إذا كان الموسم عاشوراء ، فلابُدَّ أنْ نُجسِّد البطولة في الأخلاق ؛ لأنَّ أعضاء ملحمة كربلاء ، كانت لهم بطولة في الأخلاق ، قبل أنْ تكون لهم بطولة في الفروسيَّة والشجاعة . هل نُقيم نحن مراسم عاشوراء بهذه النموذجيَّة ؟ يجب أنْ نكون قُدوة ( ... دُعاة للناس بغير ألسنتكم ، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير ، فإنَّ ذلك داعية ) ( 1 ) ؛ لأنَّ هذا الدين ، دين عملاق وقَيِّم وعظيم ، فمَن الذي يَحمله للبشريَّة ؟
نحن نعيش الآن في عصر الإغراءات الشديدة ، وإنْ كنَّا نُريد أنْ نكون بمُستوى المسؤوليَّة ، وبمُستوى العصر ، بمُستوى هذه الحِقبة البشريَّة ، بمُستوى هذه الرسالة العظيمة في هذه الحِقبة ، التي هي أصعب الحِقب ، الموطِّئة للإصلاح الشامل ، إنْ كنَّا نُريد أنْ نكون فائزين ، علينا خلق إرادة قويَّة لدينا ، مُقابل الإغراء الشديد ، نحتاج إلى رياضة روحيَّة شديدة ، وإلاَّ كان المَصيد هو الانزلاق أمام الإغراء ، وبدل أنْ نكون دُعاة إلى أهل البيت ( عليهم السلام ) ، نُسبب النفور عن مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) . والحال أنَّهم ( عليهم السلام ) خاطبونا ، أنْ نتدارس فكرهم ونستنير ببصائرهم ، ونتحمَّل هذا الفكر بخَلقِنا مِن أنفسنا نماذج أُمثوليَّة ؛ لنجذب الناس بدل أنْ نبعدهم عن مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) .
فالمفروض في موسم عاشوراء أنْ نعيش حالة مثاليَّة روحيَّة فائقة جِدَّاً ، بجانب تعايشنا حالة الحُزن والبُكاء ومُدارسة المدرسة الحسينيَّة ، لكنَّنا لابُدَّ أنْ نتشدَّد في الجهات الأخلاقيَّة أيضاً ؛ لكي يكون انجذاب الآخرين إلى المرسم الحسيني وإلى المهرجان الحسيني كبير ، ولا يكون رُعاة ضيوف الاستقبال مُنفرين ، وإنْ شاء الله هذا هو المأمول مِن الجميع ، أنْ نُجسِّم أخلاقيَّات كربلاء ، وأخلاقيَّات سيِّد الشهداء ، الذي يتشدَّد في الصغيرة والكبيرة مِن المبادئ . هذا مسلم بن عقيل ، وهذا أبو الفضل العباس ، وهذا عليُّ الأكبر ، نماذج قِمَم روحيَّة في الأخلاق في كلِّ خُطواتهم ، وحتَّى في حالة اضطراب الوضع العسكري والروحي والنفسي ، لا يفقدون الأخلاقيَّات .
لاحظ شدَّة المِحنة ، وشِدَّة الزلزال والبُركان ، عندما كان مسلم بن عقيل مُهدَّداً في نفسه وفي مسيرة سيِّد الشهداء ، لكنَّه لم يتناسَ المبدأ ، فـ ( الإسلام قيّد الفتك ) ( 2 ) ! ولم يُبرِّر لنفسه بأنَّه : الآن في بُركان ، وفي هذه الحالة يدوس على المبادئ ! هذا يحتاج إلى تنمية عظيمة ؛ لكي نكون كنموذج سفير الحسين ( عليه السلام ) ، سفير هذه المدرسة . آتني بدُعاة إصلاحيِّين كهكذا نماذج ، يعيش الزلزال ولا يفقد توازنه ومبادئه وأخلاقيَّاته ! والنماذج كثيرة في كربلاء ؛ ليُخاطبوا الوجدان البشري ، فأنتم أيُّها الإصلاحيُّون إذا فُتنتم بالإصلاح والتغيير ، لا تفقدوا الأخلاقيَّات ، لا تفقدوا الشعارات ولا تفقدوا المبادئ .
إذا أردنا أنْ نلبس السواد ـ إنْ شاء الله نُوصل ركبنا بركب سيِّد الشهداء ـ يجب حين ذاك أنْ نعيش هذه الأخلاقيَّات في ظِلِّ هذا الجوِّ ؛ لكي نكون دُعاةً للمدرسة الحسينيَّة، بدل أنْ نكون مُعوِّقين .
ولا نجسد هكذا أخلاق سيِّد الشهداء ، ولا ندعو بسلوكنا القاصر إلى نهج سيِّد الشهداء ، ومجيئنا إلى المراسم الدينيَّة الحسينيَّة لإقامتها وإقامة العزاء لجذب الناس ، لا لتنفيرهم وتعكير صفو صورة سيِّد الشهداء ؛ فيجب على ذلك أنْ نكون بقدر المسؤوليَّة .
وصلَّى الله على محمد وآله الطيِّبين الطاهرين ..
ـــــــــــــــــــ
1 ـ الكافي ج 2 ص78.
2 ـ مقتل الحسين ( عليه السلام ) ص 33.
علينا تجسيد أخلاق أهل البيت ( عليهم السلام ) في عاشوراء :
- الزيارات: 3391