرّدهُ ثم أحوّله في كفّي الآخر، فإذا سجدت وضعته لجبهتي(7).
أضف إلى كلّ ذلك أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً"(8).
وقال أيضاً: "جعلت لنا الأرض كلّها مسجداً وجعلت تربتها لنا طهوراً"(9).
فكيف يتعصّب المسلمون ضد الشيعة لأنّهم يسجدون على الأرض بدلاً من السجود على الزرابي؟!
وكيف يصل بهم الأمر إلى تكفيرهم والتشنيع عليهم وقذفهم زوراً وبهتاناً بأنّهم عبّاد الأصنام؟!
وكيف يضربونهم في السعودية لمجرّد وجود التربة في جيوبهم أو في حقائبهم؟!
 أهذا هو الإسلام الذي يأمرنا باحترام بعضنا، وعدم إهانة المسلم الموحّد الذي يشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّداً رسول اللّه، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم رمضان، ويحجّ البيت، وهل يعقل عاقل بأنّ الشيعي يتكبّد تلك الأتعاب، ويخسر تلك الخسائر، ويأتي لحجّ بيت اللّه الحرام وزيارة قبر النبي
(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو يعبد الحجارة كما يحلو للبعض أن يصوروه؟!
أفلا يعتقد أهل السنّة والجماعة بقول الشهيد محمّد باقر الصدر الذي نقلته في كتابي الأوّل "ثمّ اهتديت" عندما سألته عن التربة فقال: نحن نسجد للّه على الأرض، فهناك فرق بين السجود على التراب، والسجود للتراب!
وإذا كان الشيعي يحتاط ليكون سجوده طاهراً ومقبولاً عند اللّه فيمتثل أوامر رسول اللّه والأئمة الأطهار من أهل البيت، وخصوصاً في زماننا هذا الذي أصبحت فيه كلّ المساجد مفروشة بالزرابي الوثيرة، وفي البعض بما يسمى (Moquette) وهي مادة مجهولة الصنع لدى عامة المسلمين ولم تصنع في بلاد إسلامية، ولعلّ البعض منها فيها ما لا يجوز السجود عليه، أفيحقّ لنا أن ننبُذَ هذا الشيعي الذي يهتم بصحة صلاته، ونتّهمه بالكفر والشرك بمجرّد شبهة زائفة؟
والشيعي الذي يهتمّ بأُمور دينه وخصوصاً بصلاته التي هي عمود الدين، فتراه ينزع حزامه وينزع ساعته لأنّ فيها حزاماً من الجلد الذي لا يعلم منشأه، وفي بعض الأوقات ينزع سرواله الافرنجي ليصلّي في سروال فضفاض، كلّ ذلك احتياطاً واهتماماً بتلك الوقفة العظيمة بين يدي اللّه لكي لا يقابل ربّه بشي يكرهه، أيستحقّ هذا منّا الاستهزاء والنفور، أم يستحقّ الاحترام والاكبار; لأنّه عظّم شعائر اللّه { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللّهِ فَإنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ }(10)؟
ياعباد اللّه اتقوا اللّه وقولوا قولاً سديداً.
{ وَلَوْلا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }(11).(12).




 

____________
1- الوسائل 5: 367، ولفظه: "السجود على الأرض أفضل...".
2- المصدر نفسه 5: 343.
3- المصدر نفسه 5: 367.
4- المصدر نفسه 5: 368.
5- صحيح مسلم1: 168، كتاب الحيض، باب جواز غسل الحائض رأس زوجها، سنن أبي داود 1: 109 ح261 باب الحائض تناول من المسجد.
6- صحيح البخاري2: 256، كتاب الاعتكاف، باب الاعتكاف في العشر الأواخر.
7- سنن النسائي 2: 204 باب تبريد الحصى للسجود عليه وصرّح الشيخ الألباني بصحته، وأيضاً في صحيح سنن أبي داوود: ح 427، وفي مشكاة المصابيح: 1011 وصرّح الشيخ الألباني بصحته، مسند أحمد 3: 327 وصرّح محقّق الكتاب حمزة أحمد الزين بصحته.
8- صحيح البخاري1: 86، كتاب التيمم، باب التيمم.
9- صحيح مسلم2: 64، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، الحديث الرابع.
10- الحج: 32.
11- النور: 14 ـ 15.
12- هناك بعض الأراجيف ذكرها صاحب كتاب منهج أهل البيت في مفهوم المذاهب الإسلامية: 165، يذكر فيها أنّ الشيعة تستخدم السجود على التربة لقضية طائفية وليست دينية، وأنّ السجود على التربة في متطاول الزمن يؤدّي إلى تقديسها.
وهذا الكلام غريب من صاحبه; لأنّ الشيعة تؤمن بأنّ السجود على التربة
ممّا أمر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان يعمله هو وأصحابه، وقد نقل المؤلّف روايات متعدّدة في هذا المعنى، مروية في صحاحهم، فبعد هذا لا معنى للقول بأنّ الشيعة تستخدم السجود على التربة لغرض طائفي، اللهم إلاّ أن يكون فعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه فعل طائفي لا يمتّ إلى الإسلام بصلة، ولا يجرأ مسلم أن يتفوّه بهذا الكلام على صاحب الرسالة المقدّسة.
وأمّا مسألة أنّ السجود على التربة يؤدّي في متطاول الزمن إلى تقديسها، فهذا أمرٌ لم يحصل ولن يحصل، إذ إن الشيعة على مدى أربعة عشر قرناً تسجد على التربة واعتقادهم فيها واحد; فأهل القرن الرابع عشر يعتقدون نفس اعتقاد أهل القرن الأول والثاني: من أنّ التربة يسجد عليها ولا يسجد إليها، وأنّها لا تقدّس بحيث يؤدّي تقديسها إلى الإخلال بالتوحيد، والشيعة من مبدأهم إلى اليوم يرون التربة شيئاً أُمروا بالسجود عليه في الصلاة لا السجود إليه، هذا اعتقادهم قديماً وحديثاً ولم ولن يتغيّر إلى أن تقوم الساعة.
والعجب منه أنّه ذكر في النقطة (4) من كتابه أنّ التربة بدأت منذ عهد الصفويين، وهذا غريب جدّاً، إذ إنّ الروايات التي نقلها المؤلّف من سجود النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة على التربة مروية في البخاري ومسلم والترمذي، وهؤلاء قبل الدولة الصفوية بقرون متطاولة، فكيف تجرّأ وتكلّم بهذا الكلام؟!
والحقيقة أنّ التعصّب الأعمى يؤدّي بصاحبه في بعض الأحيان إلى التهجّم على خصمه بأشياء كاذبة، أو مصطنعة يصطنعها من عنديات نفسه، جرياً وراء الهوى والتعصّب الطائفي، والواقع أنّه أحقّ بالطائفيّة من الشيعة الذين رماهم بهذا التهمة الشنيعة، وللّه في خلقه شؤون.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page