• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المهدي المنتظر

وهو أيضاً من المواضيع التي يشنع بها أهل السنّة والجماعة على الشيعة، وذهب البعض منهم إلى حد السخرية والاستهزاء، إذ أنّهم يستبعدون أو قل يعتقدون استحالة أن يبقى بشر طيلة اثني عشر قرناً حياً ومخفياً عن أنظار الناس، حتى قال بعض الكتّاب المعاصرين: "بأنّ الشيعة اختلقوا فكرة الإمام الغائب الذي سينقذهم، وذلك لكثرة ما لاقوه من ظلم الحكام وجورهم على مر الأزمان، فسلّوا أنفسهم بأمنية المهدي المنتظر الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً، وينتقم لهم من أعدائهم".
وقد كثر الحديث في السنوات الأخيرة، وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عن المهدي المنتظر، فأصبح المسلمون وبالخصوص الشباب المثقف في كلّ مكان يتساءلون عن حقيقة المهدي، وهل هي حقيقة ولها وجود في العقائد الإسلامية أم هو من مختلقات الشيعة؟
ورغم ماكتبه علماء الشيعة قديماً وحديثاً(1) بخصوص المهدي من موسوعات وأبحاث، ورغم اتصال كثير من السنّيين بإخوانهم من الشيعة في مؤتمرات عديدة، ومحادثات في شتى المواضيع العقائدية; يبقى هذا الموضوع من الألغاز عند الكثير منهم، لأنّهم ما تعوّدوا سماع أمثال هذه الروايات.
فما هي حقيقة المهدي المنتظر في العقائد الإسلامية؟
والبحث في هذا الموضوع ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: يتعلّق بالبحث عن المهدي من خلال الكتاب والسنّة.
والقسم الثاني: يتعلّق بالبحث عن حياته وغيبته وظهوره.
أمّا في البحث الأول: فالشيعة والسنّة متّفقون على أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بشَّرَ به، وأعلم أصحابه بأنّه سيظهره اللّه سبحانه وتعالى في آخر الزمان، وقد أخرج أحاديث المهدي (عليه السلام) كلّ من الشيعة والسنّة وفي صحاحهم ومسانيدهم.
وأنا بدوري وكالعادة حسبما تعهدّت به في كلّ أبحاث الكتاب لا أستدلّ إلاّ بما هو ثابت وصحيح عن أهل السنّة والجماعة.
فقد جاء في سنن أبي داود(2): قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): "لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً".
وجاء في سنن ابن ماجة(3):
قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّا أهل بيت اختار اللّه لنا الآخرة على الدنيا، وإنّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً شديداً، وتطريداً، حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسألون الخير فلا يعطونه فيقاتلون فينتصرون، فيعطون ماسألوا: فلا يقبلونه، حتى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطاً كما ملئت جوراً".
وقال ابن ماجة في سننه: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): "المهدي منّا أهل البيت، المهدي من ولد فاطمة"(4).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "يكون في أُمّتي المهدي، إن قصر فسبع، وإلاّ فتسع، تنعم فيها أُمّتي نعمة لن تنعم مثلها قط ; تأتي أُكلها ولا تدّخر منه
شيئاً، والمال يومئذ كدوس، فيقوم الرجل فيقول: يامهدي أعطيني، فيقول: خذ"(5).
وجاء في صحيح الترمذي: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): "يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، ولم لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يلي"(6).
وقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي"(7).
وأخرج الإمام البخاري في صحيحه(8): قال: حدّثنا بن بكير، حدّثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري، أن أبا هريرة
(رضي الله عنه) قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم".
وقال صاحب غاية المأمول: "اشتهر بين العلماء سلفاً وخلفاً أنّه لابدّ من ظهور رجل من أهل البيت في آخر الزمان يسمّى المهدي، وقد روى أحاديث المهدي جماعة من خيار الصحابة، وخرّجها أكابر المحدّثين: كأبي داود، والترمذي، وابن ماجة، والطبراني، وأبي يعلى، والبزاز، والإمام أحمد بن حنبل، والحاكم رضي اللّه عنهم أجمعين، ولقد أخطأ من ضعّف أحاديث المهدي كلّها".
قال الحافظ في فتح الباري: "تواترت الأخبار بأنّ المهدي من هذه الأُمّة، وأنّ عيسى بن مريم سينزل ويُصلّي خلفه"(9).
وقال ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة: "والأحاديث التي جاء فيها ذكر ظهور المهدي كثيرة متواترة"(10).
وقال الشوكاني في رسالتة المسمّاة "التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح"، وبعد سرده أحاديث المهدي: "وجميع ما سقناه بالغ حدّ التواتر، كما لا يخفى على من له فضل اطلاع"(11).
وقال الشيخ عبدالحق في اللمعات: "قد تظافرت الأحاديث البالغة حدّ التواتر في كون المهدي من أهل البيت من أولاد فاطمة"(12).
وقال الصبان في كتابه إسعاف الراغبين: "وقد تواترت الأخبار عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بخروجه، وأنّه من أهل البيت، وأنه يملأ الأرض عدلاً"(13).
وقال السويدي في كتابه المسمّى "سبائك الذهب": "الذي اتفق عليه العلماء أنّ المهدي هو القائم في آخر الوقت وأنّه يملأ الأرض عدلاً، والأحاديث في ظهوره كثيرة"(14).
وقال ابن خلدون في مقدمته:
"اعلم أنّ المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممرّ الأعصار أنّه لابدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت، يؤيّد الدين، ويظهر العدل، ويسمّى بالمهدي"(15).
كما أخرج أحاديث المهدي من المعاصرين مفتي الإخوان المسلمين السيد سابق في كتابه "العقائد الإسلامية"، واعتبر أنّ فكرة المهدي من العقائد الإسلامية التي يجب التصديق بها.
وكتب الشيعة أيضاً أخرجت أحاديث المهدي على كثرتها، حتى قيل: إنّه لم يُروَ عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أكثر ممّا روي عنه في أحاديث المهدي.
وقد استخرج الباحث لطف اللّه الصافي في موسوعته "منتخب الأثر" أحاديث المهدي (عليه السلام) من أكثر من ستّين مصدراً من كتب أهل السنّة والجماعة من ضمنها الصحاح الستّة، وأكثر من تسعين مصدراً من كتب الشيعة من ضمنها الكتب الأربعة(17).
أما بخصوص البحث الثاني، والذي يتعلّق بولادة المهدي وحياته وغيبته وعدم وفاته (عليه السلام)، فهذا القسم أيضاً لم ينكره بعض علماء أهل السنّة الذين لا يستهان بهم، والذين يعتقدون بأنّ المهدي هو محمّد ابن الحسن العسكري الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت ولد، وأنّه لا يزال حيّاً، وسيظهر في آخر الزمان، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً وينصر اللّه به دينه، وهم بذلك يوافقون أقوال الشيعة الإمامية، ومن هؤلاء:
1 ـ محيي الدين بن العربي في "فتوحاته المكيّة".
2 ـ سبط ابن الجوزي في كتابه "تذكرة الخواص".
3 ـ عبدالوهاب الشعراني في كتابه "عقائد الأكابر".
4 ـ ابن الخشّاب في كتابه "تواريخ مواليد الأئمة ووفياتهم".
5 ـ محمّد البخاري الحنفي في كتابه "فصل الخطاب".
6 ـ أحمد بن إبراهيم البلاذري في كتابه "الحديث المتسلسل".
7 ـ ابن الصباغ المالكي في كتابه "الفصول المهمة".
8 ـ العارف عبدالرحمن في كتابه "مرآة الأسرار".
9 ـ كمال الدين بن طلحة في كتابه "مطالب السؤول في مناقب آل الرسول".
10 ـ القندوزي الحنفي في كتابه "ينابيع المودة"(18).
ولو تتبّع الباحث لوجد في علماء السنّة والجماعة أضعاف من ذكرنا يقولون بولادة المهدي وبقائه حيّاً حتى يظهره اللّه تعالى.
وبعد هذا لم يبق معنا من أهل السنّة والجماعة إلاّ المنكرون بولادته وبقائه حيّاً، بعد اعترافهم بصحة الأحاديث، وهؤلاء ليسوا حجّة على غيرهم من القائلين بها.
والقرآن الكريم لا ينفي مثل هذا الافتراض، وكم ضرب اللّه من مثل على ذلك لأهل العقول الجامدة، لكي يتحرّروا ويطلقوا العنان لأفكارهم وعقولهم حتى تستيقن وتسلّم بأنّ اللّه سبحانه قادر على كلّ شيء.
لذا فإنّ المسلم الذي ملأ الإيمان قلبه لا يستغرب أن يميت اللّه عزيراً مائة عام، ثمّ يبعثه فينظر إلى طعامه وشرابه لم يتسنه، وإلى حماره كيف ينشز اللّه عظامه ويكسوها لحماً، فيرجع كما كان بعد أن كانت عظامه رميماً، فلمّا تبيّن له قال: { أعْلَمُ أنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ }(19).
سبحان اللّه! ما أسرع تحوّله، بينما قبل الحادثة استغرب واستبعد عند مروره على قرية خاوية على عروشها، قال: { أنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا }!
والمسلم الذي يصدّق القرآن الكريم لا يستغرب أن يقطّع سيدنا إبراهيم الطير ويبعثر أجزاءه وأشلاءه على الجبال ثمّ يدعوهن فيأتينه سعياً.
والمسلم لا يستغرب أن تصبح النار باردة، فلا تحرق ولا تؤذي سيّدنا إبراهيم عندما أُلقي فيها فقال لها اللّه:    {يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً }(20).
والمسلم لا يستغرب بأنّ سيّدنا عيسى ولد من غير نطفة الذكر، أي من غير أب، وأنّه حيّ لم يمت وسيعود إلى الأرض.
والمسلم لا يستغرب بأنّ سيّدنا عيسى كان يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص والأعمى.
ولا يستغرب أن ينفلق البحر لسيّدنا موسى ولبني إسرائيل، فيمشوا فيه بدون بلل، وتنقلب عصاه ثعباناً، ويحوّل ماء النيل إلى دم.
كذلك فإنّ المسلم لا يستغرب أنّ سيّدنا سليمان كان يتكلّم مع الطير، ومع الجن، ومع النمل، ويحمل عرشه على بساط الريح، ويستقيم عرش بلقيس في لحظات.
ولا يستغرب بأنّ اللّه أمات أصحاب الكهف ثلاثة قرون وازدادوا تسعاً، ثمّ بعثهم، فكان حفيد الحفيد أكبر سناً من جد الجد.
ولا يستغرب بأنّ سيّدنا الخضر (عليه السلام) حي لم يمت، وقد التقى مع سيّدنا موسى (عليه السلام).
ولا يستغرب بأن إبليس لعنه اللّه حي لم يمت وهو مخلوق قبل آدم (عليه السلام)، وما زال يواكب مسيرة البشر من أوّل خلقته إلى يوم فنائه، ومع ذلك فهو مخفي لم ولن يراه أحد رغم أعماله الشنيعة وأفعاله الذميمة، وهو يرى كلّ الناس.
إنّ المسلم يؤمن بكلّ هذا ولا يستغرب وقوعه، أفيستغرب وجود المهدي مخفيّاً لفترة من الزمان لحكمة يريدها اللّه سبحانه؟!
فكلّ ماذكره القرآن وهو أضعاف ماذكرنا في هذه العجالة ليس هو ممّا جرت به العادة، ولا هو معهود إلى الناس، ولا يقدرون عليه ولو اجتمعوا له.
وإنّما هو من صنع اللّه الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ويصدّق به المسلمون بأنّهم آمنوا بكلّ ماجاء في القرآن الكريم وبدون استثناء وبدون تحفّظ.
على أنّ الشيعة هم أدرى بأُمور المهدي (عليه السلام) لأنّه إمامهم، وقد عاصروه وعاشوا معه ومع آبائه، وأهل مكة أدرى بشعابها.
والشيعة يحترمون أئمتهم ويعظّمونهم، وقد اتخذوا لأئمة أهل البيت قبوراً شيدوها، والتزموا بزيارتها والتبرك بها، فلو كان الإمام
الثاني عشر ـ وهو المهدي سلام اللّه عليه ـ قد توفّي لكان له قبر معروف، ولأمكنهم أن يقولوا بجواز بعثه بعد الموت ما دام هذا الأمر ممكناً كما ذكره القرآن الكريم، وخاصّة إنّهم يقولون "بالرجعة".
بل تراهم يصرّون على أنّ المهدي سلام اللّه عليه حيّ يرزق، وهو مخفي لحكمة أرادها اللّه سبحانه وتعالى قد يعرفها الراسخون في العلم وأولياؤهم.
وهم يدعون في صلواتهم أن يعجل اللّه فرجه الشريف; لأنّ في ظهوره عزّ المسلمين وسعادتهم وانتصارهم، ولأنّ به يتم اللّه نوره ولو كره الكافرون.
على أنّ الخلاف بين السنّة والشيعة في أمر المهدي (عليه السلام) ليس هو خلاف جوهري ماداموا يعتقدون بظهوره في آخر الزمان، وأنّ عيسى
(عليه السلام) يصلّي خلفه، وأنّه سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويملك المسلمون الأرض كلّها في زمانه، ويعمّ الرخاء حتى لا يبقى فقير.
ويبقى الخلاف فقط في قول الشيعة بولادته وفي قول السنّة بأنّه سيولد، ويجتمع قول الفريقين على ظهوره في آخر الزمان(21).
فليتوحّد السنّة والشيعة على كلمة الحقّ، وعلى جمع شمل الأُمّة الممزّقة ولمّ شتاتها، وليدعوا اللّه جميعاً مخلصين في دعائهم وفي كلّ صلواتهم بأن يعجّل ظهوره; لأنّ في ظهوره الفرج والنصر لأُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم).
وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيّدنا ومولانا محمّد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

محمّد التيجاني السماوي

 

 


_______________
1- كالشهيد محمّد باقر الصدر في كتابه "بحث حول المهدي" (المؤلّف).
2- سنن أبي داود 4: 87 ح4282 كتاب المهدي، المعجم الأوسط 2: 55، والكبير 10: 135، الجامع الصغير 2: 438 ح7490، الدر المنثور 6: 58.
3- سنن ابن ماجة 2: 529 ح4082، ونحوه في المستدرك للحاكم 4: 464، والمعجم الأوسط 6: 29.
4- المصدر نفسه 2: 531 ح4085 و4086.
5- المصدر نفسه 2: 530 ح4083، المستدرك للحاكم 4: 558، مجمع الزوائد 7: 317 وقال: "رجاله ثقات".
6- سنن للترمذي 3: 343 ح2332، وعنه في كنز العمال 14: 264 ح38661.
7- المصدر نفسه 3: 343 ح2313، مسند أحمد 1: 377.
8 - صحيح البخاري4: 143، كتاب أحاديث الأنبياء، باب نزول عيسى بن مريم.
9- فتح الباري 6: 358.
10- الصواعق المحرقة 2: 480.
11- عنه النواب صديق حسن خان القنونجي في كتابه الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة: 114 و 160، والكتاني في نظم المتناثة في الحديث المتواتر: 146.
12- أشعة اللمعات 4: 321.
13- إسعاف الراغبين: 152، بهامش نور الأبصار.
14- سبائك الذهب: 346.
15- مقدمة ابن خلدون: 287، الفصل الثاني والخمسون.
16- وممّن صرّح بتواتر أخبار الإمام المهدي (عليه السلام) ـ كما ذكره الدكتور عبد العليم البستوي في كتابه: "المهدي المنتظر" ـ الحافظ أبو الحسن محمّد بن الحسين الآبري السجزي، قال في كتابه مناقب الشافعي: "وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بذكر المهدي، وأنّه من أهل بيته، وأنّه يملك سبع سنين، وأنّه يملأ الأرض عدلا، وأنّ عيسى (عليه السلام) يخرج فيساعده على قتل الدجّال، وأنّه يؤم هذه الأُمة ويصلّي عيسى خلفه...".
وقد نقل كلامه هذا عدد من الحفّاظ والأئمة، منهم: القرطبي في كتابه "التذكرة بأحوال الموتى وأحوال الآخرة" 2: 723، والمزي في "تهذيب الكمال" 6: 596، وابن قيّم الجوزية في "المنار المنيف": 142، والسخاوي في "فتح المغيث" 3: 41، وابن حجر في "فتح الباري" 6: 494 و"تهذيب التهذيب" 9: 144، والسيوطي في "العرف الوردي في أخبار المهدي" ـ وانظر "الحاوي في الفتاوي" 2: 165 ـ، وابن حجر الهيتمي في "القول المختصر": 118 وفي "الصواعق" أيضاً، والملاّ علي القاري في "رسالة المهدي من آل الرسول": 25، ومرعي بن يوسف الحنبلي في "فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر"، ومحمّد البرزنجي في "الاشاعة في أشراط الساعة": 87، والزركاني في "شرح المواهب".
ومن العلماء الذي نصّوا على تواتر أحاديث المهدي: الشيخ محمد السفاريني في "لوائح الأنوار البهية" 2: 80، والنواب صديق حسن خان القنوجي في "الإذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة": 145، والشيخ محمّد بن جعفر الكتاني في "نظم المتناثر من الحديث المتواتر": 229.
ثمّ ذكر الدكتور عبد العليم البستوي أسماء الأئمة والعلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي والّذين صحّحوا الأحاديث الواردة فيه، منهم: الحافظ العقيلي، وأبو الحسين ابن المنادي، وأبو حاتم ابن حبان البستي، وأبو سليمان الخطابي، والبيهقي، وأبو القاسم السهيلي، والقرطبي، وابن تيمية، وابن كثير، وأبو الحسن السمهودي، والمتقي الهندي، وعبد الرؤوف المناوي، وعبد الرحمن المباركفوري، وعبد العزيز بن باز، ومحمد ناصر الدين الألباني.
17- وهناك العشرات من علماء أهل السنّة القائلين بولادة الإمام المهدي، محمّد بن الحسن العسكري، وهم علماء مشهورون في الأوساط السنيّة ومن أعمدة المذهب، ونذكر منهم:
1 ـ أحمد بن حجر الهيتمي: صرّح في كتابه "الصواعق المحرقة: 313" بولادة الإمام المهدي.
2 ـ الشيخ ملاّ علي القاري: صرّح بذلك في كتابه "مرقاة المفاتيح 10: 336".
3 ـ صلاح الدين خليل بن ايبك الصفدي: صرّح بالولادة في كتابه "الوافي بالوفيات 12: 113".
4 ـ شمس الدين محمّد بن طولون الدمشقي الحنفي: صرّح بالولادة في كتابه "الأئمة الاثني عشر: 117".
5 ـ الإمام شهاب الدين أبي الفلاح عبد الحي بن أحمد الحنبلي: قال بالولادة في كتابه "شذرات الذهب في أخبار من ذهب 2: 290 ".
6 ـ ابن الأثير الجزري، في كتابه الكامل في التاريخ 7: 274".
7 ـ شهاب الدين ياقوت بن عبد اللّه الحموي، في كتابه "معجم البلدان 5: 328 ".
8 ـ أبو العباس أحمد بن محمّد بن إبراهيم المعروف بابن خلكان، في كتابه "وفيات الأعيان 4: 31".
9 ـ العلاّمة الشهير شمس الدين الذهبي، صرّح بالولادة في كتابه "تاريخ الإسلام"، وكتابه "العبر في خبر من غبر 1: 381".
10 ـ حسين بن محمّد الدياربكري: صرّح بذلك في كتابه "تاريخ الخميس" 2: 343.
وقد ذكر الميرزا حسين النووي (رحمه الله) في كتابه "كشف الاستار"، أسماء أربعين عالماً سنيّاً يعترفون بأن الإمام محمّد بن الحسن العسكري هو الإمام المهدي المنتظر.
وهؤلاء الذين ذكرهم المؤلّف من العلماء المشهورين والمعروفين في العالم السنّي، وقد ذكروا لهم تراجم وأثنوا عليهم، وأطروهم بالعلم والفضل والتقديم، ونشير إلى ترجمة بعضهم، وعليك بمراجعة الباقين:
1 ـ محي الدين بن عربي: قال في طبقات الشافعية 1: 260: "الشيخ العارف
 الكامل المدقّق، أحد أكابر العارفين باللّه.. أجمع المحقّقون من أهل اللّه عزّ وجلّ على جلالته في سائر العلوم.. وقد ترجمه صفي الدين بن أبي منصور.. فقال: هو الشيخ الإمام المحقّق رأس أجّلاء العارفين..".
2 ـ سبط بن الجوزي: قال عنه الذهبي في تاريخ الإسلام في (حوادث 651 ـ 660): "الإمام الواعظ المؤرّخ شمس الدين أبو المظفر الزكي ثمّ البغدادي... كان إماماً فقيهاً واعظاً وحيداً في الوعظ، علاّمة في التاريخ والسيرة، وافر الحرمة محبباً إلى الناس".
3 ـ كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي: قال عنه تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية 8: 63: "تفقّه وبرع في المذهب، وسمع الحديث بنيسابور من المؤيد الطوسي.. وكان من صدور الناس، ولي الوزارة بدمشق يومين وتركها".
4 ـ ابن الصباغ المالكي: ترجمه الزركلي في الأعلام 5: 8 فقال: "فقيه مالكي من أهل مكة... قال السخاوي: أجاز لي".
وراجع ترجمته في الضوء اللامع 5: 283.
وبإمكان القارئ مراجعة ترجمة بقية الأسماء التي ذكرها المؤلّف، في: كتاب شذرات الذهب، والعبر في أخبار من غبر، والبداية والنهاية، وطبقات الشافعية، وغيرها من الكتب المترجمة للعلماء، ليرى بعينيه تصريحهم بأنّهم علماء مبرزين في مذهبهم وعلمهم.
وبهذا يكون ما ذكره صاحب كتاب (منهج أهل البيت في مفهوم المذاهب الإسلامية: 152)، بعيداً عن الصواب والموازين العلمية الصحيحة، إذ طعن بهؤلاء العلماء بدون مبرر أو شيء يعوّل عليه، غافلا عن ترجمتهم ومنزلتهم العلمية التي يتمتّعون بها في الوسط السنّي، لكنّ التعصب المقيت يؤدّي بأصحابه إلى إنكار الشمس في رابعة النهار!!
18- البقرة: 259.
19- الأنبياء: 69.
20- ولا بأس بالإشارة هنا إلى ما ذكره كمال الدين بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول، قال:
 "فإن قال معترض: هذه الأحاديث النبوية الكثيرة بتعدادها المصرّحة بجملتها وأفرادها، متفق على صحة إسنادها، ومجمع على نقلها عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وإيرادها، وهي صحيحة صريحة في إثبات كون المهدي من ولد فاطمة (عليها السلام)، وأنّه من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّه من عترته، وأنّه من أهل بيته، وأنّ اسمه يواطئ اسمي، وأنّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وأنّه من ولد عبد المطلب، وأنّه من سادات الجنة، وذلك ممّا لا نزاع فيه.
غير أنّ ذلك لا يدلّ على أنّ المهدي الموصوف بما ذكره (صلى الله عليه وآله وسلم) من الصفات والعلامات هو هذا أبو القاسم محمّد بن الحسن الحجّة الخلف الصالح (عليه السلام)، فإنّ ولد فاطمة (عليها السلام) كثيرون، وكلّ من يولد من ذريتها إلى يوم القيامة يصدق عليه أنّه من ولد فاطمة، وأنّه من العترة الطاهرة، وأنّه من أهل البيت (عليهم السلام)، فيحتاجون مع هذه الأحاديث المذكورة إلى زيادة دليل على أنّ المهدي المراد هو الحجّة المذكورة ليتمّ مرامكم.
فجوابه: إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا وصف المهدي (عليه السلام) بصفات متعدّدة من ذكر اسمه ونسبه ومرجعه إلى فاطمة (عليها السلام) وإلى عبد المطلب، وأنّه أجلى الجبهة أقنى الأنف، وعدّد الأوصاف الكثيرة التي جمعتها الأحاديث الصحيحة المذكورة آنفاً، وجعلها علامة ودلالة على أنّ الشخص الذي يسمّى بالمهدي، وثبتت له الأحكام المذكورة، وهو الشخص الذي اجتمعت تلك الصفات فيه، ثمّ وجدنا تلك الصفات المجعولة علامة ودلالة مجتمعة في أبي القاسم محمّد الخلف الصالح دون غيره، فيلزم القول بثوبت تلك الأحكام له وأنّه صاحبها، وإلاّ فلو جاز وجود ما هو علامة ودليل ولا يثبت ما هو مدلوله قدح ذلك في نصبها علامة ودلالة من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك ممتنع.
فإن قال المعترض: لا يتمّ العمل به بالعلامة والدلالة إلاّ بعد العلم باختصاص من وجدت فيه بها دون غيره وتعينه لها، فأمّا إذا لم يعلم تخصيصه وانفراده بها فلا يحكم له بالدلالة، ونحن نسلّم أنّه من زمن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ولادة الخلف الصالح الحجّة محمّد (عليه السلام) ما وجد من ولد فاطمة (عليها السلام) شخص جمع تلك الصفات التي هي العلامة والدلالة غيره، لكن وقت بعثة المهدي وظهوره وولايته هو في آخر أوقات الدنيا عند ظهور الدجال ونزول عيسى ابن مريم (عليه السلام)، وذلك سيأتي بعد مدّة مديدة، ومن الآن إلى ذلك الوقت المتراخي الممتد أزمان متجدّدة، وفي العترة الطاهرة من سلالة فاطمة (عليها السلام) كثرة يتعاقبون ويتوالدون إلى ذلك الإيان، فيجوز أن يولد من السلالة الطاهرة والعترة النبوية من يجمع تلك الصفات فيكون هو المهدي المشار إليه في الأحاديث المذكورة، ومع هذا الاحتمال والإمكان كيف يبقى دليلكم مختصاً بالحجّة محمّد المذكور (عليه السلام)؟
فالجواب: أنكم إذا عرفتم أنّه إلى وقت ولادة الخلف الصالح وإلى زماننا هذا لم يوجد من جمع تلك الصفات والعلامات بأسرها سواه، فيكفي ذلك في ثبوت تلك الأحكام له، عملا بالدلالة الموجودة في حقّه، وما ذكرتموه من احتمال أن يتجدّد مستقبلا في العترة الطاهرة من يكون بتلك الصفات، لا يكون قادحاً في أعمال الدلالة، ولا مانعاً من ترتيب حكمها عليها، فإنّ دلالة الدليل راجحة لظهورها واحتمال تجدّد ما يعارضها مرجوح، ولا يجوز ترك الراجح بالمرجوح، فإنّه لو جوّزنا ذلك لامتنع العمل بأكثر الأدلة المثبتة للأحكام (الشرعية)، إذ ما من دليل إلاّ واحتمال تجدّد ما يعارضه متطرق إليه، ولم يمنع ذلك من العمل به وفاقاً.
والذي يوضح ذلك ويؤكده:
إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ فيما أورده الإمام مسلم بن الحجّاج في صحيحه يرفعه بسنده ـ قال لعمر بن الخطاب: "يأتي عليك مع امداد أهل اليمن إويس بن عامر من مراد ثمّ من قرن كان به برص فبرأ منه إلاّ موضع درهم، له والدة هو بها برٌّ، لو أقسم على اللّه لأبرّه، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل".
فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكر اسمه ونسبه وصفته، وجعل ذلك علامة ودلالة على أنّ المسمّى بذلك الاسم المتصف بتلك الصفات لو أقسم على اللّه لأبرّه، وأنّه أهل لطلب الاستغفار منه، وهذه منزلة عالية ومقام عند اللّه عظيم.
فلم يزل عمر بعد وفاة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد وفاة أبي بكر يسأل إمداد اليمن من الموصوف بذلك، حتى قدم وفد من اليمن، فسألهم، فأخبر بشخص متصف بذلك، فلم يتوقّف عمر في العمل بتلك العلامة والدلالة التي ذكرها رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل بادر إلى العمل بها واجتمع به وسأله الاستغفار، وجزم أنّه المشار إليه في الحديث النبوي، لما علم تلك الصفات فيه، مع وجود احتمال أن يتجدّد في وفود اليمن مستقبلا من يكون بتلك الصفات، فإنّ قبيلة مراد كثيرة والتوالد فيها كثير، وعين ما ذكرتموه من الاحتمال موجود.
وكذلك قضية الخوارج لمّا وصفهم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بصفات ورتّب عليها حكمهم بعد ذلك لمّا وجدها عليّ (عليه السلام) موجودة في أولئك في واقعة حروراء والنهروان، جزم بأنّهم هم المرادون بالحديث النبويّ وقاتلهم وقتلهم، فعمل بالدلالة عند وجود الصفة، مع احتمال أن يكون المرادون غيرهم.
وأمثال هذه الدلالة والعمل بها مع قيام الاحتمال كثيرة، فعلم أنّ الدلالة الراجحة لا تترك لاحتمال المرجوح.
ونزيده بياناً وتقريراً فنقول: لزوم ثبوت الحكم عند وجود العلامة والدلالة لمن وجدت فيه أمر يتعيّن العمل فيه والمصير إليه، فمن تركه وقال بأنّ صاحب الصفات المراد بإثبات الحكم له ليس هو هذا، بل شخص غيره سيأتي، فقد عدل عن النهج القويم ووقف نفسه موقف المليم، ويدل على ذلك أن اللّه عز وجلّ لما أنزل في التوراة على موسى أنّه يبعث النبي العربي في آخر الزمان خاتم الأنبياء، ونعته بأوصافه وجعلها علامة ودلالة على إثبات حكم النبوة له، وصار قوم موسى (عليه السلام) يذكرونه بصفاته ويعلمون أنّه يبعث، فلمّا قرب زمان ظهوره وبعثه صاروا يهدّدون المشركين به ويقولون: سيظهر الآن نبيّ نعته كذا وصفته كذا ونستعين به على قتالكم.
فلمّا بعث (صلى الله عليه وآله وسلم) ووجدوا العلامات والصفات بأسرها التي جعلت دلالة على نبوته أنكروه وقالوا ليس هذا هو، بل هو غيره وسيأتي.
فلمّا جنحوا إلى الاحتمال وأعرضوا عن العمل بالدلالة الموجودة في الحال، أنكر اللّه تعالى عليهم كونهم تركوا العمل بالدلالة التي ذكرها لهم في التوارة وجنحوا إلى الاحتمال، وهذه القصة من أكبر الأدلة، وأقوى الحجج على أنّه يتعيّن العمل بالدلالة عند وجودها، وإثبات الحكم لمن وجدت تلك الأدلّة فيه.
فإذا كانت الصفات التي هي علامة ودلالة لثبوت تلك الأحكام المذكورة موجودة في الحجّة الخلف الصالح محمّد (عليه السلام)، تعيّن إثبات كون المهدي المشار إليه، من غير جنوح إلى الاحتمال بتجدّد غيره في الاستقبال".
انظر مطالب السؤول 2: 155 ـ 158، وأورده الإربلي أيضاً في كشف الغمة 3: 225 ـ 229.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page